الأخ الشهاب الثاقب
قرأتُ موضوعًا عن كلام "جاري ملير" عن هذه السورة، وهو يتعامل معها بالضبط كتعامل أهل الجبر، الذين خالفوا عقيدة أهل السنة والجماعة، جعلني الله وإياك من أهل السنة والجماعة.
فكثير من الذين لم يُسْلِموا في البداية، كانوا مشمولين في الآيات التي تصف الكفار، وتعدهم بعذاب أليم، ولكن وصْفَهم بالكفر؛ ليس لأنَّ صفة الكفر ذاتية فيهم - بحيث لو افترضنا عدم وجود صفة الكفر فيهم؛ لكان كل واحد منهم شخص آخر تمامًا -؛ بل لأنَّهم حتى آخر لحظة في كفرهم؛ كانوا كفارًا؛ ولمَّا أسْلَمُوا؛ خروجوا من الوصف القديم، إلى وصف هو على نقيض الوصف القديم، فقد وُصِفوا بالإيمان بعد أنْ وُصِفوا بالكفر، وهذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة.
لو أنَّك استشهدت بالآية التي تتكلم عن نوح وقومه، وهي:"وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون "؛ لكان كلامك قوي أيها الأخ الكريم، فهنا الأمر واضح تمامًا.
قد يقال: إنَّ هذه الآية دليل على الجبر، وهو يعيب الإسلام!.
نقول: على عقيدة أهل السنة والجماعة، هذا ليس دليلًا على الجبر، بل هو دليل على حريتهم الكبيرة؛ التي جعلتهم في أحوال تجعل خروجهم من كفرهم غير متوقع، ونظيره أنْ يقال: هذا الرجل لا يعرف السباحة، غرق في المحيط؛ "لا شك أنَّه سيموت"؛ وقد مات حقًا، فلو كان في بيته لقدر الله له عمرًا آخر، ومن جنس هذا الموقف قال عمر وقت الطاعون بما معناه: "فروا من الطاعون"، فاعترض أحد الأشخاص:"هل نفر من قدر الله"، فقال عمر:"نفر من قدر الله إلى قدر الله".
وبالجملة، فأحوال قوم نوح كانت مقدمات، لهذه النتيجة (دوام كفرهم)؛ ونحن نعلم أنَّ المقدمات؛ بالضرورة لها نتائج، علمها من علمها وجهلها من جهلها.
المفضلات