الرد على دعوى انتشار الإسلام بحد السيف وإساءة معاملة الآخر

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات


مـواقـع شـقــيـقـة
شبكة الفرقان الإسلامية شبكة سبيل الإسلام شبكة كلمة سواء الدعوية منتديات حراس العقيدة
البشارة الإسلامية منتديات طريق الإيمان منتدى التوحيد مكتبة المهتدون
موقع الشيخ احمد ديدات تليفزيون الحقيقة شبكة برسوميات شبكة المسيح كلمة الله
غرفة الحوار الإسلامي المسيحي مكافح الشبهات شبكة الحقيقة الإسلامية موقع بشارة المسيح
شبكة البهائية فى الميزان شبكة الأحمدية فى الميزان مركز براهين شبكة ضد الإلحاد

يرجى عدم تناول موضوعات سياسية حتى لا تتعرض العضوية للحظر

 

       

         

 

 

 

    

 

الرد على دعوى انتشار الإسلام بحد السيف وإساءة معاملة الآخر

النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: الرد على دعوى انتشار الإسلام بحد السيف وإساءة معاملة الآخر

مشاهدة المواضيع

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2011
    المشاركات
    1,892
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    ذكر
    آخر نشاط
    24-05-2024
    على الساعة
    11:08 PM

    افتراضي الرد على دعوى انتشار الإسلام بحد السيف وإساءة معاملة الآخر

    بسم الله الرحمن الرحيم
    و به نستعين


    دعوى انتشار الإسلام بحد السيف وإساءة معاملة الآخر(*)
    مضمون الشبهة:
    يدعي بعض المشككين أن الإسلام انتشر بحد السيف، وأنه أساء معاملة أهل البلاد المفتوحة من اليهود والنصارى، ويستدلون على ذلك بما يلي:
    · سبق الجيوش المحاربة قوافل الدعاة، في البلاد المحاربة.
    · إجبار بعض النصارى على الدخول في الإسلام.
    · عدم قبوله للتعددية الدينية، والعمل على إقصاء الآخر.
    ويهدفون من وراء ذلك إلى اتهام الإسلام بالدموية والعنف، وأنه دين غير مقنع بذاته ومبادئه.
    وجوه إبطال الشبهة:
    1) الإسلام وضع قواعد عادلة حكيمة في التعامل مع أهل البلاد المفتوحة، يدلك على ذلك سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتاريخ الخلفاء الراشدين من بعده الذين طبقوا هذه القواعد الحكيمة بكل ما تحمله من معان، هذا فضلا عن معاملة غير المسلمين المسالمين داخل المجتمع الإسلامي.
    2) الأديان السابقة - اليهودية والنصرانية - لا تنكر القتال في كتبها، وقد حاول أهلها مرارا نشر مبادئها بالوسائل القمعية، وهذا واضح من كتبهم.
    3) الحرب في الإسلام ضرورة أو وسيلة - وليست غاية - لإزاحة الطواغيت، وإتاحة حرية الاختيار أمام الشعوب المستضعفة، وحماية الدعاة من الأذى، ومن أن يحال بينهم وبين عامة الناس.
    4) الوقائع التاريخية تشهد بأن المسلمين لم يكرهوا أحدا على الدخول في الإسلام، بل ويؤيد هذا شهادات غربية على حسن معاملة المسلمين لأهل البلاد المفتوحة.
    5) لما ضعفت شوكة المسلمين وتمكن الآخرون منهم، ظهرت العنصرية البغيضة، التي استحلت قتل الكبار والصغار والنساء، وتخريب دور العبادة، والديار العامرة، والتاريخ خير شاهد على ذلك في الأندلس وغيرها من بقاع الأرض.
    التفصيل:
    أولا. الإسلام أرسى قواعد عادلة وحكيمة في التعامل مع الآخر، يدلك على ذلك سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الغزوات، وتاريخ الخلفاء في الفتوحات، وهذا يؤكد صلاحية تشريعات هذا الدين عالميا في مقابل محدودية الأديان السابقة:
    محدودية الأديان السابقة زمانا ومكانا:
    بعث الرسل السابقون إلى أقوامهم، وأرسل الأنبياء إلى قبائلهم وعشائرهم خاصة: (ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين (25)) (هود)، (وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين (85)) (الأعراف)، (وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم (73)) (الأعراف)، (وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إن أنتم إلا مفترون (50)) (هود).
    وإلى بني إسرائيل كانت نبوة موسى - عليه السلام - والأنبياء من بعده، وقد أثر عن المسيح - عليه السلام - قوله: "بعثت إلى خراف بني إسرائيل الضالة"، والرب ينعتونه عندهم بإله إسرائيل، ويخصون بالذكر من أبناء إبراهيم - عليه السلام - ذرية يعقوب (إسرائيل) بن إسحاق دون سائر العبريين، وفي سفر الأيام من العهد القديم: "مبارك الرب إله إسرائيل من الأزل إلى الأبد"[1]، وعلى هذا كانت النبوات السابقة كلها محلية مؤقتة؛ أي محدودة الزمان والمكان.
    عالمية الإسلام وختمه رسالات السماء:
    الإسلام هو الصورة الأخيرة للوحي الأعلى، وهو كذلك الصورة العامة التي تستغرق الأجناس كلها والأجيال جميعها على وجه الأرض حتى قيام الساعة، وعلة ذلك أنه قد زود الإنسان بالوصايا الأخيرة للوحي الإلهي، وأرسى دعائم العقيدة والعبادات والمعاملات، وتضمن نصوصا حاسمة تضبط سيرة المرء وتقاليد الجماعة، وهي أسس وتوجيهات لا تختلف باختلاف العصور. أما ما خلا ذلك من شئون فموكول للعقل البشري، يمحو فيه ويثبت مسترشدا بتلك الأصول السماوية الشرعية السابقة، وإجمالا فقد حدد الإسلام المبادئ وحرر الوسائل[2].
    وعلى هذا فلئن اتفق الإسلام مع الأديان السماوية السابقة في وحدة الأديان ومصدرها الإلهي، فقد اختلف معها وامتاز عنها في كونه الدين النهائي الخاتم لجميع الأديان، وكونه دينا عاما أنزله الله على محمد - صلى الله عليه وسلم - ليقوم بتبليغه إلى الناس كافة عربا وعجما، بيضا وسودا، إنسا وجنا، وتبعا لهذا فقد تميز بالصلاحية لكل زمان ومكان، وهذا مقتضى الختم والعالمية، قال عز وجل: (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا (1)) (الفرقان)، (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون (158)) (الأعراف)، (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون (33)) (التوبة).
    ولا شك أن خاصية العالمية توجب على حملة هذا الدين إبلاغ دعوته للعالمين؛ أداء للأمانة وإقامة للحجة عليهم، فكيف كانت طبيعة هذا البلاغ؟
    طبيعة انتشار الإسلام:
    الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم - ومن ثم في نشر دعوتهم - هو السلم ما لم يطرأ ما يقيد هذا الأصل، وقد أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون أن يدعوا إلى سبيل ربهم بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن يجادلوا بالتي هي أحسن: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين (125)) (النحل)، (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا (29)) (الكهف)، (فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين (82)) (النحل)، (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم (256)) (البقرة)، (لكم دينكم ولي دين (6)) (الكافرون).
    وقد سار النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحبه على هذا النهج في دعوتهم، واستمسكوا بهذا الهدي، وأحداث التاريخ تبرهن عمليا - بوضوح - على هذا، فحينما بدأ الرسول - صلى الله عليه وسلم - دعوته بمكة وحيدا، لا قوة تسنده ولا مال يعينه، دخل في دعوته مجموعة من وجوه الناس: كأبي بكر وعثمان وسعد بن أبي وقاص وطلحة والزبير، ثم لحقهم عمر بن الخطاب وحمزة بن عبد المطلب رضي الله عنهم، فهل يمكن القول بأن هؤلاء في تلك الظروف قد أكرهوا على اعتناق الإسلام تحت حد السيف؟!
    بل إن مشركي قريش قد اضطهدوا المسلمين طيلة الفترة المكية اضطهادا قاسيا، فهؤلاء إذن - على حد قول العقاد في كتابه "عبقرية محمد" - هم من تعرضوا بإسلامهم لحد السيف، وليس العكس، أي أنهم لم يخضعوا أحدا للسيف ليسلم.
    وهنا تحدث المفارقة الدالة، ففي الوقت الذي كان المسلمون فيه بمكة مستضعفين، كان بعض رجالات يثرب يسعون نحو الدعوة المطاردة ونبيها - المحاصر من المشركين، المعاند بكل وسيلة من قبلهم -فيعتنقونها ويتبعونه، ويجذبون نحو عقيدتهم الجديدة أهلهم وذويهم. فمن أكره هؤلاء السادة الأحرار على اعتناق هذه العقيدة؟!
    الإذن بالقتال ومراحله:
    يذكر التاريخ أن المسلمين قبل الهجرة لم يؤذن لهم بقتال ودفاع عن النفس، مع كل صنوف الأذى والعذاب التي نزلت بهم، وكانوا كلما همت نفوسهم لرد الظلم وتطلعوا للقصاص من الظالمين، دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم، بل أمرهم بالاستمساك بالصبر وانتظار أمر الله مذكرا أنه لم يؤمر بقتال، فلما أسرف أهل الكفر في عنادهم ولجوا[3] في طغيانهم، وألجئوا المسلمين إلى الهجرة مفارقين الولد والأهل والمال والوطن، ثم تابعوا تدبير المؤامرات، ووضع الخطط للقضاء على الدعوة في مهجرها، وعلى الدولة الوليدة الناشئة في مهدها - عندئذ شرع القتال للدفاع عن النفس، والذود عن الحياض والذب عن الحرمات. قال عز وجل: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير (39)) (الحج).
    وعند إمعان النظر في هذه الآية يستشعر المتأمل أن الإسلام لم يرغب في القتال كغاية في حد ذاته؛ فقد بني الفعل "أذن" للمجهول لكيلا يقترن الإذن بالقتال بلفظ الجلالة مباشرة عند بنائه للمعلوم، وحذف أيضا نائب الفاعل المأذون به، وهو لفظة القتال حتى لا يذكر صراحة، وذكر بدلا منه سبب الإذن "بأنهم ظلموا" وفسرت المظلومية في الآية التالية: (الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز (40))(الحج). ثم نزلت آية أخرى أكثر صراحة في الإذن بالقتال وهي قوله عز وجل: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين (190))(البقرة).
    وألح القرآن من جديد على تحريم الحرب العدوانية، فحرم على المسلمين محاربة من لم يحاربهم ولم يعتد عليهم: (إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا (90)) (النساء).
    وحتى لا تبقى زيادة لمستزيد - على حد قول المفكر الألماني المسلم مراد هوفمان - نجد القرآن يستوصي خيرا بالمسالمين للمسلمين من غيرهم: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين (8)) (الممتحنة)، هذا هو السياق الطبيعي الحقيقي للآيات المذكورة، الذي يبتر عند المغالطين، وتستل منه هذه الآيات وأشباهها لتستنطق بغير ما تنطق به فعلا[4].
    ومع كل هذه الضجة حول رفعه - صلى الله عليه وسلم - السيف وخوضه الغزوات، فإن المتأمل للآثار الناجمة عن هذا القتال وأعداد ضحاياه يتبين مدى ضآلة هذه الآثار قياسا إلى الحروب الطاحنة في تاريخ الأديان الأخرى وهذا ما يوضحه الجدول الآتي:



    حقا لم تعرف البشرية في تاريخها حامل سيف أعف من محمد صلى الله عليه وسلم، ما غضب لنفسه قط، وما غضب إلا لله وحده، وما استعمل السيف إلا في حينه:
    قالوا غزوت، ورسل الله ما بعثوا
    بقتل نفس ولا جاءوا بسفك دم
    جهل وتضليل أحلام وسفسطة
    فتحت بالسيف بعد الفتح بالقلم
    هذه المفارقة الواضحة بين حقيقة استعمال السيف في الإسلام، وبين ادعاءات المغرضين، هي ما دعت أحد الباحثين إلى أن يقول: إن الشيء الذي يغيظ أعداء الحقيقة هو أن الإسلام زودته العناية الإلهية بتعاليم تجعله صلب المكسر، لا يستطيع الباطل أن يجتاحه بسهولة، ولا أن ينال منه بيسر، بل نستطيع أن نقول: لقد كان هذا الباطل يزأر في عرصات[6] الدنيا دون تهيب، ويزعج الآمنين في كل قطر دون وجل[7]، فلما ظهر الإسلام واشتبك الباطل معه - على عادته - عاد من هجومه مقصوم الظهر مخضوب الكف، فراح يجأر بالشكوى أن الإسلام دين سيف، وأن الحكم في رحابه جعله صلب العود. نعم هو كذلك، وما عيب السيف إذا رد المعتدين؟ وما عيب الصلابة في الحق إذا استعصت على الفتانين؟! إن السؤال الذي يجب أن تتحدد الإجابة عنه هو: هل كان الحكم في الإسلام أساسا لفتنة غير المسلمين عن دينهم؟ هل كانت الدولة في خدمة الدعوة من حيث استغلال أجهزتها للفتنة والإعنات[8]؟!
    كتب النبي ورسائله إلى الأمراء والملوك:
    ومع ذلك فقد استغل الرسول - صلى الله عليه وسلم - هدنة صلح الحديبية ليعود بأمر الدعوة إلى أصله - وهو السلم -، فراسل زعماء الأرض، وأرسل الكتب والرسائل، ولم يبعث الجيوش والكتائب ابتداء، والمعروف أن الإسلام قد بعث أمة العرب بعثا، فقبله لم تكن هناك أمة عربية ذات لحمة متماسكة، بل قبائل عربية متنازعة، هان أمرها على نفسها فهانت على القوى الكبيرة في العالم آنذاك كفارس والروم؛ فلم يقيموا لها حسابا، فلما جاءها الإسلام ودانت غالبيتها به، وتأسست دولة قوية وحدت ديارها داخل شبه الجزيرة، وفوجئ كسرى وقيصر بجرأة النبي - صلى الله عليه وسلم - وإقدامه على مراسلتهما - مع غيرهما من الزعماء والملوك - يدعوهما للدخول في دينه ومعهما قومهما، استشعرا لأول مرة الخطر من جهة بلاد العرب.
    وعلى الرغم من أن مضامين هذه الرسائل قد صيغت بمنتهى الحكمة واللين، فالرسول فيها سمح يدعو ولا يتهدد، ويتلطف ولا يتوعد، ويخاطب من وجهت إليهم بألقابهم مقرا بسلطانهم في ظل الإسلام، كما يتضح من بعض نصوصها ككتابه إلى كسرى بلاد فارس وفيه: "بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم الفرس، سلام على من اتبع الهدى، وآمن بالله ورسوله، أدعوك بدعوة الله، فإني رسول الله إلى الناس كافة؛ لأنذر من كان حيا، وليحق القول على الكافرين. أسلم تسلم، فإن أبيت فعليك إثم كل المجوس".
    ورسالته للمقوقس بمصر: "من محمد رسول الله إلى المقوقس عظيم القبط، سلام على من اتبع الهدى. أما بعد فإني أدعوك للإسلام، فأسلم تسلم، وإن يسلم قومك يؤتك الله أجرك مرتين: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون (64)) (آل عمران)"[9].
    وعلى الرغم كذلك من سماحة الخطاب ووقار الكتاب - نقول: على الرغم مما سبق كله فإن ردود الفعل على هذه المراسلات قد جاءت متباينة؛ فمنهم من رد ردا حسنا وآمن كملوك اليمن وعمان، ومنهم من تلطف في الرد وتوقف في الإيمان كالمقوقس بمصر، والنجاشي في الحبشة - في بعض الروايات - ولهذا لم يتعرض المسلمون لهما ابتداء - تعرضوا لمصر بعد ذلك؛ لأن الروم تجيشت بها بعد فتح الشام وهددت مكانة المسلمين فيها - ولو كان المقصود نشر الإسلام بالقوة لهاجموا بلاد الحبشة؛ فهي أقرب إليهم، وأقل قوة من فارس والروم، ومنهم من أغلظ في الرد ومزق كتاب رسول الله، فدعا عليه بتمزيق ملكه، فحدث ذلك على يد الفاتحين المسلمين بعد سنوات، وهو كسرى فارس، ومنهم من زاد فقتل رسول رسول الله، وهو أمير غساني موال للروم.
    إذن فقد جاهر الصنفان الأخيران بالعداوة، وصارا طواغيت أعاقت انتشار الدعوة سلما، فكان لا بد أن يتقيد الأصل مرة أخرى - وهو السلم - ليرتفع السيف، لا لإجبار الناس على قبول الدعوة، ولكن لإزاحة العوائق من مجرى نهر الدعوة؛ لينساب انسيابا طبيعيا، وتختار الشعوب المستضعفة لنفسها دون خوف تحت شعار "لا إكراه في الدين".
    الجهاد زمن الراشدين:
    من هنا استؤنف الجهاد وانطلقت موجة الفتح الإسلامي زمن الراشدين نحو جبهتي فارس والروم، اللتين اتخذتا خطوات عملية في سبيل القضاء على الدعوة الإسلامية والدولة الوليدة، ففي السنة السادسة للهجرة أسلم عامل الروم في عمان، فحاول الروم حمله على الارتداد، فلما أبى سجنوه ثم صلبوه.
    وكانت تجمعات الروم تجول على حدود دولة المسلمين بشكل مستمر، والمسلمون يتوقعون هجومها في أية لحظة، يؤكد ذلك أن صحابيا طرق باب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وهو نائم ذات ليلة فهب من نومه مذعورا وهو يهتف: أجاءت غسان؟! - حلفاء الروم - وكذلك تحرش بهم الفرس.
    على أن هذه الحروب لم تكن ضد الشعوب وإنما ضد الطواغيت من القياصرة والأكاسرة وجيوشهم، وحين أزيحت هذه الحواجز فكرت هذه الشعوب في الإسلام وأقبلت عليه تتفيأ[10] ظلال الحرية في كنفه[11]؛ فحركة الفكر الإسلامي إذن كانت بمثابة حركة تحرير لصالح الشعوب المستعمرة المستضعفة، كما قال رسول جيش المسلمين لرستم قائد جيوش الفرس في معركة القادسية: "لقد من الله علينا برسول جاءنا بدين أخرجنا به من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة"[12].
    كانت هذه إذن هي الدوافع النبيلة والمقاصد السامية لحركة الفتح الإسلامي في الأعم الأغلب من فتوحات المسلمين عبر التاريخ، والاستثناء البسيط من تلك القاعدة يؤكدها ولا يلغيها، قارنها بدوافع أية موجة استعمار - استدمار واستخراب على الحقيقة - واحتلال وغزو عبر التاريخ لتقف على البون الشاسع والجهة المنفكة بين الحالتين: الفتح من ناحية، والاحتلال والاستعمار والغزو من ناحية أخرى.
    سلوك المسلمين العملي وطبيعة جهادهم:
    على أية حال، اندفعت حركة الفتح بهذه الدوافع، فكيف كان سلوك الفاتحين وممارساتهم خلالها؟
    المعروف أن أخلاق الحرب في الإسلام والتي طبقها الفاتحون على أرض الواقع كانت ألا يقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا ولا امرأة، وألا يتعرضوا لـمهادن أو رجل دين مسالم، وألا يحرقوا زرعا أو يقطعوا نخلا، وأن يدعوا الخصوم قبل مصارعتهم إلى إحدى ثلاث: الإسلام أو الجزية أو القتال، فإن مالوا للمسالمة قبل المسلمون منهم ذلك، ويؤكد ذلك قوله تعالى: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم (61)) (الأنفال)، وقوله: (فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا (90)) (النساء).
    وبناء على هذا لم يثبت في حقهم تاريخيا أنهم ارتكبوا جرائم إبادة جماعية أو تطهير عرقي، على عكس ما نضح به سلوك الآخرين تجاه المسلمين حين تمكنوا منهم ــ بدءا بمذابح بيت المقدس ومعرة النعمان زمن الصليبيين، وانتهاء بالبوسنة وكوسوفا وفلسطين في الآونة المعاصرة، مرورا بالأندلس وغيرها ــ بل لم يثبت في حقهم محاولة إحراق مكتبة أو إهدار تراث ما.
    والمرة الوحيدة التي حاول فيها الشانئون[13] إلصاق تهمة إحراق مكتبة الإسكندرية القديمة بالفاتحين المسلمين وقائدهم عمرو بن العاص رضي الله عنه، أثبت المنصفون من المستشرقين بالأدلة والبراهين أنها أحرقت على يد الرومان قبل الفتح الإسلامي بقرنين من الزمان، في حين أشرف الكاردينال "كسيمنس" على إحراق كل ما دون بالعربية من التراث الأندلسي - وهو جله - في ساحات غرناطة، وأمر صنجيل الصليبي بإحراق كتب دار العلم بطرابلس، وكانت أكثر من مائة ألف مجلد، وغير هذا كثير من الوقائع مما هو أظهر من أن يشار إليه.
    فليست هذه الفعال حقا من طبائع المسلمين، إذ إن مبادئ دينهم تمنعهم من ذلك، بل تحضهم على عكسه: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون (8)) (المائدة)، وصدق القائل مخاطبا غير المسلمين من المحتلين والمستعمرين والغزاة، ومعقبا على سلوكهم المناقض لهذه الأخلاقيات، عندما تعلو يدهم، حين قال:
    ملكنا فكان العفو منا سجية
    فلما ملكتم سال بالدم أبطح
    فحسبكم هذا التفاوت بيننا
    وكل إناء بالذي فيه ينضح

    (*) المسيحية والإسلام والاستشراق، محمد فاروق الزين، دار الفكر، دمشق، ط3، 2003م. تاريخ الشعوب العربية، ألبرت حوراني، الهيئة العامة المصرية للكتاب، القاهرة، 1997م. محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتيين دينيه (سليمان الجزائري)، ترجمة: عبد الحليم محمود، دار المعارف، القاهرة، ط3، 1986م. التبشير العالمي ضد الإسلام، د. عبد العظيم المطعني، مكتبة النور، القاهرة، 1413هــ / 1992م. بين الإسلام والمسيحية، أبو عبيدة الخزرجي، تحقيق: محمد عبد الغني شامة، مكتبة وهبة، القاهرة، ط2، 1975م. الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة، القرافي. اليسار الإسلامي وتطاولاته المفضوحة على الله والرسول والصحابة، د. إبراهيم عوض، مكتبة زهراء الشرق، القاهرة، 1420هـ/2000م. قضايا إسلامية: مناقشات وردود، محمد رجب البيومي، الوفاء للطباعة، مصر، 1984م. المستشرقون والقرآن، إسماعيل سالم عبد العال، رابطة العالم الإسلامي، مكة المكرمة، 1410هـ/ 1990م. القرآن والرسول ومقولات ظالمة، عبد الصبور مرزوق، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، 2002م. آثار الحرب في الفقه الإسلامي: دراسة مقارنة، د. وهبة الزحيلي، دار الفكر، دمشق، 1998م. التعصب الصليبي، عمر عبد العزيز قريشي، دار الاستقامة، القاهرة، 1996م. المستشرقون والإسلام، محمد قطب، مكتبة وهبة، مصر، ط1، 1420هـ/ 1999م. صورة الإسلام في الإعلام الغربي، محمد بشارى، دار الفكر، دمشق، 2004م. الغرب والإسلام: أين الخطأ وأين الصواب، محمد عمارة، مكتبة الشروق الدولية، القاهرة، ط1، 1424هـ/ 2004م. قصة الحضارة، ول ديورانت، ترجمة محمد بدران، دار الجيل، بيروت، 1418هـ. الإسلام دين عام خالد: تحليل دقيق لمبادئ الإسلام، محمد فريد وجدي، مجلة الأزهر، القاهرة، 1426هـ. القدس مدينة واحدة وعقائد ثلاث، كارين أرمسترونج، دار الكتب المصرية، القاهرة، 1998م. الإسلام بين الحقيقة والادعاء، مجموعة علماء، الشركة المتحدة للطباعة والنشر، مصر، 1996م. الإرهاب صناعة غير إسلامية، نبيل لوقا بباوي، دار البباوي للنشر، القاهرة، 2002م. الإسلام في تصورات الغرب، د. محمود حمدي زقزوق، مكتبة وهبة، القاهرة، 1987م. بنو إسرائيل من التاريخ القديم وحتى الوقت الحاضر، محمد الحسيني إسماعيل، مكتبة وهبة، القاهرة، 2002م. رد مفتريات على الإسلام، عبد الجليل شلبي، دار القلم، الكويت، 1402هـ/ 1982م. الإسلام وأوربا: تعايش أم مجابهة، إنجي كارلسون، مكتبة الشروق الدولية، القاهرة، 2003م. الإسقاط في مناهج المستشرقين والمبشرين، د. شوقي أبو خليل، دار الفكر المعاصر، بيروت، ط2، 1419هـ. الإسلام الأصولي في وسائل الإعلام العربية من وجهة أمريكية، برنارد لويس، دار الجيل، 1994م. الإسلام والحرب في الشريعة الإسلامية، محمود محمد طنطاوي، 1996م. الإسلام في قفص الاتهام، د. شوقي أبو خليل، دار الفكر المعاصر، بيروت، دار الفكر، دمشق، ط6، 1425هـ/ 2004م. سر المؤامرة الكبرى، محمد عبد الحليم عبد الفتاح. ظلام من الغرب، محمد الغزالي، نهضة مصر، القاهرة، 2003م. حقائق الإسلام وأباطيل خصومه، عباس محمود العقاد، مطبعة مصر، القاهرة، 1376هـ/ 1957م. هيمنة القرآن المجيد على ما جاء في العهد القديم والجديد، مها محمد فريد عقل، 2002م.
    [1]. عالمية الإسلام، رجائي عطية، مركز الأهرام للترجمة والنشر، مصر، ط2، 1424هـ/ 2003م، ص12، 13.
    [2]. مائة سؤال عن الإسلام، محمد الغزالي، نهضة مصر، القاهرة، ط2، 2004م، ص9.
    [3]. لجوا: صاحوا واختلطت أصواتهم.
    [4]. الإسلام كبديل، مراد هوفمان، مؤسسة بافاريا، ألمانيا، ط1، 1993م، ص233.
    [5]. حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين، د. حمدي زقزوق، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وزارة الأوقاف، القاهرة، ط4، 1427هـ/ 2006م، ص440.
    [6]. العرصات: جمع عرصة، وهي الموضع الواسع الذي لا بناء فيه، أو وسط الدار، والمقصود من عبارة "يزأر في عرصات الدنيا دون تهيب": أي يعيث فسادا فيها.
    [7]. الوجل: الخوف.
    [8]. سماحة الإسلام، د. عمر قريشي، مكتبة الأديب، الرياض، ط1، 2003م، ص181، 182.
    [9]. صبح الأعشى، القلقشندي، تحقيق: يوسف علي الطويل، دار الفكر، دمشق، ط1، 1987م، ج6، ص364.
    [10]. تتفيأ: تستظل.
    [11]. الكنف: الناحية أو الظل.
    [12]. موسوعة التاريخ الإسلامي، د. أحمد شلبي، النهضة المصرية، القاهرة، ط13، ج1، ص456 وما بعدها. روح الإسلام، عطية الإبراشي، الهيئة المصرية العامة للكناب، القاهرة، 2003م، ص110 وما بعدها.
    [13]. الشانئون: الحاقدون.


    يُتبع
    التعديل الأخير تم بواسطة الشهاب الثاقب. ; 09-01-2014 الساعة 01:10 AM
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    هل الله يُعذب نفسه لنفسههل الله يفتدى بنفسه لنفسههل الله هو الوالد وفى نفس الوقت المولوديعنى ولد نفسه سُبحان الله تعالى عما يقولون ويصفون

    راجع الموضوع التالي


الرد على دعوى انتشار الإسلام بحد السيف وإساءة معاملة الآخر

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. الرد القاطع على شبهة انتشار الإسلام بالسيف
    بواسطة عبدالمعز في المنتدى الرد على الأباطيل
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 19-11-2010, 10:19 PM
  2. انتشار المسيحية بحد السيف
    بواسطة محمد مصطفى في المنتدى حقائق حول التوحيد و التثليث
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 11-05-2010, 08:00 PM
  3. الرد على شبهة انتشار الإسلام بالإكراه
    بواسطة المسلم الناصح في المنتدى الذب عن الأنبياء و الرسل
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 15-09-2007, 10:43 PM
  4. كتاب انتشار الإسلام بحد السيف
    بواسطة حاشجيات في المنتدى منتدى الكتب
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 15-09-2007, 03:29 AM
  5. الرد على شبهه انتشار الاسلام بحد السيف
    بواسطة عماد حمدى في المنتدى شبهات حول السيرة والأحاديث والسنة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 19-02-2007, 12:07 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

الرد على دعوى انتشار الإسلام بحد السيف وإساءة معاملة الآخر

الرد على دعوى انتشار الإسلام بحد السيف وإساءة معاملة الآخر