المبحث الخامس (5-4-4):- التلاميذ لم يوافقوا على التحلل من بعض الناموس

بعد أن عرفنا أعلاه أن تيطس يوستس هو نفسه تيطس الذى ذكره بولس فى رسائله وبعد أن عرفنا بالأدلة أن تيطس فى رسائل بولس كان فى الحقيقية من بنى اسرائيل ولكنه لا يتبع اسلوب الحياة اليهودية ولم يختن

فان هذا يوضح لنا زيف النصوص التي تزعم موافقة التلاميذ على تحلل الأمم من الناموس لأن :-

1- لم يكن هناك أمميين أمنوا أصلا حتى يوافقوا على تحللهم من الناموس

سفر أعمال الرسل يخبرنا أن بولس ظل يكرز بين الأمم حتى النهاية
بدليل أنه فى الاصحاح 18( 18 :6 ) هدد (اليهود واليونانيين) بالذهاب الى الأمم ولكنه تراجع بعد ذلك عن تهديده
بينما قصة ذهابه وبرنابا الى أورشليم وموافقة التلاميذ على تحلل الأمم من الناموس كانت فى الاصحاح 15
مما يؤكد أنها قصة مزيفة تم الزج بها على نصوص سفر أعمال الرسل
وهذا ان شاء الله سوف أوضحه بأدلة أكثر عند تحليل سفر أعمال الرسل

فقد كان النقاش والخلاف حول بنى اسرائيل الذين تشبهوا باليونانيين وكان اليهود المتدينون يطلقون عليهم مسمى (يونانيين)
ولكن حتى هؤلاء لم يوافق التلاميذ على تحللهم من الناموس
ولكن كاتب رسالة غلاطية حاول ايهام الناس بذلك عن طريق الزعم بأن تيطس كان معه عند ذهابه الى أورشليم ولم يعترض أحد على عدم ختانه
(غلاطية 2 :1، 2 :3)
و تيطس هذا كان فى الأصل من بنى اسرائيل
فالنزاع الأصلي لم يكن على الأمم ولكن كان على اتباع اليهود المتأغرقين (الهيلنيين) للناموس

2- التناقض فى توقيت تعرف بولس على تيطس

يتكلم كاتب رسالة غلاطية فى الاصحاح الثاني عن الاجتماع الذى حدث بين بولس وبرنابا وبين التلاميذ فى أورشليم
وهو الاجتماع المشار اليه فى سفر أعمال الرسل الاصحاح 15

فنقرأ من تفسير القس أنطونيوس فكرى :-
(غل 1:2: ”ثم بعد أربع عشرة سنة صعدت أيضًا إلى أورشليم مع برنابا آخذًا معي تيطس أيضًا”.ثم بعد أربع عشرة سنة: غالبًا من تاريخ رؤياه وإيمانه بالمسيحية.صعدت أيضًا إلى أورشليم:هذه الزيارة تقابل ما ورد في أع 15 (مجمع أورشليم).)
انتهى




و كاتب رسالة غلاطية وهو يتكلم عن اجتماع أورشليم فيزعم أن تيطس الغير مختون ذهب مع بولس وبرنابا الى أورشليم وأن التلاميذ لم يلزموه بأن يختن ثم بعد ذلك حدث الخلاف بين بولس وبين التلاميذ (ومنهم برنابا)
ولكن فى سفر أعمال الرسل يخبرنا أن الخلاف حدث بين بولس وبرنابا وانهما انفصلا (أعمال 15 :37 الى 15 :39 )
ثم بعد ذلك تعرف بولس على تيطس فى (أعمال 18 :7)

ومن هنا يتضح الآتي :-
أ- التلاميذ لم يتعاملوا مع تيطس الغير مختون :-


كذب كاتب رسالة غلاطية عندما حاول نشر الاشاعات على التلاميذ (الحواريين) وايهام الناس بأنهم منافقين يفعلون شئ (وهو تعاملهم مع تيطس الغير مختون وقبولهم به وموافقتهم فى البداية على التحلل من الناموس)
ثم يقولون شئ أخر وهو ضرورة الختان
فالتلاميذ لم يقابلوا تيطس أصلا لأن بولس تعرف عليه بعد خلافه مع برنابا وفعل كاتب الرسالة ذلك بسبب اختلاف تعاليمه بشكل كلى عن تعاليم التلاميذ (الحواريين)

ب- بطرس لم يأكل مع أمميين ولم يوجه له بولس اللوم لأن بطرس وقتها كان فى أورشليم وليس فى أنطاكية :-


كاتب رسالة غلاطية كذب عندما زعم أن بولس وجه لوم الى بطرس عندما كانوا فى أنطاكية وأكل بطرس مع أشخاص غير مختونين هناك
(غلاطية 2 :11 الى 2 :13 )
لأن بطرس طبقا لسفر أعمال الرسل لم يكن فى أنطاكية أصلا عندما وقع الخلاف بين بولس وبرنابا ولكنه كان فى أورشليم (أعمال 15 :2 ، 15 :7، 15 :25 الى 15 :41 )
مما يعنى أن التلاميذ قالوا شئ معين ولكن عندما ذهب بولس وبرنابا الى هناك قام بولس بنشر تعاليم مخالفة مما أغضب برنابا وتركه (راجع الاصحاح 15 من سفر أعمال الرسل )


3- التلاميذ لم يرسلوا رسائل للتحلل من الناموس

أ- القصة فى سفر أعمال الرسل تزعم أن التلاميذ بعثوا رسائل تسمح بتحلل الأمميين من الناموس بينما فى رسالة غلاطية لم يحدث ذلك :-


فنقرأ من سفر أعمال الرسل :-
15 :22 حينئذ راى الرسل و المشايخ مع كل الكنيسة ان يختاروا رجلين منهم فيرسلوهما الى انطاكية مع بولس و برنابا يهوذا الملقب برسابا و سيلا رجلين متقدمين في الاخوة
15 :23 (( و كتبوا بايديهم )) هكذا الرسل و المشايخ و الاخوة يهدون سلاما الى الاخوة الذين من الامم في انطاكية و سورية و كيليكية

ثم نقرأ :-
15 :27 فقد ارسلنا يهوذا و سيلا و هما يخبرانكم بنفس الامور شفاها
15 :28 لانه قد راى الروح القدس و نحن ان لا نضع عليكم ثقلا اكثر غير هذه الاشياء الواجبة
15 :29 ان تمتنعوا عما ذبح للاصنام و عن الدم و المخنوق و الزنى التي ان حفظتم انفسكم منها فنعما تفعلون كونوا معافين

ولكن عندما نقرأ رسالة غلاطية نكتشف أن قصة رسالة التحلل من الناموس التي أرسلها التلاميذ من أورشليم لم تحدث لأن الكاتب يقول أن موافقة التلاميذ على التحلل من الناموس كان فى اجتماع على انفراد أي لم يعلم به أحد (غلاطية 2 :2 )

فنقرأ من رسالة غلاطية :-
2 :1 ثم بعد اربع عشرة سنة صعدت ايضا الى اورشليم مع برنابا اخذا معي تيطس ايضا
2 :2 و انما صعدت بموجب اعلان و عرضت عليهم الانجيل الذي اكرز به بين الامم (( و لكن بالانفراد على المعتبرين )) لئلا اكون اسعى او قد سعيت باطلا
2 :3 لكن لم يضطر و لا تيطس الذي كان معي و هو يوناني ان يختتن
2 :4 و لكن بسبب الاخوة الكذبة المدخلين خفية الذين دخلوا اختلاسا ليتجسسوا حريتنا التي لنا في المسيح كي يستعبدونا
2 :5 الذين لم نذعن لهم بالخضوع و لا ساعة ليبقى عندكم حق الانجيل

يقول أن هذا الاجتماع كان (بالانفراد مع المعتبرين )
أي لم يكون عام ولا معروف ولكن كان فى الخفاء مما يعنى عدم وجود شهود على هذا الاجتماع
والسبب الأكيد لقوله هذا أنه لم يسمع أحد قبل ذلك عن هذا الاجتماع المزعوم أصلا لذلك حاول اقناع الناس بحدوثه زاعما أنه كان فى الخفاء وهذا يؤكد عدم وجود تلك الرسائل المزعومة عن موافقة التلاميذ للتحلل من الناموس لأي أحد
بل انه من الواضح أنهم بعثوا برسائل تحذرهم من هذه التعاليم لأنه هناك محاولة واضحة فى رسالة غلاطية باعطاء القداسة على تلك الأفكار وأنها ليست من انسان ولكنها من يسوع (الذى لم يقابله )

فنقرأ من رسالة غلاطية :-
1 :1 بولس رسول لا من الناس و لا بانسان بل بيسوع المسيح و الله الاب الذي اقامه من الاموات
وأيضا :-
1 :11 و اعرفكم ايها الاخوة الانجيل الذي بشرت به انه ليس بحسب انسان
1 :12 لاني لم اقبله من عند انسان و لا علمته بل باعلان يسوع المسيح
وأيضا :-
1 :15 و لكن لما سر الله الذي افرزني من بطن امي و دعاني بنعمته
1 :16 ان يعلن ابنه في لابشر به بين الامم للوقت لم استشر لحما و دما
1 :17 و لا صعدت الى اورشليم الى الرسل الذين قبلي بل انطلقت الى العربية ثم رجعت ايضا الى دمشق

ب- لم يشير أبدا فى رسالة غلاطية بأن التلاميذ أرسلوا رسائل لأي منطقة تفيد بالتحلل من الناموس :-


ولم يشير أبدا بأن التلاميذ بعثوا بتلك الرسائل الى أي أحد
وأصلا لو كانت هذه الرسائل موجودة وحدثت ما كان الكاتب كتب رسالة غلاطية ليشكك فى التلاميذ لأنه كان سيكون لديه دليل على موافقتهم وما كان قال فى رسالة غلاطية :-
1 :20 و الذي اكتب به اليكم هوذا قدام الله اني لست اكذب فيه

هذا يؤكد أنه لم يكن لديه أي دليل على صحة أقواله التي زعمها على نفسه وعلى التلاميذ ولا على الاجتماع فى أورشليم أي لا وجود لرسائل التحلل من الناموس المزعومة فى سفر أعمال الرسل

ج- مطالبة أهالي كورنثوس برسالة توصية يعنى تشككهم فى تلك التعاليم وعدم وجود رسائل من التلاميذ بالتحلل من الناموس وتأييد تعاليم بولس :-


الرسالتين الى كورنثوس ورسالة غلاطية كانت بعد اجتماع أورشليم المشار اليه فى سفر أعمال الرسل 15

فنقرأ من موقع الأنبا تكلا :-
(سفره الثالث إلى أورشليم مع برنابا و تيطس، تسوية الخصام، الاتفاق بين اليهود والأمم المؤمنين، رجوع بولس إلى أنطاكية (1ع 15). مباحثته مع بطرس وبرنابا بسبب مرقس 50 ب.م. ……الخ ثم نقرأ :-بقاؤه ثلاث سنين في افسس، كتابته رسالة غلاطية والرسالتين الأولى والثانية إلى أهل كورنثوس (سنة 56 أو 57))
انتهى

أي أنه من المفروض طبقا لسفر أعمال الرسل أن التلاميذ وافقوا فى اجتماع أورشليم على التحلل من الناموس وتم ارسال رسالة بذلك ولكن مع ذلك نقرأ من رسالة كورنثوس الثانية (والتي تم كتابتها بعد اجتماع أورشليم طبقا لموقع الأنبا تكلا ) ما يدل على أن أهل كورنثوس طلبوا من بولس رسالة توصية من التلاميذ ، ومن الواضح أنه لم يستطيع احضار تلك الرسالة

فنقرأ من رسالة كورنثوس الثانية :-
3 :1 افنبتدئ نمدح انفسنا ام لعلنا نحتاج كقوم رسائل توصية اليكم او رسائل توصية منكم
3 :2 انتم رسالتنا مكتوبة في قلوبنا معروفة و مقروءة من جميع الناس

فنقرأ من تفسير القس أنطونيوس فكرى :-
(حينما ذكر أن هناك كثيرين يغشون كلمة الله وهو ليس منهم (آخر آية في الإصحاح السابق)، بل هؤلاء الغشاشين لكي يضللوا الكورنثيين طلبوا أن يأتي بولس الرسول برسائل توصية (غالباً توصية من التلاميذ الإثني عشر) لأنه ليس برسول من الرسل. وهنا إضطر الرسول أن يخرج عن الموضوع ليرد على هذه النقطة، فهو لا يمدح نفسه ولا هو محتاج لرسائل توصية كالرسل الكذبة)
انتهى

وهذا يدل على عدم وجود رسالة من التلاميذ بالتحلل من الناموس المذكورة فى أعمال الرسل 15 والا كان أحضرها لهم أو ما كانوا طالبوا بها فى الأصل

4- محاولة تشويه صورة التلاميذ لأنهم لم يوافقوا أبدا على التحلل من الناموس والتعاليم الموجودة فى الرسائل المنسوبة الى بولس

عمد كاتب الرسائل المنسوبة الى بولس الى تشويه صورة التلاميذ ونشر الاشاعات الكاذبة عنهم تارة كما فى(غلاطية 2 :11 الى 2 :13 )، وتارة أخرى الادعاء بأن من يذهب الى الناس ليسوا رسل المسيح عليه الصلاة والسلام ولكنهم متشبهين بهم (الرسالة الثانية الى كورنثوس 11 :13 ، 11 :14 )

وهذا يعنى أن قصة ارسال التلاميذ رسلا برسالة منهم الى الناس لتأييد بولس لم تحدث فكان الأمر مجرد اشاعات ، لأن بولس لم يستطيع أبدا أن يثبت موافقة التلاميذ على معتقداته فهو دائما يعتمد على الرسائل والكلمات فقط وأصلا كان هو الذى يبعث الرسائل بخصوص ما ذبح للأصنام (الرسالة الأولى الى كورنثوس 8 :1 الى 8 :13 )