موضوع المشيئة والذي تطرقتْ له الضيفة الفاضلة وتركت الموضوع الأصلي وهو المحبة

كنت أفكر بماذا ستكون البداية فوجدت الجملة التي كتبتها في المشاركة السابقة
(( بالنسبة لموضوع المشيئة لي عودة بإذن الله ))

وهذه الجملة الجميلة وجدتها عند الضيفة الفاضلة حين قالت
((انا مستمره فى الحوار بإذن الرب))

ما هذا التناغم العجيب بيني وبين الضيفة؟ صدقوني لم أقرأ جملتها إلا بعد أن كتبت المقدمة ثم لما ذهبت أقرأ ما تقول في المشيئة وإذ بي أرى هذا الكلام الجميل

إذا أنا والضيفة متفقان أنه ما من ورقة تسقط على الأرض إلا بمشيئة الله، وأني أنا وهي لن نقدر على كتابة المشاركات إلا بمشيئة الله، أحسنتِ

قبل أن أبدأ بالتفصيل في هذا الموضوع وتوضيح مشيئة الله ومشيئة الإنسان، هناك قصة لطيفة خفيفة سأرويها لكم - إن شاء الله -
سافر مسلم وملحد على الطيّارة، وكانت وجهتهما إلى لندن، ولما اقتربت الطيارة وبدأ عدد الأقدام يتقلص سأل الملحد المسلم: كم بقي على الهبوط ؟
فقال المسلم : خمس دقائق إن شاء الله.
فقال الملحد : لماذا تقول إن شاء الله وهذه الأرض تحت أقدامنا وقد اقتربنا ونحن سنصل بمشيئتنا.
فلم يرد المسلم عليه
وفجأة أعلن الكابتن أن الأوضاع الجوية في لندن لا تسمح له بالهبوط وقرر الهبوط في باريس
فأراد المسلم أن يداعب الملحد : كم بقي على الهبوط إلى باريس
فقال الملحد : خمس دقائق إن شاء الله

نعود إلى موضوعنا
هناك طائفتان ضلتا الطريق وهما "الجبرية" و"القدرية"

الجبرية قالت : إن الإنسان مسير ليس له مشيئة أبدا وإنه مثل الريشة التي تحركها الرياح أينما شاءت وهذا الكلام ينافي العقل قب الشرع لأن الإنسان يشعر بمشيئته الخاصة

القدرية قالت : إن الإنسان هو خالق أفعاله وأنكروا القدر وأنكروا مشيئة الله في أفعال الناس

والصحيح هو أن لله مشيئة مطلقة وللإنسان مشيئة محدودة

قال الله (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير))

وقال عن الإنسان ((إنا خلقنا الإنسان من نطفةٍ أمشاجٍ نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا))

فالله سبحانه له سمع وبصر يليقان بجلاله وعظمته وللإنسان سمع وبصر محدود وليسا كسمع الله وبصره فسمع المخلوق وعلمه وبصره وقدرته ليسوا كسمع الله تبارك وتعالى وعلمه وبصره وقدرته

ونفس الشيء نقوله عن مشيئة الله وإرداته

فللبشر مشيئة وإرادة ولكنهما محدودتان بمشيئة الله وإرادته

ولذلك تتلخص هذه العقيدة في قول الله (( وما تشاؤون إلا ن يشاء الله ))

فنحن لنا مشيئة ((وهذا ما نفته الجبرية)) ولكن هذه المشيئة محدودة بمشيئة الله المطلقة (( وهذا ما نفته القدرية ))

قال الله : (( فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ ))

وأيضا قوله تعالى : (( يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاء ))

اعتراضك هذا اعتراض مرفوض لأنك تعترضين على مشيئة الله المطلقة، والعجيب في الأمر أن بعض المسيحين يقولون أن الروح القدس ليس فيك فلذلك أنت بعيد عن الحق، أليس عدم قدومه إلي هو جزء من مشيته ؟

فهنا اعترفتم ضمنيا أن الهداية بيد الرب، ولكن إن قلت ولكن الإنسان يجب أن يسعى ويبحث بنفسه

فنقول لك: نعم هذا صحيح وهنا يأتي دور مشيئة الإنسان المقيدة

في سورة الكهف الآيات 29 - 31

وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا

أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا


أنتِ لكِ مشيئة وتستطيعين الشعور بها ولا يستطيع أحد جحودها، ولكن ثقي أن أي شيء تفعلينه لا يخرج عن مشيئة الله المطلقة، ولا تعارض بينهما

ومن اللطائف الجميلة في تفسير قول الله (( إن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء ))

أن لها معنيين وليس بينهما تعارض وهذا من بلاغة القرآن وحمله لأوجه كثيرة

المعنى الأول في "يضل من يشاء" : يضل الله من يشاء الله أن يضله

المعنى الثاني : أن الله يضل من يشاء (من الناس أن يضل)


أسأل الله لنا ولك الهداية