الاوربيون بعمومهم يجهلون الكثير عن الاسلام و المسلمين الذين يعيشون بين ظهرانيهم وان وسائل الإعلام المختلفه و برامج التعليم فى اوروبا لا تعرف الاجيال الاوربية بالحضارة الإسلامية و ما قدمته للبشرية ، بقدر ما تحيل العلاقة بين الغرب و الإسلام الى حساسيات تاريخية مليئه بالتناقضات وتتمثل فى موضوع الاصولية الإسلامية التي تلقي بظلالها على الفكر الديني و الإجتماعي و السياسى الأوروبي. و من هنا يعتبر الأوروبيون ان كل الشعوب الإسلامية متطرفة والنتيجه ان صورة الاسلام لدى الاوربى تختزل فى التطرف دون انصاف للمفاهيم الصحيحة للاسلام.
ثم انه لا يعقل ان تقوم علاقات طبيعية للجاليات الاسلامية مع الشعوب الاوربية التى ينشا اطفالها فى مدارسهم على كتب تذخر بالطعن على الاخرين وتتهمهم باسوأ الاتهامات وتنزل بهم من مصاف البشر الى درك الوحوش وتزرى بهم و بنبيهم و قرآنهم وبعقيدتهم وبحياتهم الثقافية والاجتماعية وتحط من شأن مكانتهم فى تاريخ الحضارة الانسانية . وما يتم تلقينه للتلاميذ فى مدارسهم عن الإسلام والمسلمين من صوره ظلامية، ترسخ فى اذهانهم ونفوسهم ثقافة الخوف (الإسلاموفوبيا) وتصاحبهم فى مراحل حياتهم و تؤكدها الأحزاب العنصرية من خلال نقل معلومات مليئة بروح التعصب والاستعلاء العرقى والنظرة العنصرية، فجاءت صورة المسلم بعيده عن الحقيقة والنظرة الموضوعية.
فى معرض الحديث عن الإسلام والمسلمين في الكتب المدرسية الأوروبية يقودنا الى الحديث عن كتب تاريخ الأديان عامة للصغار والكبار و لجمهرة القراء والمتخصصين فهى كتب فى اكثرها تحتاج الى مراجعة واعادة كتابة بحيث تلتزم الموضوعية وتتوخى الحقيقة وتجىء بعيدة عن الاثارة وزرع الاحقاد دون جور على وقائع التاريخ ولا حذف شىء من حقائقه فتلك الوقائع والحقائق اصبحت ملكا للماضى الذى لا سبيل الى تغيره وانما المقصود بالدعوة الى الابتعاد عن الاثارة وتجنب الاحقاد من خلال اسلوب العرض والتناول وطريقة التعامل مع وقائع التاريخ التي لها اثر فى حياة ابناء الحاضر . و لكن يبقى اسلوب الخلط والتشوية سمه بارزة فيما يدرس عن الاسلام والمسلمين بالمناهج الدراسية باروبا.
ان ملايين المسلمين فى اوربا ربما يكونون اكثر انفتاحا من القوميات الاخرى على ثقافة الاخر المختلف عقيديا الا انهم يريدون تنشئة اطفالهم على مبادىء الاسلام فالمسلم منهم لا يرغب ان يعود إبنه أو تعود ابنته الى المنزل بعد منتصف الليل ورائحة الخمر تفوح من افواههم اويتأبط كل منهما صديقا لهما ولا يريد إبنته حاملا فى سن المراهقة من هذا الصديق او ترقص حتى الصباح على انغام موسيقى البوب او الديسكو او الروك وباختصار لا يريدها تتعاطى المخدرات و ربيبة كأس ومخمورة ليل ومسفوكة عرض. و لا يريد لإبنه ما لا يرضاه لإبنته. و من هنا يصر المسلم على الحفاظ على هويته الدينية و هذا لا يعني الإنعزال الكلي عن ثقافة الآخر.
ان المسلمين فى اوربا يدافعون عن خط الدفاع الاول والاخير عن كيان اسرهم و قيمهم الروحية و على ان يكون اطفالهم امتدادا طبيعيا لهم وهم مثل اى اقلية فى العالم يريدون الحفاظ على هويتهم الدينية داخل المجتمعات الأوروبية.
اما اوربا المنفتحة المتحررة فلا تستطيع تفهم الموقف مادام خاصا بالمسلمين بل تستجيب لمقولات قديمة وأحكام مسبقة وانماط مقررة من المواقف العدائية الموروثة ضد الإسلام والمسلمين وتنظر اليهم بنظرة شك وارتياب وتتخوف الصحافة الغربية من صراع مرير قادم وتنشر عناوين ساخنة مثيرة مستفزة لتحقيقات حول الإرهاب الإسلامي الذي يهدد المدنية الغربية و تستغل الأحزاب العنصرية هذه الحالة فتصيد في الماء العكر و تنشر ثقافة الخوف بين الأوروبيين.
تتناول الكتب المدرسية الأوروبية الإسلام بإسلوب منفر و تعطي صوره خاطئة عن الله عز وجل والقران الكريم وشخصية الرسول صلى الله علية وسلم والمجتمع الاسلامى او الامة بالتعبير القرانى ومسألة علاقة الاسلام بالاديان الاخرى وخاصة النصرانية واليهودية و ان ثمة خلطا وتشويها واضحين فى هذه الكتب المدرسية وبالتالى فى عقلية التلاميذ ومن ثم فى العقلية الغربية ونظرتها للاسلام والمسلمين ومن بين الادعاءات الخطيرة التى امتلات بها الكتب عدم فهم حقيقة عقيدة التوحيد والعيب على عقيدة القضاء والقدر و صورة المرأه ووصف القران بالتناقض وان بعضه مأخوذ من الكتبالدينية السالفة مثل العهد القديم والجديد.
ان الكتب المدرسية فى اوربا تصور المسلمين على انهم برابرة ووحوش وتصف كلمة الفتح الاسلامى ب الغزو كما تصور المسلمين على انهم سفاكى دماء واصحاب عنف دموى وتعتبر الكتب ايضا ان القران مجرد كتاب يحتوى على تعاليم محمد صلى الله علية وسلم للمسلمين وتنفي انه وحى من عند الله تعالى و ان خطورة تلك المناهج تعود الى انها تدرس لتلاميذ الصفوف الابتدائية و الثانوية وباتأكيد فان ما يدخل الدماغ فى تلك الفترة لا يخرج بعد ذلك. و الكتب المدرسية المعتمدة في أوروبا تصور حياة العرب والمسلمين ، فى صورة الصحراء بشخصياتها وتقاليدها وصفاتها التى تتسم بمنتهى السلبية فالصحراء مكان لا تحديد لموقعة مما يوحى بفقد الموطن او الوطن مما يستتبع نمطا منةالحياة يقوم على احد وجهين التبعية والمغامرة والعرب اذا انتقلوا الى مكان اخر سيحملون معهم صفاتهم الصحراوية من حيث التخلف بالمقارنة مع مجتمع صناعى منظم او الجمود تجاه مجتمع متحرك اقتصاديا ومنفتح عقليا .
وإن غابت الصحراء مكانا حلت الهجرة الى أوروبا حافزا وحل التناقض بين حالتين ماديتين ومعنويتين على جانب كبير من التمايز بل والتناقض مما يجعل كل تقارب نوعا من المستحيل وان تحقق تقارب ما فلن يكون الا فرديا فى الغالب ثمة افراد يتيح لهم حسن طالعهم الالتقاء بافراد اخرين يتحابون و يتعايشون ولكن الجاليات العربية و الإسلامية في أوروبا تظل كتلا هنا وكتلا هناك و لن تنجح سياسة الإندماج و لن يشعر المسلم أنه مواطن كامل الحقوق، إلا من خلال تصحيح صورة الإسلام و المسلمين في المناهج الدراسية بإوروبا.
ان قضية التعليم التى تواجه الاجيال الجديدة للجاليات الاسلامية فى اوربا تبدو اليوم ملحة بل انها تكاد تشكل ازمة بحد ذاتها فمن يطلع على اوضاع هذه البراعم المسلمة الصغيرة لابد وان يدرك بكل مرارة والم الاخطار والمشكلات والصعوبات المحدقة بهم فى المجتمع الاوربى، والتى تهددهم والاحتمال الكبير بان يجرفهم التيار مع مرور الزمان بعيدا عن ايمانهم ودينهم فالمؤسسات التربوية والتعليمية فى المجتمع الاوربى تخضع لتصورات ومفاهيم وقيم صيغت وفقا لقوالب ثقافية وتربوية علمانية لا دينية بحيث يمكن ان يتاثر ابناء المسلمين بهذه الثقافة الادينية ويبتعدون عن ثقافة التدين للأبد.