.
من صاحب المصيبة الله أم نفس الإنسان؟


زعموا أن هناك تناقضا بين آيتين من القرآن العظيم؛ مدعين أن المصيبة التي تصاب الإنسان سببها الله ومرة أخرى هي من عمل الإنسان....!

فهل المصيبة من عند الله أم نفس الإنسان ؟!

تعلقوا على ذلك بما جاء في الآتي:

1- قوله I : "وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78) " (النساء).

2- قوله I : "ما أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (79) " (النساء )

الرد على الشبهة

إن مما لا شك فيه أن المعصية تأتي بالمصيبة التي يجلبها الإنسانُ على نفسه؛ فما نزل بلاءٌ في معظم الأوقات إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة إلى الله I....

دل على ذلك أدلة منها :

1-قوله I : "مَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30) " (الشورى).
2- قوله I: "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) " (الروم ).


إذًا: سبب المصيبة هو الإنسان التي يجلبها بمعصيته للهI ، وهذا هو المراد من الآية التي
تقول : " وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ" .


وأما الحسنة فدائمًا من الله I،لأن الشرَ لا يُنسب إليه؛ بل ويريد أن يتوب على الناس جميعا ،ويخفف عنهم، ويهيئ لهم الخير، لكنهم يتبعون الشيطان ويعرضون عن الرحمن ....
وبالتالي: فإن معنى الآية أن الحسنة تأتي من اللهI ، وأن سبب المصيبة من فعل الإنسان، ولم تنف الآية أن من قدر المصيبة وأنزلها هو الله I....

وأما عن معنى الآية الأولى وهي من قولهI: "وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78) " (النساء).

فإن الله يحكي عن حال حديث كفار قريش مع النبيِّ r ولم يقره سبحانه بل أنكره و وصفهم بأنهم لا يفقهون جُهّال؛ فإن رأوا ما يحدث لهم مما يسرُّهم من متاع هذه الحياة، ينسبوا حصوله إلى الله تعالى، وإن وقع عليهم ما يكرهونه ينسبوه إلى محمد r جهالة وتشاؤمًا منه.....

ثم فصل الله سبب المصيبة بعد أن أنكر الفهم المغلوط السيئ في حق النبي الكريم؛ليبين أن المعصية تأتي بالمصيبة ، وليس لمحمد rدخل فيها...

فالآيات في سياق واحد تبين لنا حال المصيبة مع الإنسان ...وقد قال الكفار إن الخير يأتي من الله والمصيبة تأتي من محمد تشاؤمًا منه وإعراضا عنه ؛ فقال الله I:إن من ينزل الخير والمصيبة التي سببها الكفر والذنب هو اللهI .....

ثم فصل الله تعالى لنبيه أنهم قوم لا يفقهون ويتكلمون بجهالة واضحة؛ بين له قائلًا I:" ما أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (79) " (النساء ).

وهذا هو نفس المعنى الذي تكلمتُ عنه، ولا يوجد تعارض إلا في عقل المُنصّرين فهؤُلَاءِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا .........


وبهذا أكون قد نسفت الشبة نسفًا -بفضل الله تعالى-.

كتبه / أكرم حسن مرسي
باحث في مقارنة الأديان