.
السيد المسيح لم يأتي آية بمفرده بل هو وامه آية :
وجعلنا ابن مريم وامه اية واويناهما الى ربوة ذات قرار ومعين
{
المؤمنون50}
و قوله: «
و جعلناها و ابنها آية للعالمين» أفرد الآية فعدهما أعني مريم و عيسى (عليهما السلام) معا آية واحدة للعالمين لأن الآية هي الولادة كذلك و هي قائمة بهما معا و مريم أسبق قدما في إقامة هذه الآية و لذا قال تعالى: «
و جعلناها و ابنها آية» و لم يقل: "و
جعلنا ابنها و إياها آية".
وإن كان خلق آدم وحواء عليهم السلام بديهياً لأن الله خلقهما كأول أب وأم للبشر ... فإذن المعجزة في خلقهم تأكد قدرة الله عز وجل على خلق السيد المسيح بنفس الطريقة .
ان مثل عيسى عند الله كمثل ادم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون
{
آل عمران 59}
فالمولى عز وجل نفخ في سيدنا آدم عليه السلام من روحه بذاته
فاذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين
{
الحجر 29}
ولكن الله عز وجل أرسل سيدنا جبيريل لينفخ في السيدة مريم
وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ
{
الانبياء91}
(
فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا ) عن طريق من ؟
قال انما انا رسول ربك لاهب لك غلاما زكيا
{
مريم 19}
و قوله: «
فنفخنا فيها من روحنا» الضمير لمريم و النفخ فيها من الروح كناية عن عدم استناد ولادة عيسى (عليه السلام) إلى العادة الجارية في كينونة الولد من تصور
النطفة أولا ثم نفخ الروح فيها فإذا لم يكن هناك نطفة مصورة لم يبق إلا نفخ الروح فيها و هي الكلمة الإلهية كما قال: «
إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون:» آل عمران: 59 أي مثلهما واحد في استغناء خلقهما عن النطفة.
قال انما انا رسول ربك لاهب لك غلاما زكيا
{
مريم 19}
فلو عدنا إلى الآيات السابقة نجد قول الحق :
{
فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) } سورة مريم
فقوله {
فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا } : فالراسل غير المرسل ... و قوله: «
فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا» ظاهر السياق أن فاعل «
تمثل» ضمير عائد إلى الروح فالروح المرسل إليها هو المتمثل لها بشرا سويا و معنى تمثله لها بشرا ترائيه لها، و ظهوره في حاستها في صورة البشر و هو في نفسه روح و ليس ببشر.
وإذ لم يكن بشرا و ليس من الجن فقد كان ملكا بمعنى الخلق الثالث الذي وصفه الله سبحانه في كتابه و سماه ملكا، و قد ذكر سبحانه ملك الوحي في كلامه و سماه جبريل بقوله: «
من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك»: البقرة: 97 و سماه روحا في قوله: «
قل نزله روح القدس من ربك»: النحل: 102 و قوله: «نزل به الروح الأمين على قلبك»: الشعراء: 194» و سماه رسولا في قوله: «
إنه لقول رسول كريم»: الحاقة: 40»، فبهذا كله يتأيد أن الروح الذي أرسله الله إليها إنما هو جبريل.
وهنا لنا وقفة صغيرة جداً : هل المعاشرة الجنسية بين الزوجين لا بد أن يكون نتاجها جنين ؟
بالطبع لا
لأن هناك العقيم ... وهناك من هم قادرين على الإنجاب ولكنهم لم ينجبوا أطفال على الرغم من أن العلم الحديث بالتحاليل يثبت لهم أنهم قادرين على الإنجاب .
إذن : الإنجاب يحتاج إلى أمرين :
نطفة و روح
فالنطفة هي التي تأتي من البشر لقول مريم عليها السلام :
قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا
{
مريم20}
وهذا ما يحدث دائماً بالمعاشرة الزوجية .. ولكن لي يتحقق الحمل للإنجاب فالنطفة تحتاج إلى روح لكي تصبح جنين ... والروح من أمر الله
ويسالونك عن الروح قل الروح من امر ربي وما اوتيتم من العلم الا قليلا
{
الإسراء85}
إذن : نصل في النهاية أن طريقة خلق السيد المسيح لا ينقصها عن خلق باقي البشر إلا النطفة فقط .
وهي كذلك من الله عز وجل :
هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة
{
غافر67}
والله أعلم .
.
المفضلات