أساليب تنصيرية أخرى
و نعود لنلقي الأضواء على بعض أساليب المستشرقين ، و ننظر لنجد الاستغلال البشع ممثلاً في تلك الجماعة التبشيرية التي استقرت بالمغرب في أوائل القرن الحالي و احتمت بالاستعمار الفرنسي و الأسباني لتأخذ أيتام المسلمين في مدينة طنجة و تنصرهم لقاء الخبز و المأوى ، ثم ترسل بهم ليكونوا مرتزقة في خدمة الجيش الفرنسي الاستعماري في حروبه ضد الشعوب المسلمة و غير المسلمة .. و نلمح هنا التدني و الحقارة في قصة ذلك المبشر الذي أقنع أحد الأطفال الهنود المسلمين بأنه إذا صلى للمسيح و رسم علامة الصليب على صدره فإن فريقاً لكرة الكريكيت سينتصر على الخصوم بفضل الرب . ثم نرى كيف يضع المبشرون أساطيرهم حول مهارتهم في التنصير لنقرأ ما كتبه أحدهم عن شاب دمشقي من عائلة مسلمة كفر بالدين بعد اطلاعه على العلم الحديث ، لكنه عاد و آمن بالمسيحية عندما أخبره صديق نصراني أن المسيحية لا تحرم الموسيقى و الرسم كما يفعل الإسلام المتعصب .
--------------------------------------------------------------------------------
المرأة و أسلحة المنصرين
و نقف عند نشاط المبشرين في مجال العلاقات الاجتماعية في البلاد الإسلامية لتلاحظ أنهم يهتمون كثيراً بما يسمونه تحرير المرأة أو تنفيرها من الإسلام و تعويدها على العادات الغربية لهز الإيمان في نفسها و زعزعته أو وأده في أطفال المستقبل . و يركز المبشرون في العديد من المناطق على ضرورة تخلي المرأة المسلمة عن الزي المحتشم و تمردها على الأسرة و خروجها إلى المراقص و الملاهي حتى و إن لم يؤدِ ذلك في النهاية إلى اعتناق المسيحية . و يتضح من هذا الاتجاه أن للتغريب و التشكيك في الإسلام أهدافاً أصيلة في عمل المبشرين تفوق بالفعل اهتمامهم بالدعوة إلى النصرانية . و يبرز هنا كمثال قيام مبشرة هولندية بإنشاء مدرسة للبنات في مدينة البصرة عام 1909 لتربيتهن تربية أوروبية صرفة و تجهيزهن لإكمال التعليم في الغرب حين يبعدن عن الإسلام تماماً . و كانت هذه المبشرة تهتم بمتابعة أخبار طالباتها و تفرح عندما تسمع أنهن تخلين عن الزي العراقي التقليدي و اتبعن العادات الغربية في بيوتهن و مع أطفالهن .. و قد سجلت تجربتها هذه في كتاب صدر في أمريكا عام 1961 ، و تتحدث بابتهاج عن التغير الاجتماعي المواتي للغرب الذي يمكن للمعاهد العلمية التبشيرية و الغربية أن تحدثه .. و تجدر الإشارة هنا إلى الدور الذي تقوم به الجامعة الأمريكية في القاهرة و بيروت و كلية روبرتس في إسطنبول و غيرها .
--------------------------------------------------------------------------------
السلبية البغيضة
لكن الجانب الأخطر في كل هذه النشاطات التنصيرية يكمن في جهل المسلمين بها و سلبيتهم إزاءها و تواطؤ الحكومات في البلاد الإسلامية معها .. فالدعوة الإسلامية غائبة عن الأقليات غير المسلمة المقيمة في بلاد المسلمين .. و الحكام العلمانيون تخلوا عن واجب الحاكم في الإسلام الذي يحتم عليه رعاية القيم الدينية لمواطنيه و تشجيع الدعوة لنشر الإسلام . و يقف المسلمون في حالة من الغفوة المشينة إزاء المبشرين المسلحين بالأموال الطائلة و النفوذ السياسي ، و الذين يسخرون المؤسسات الاجتماعية الضرورية كالمكتبات و المدارس و الملاجئ و المستشفيات و دور الرعاية و مراكز الشباب لنشر دعوتهم حتى في داخل بلاد المسلمين أنفسهم . و المبشرون ينوعون أساليبهم ما بين الإقناع و الإرهاب و الإغراء و استغلال الجهل و الحاجة ، و هم يجتذبون الفقراء بالمال أو تزويد المسكن أو الإرشاد الزراعي أو الخبز أو فرص التعليم أو مناصرة قضايا المظلومين بالاستناد إلى الحماية الخارجية . و هكذا يتحول المبشرون إلى تيار اجتماعي سياسي قوي ينافس الدولة و يخيفها إن لم يسيطر عليها .. و بهذه الطريقة ضاعت الأغلبية المسلمة في كثير من الدول الأفريقية و اهتزت في بلاد إسلامية كبيرة كأندونيسيا و الباكستان .
و عندما قام حاكم مسلم مستنير كأحمد وبيلو ، و أبو بكر تيفاواباليوا في نيجيريا أسقط فوراً في انقلاب عسكري دموي دبرته الصليبية الدولية بالتحالف مع الصهيونية ، و كانت جريرته التي قتل بها في يناير عام 1966 أنه شجع الدعوة الإسلامية مما أدى إلى اعتناق الألوف المؤلفة من النصارى و الوثنيين للإسلام .. و قبلها بعامين تحالفت الصليبية مع الشيوعي السابق جوليوس نيريري و بعض الاتجاهات العسكرية الماركسية لقلب حكومة زنزبار المسلمة و تنحية الحاكم العربي الشرعي السلطان جمشيد و إحلال حكم مسيحي محله بعد ذبح أعداد لا حصر لها من المسلمين في هذه الجزيرة و تصفية سكانها من العرب .. و ببساطة شديدة انتهت زنزبار كمعقل إسلامي كبير و قديم في شرق أفريقيا .
--------------------------------------------------------------------------------
الجهود التنصيرية في باكستان
يمتد الأخطبوط التبشيري بتحالفاته السياسية الواسعة إلى قلب بلد كان يظن أنه بمنجى عن مخططات التنصير و التغريب و هو باكستان التي قامت على الإسلام لجمع شمل المسلمين ، فما هي الصورة في ذلك البلد ؟ و لنترك الأرقام تتحدث : ففي عام 1958 ذكر المسيحيون أن أعدادهم هناك تبلغ حوالي ثلاثمائة ألف ، و قالوا إن نسبة زيادة المسيحيين خلال عشر سنوات من عام 1941 إلى 1951 بلغت حوالي 30% و كانت الزيادة في منطقة البنغال الشرقية وحدها (بنجلاديش الآن) تصل إلى 45% ، و وصلت في منطقة لاهور بالجزء الغربي من البلاد إلى 50% بينما ارتفعت في مدينة كراتشي إلى مائة بالمائة .. أما في الفترة من عام 1951 ـ 1958 فقد زادت الأعداد بنسب أعلى لاسيما فيما يتصل بالمنضمين إلى المذهب الكاثوليكي .
و ترجع نشاطات التنصير إلى أواخر الأربعينات ، حيث استغلت الهيئات التبشيرية حالة الفوضى السائدة عقب التقسيم و ما تبعه من متاعب و نشوء تجمع لاجئين كبير في الانتشار بين الأوساط الإسلامية و التركيز عليها . و قد ذكرت جريدة "العالم الإسلامي" التي تتبع إحدى جهات التبشير الأمريكية أن المجتمع الإسلامي قد ساده الاضطراب عام 1947 مما أدى إلى أن يصبح المسلمون أكثر تقبلاً لصداقة المسيحيين المبشرين الذين قدموا المعونات و الهداية و الإرشاد من خلال تنظيمات مثل اللجنة المسيحية لإغاثة باكستان الغربية و مقرها لاهور . و قد دعمت حكومة باكستان هذه الأعمال التبشيرية و سهلت لها نشاطاتها من النواحي المادية و المعنوية فضلاً عن تدفق الأموال من أمريكا و بريطانيا و فرنسا و إيطاليا و السويد على أكثر من أربعين منظمة تبشيرية تنشط في باكستان من خلال المؤسسات التعليمية و غيرها .
و تركز جهات التنصير في باكستان على النواحي التعليمية بعد أن استقرت هناك باستغلال الاضطراب و العَوَز الناجمين عن التقسيم . و من المؤسسات التعليمية كلية فورمان المسيحية للشباب ، و كلية كينيرد للشابات ، و دير عيسى و مريم للأطفال .. و كلها تدرس بالإنجليزية و مقرها لاهور . و تعتمد الحكومة الباكستانية أساليب و أنظمة و مناهج و فلسفات التعليم في المدارس و المعاهد التبشيرية كنماذج و قدوة و مثل عليا تصاغ على أسسها سياسات التعليم في المدارس الحكومية باللغتين الأردية و البنغالية ؛ و لهذا السبب تتضاءل أهمية تدريس اللغة العربية و الفارسية في التعليم الحكومي و تهيمن الإنجليزية ليس كلغة فحسب ، بل و ثقافة أيضاً حيث يدرس الأطفال تاريخ إنجلترا على حساب تراثهم الوطني ، و لا يتعلمون أي شئ عن الإسلام أو تاريخه سواءً في الخارج أو في بلدهم الإسلامي نفسه . و تحاط دراسة المواضيع الإنجليزية بمغريات شتى تحبب التلاميذ فيها بينما تقدم مادة الإسلاميات في صورة منفرة غير متصلة بالواقع سواءً في مراحل التعليم الأولية أو الجامعية . أضف إلى ذلك أن الدراسات الإسلامية في الجامعات تقدم من وجهة نظر غربية استشراقية مما يعني أن الطلاب المسلمين يدرسون دينهم على يد أعدائه . و مما لا ينبغي إغفاله أن المدارس التبشيرية الخاصة في باكستان تعمد إلى صياغة سلوكيات الطلبة على الأنماط الغربية فتفرض عليهم الزي الأوروبي الكامل بما فيه رباط العنق الذي لا يتناسب مع حرارة الطقس ، كما تقدم لهم أصناف الطعام الإنجليزي .
المفضلات