النجومُ المضيئةُ والدررُ البهيجة .. المنثورةُ على طريقِ السيدة خديجة؛ صاحبةِ النسبِ والحسب والشرف والجمال والمال ..
بحثٌ في سيرة أم المؤمنين
« الطاهرة خديجة بنت خويلد » رضي الله عنها
" لا والله ما أبدلني الله خيراً منها، آمنت إذ كفر الناس وصدقتني وكذبني الناس وواستني في مالها إذ حرمني الناس ورزقني الله منها أولاداً إذ حرمني أولاد النساء "
[ أخرجه الإمام مسلم في صحيحه ]
مآثر السيدة خديجة ومناقبها العظيمة
خديجة.. العفيفة الطاهرة :
أول ما يبرز من ملامح السيدة خديجة الشخصيَّة صفتي« العفة والطهارة»، هاتان الصفتان التي قلّما تسمع عن مثلهما في بيئةٍ لا تعرفُ حراماً ولا حلالاً، في بيئةٍ تفشتْ فيها الفاحشةُ حتى كان البغايا يضعنَّ شارات حمراء تنبئ بمكانهنَّ . وفي ذات هذه البيئة، ومن بين نسائها انتزعت هذه المرأة العظيمة هذا اللقب الشريف، ولقبت بـــ « الطاهرة »، كما لُقب أيضا نبي آخر الزمان في ذات البيئة بـ « الصادق الأمين»، ولو كان لهذه الألقاب انتشار في هذا المجتمع آنذاك، لما كان لذكرها ونسبتها لأشخاص بعينهم أهمية تذكر .

خديجة.. الحكيمة العاقلة :
وتلك هي السمة الثانية التي تميز بها شخص السيدة خديجة رضي الله عنها، فكل المصادر التي تكلمت عن السيدة خديجة رضي الله عنها وصفتها بـ « الحزم والعقل »، وكيف لا وقد تجلت مظاهر حكمتها وعقلانيتها منذ أن استعانت بهما في أمور تجارتها . ثم جاء في أبلغ صور الحكمة،رغبتها وتفكيرها في الزواج من « الصادق الأمين»، بل وحينما عرضت الزواج عليه في صورة تحفظ ماء الوجه؛ إذ أرسلت السيدة نفيسة بنت منية بعد أن رجع من الشام؛ ليظهر وكأنه هو الذي أرادها وطلب منها أن يتزوجها . ونرى منها بعد زواجها « كمال الحكمة» و « كمال رجاحة العقل»، فها هي تستقبل أمر الوحي الأول بعقلانية قلَّ أن نجدها في مثل هذه الأحوال بالذات؛ فقد رفضت أن تفسِّر الأمر بخزعبلات أو أوهام، بل استنتجت بعقليتها الفذة وحكمتها التي ناطحت السحاب يوم ذاك أن الله لن يخزيه، ثم أخذته إلى ورقة بن نوفل ليدركا الأمر . ومن شواهد « فطنتها و سلامة فطرتها» حادثة إلقاء قناعها عند مجيء جبريل عليه السلام وإيقانها أن هذا ملك كريم، وليس شيطاناً رجيماً. فقد روى ابن الأثير في " أسد الغابة" قول خديجة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :" يا ابن عم، هل تستطيع أن تخبرني بصاحبك الذي يأتيك إذا جاءك؟"؛ تقصد جبريل عليه السلام، قال :" نعم" ، فبينما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندها إذ جاءه جبريل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" هذا جبريل قد جاءني"، فقالت :" أتراه الآن؟" ، قال :" نعم"، قالت :" اجلس على شقي الأيسر"، فجلس فقالت :" هل تراه الآن؟" قال :" نعم"، قالت :" فاجلس على شقي الأيمن"، فجلس، فقالت :" هل تراه الآن؟" قال :" نعم"، قالت :" تحول فاجلس في حجري"، فتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس، فقالت :" هل تراه؟" قال :" نعم" ، فتحسرت (كشفت رأسها) وألقت خمارها فقالت :" هل تراه؟"، قال :" لا" ، قالت :" ما هذا شيطان، إن هذا لملك يا ابن عم، اثبت وأبشر" . (1)
وهذه طريقة عقلانية منطقية بدأت بالمقدمات الصحيحة وانتهت بالنتائج المترتبة على هذه المقدمات،
فيا لها من عاقلة! ويا لها من حكيمة! .
وليت نساء أمة الإسلام يتعاملنَّ هكذا في جميع شؤنهنَّ كأمنا أم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد.

خديجة.. نصير رسول الله أم المؤمنين الأولى ووزير محمد النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
جاء في زاد الميعاد :" وهي التي آزرته على النبوة، وجاهدت معه، وواسته بنفسها ومالها، وأرسل اللّه إليها السلامَ مع جبريل، وهذه خاصة لا تُعرف لامرأة سواها(2) . قال أبو عبدالله بن قيم الجوزية:" وعاشت السيدة خديجة مع رسول الله أحداث البعثة ونزول الوحي ومقاطعة قريش لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ولبني هاشم وكانت تخفف الأعباء والأحزان عنه حتي وافتها المنية قبل هجرة المصطفى بثلاثة أعوام".
هذه السمة من أهم السمات التي تُميِّز شخص السيدة خديجة رضي الله عنها، تلك المرأة التي وهبت نفسها ومالها وكلّ ما ملكت لله ولرسوله، ويكفي في ذلك أنها آمنت بالرسول وآزرته ونصرته في أحلك اللحظات التي قلّما تجد فيها نصيراً أو مؤازراً أو معيناً . فلما بُعثَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكلف بتبليغ رسالة ربه إلى الناس أجمعين ودعوتهم إلى عبادة الله تعالى، كانت معه صلى الله عليه وآله وسلم بكل إحساسها ونبلها وحبها وعطفها، كانت حزينة معه يوم فتر الوحي، وينشرح فؤادها وهي ترى زوجها مستبشرة بعودته، علمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كيف تتوضأ وتصلي .. ، ولقد شهدتهما أيام مكة و لياليها وهما يصليان لله ويحمدانه ويشكرانه على ما أولاهما من نعم "(3) ثم هي رضي الله عنها تنتقل مع رسول الله؛ الرحمة المهداة والنعمة المسداة من حياة الراحة والاستقرار إلى حياة الدعوة والكفاح والجهاد والحصار، فلم يزدها ذلك إلا حبّاً لمحمد وحبّاً لدين محمد وتحدياً وإصراراً على الوقوف بجانبه، والتفاني في تحقيق أهدافه .
فلما خرج رسول الله مع بني هاشم وبني عبدالمطلب إلى شعاب مكة في عام المقاطعة، لم تتردد رضي الله عنها في الخروج مع رسول الله لتشاركه - على كبر سنها - أعباء ما يحمل من أمر الرسالة الإلهية التي يحملها، فقد نَأَتْ بأثقال الشيخوخة بهمة عالية، وكأنها عادت إليها صباها، وأقامت في الشعاب ثلاث سنين وهي صابرة محتسبة للأجر عند الله تعالى .
وكأن الله اختصها بشخصها لتكون سنداً وعوناً للرسول في إبلاغ رسالة رب العالمين الخاتَمة، فكما اجتبى الله رسولَه محمداً واصطفاه من بين الخلق كافة، كذلك قدَّر له في مشوار حياته الأول لتأدية الرسالة العالمية مَن تضارعه أو تشابهه لتكون شريكاً له في حمل هذه الدعوة في مهدها الأول، فآنستهُ وآزرته وواسته بنفسها ومالها في وقت كان الرسول في أشد الاحتياج لتلك المواساة والمؤازرة والنصرة .

فأين نساء الأقلية المسلمة في الغرب عامة والنمسا خاصة من تلك الشخصية !.

خديجةُ بنت خويلد .. امرأةٌ مِنْ مَنْ كَملَ من نساء العالمين (4) العاقلةُ، الجليلةُ، أولُ من أسلمَ من الخلقِ أجمعين رجالاً ونساءً، الدَيِّنةُ، الفقيةُ(5) المصونةُ، صديقةُ (6) هذه الأمة كريمة، ومن أهل الجنة (7)، خديجةُ هي مسكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل البعثة وبعدها، أحبته من كل قلبها، وكانت تعمل على نيل رضاه والتقرّب منه، حتى إنها أهدته غلامها زيد بن حارثة لما رأت من ميله إليه .
مواقفها:
عاشت السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها حياة حافلة بالكثير من المواقف التي عاشها رسول الله وكانت رضي الله عنها وأرضاها تعلم أنه النبي المنتظر حتى جاءها رسول الله يخبرها أنه يري نوراً، فقد أخرج الإمام أحمد أن النبي قال لخديجة :" إني أري ضوءاً وأسمع صوتاً وإني أخشي أن يكون بي جنن (أي جنون) قالت :" لم يكن الله ليفعل ذلك بك يا ابن عبدالله"، وعاصرت السيدة خديجة نزول الوحي على رسول الله وكان لها موقفها الشهير مع رسول الله لما عاد إليها فزعاً فطمأنته وهدأت من روعه، روي الإمام البخاري في صحيحه بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت : أول ما بدئ به رسول الله من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء فيتحنث (أي يتعبد) الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع (يرجع) إلي أهله ويتزود لذلك ثم يرجع إلي خديجـة فيتزود لمثلها حتي جاءه الحق وهو في غار حـراء، فجاءه المَلك فقـال : " اقـرأ " قال : " ما أنا بقارئ " . قال : " فأخذني فغطّني حتي بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال : " اقرأ " ، فقلت : " ما أنا بقـارئ " ، فأخـذني فغطّـني الثانية حتي بلغ مني الجهــد ثم أرســلني فقــال : " اقرأ "، فقلت : ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال : "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ اْلإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ* ا قْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ" (العلق آية 1،2،3) فرجع بها رسول الله ( يرجف فؤاده، فدخل علي خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقال :" زمّلوني زمّلوني " . فزمّلوه حتي ذهب عنه الروع، فقـال لخديجة وأخبرها الخبر :" لقد خشيت على نفسي " ، فقالت خديجة : كلا والله ما يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم وتحمل الكلّ وتُكسب المعدوم وتقري الضيف وتُعين علي نوائب الدهر . ثم انطلقت به خديجـة حتي أتت به ورقـة بن نوفـل .... وبقية القصة ذكرتها من قبل فلتراجع . وبرجاحة عقلها تصرفت هكذا وبحكمتها قالت قولتها المشهورة :".. كلا والله ما يخزيك الله أبداً .."

وسارت السيدة خديجة مع زوجها العظيم في طريق الدعوة والآلام صابرة محتسبة، ردوا عليها بناتها رقية وأم كلثوم، وكانتا عُقدَ عليهما لعتبة وعتيبة ابني أبي لهب(8) . وكانت رضي الله عنها وأرضاها كثيرة الصدقة والعطف علي اليتامي والمساكين . ومن ثباتها في الأمر ما يدل على قوة يقينها ووفور عقلها وصحة عزمها، لا جرم كانت أفضل نسائه على الراجح . لا شك أن امرأة بمثل هذه الأوصاف لا بد أن يكون لها منزلة رفيعة، فها هو الرسول يعلن في أكثر من مناسبة بأنها خير نساء الجنة؛ فقد روي عن أنس بن مالك أن النبي قال :" حسبك من نساء العالمين : مريم ابنة عمران، وخديجة ابنة خويلد، وفاطمة ابنة محمد، وآسية امرأة فرعون" (9) ومن
كرامتها وفضلها في الملأ الأعلي :
أن الله تعالي أقرأها السلام، فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالي عنه قال : قال رسول الله :" أتاني جبريل، فقال :" يا رسول الله هذه خديجة ومعها إناء فيه طعام - أو إدام - وشراب وإذا هي أتتك فاقرأ عليها من ربها السلام ومنّي " .
وزوجها النبي صلى الله عليه وآله وسلم يثني عليها في حضورها وزمن غيابها، ويستحضر مآثرها ومناقبها فيعظمها تعظيم الرجل المحب العاشق فهو بشر مثلنا يملك قلب، فإذا بلغ مسمع أمنا السيدة عائشة رضي الله عنها وعن أبيها أشتعلت غيرة الزوج المحب وهي التي تقول : " ولما لا تغير مثلي على مثلك" (10).
ومن كرامتها عليه أنه لم يتزوج امرأة قبلها، ورزقه الله منها عدة أولاد، ولم يتزوج عليها قط، ولا تسرى بجارية إلى أن قضت نحبها، فوجَدَ لفقدها (11) .

لقد بلغت خديجة في صلاحها حد الكمال (12) ذكر الإمام ابن كثير رحمه الله تفوق وسبق السيدة خديجة رضي الله عنها فقال :" هي أول من تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأول من آمن به من المؤمنات وصدقه بإيمان راسخ كالجبال، وأول من صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعلم الوضوء " .
ويقول عنها الرسول صلى الله عليه وسلم " أمنت بي حين كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله منها الولد دون غيرها من النساء ".
للسيدة خديجة رضي الله عنها وأرضاها الكثير من المناقب التي لا يستطيع قلم أن يحصرها، فقد أخرج الإمامان البخاري ومسلم عن علي بن أبي طالب وعن ابن عباس قال‏ :‏ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏ :‏‏"‏ أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون ‏"‏‏ .‏ قال أبوداود ‏:‏ عن أنس قال‏ :‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏"‏ خير نساء العالمين مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم ‏"‏‏.‏ وعن ابن عباس قال‏ :‏ خط رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض أربعة خطوط ثم قال ‏:‏"‏ أتدرون ما هذا ‏"‏‏.‏ قالوا‏ :"‏ الله ورسوله أعلم ‏" .‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏‏"‏ أفضل نساء أهل الجنة أربع خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون ‏" ‏‏.‏ وروى عبدالرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏‏"‏ حسبك من نساء العالمين‏ :‏ مريم بنت عمران فآسية بنت مزاحم امرأة فرعون وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم ‏"‏‏.‏ هكذا ذكره أبوداود وقال عبدالرزاق عن معمر بإسناده ‏:‏"‏ أفضل نساء العالمين أربع .. ‏"‏‏.‏ و عن ابن عباس قال‏ :‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏"‏ سيدة نساء العالمين مريم ثم فاطمة ثم خديجة ثم آسية ‏"‏‏.‏ هكذا رواه الزبير‏.‏ وذكر أبوداود قال‏:‏ حدثنا ابن عباس فقال‏ :‏ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ‏:‏"‏ سيدة نساء أهل الجنة بعد مريم بنت عمران فاطمة بنت محمد وخديجة وآسية امرأة فرعون ‏"‏ ‏.‏
ومن مناقبها أنها لما ماتت حزن عليها رسول الله ( حزنًا شديدًا ونزل في قبرها وسمي هذا العام الذي ماتت فيه بعام الحزن رضي الله عنها وأرضاها.

مروياتها :
لم يذكر أصحاب السنن أن لها رواية حيث ماتت قبل هجرة رسول الله؛ إلا أن ابن هشام ساق هذه الرواية : عن ابن إسحاق عن إسماعيل بن أبي حكيم مولي الزبير أنه حدث عن خديجة رضي الله عنها أنها قالت لرسول الله:" يا ابن عم هل تستطيع أن تخبرني بصاحبك الذي يأتيك إذا جاءك؟" .... ,قد ذكرنا الآثر في بداية البحث هذا .... إلى أن قالت :" يا ابن عم فاثبت وأبشر، ثم آمنت به وشهدت أن الذي جاء به الحق.
أقوالها:
اشتهر عنها قولها لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لما خاف علي نفسه : كلا والله ما يخزيك الله أبدًا ، إنك لتصل الرحم ، وتحمل الكل ، وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف ، وتعين علي نوائب الدهر .


... يتبع إن شاء الله تعالى

(*) الصفحة السادسة من ملف الهدى – أم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد ، رضي الله تعالى عنها
04 ذو القعدة من العام الهجري 1431 ~ 12 أكتوبر من العام الميلادي 2010 .
ــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش والمراجع :
(1. ) يراجع تخريج الحديث في حلقة سابقة .
(2. ) ابن القيم ، زاد المعاد في هدي خير العباد ( ج 1 / 102 ) .
(3. ) جاء رجل إلى العباس بن عبدالمطلب لأيبتاع منه بعض التجارة وكان امرءً تاجرا، ثم قال :" فوالله وإني عنده بمنى إذ خرج رجل من خباء قريب منه فنظر إلى السماء فلما رآها مالت قام يصلي ثم خرجت امرأة من ذلك الخباء فقامت خلفه فقلت :" ما هذا يا عباس "، قال :" هذا محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب؛ ابن أخي "، فقلت :" من هذه!؟ "، فقال :" هذه امرأته خديجة "، قلت :" فما هذا الذي يصنع " ، قال :" يصلي !!! ؛ وهو يزعم أنه نبي ويزعم أنه ستفتح له عليه كنوز كسرى وقيصر " . جاء هذا الآثر عند البخاري في: التاريخ الكبير وحكم على هذا الآثر بأنه :" لا يتابع في هذا" . (المصدر: أمهات المؤمنين في مدرسة النبوة ص 46 ) .
(4. ) تَجَوَزَ الكاتبُ في تعبيره والصحيح أنها كما بيّن العلماء أنها خير نساء الأرض في عصرها وتتبعنا الحديث والبحث فوجدنا أن عبدالله بن جعفر قال: سمعت علياً بالكوفة يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:" خَيْرُ نِسَائِهَا : مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ ، وَخَيْرُ نِسَائِهَا : خَدِيجَةُ بنت خويلد "، وأشار وكيع إلى السماء والأرض، الحديث متفق عليه، [رواه البخاري في: صحيحه، درجته: صحيح] . أراد وكيع بهذه الإشارة تفسير الضمير في نسائها، وأن المراد به جميع نساء الأرض، أي كل من بين السماء والأرض من النساء، والأظهر أن معناه أن كل واحدة منهما خير نساء الأرض في عصرها، وأما التفضيل بينهما فمسكوت عنه. قال القاضي : ويحتمل أن المراد أنهما من خير نساء الأرض، والصحيح الأول، هذا ما يفسره الحديث الآخر الذي يخاطب النبي فيه عمران بن حصين ويقول :" إنَّ لكَ عندنا منزلةً وجاهاً فهل لك في عيادة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم" ، فقلت:" نعم؛ بأبي وأمي يا رسول الله"، فقام وقمت معه؛ حتى وقفت بباب منزل فاطمة؛ فقرعَ البابَ وقال :" السلامُ عليكم؛ أأدخل!!؟"، فقالت :" ادخل يا رسول الله" قال :" أنا ومن معي! "، قالت :" ومنْ معك يا رسول الله؟" فقال :" عمران بن حصين" فقالت :" والذي بعثك بالحق نبياً ما علي إلا عباءةً"، فقال :" اصنعي بها هكذا وهكذا وأشار بيده" . فقالت :" هذا جسدي فقد واريته، فكيف برأسي؟"، فألقى عليه السلام إليها ملاءةً كانت عليه خلقة فقال :" شدي بها على رأسك"، ثم أذنت له فدخل. فقال :" السلام عليك يا بنتاه كيف أصبحت؟" قالت :" أصبحت والله وجعة، وزادني وجعاً على ما بي؛ أني لست أقدر على طعام آكله، فقد أجهدني الجوع" . فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال :" لا تجزعي يا بنتاه فوالله ما ذقت طعاماً منذ ثلاث وإني لأكرم على الله منك؛ ولو سألت ربي لأطعمني ولكني آثرث الآخرة على الدنيا"، ثم ضرب بيده على منكبها، وقال لها :" بشري فوالله إنك لسيدة نساء أهل الجنة، فقالت :" فأين آسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران؟"، فقال آسية سيدة نساء عالمها ومريم سيدة نساء عالمها وخديجة سيدة نساء عالمها وأنت سيدة نساء عالمك، إنكنَّ في بيوت من قصب لا أذى فيها ولا صخب"، ثم قال لها :" اقنعي بابن عمك فوالله لقد زوجتك سيداً في الدنيا سيداً في الآخرة. الحديث خرجه الإمام العراقي في تخريج إحياء علوم الدين للغزالي وقال: "لم أجده من حديث عمران"، وهذه إشكال أحاديث الإحياء (!!!) بيْد أننا استشهدنا به في المسألة على حاله إذ لم نجد غيره . قال القرطبي :"خَيْرُ نِسَائِهَا.. " الضمير عائد على غير مذكور، لكنه يفسره الحال والمشاهدة، يعني به الدنيا . وقال الطيبي : الضمير الأول يعود على الأمة التي كانت فيها مريم والثاني على هذه الأمة. قال ولهذا كرر الكلام تنبيها على أن حكم كل واحدة منها غير حكم الأخرى. قال القرطبي :" ووقع عند مسلم من رواية وكيع عن هشام في هذا الحديث " وأشار وكيع إلى السماء والأرض " فكأنه أراد أن يبين أن المراد نساء الدنيا، وأن الضميرين يرجعان إلى الدنيا، وبهذا جزم القرطبي أيضا . وقال الطيبي : أراد أنهما خير من تحت السماء وفوق الأرض من النساء، قال : ولا يستقيم أن يكون تفسيرا لقوله : نسائها؛ لأن هذا الضمير لا يصلح أن يعود إلى السماء، كذا قال . ويحتمل أن يريد أن الضمير الأول يرجع إلى السماء والثاني إلى الأرض إن ثبت أن ذلك صدر في حياة خديجة وتكون النكتة في ذلك أن مريم ماتت فعرج بروحها إلى السماء، فلما ذكرها أشار إلى السماء، وكانت خديجة إذ ذاك في الحياة فكانت في الأرض فلما ذكرها أشار إلى الأرض، وعلى تقدير أن يكون بعد موت خديجة فالمراد أنهما خير من صعد بروحهنَّ إلى السماء وخير من دفن جسدهنَّ الطاهر في الأرض، وتكون الإشارة عند ذكر كل واحدة منهما . والذي يظهر لي أن قوله : " خير نسائها " خبر مقدم والضمير لمريم فكأنه قال مريم خير نسائها أي نساء زمانها، وكذا في خديجة. وقد جزم كثير من الشراح أن المراد نساء زمانها لما تقدم في أحاديث الأنبياء في قصة موسى وذكر آسية من حديث أبي موسى رفعه " كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم وآسية " فقد أثبت في هذا الحديث الكمال لآسية كما أثبته لمريم، فامتنع حمل الخيرية في حديث الباب على الإطلاق، وجاء ما يفسر المراد صريحا، فروى البزار والطبراني من حديث عمار بن ياسر رفعه "لقد فضلت خديجة على نساء أمتي كما فضلت مريم على نساء العالمين " وهو حديث حسن الإسناد، واستدل بهذا الحديث على أن خديجة أفضل من عائشة . قال ابن التين : ويحتمل أن لا تكون عائشة دخلت في ذلك لأنها كان لها عند موت خديجة ثلاث سنين، فلعل المراد النساء البوالغ . كذا قال، وهو ضعيف، فإن المراد بلفظ النساء أعم من البوالغ، ومن لم تبلغ أعم ممن كانت موجودة وممن ستوجد . وقد أخرج النسائي بإسناد صحيح وأخرج الحاكم من حديث ابن عباس مرفوعا " أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة ومريم وآسية "وهذا نص صريح لا يحتمل التأويل . قال القرطبي : لم يثبت في حق واحدة من الأربع أنها نبية إلا مريم . وقد أورد ابن عبدالبر من وجه آخر عن ابن عباس رفعه :"سيدة نساء العالمين مريم ثم فاطمة ثم خديجة ثم آسية " قال : وهذا حديث حسن يرفع الإشكال، ومن قال : إن مريم ليست بنبية أول هذا الحديث وغيره بأن " مَن " وإن لم تذكر في الخبر فهي مرادة . قال القرطبي :" الحديث الثاني الدال على الترتيب ليس بثابت، وأصله عند أبي داود والحاكم بغير صيغة ترتيب، وقد يتمسك بحديث الباب من يقول : إن مريم ليست بنبية لتسويتها في حديث الباب بخديجة، وليست خديجة بنبية بالاتفاق . والجواب أنه لا يلزم من التسوية في الخيرية التسوية في جميع الصفات، والله أعلم " . وقد جاء عند السهيلي في الروض الأنف :" وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ :"خَيْرُ نِسَائِهَا : مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَخَيْرُ نِسَائِهَا : خَدِيجَةُ "وَالْهَاءُ فِي نِسَائِهَا حِينَ ذَكَرَ مَرْيَمَ عَائِدَةً عَلَى السّمَاءِ وَالْهَاءُ فِي نِسَائِهَا حِينَ ذَكَرَ خَدِيجَةَ عَائِدَةٌ عَلَى الْأَرْضِ وَذَلِكَ أَنّ هَذَا الْحَدِيثَ رَوَاهُ وَكِيعٌ وَأَبُو أُسَامَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ فِي آخَرَيْنِ وَأَشَارَ وَكِيعٌ مِنْ بَيْنَهُمْ حِينَ حَدّثَ بِالْحَدِيثِ بِإِصْبَعِهِ إلَى السّمَاءِ عِنْدَ ذِكْرِ مَرْيَمَ، وَإِلَى الْأَرْضِ عِنْدَ ذِكْرِ خَدِيجَةَ، وَهَذِهِ إشَارَةٌ لَيْسَتْ مِنْ رَأْيِهِ وَإِنّمَا هِيَ زِيَادَةٌ مِنْ حَدِيثِهِ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلّمَ وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ مَقْبُولَةٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى إشَارَتِهِ إلَى السّمَاءِ وَالْأَرْضِ عِنْدَ ذِكْرِهِمَا، أَيْ هُمَا خَيْرُ نِسَاءٍ بَيْنَ السّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهَذَا أَثْبَتُ عِنْدِي [القول مازال للإمام السهيلي] بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ . وَلَعَلّنَا [أي السهيلي] أَنْ نَذْكُرَ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِي التّفْضِيلِ بَيْنَ مَرْيَمَ وَخَدِيجَةَ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُنّ وَأَزْوَاجِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَا نَزَعَ بِهِ كُلّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ." نهاية السهيلي ]. وقد روى الفاكهي في " كتاب مكة " عن أنس :" أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند أبي طالب، فاستأذنه أن يتوجه إلى خديجة فأذن له، وبعث بعده جارية له يقال لها "نبعة" فقال لها:" انظري ما تقول له خديجة؟"، قالت نبعة :" فرأيت عجباً، ما هو إلا أن سمعت به خديجة فخرجت إلى الباب فأخذت بيده فضمتها إلى صدرها ونحرها ثم قالت :" بأبي وأمي، والله ما أفعل هذا لشيء، ولكني أرجو أن تكون أنت النبي الذي ستبعث، فإن تكن هو فاعرف حقي ومنزلتي وادع الإله الذي يبعثك لي . قالت : فقال لها :" والله لئن كنت أنا هو قد اصطنعت عندي ما لا أضيعه أبدا، وإن يكن غيري فإن الإله الذي تصنعين هذا لأجله لا يضيعك أبدا " .
(5.) تقَوْلُ السيدة خَدِيجَة رضي الله عنها :" اللّهُ السّلَامُ وَمِنْهُ السّلَامُ وَعَلَى جِبْرِيلَ السّلَامُ ".
تحقيق قولها :" عَلِمَتْ بِفِقْهِهَا أَنّ اللّهَ سُبْحَانَهُ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ السّلَامُ كَمَا يَرِدُ عَلَى الْمَخْلُوقِ لِأَنّ السّلَامَ دُعَاءٌ بِالسّلَامَةِ فَكَانَ مَعْنَى قَوْلِهَا : "اللّهُ السّلَامُ"؛ فَكَيْفَ أَقُولُ عَلَيْهِ السّلَامُ وَالسّلَامُ مِنْهُ يُسْأَلُ وَمِنْهُ يَأْتِي؟؛ وَلَكِنْ عَلَى جِبْرِيلَ السّلَامُ فَاَلّذِي يَحْصُلُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ الْفِقْهِ أَنّهُ لَا يَلِيقُ بِاَللّهِ سُبْحَانَهُ إلّا الثّنَاءُ عَلَيْهِ فَجَعَلَتْ مَكَانَ رَدّ التّحِيّةِ عَلَى اللّهِ ثَنَاءً عَلَيْهِ كَمَا عَمِلُوا فِي التّشَهّدِ حِينَ قَالُوا:" السّلَامُ عَلَى اللّهِ مِنْ عِبَادِهِ السّلَامُ عَلَى فُلَانٍ"؛ فَقِيلَ لَهُمْ لَا تَقُولُوا هَذَا، وَلَكِنْ قُولُوا :" التّحِيّاتُ لِلّهِ". وَقَوْلُهَا :" وَمِنْهُ السّلَامُ " إنْ كَانَتْ أَرَادَتْ السّلَامَ التّحِيّةَ فَهُوَ خَبَرٌ يُرَادُ بِهِ التّشَكّرُ كَمَا تَقُولُ هَذِهِ النّعْمَةُ مِنْ اللّهِ وَإِنْ كَانَتْ أَرَادَتْ السّلَامَ بِالسّلَامَةِ مِنْ سُوءٍ فَهُوَ خَبَرٌ يُرَادُ بِهِ الْمَسْأَلَةُ كَمَا تَقُولُ مِنْهُ يُسْأَلُ الْخَيْرُ . وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ اللّغَةِ إلَى أَنّ السّلَامَ وَالسّلَامَةَ بِمَعْنَى وَاحِدٍ كَالرّضَاعِ وَالرّضَاعَةِ وَلَوْ تَأَمّلُوا كَلَامَ الْعَرَبِ وَمَا تُعْطِيهِ هَاءُ التّأْنِيثِ مِنْ التّحْدِيدِ لَرَأَوْا أَنّ بَيْنَهُمَا فُرْقَانًا عَظِيمًا، وَأَنّ الْجَلَالَ أَعَمّ مِنْ الْجَلَالَةِ بِكَثِيرِ وَأَنّ اللّذَاذَ أَبْلَغُ مِنْ اللّذَاذَةِ وَأَنّ الرّضَاعَةَ تَقَعُ عَلَى الرّضْعَةِ الْوَاحِدَةِ وَالرّضَاعُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ السّلَامُ وَالسّلَامَةُ وَقِسْ عَلَى هَذَا : تَمْرَةً وَتَمْرًا، وَلَقَاةً وَلَقًى، وَضَرْبَةً وَضَرْبًا، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَتَسَمّى سُبْحَانَهُ بِــ"السّلَامِ" لِمَا شَمِلَ جَمِيعَ الْخَلِيقَةِ، وَعَمّهُمْ مِنْ السّلَامَةِ مِنْ الِاخْتِلَالِ وَالتّفَاوُتِ إذْ الْكُلّ جَارٍ عَلَى نِظَامِ الْحِكْمَةِ كَذَلِكَ سَلِمَ الثّقَلَانِ مِنْ جَوْرٍ وَظُلْمٍ أَنْ يَأْتِيَهُمْ مِنْ قِبَلِهِ سُبْحَانَهُ فَإِنّمَا الْكُلّ مُدَبّرٌ بِفَضْلِ أَوْ عَدْلٍ أَمّا الْكَافِرُ فَلَا يَجْرِي عَلَيْهِ إلّا عَدْلُهُ وَأَمّا الْمُؤْمِنُ فَيَغْمُرُهُ فَضْلُهُ فَهُوَ سُبْحَانَهُ فِي جَمِيعِ أَفْعَالِهِ سَلَامٌ لَا حَيْفَ وَلَا ظُلْمَ وَلَا تَفَاوُتَ وَلَا اخْتِلَالَ وَمَنْ زَعَمَ مِنْ الْمُفَسّرِينَ لِهَذَا الِاسْمِ أَنّهُ تَسَمّى بِهِ لِسَلَامَتِهِ مِنْ الْآفَاتِ وَالْعُيُوبِ فَقَدْ أَتَى بِشَنِيعِ مِنْ الْقَوْلِ إنّمَا السّلَامُ مَنْ سُلِمَ مِنْهُ وَالسّالِمُ مَنْ سَلِمَ مِنْ غَيْرِهِ؛ وَالسّلَامَةُ خَصْلَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ خِصَالِ السّلَامِ . (هذا ما يقوله السهيلي في الروض الأنف).
(6. ) جاء في البداية والنهاية لابن كثير عن عبدالله بن عمر أنه قال : نزل جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما أرسل به وجلس يحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ مرت خديجة فقال جبريل :" من هذه يا محمد!؟"، قال :" هذه صديقة أمتي"، قال:" جبريل معي إليها رسالة من الرب عز وجل يقرئها السلام ويبشرها ببيت في الجنة من قصب بعيد من اللهب لا نصب فيه ولا صخب " ، قالت:" الله السلام ومنه السلام والسلام عليكما ورحمة الله وبركاته على رسول الله، ما ذلك البيت الذي من قصب !. قال :" لؤلؤة جوفاء بين بيت مريم بنت عمران وبيت آسية بنت مزاحم وهما من أزواجي يوم القيامة " . بيْدَ أنَّ في إسناده نظر، كما يقول أهل العلم .
(7. ) بيَّن النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فضلها حين قال: ( أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون ، ومريم ابنة عمران رضي الله عنهن أجمعين ) رواه الإمام أحمد بن حنبل .
(8. ) أمهات المؤمنين في مدرسة النبوة ص 48 .
(9) حديث غريب من حديث قتادة تفرد به عنه معمر، رواه الترمذي في سننه، وقال : صحيح ورواه أيضاً أبو نعيم في: حلية الأولياء. وجاء برواية آخرى :" عن عبدالله بن عباس :" أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون" رواه: النووي في: تهذيب الأسماء واللغات وقال إسناده حسن، وجاء في رواية أنس بن مالك " خير نساء العالمين أربع مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد " رواه ابن القيسراني في: ذخيرة الحفاظ وذكر أن : [فيه] عبدالله بن أبي جعفر لم يتابع على روايته هذا الحديث عن أبيه، وأورده ابن عدي في : الكامل في الضعفاء. وجاءت رواية آخرى عن قرة بن إياس المزني :" كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا ثلاث مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وخديجة بنت خويلد وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام" رواه ابن كثير في: البداية والنهاية وقال إسناده صحيح إلى شعبة وبعده، ورواية أنس بن مالك :" خير نساء العالمين أربع مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم " .
(10. ) سنتحدث في السلسلة عن غيرة النساء في فصل لاحق .
(11. ) سير أعلام النبلاء (3 / 56) .
(12. ) قال الإمام النووي في شرحه لــ"صحيح مسلم" بعد أن ذكر حديثاً عن أبي موسى قال :" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء غير مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام " . فقال في قوله صلى الله عليه وسلم :" كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء غير مريم بنت عمران ، وآسية امرأة فرعون ". يقال : كمَـُـِل بفتح الميم وضمها وكسرها ثلاث لغات مشهورات، الكسر ضعيف . قال القاضي : هذا الحديث يستدل به من يقول بنبوة النساء ونبوة آسية ومريم ، والجمهور على أنهما ليستا نبيتين، بل هما صديقتان ووليتان من أولياء الله تعالى ، ولفظة " الكمال" تطلق على تمام الشيء وتناهيه في بابه، والمراد هنا التناهي في جميع الفضائل وخصال البر والتقوى . قال القاضي : فإن قلنا : هما نبيتان، فلا شك أن غيرهما لا يلحق بهما، وإن قلنا : وليتان لم يمتنع أن يشاركهما من هذه الأمة غيرهما . هذا كلام القاضي، وهذا الذي نقله من القول بنبوتهما غريب ضعيف، وقد نقل جماعة الإجماع على عدمها . والله أعلم . ونزيد فائدة من قوله صلى الله عليه وسلم :"وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام " قال العلماء : معناه أن الثريد من كل الطعام أفضل من المرق، فثريد اللحم أفضل من مرقه بلا ثريد، وثريد ما لا لحم فيه أفضل من مرقه، والمراد بالفضيلة نفعه، والشبع منه، وسهولة مساغه، والالتذاذ به، وتيسر تناوله، وتمكن الإنسان من أخذ كفايته منه بسرعة، وغير ذلك، فهو أفضل من المرق كله، ومن سائر الأطعمة . وفضل عائشة على النساء زائد كزيادة فضل الثريد على غيره من الأطعمة . وليس في هذا تصريح بتفضيلها على مريم وآسية ؛ لاحتمال أن المراد تفضيلها على نساء هذه الأمة . [هذا ما جاء عند الإمام النووي] ؛ والكمال من فضائل النفس ودرجة القرب وصحة اليقين وذروة الإيمان، فأعطت ـ أمنا السيدة خديجة رضي الله عنها ـ القدوة في الفطنة والبصيرة والصبر والتضحية والجود وطهارة النفس والعفة والوفاء وهي زهرة فاح أريجها بعطر الإيمان فآزرت النبي في دعوته، وآنسته في وحدته .
ــــ
يتبع بإذن الواجد القادر على كل شئ وهو السميع البصير