القسم الثالث : بيان التفسير الصحيح للاية 37 من سورة الاحزاب .

القول الصحيح المبني على الروايات الصحيحة الثابتة و الذي عليه اهل التحقيق في تفسير الاية الكريمة في سورة الاحزاب : ((وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37)) هو: ان الله عز وجل اوحى للنبي صلى الله عليه وسلم ان زيد سيطلق زينب و انه سيتزوجها فشق ذلك عليه و خشي مقالة الناس ثم جاءه زيد يشتكيها فقال له امسك عليك زوجك و اتقي الله فلما طلقها زيد انزل الله عز وجل هذه الايات بعد عدة زينب عتابا للنبي صلى الله عليه وسلم لخشيته مقالة الناس و كانه كان الاولي ان لا يخشى مقالة الناس و تضمنت الاية حكما و خبرا من الله عز وجل بتزويج زينب رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم و ذلك تاكيدا على الحكم المسبق بتحريم التبني و رفع الحرج عن المؤمنين في الزواج من ارامل و مطلقات ادعيائهم في الجاهلية .

نقرا من تفسير ابن كثير رحمه الله سورة الاحزاب :
((وقوله : ( لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا ) أي : إنما أبحنا لك تزويجها وفعلنا ذلك; لئلا يبقى حرج على المؤمنين في تزويج مطلقات الأدعياء ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قبل النبوة قد تبنى زيد بن حارثة ، فكان يقال له : " زيد بن محمد " ، فلما قطع الله هذه النسبة بقوله تعالى : ( وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله ) ، ثم زاد ذلك بيانا وتأكيدا بوقوع تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش لما طلقها زيد بن حارثة ; ولهذا قال في آية التحريم : ( وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم ) [ النساء : 23 ] ليحترز من الابن الدعي; فإن ذلك كان كثيرا فيهم ))

نقرا في تفسير القرطبي رحمه الله سورة الاحزاب :
((وروي عن علي بن الحسين : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أوحى الله تعالى إليه أن زيدا يطلق زينب ، وأنه يتزوجها بتزويج الله إياها ، فلما تشكى زيد للنبي صلى الله عليه وسلم خلق زينب ، وأنها لا تطيعه ، وأعلمه أنه يريد طلاقها ، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم على جهة الأدب والوصية : اتق الله في قولك وأمسك عليك زوجك وهو يعلم أنه سيفارقها ويتزوجها ، وهذا هو الذي أخفى في نفسه ، ولم يرد أن يأمره بالطلاق لما علم أنه سيتزوجها ، وخشي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلحقه قول من الناس في أن يتزوج زينب بعد زيد ، وهو مولاه ، وقد أمره بطلاقها ، فعاتبه الله تعالى على هذا القدر من أن خشي الناس في شيء قد أباحه الله له ، بأن قال : أمسك مع علمه بأنه يطلق . وأعلمه أن الله أحق بالخشية ، أي في كل حال . قال علماؤنا رحمة الله عليهم : وهذا القول أحسن ما قيل في تأويل هذه الآية ، وهو الذي عليه أهل التحقيق من المفسرين والعلماء الراسخين ، كالزهري والقاضي بكر بن العلاء القشيري ، والقاضي أبي بكر ابن العربي وغيرهم . والمراد بقوله تعالى : وتخشى الناس إنما هو إرجاف المنافقين بأنه نهى عن تزويج نساء الأبناء وتزوج بزوجة ابنه ))

ونقرا من تفسير البغوي رحمه الله سورة الاحزاب :
((وروى سفيان بن عيينة عن علي بن زيد بن جدعان قال : سألني علي بن الحسين زين العابدين ما يقول الحسن في قوله : ( وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه ) ؟ قلت : يقول لما جاء زيد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا نبي الله إني أريد أن أطلق زينب فأعجبه ذلك ، فقال : أمسك عليك زوجك واتق الله ، فقال علي بن الحسين : ليس كذلك ، كان الله تعالى قد أعلمه أنها ستكون من أزواجه وأن زيدا سيطلقها ، فلما جاء زيد وقال : إني أريد أن أطلقها قال له : أمسك عليك زوجك ، فعاتبه الله وقال : لم قلت : أمسك عليك زوجك ، وقد أعلمتك أنها ستكون من أزواجك ؟ وهذا هو الأولى والأليق بحال الأنبياء وهو مطابق للتلاوة لأن الله علم أنه يبدي ويظهر ما أخفاه ولم يظهر غير تزويجها منه فقال : " زوجناكها " فلو كان الذي أضمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محبتها أو إرادة طلاقها لكان يظهر ذلك لأنه لا يجوز أن يخبر أنه يظهره ثم يكتمه فلا يظهره ، فدل على أنه إنما عوتب على إخفاء ما أعلمه الله أنها ستكون زوجة له ، وإنما أخفاه استحياء أن يقول لزيد : التي تحتك وفي نكاحك ستكون امرأتي ، وهذا قول حسن مرض ، وإن كان القول الآخر وهو أنه أخفى محبتها أو نكاحها لو طلقها لا يقدح في حال الأنبياء ، لأن العبد غير ملوم على ما يقع في قلبه في مثل هذه الأشياء ما لم يقصد فيه المآثم ، لأن الود وميل النفس من طبع البشر . ))

نقرا من تفسير اضواء البيان للشنقيطي رحمه الله سورة الاحزاب :
(( قد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن من أنواع البيان التي تضمنها بيان الإجمال الواقع بسبب الإبهام في صلة موصول ، وذكرنا أن من أمثلة ذلك قوله تعالى : وتخفي في نفسك ما الله مبديه [ 33 \ 37 ] ، لأن جملة : الله مبديه صلة الموصول الذي هو ما . وقد قلنا في الترجمة المذكورة : فإنه هنا أبهم هذا الذي أخفاه - صلى الله عليه وسلم - في نفسه وأبداه الله ، ولكنه أشار إلى أن المراد به زواجه - صلى الله عليه وسلم - زينب بنت جحش - رضي الله عنها - حيث أوحى إليه ذلك ، وهي في ذلك الوقت تحت زيد بن حارثة ; لأن زواجه إياها هو الذي أبداه الله بقوله : فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها [ 33 \ 37 ] ، وهذا هو التحقيق في معنى الآية الذي دل عليه القرآن ، وهو اللائق بجنابه - صلى الله عليه وسلم . وبه تعلم أن ما يقوله كثير من المفسرين من أن ما أخفاه في نفسه - صلى الله عليه وسلم - وأبداه الله وقوع [ ص: 240 ] زينب في قلبه ومحبته لها ، وهي تحت زيد ، وأنها سمعته قال : " سبحان مقلب القلوب " إلى آخر القصة ، كله لا صحة له ، والدليل عليه أن الله لم يبد من ذلك شيئا ، مع أنه صرح بأنه مبدي ما أخفاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، انتهى محل الغرض من كلامنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك . ))

نقرا في تفسير البحر المحيط لابي حيان سورة الاحزاب :
(( وإذ تقول ) الخطاب للرسول ، عليه السلام . ( للذي أنعم الله عليه ) بالإسلام ، وهو أجل النعم ، وهو زيد بن حارثة الذي كان الرسول صلى الله عليه وسلم تبناه . ( وأنعمت عليه ) وهو عتقه ، وتقدم طرف من قصته في أوائل السورة . ( أمسك عليك زوجك ) وهي زينب بنت جحش ، وتقدم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان خطبها له . وقيل : أنعم الله عليه بصحبتك ومودتك ، وأنعمت عليه بتبنيه . فجاء زيد فقال : يا رسول الله ، إني أريد أن أفارق صاحبتي ، فقال : " أرابك منها شيء ؟ " قال : لا والله ولكنها تعظم علي لشرفها وتؤذيني بلسانها ، فقال : " ( أمسك عليك زوجك ) " ، أي : لا تطلقها ، وهو أمر ندب ، " ( واتق الله ) في معاشرتها " . فطلقها ، وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بعد انقضاء عدتها . وعلل تزويجه إياها بقوله : ( لكي لا يكون على المؤمنين حرج ) في أن يتزوجوا زوجات من كانوا تبنوه إذا فارقوهن ، وأن هؤلاء الزوجات ليست داخلات فيما حرم في قوله : ( وحلائل أبنائكم ) .


وقال علي بن الحسين : كان قد أوحى الله إليه أن زيدا سيطلقها ، وأنه يتزوجها بتزويج الله إياها . فلما شكا زيد خلقها ، وأنها لا تطيعه ، وأعلمه بأنه يريد طلاقها ، قال له " ( أمسك عليك زوجك واتق الله ) " ، على طريق الأدب والوصية ، وهو يعلم أنه سيطلقها . وهذا هو الذي أخفى في نفسه ، ولم يرد أنه يأمره بالطلاق . ولما علم من أنه سيطلقها ، وخشي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلحقه قول من الناس في أن يتزوج زينب بعد زيد ، وهو مولاه ، وقد أمره بطلاقها ، فعاتبه الله على هذا القدر في شيء قد أباحه الله بأن قال ; ( أمسك ) مع علمه أنه يطلق ، فأعلمه أن الله أحق بالخشية ، أي : في كل حال . انتهى . وهذا المروي عن علي بن الحسين ، هو الذي عليه أهل التحقيق من المفسرين ، كالزهري ، وبكر بن العلاء ، والقشيري ، والقاضي أبي بكر بن العربي وغيرهم . والمراد بقوله : ( وتخشى الناس ) إنما هو إرجاف المنافقين في تزويج نساء الأنبياء ، والنبي معصوم في حركاته وسكناته . ولبعض المفسرين كلام في الآية يقتضي النقص من منصب النبوة ، ضربنا عنه صفحا ))

و نقرا في تفسير الالوسي رحمه الله سورة الاحزاب :
((وحاصل العتاب لما قلت أمسك عليك زوجك، وقد أعلمتك أنه ستكون من أزواجك، وهو مطابق للتلاوة لأن الله تعالى أعلم أنه مبدي ما أخفاه عليه الصلاة والسلام ولم يظهر غير تزويجها منه فقال سبحانه: زوجناكها فلو كان المضمر محبتها وإرادة طلاقها ونحو ذلك لأظهره جل وعلا، وللقصاص في هذه القصة كلام لا ينبغي أن يجعل في حيز القبول. ))

وقال ابن حجر رحمه الله في فتح الباري شرح صحيح البخاري كتاب تفسير القران :
(( وقد أخرج ابن أبي حاتم هذه القصة من طريق السدي فساقها سياقا واضحا حسنا ولفظه " بلغنا أن هذه الآية نزلت في زينب بنت جحش ، وكانت أمها أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يزوجها زيد بن حارثة مولاه فكرهت ذلك ، ثم إنها رضيت بما صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فزوجها إياه ، ثم أعلم الله عز وجل نبيه - صلى الله عليه وسلم - بعد أنها من أزواجه فكان يستحي أن يأمر بطلاقها ، وكان لا يزال يكون بين زيد وزينب ما يكون من الناس ، فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يمسك عليه زوجه وأن يتقي الله ، وكان يخشى الناس أن يعيبوا عليه ويقولوا تزوج امرأة ابنه ، وكان قد تبنى زيدا " . وعنده من طريق علي بن زيد عن علي بن الحسين بن علي قال : أعلم الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن زينب ستكون من أزواجه قبل أن يتزوجها ، فلما أتاه زيد يشكوها إليه وقال له : اتق الله وأمسك عليك زوجك قال : الله : قد أخبرتك أني مزوجكها ، وتخفي في نفسك ما الله مبديه . وقد أطنب الترمذي الحكيم في تحسين هذه الرواية وقال : إنها من جواهر العلم المكنون . وكأنه لم يقف على تفسير السدي الذي أوردته ، وهو أوضح سياقا وأصح إسنادا إليه لضعف علي بن زيد بن جدعان . وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال : جاء زيد بن حارثة فقال : يا رسول الله إن زينب اشتد علي لسانها ، وأنا أريد أن أطلقها ، فقال : له : اتق الله وأمسك عليك زوجك ، قال : والنبي - صلى الله عليه وسلم - يحب أن يطلقها ويخشى قالة الناس . ووردت آثار أخرى أخرجها ابن أبي حاتم والطبري ونقلها كثير من المفسرين لا ينبغي التشاغل بها ، والذي أوردته منها هو المعتمد . والحاصل أن الذي كان يخفيه النبي - صلى الله عليه وسلم - هو إخبار الله إياه أنها ستصير زوجته ، والذي كان يحمله على إخفاء ذلك خشية قول الناس تزوج امرأة ابنه ، وأراد الله إبطال ما كان أهل الجاهلية عليه من أحكام التبني بأمر لا أبلغ في الإبطال منه وهو تزوج امرأة الذي يدعى ابنا . ووقوع ذلك من إمام المسلمين ليكون أدعى لقبولهم . وإنما وقع الخبط في تأويل متعلق الخشية والله أعلم ))


يتبع مع القسم الرابع و الاخير