لكن إذا أردنا تحليل الهدف الذي جعل بولس يختلق هذه القصة فإنا نقول: يبدو أن بولس اندفع للنصرانية بسبب يأسه من هزيمة أتباع المسيح، فقد رآهم يثبتون على الحق رغم فنون العذاب الذي صبه عليهم، وهذا الشعور واضح في قول بولس أن المسيح قال له: "صعب عليك أن ترفس مناخس" (أعمال 26/14).
و يُستغرب هنا كيف ينقل شخص من الكفر والعداوة إلى القديسية والرسالة من غير أن يمر حتى بمرحلة الإيمان، فمن الممكن تصديق التحول من فرط العداوة إلى الإيمان، أما إلى النبوة والرسالة من غير إعداد وتهيئة فلا، ومن المعلوم أن أحداً من الأنبياء لم ينشأ على الكفر، فهم معصومون من ذلك.
و لنا أن نتساءل كيف لبولس أن يجزم بأن من رآه في السماء وكلمه كان المسيح وليس غيره، إذ هو لم يلق المسيح طوال حياته.
ثانياً:من الذى عيَّنَ بولس رسولاً؟
• بولس ليس رسولاً بنص الكتاب
إن المسيح عليه السلام كان له تلاميذ وحواريين وهؤلاء هم رسله فبعد رفع عيسى عليه السلام اختار التلاميذ فرداً آخر، وهو متياس (26ثُمَّ أَلْقَوْا قُرْعَتَهُمْ فَوَقَعَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى مَتِّيَاسَ فَحُسِبَ مَعَ الأَحَدَ عَشَرَ رَسُولاً) أعمال 1: 26
أي أن بولس لم يكن من ضمن الرسل وينتابني شعور غريب لماذا بولس تبوأ هذا القدر والمكانة في المسيحية ولماذا تقدم أقواله على أقوال المسيح وجميع التلاميذ ولماذا قٌبِلَت رسائل بولس الذى ادعى أنه يتبع تعاليم يسوع دون أن يتتلمذ على يديه. بل رُفِضَت كتابات التلاميذ ومنهم بطرس الذى بنى يسوع عليه كنيسته وجعل كل ما يربطه على الأرض يكون مربوطاً فى السماء وكل ما يحله على الأرض يكون محلولاً فى السماء؟
• بولس يشعر بالنقص
لكن بولس هو الذى افتخر بنفسه، وعدَّ نفسه ضمن الرسل: (5لأَنِّي أَحْسِبُ أَنِّي لَمْ أَنْقُصْ شَيْئاً عَنْ فَائِقِي الرُّسُلِ.) كورنثوس الثانية 11: 5
بولس هو الذي منح نفسه درجة الرسالة وكان مبرره وجهة نظره الشخصية أنه لا يقل بأي حال من الأحوال عن تلاميذ المسيح ورسله مجرد رأيه الشخصي ولم يستخدم في الفقرة حتى أسلوب الجزم بأنه لا ينقص شيئاًَ بل يحسب أي أن الأمر ظن أي أنه يقول هؤلاء الرسل ما الذي فعلوه زائداً عني، أظن أنهم لم يفعلوا شيئاً يزيد عما فعلته لأجل رفع شأن المسيح وجعله من مجرد نبي ورسول إلى إله يعبد وإزداد مجده بذلك لذلك فأنا لا أقل عن هؤلاء الرسل شيئاً.
ومن الأمور التي وقف عليها المحققون في شخصية بولس تلونه ونفاقه واحترافه للكذب في سبيل الوصول لغايته.
• بولس يتهم نفسه بالغباء:
(11قَدْ صِرْتُ غَبِيّاً وَأَنَا أَفْتَخِرُ. أَنْتُمْ أَلْزَمْتُمُونِي! لأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ أُمْدَحَ مِنْكُمْ، إِذْ لَمْ أَنْقُصْ شَيْئاً عَنْ فَائِقِي الرُّسُلِ، وَإِنْ كُنْتُ لَسْتُ شَيْئاً.) 2كورنثوس 12: 11
أعزكم الله انظروا كيف لو أن أحد الناس يتهمك بالغباء ماذا سيكون رد فعلك إنه الغضب كرد فعل الإنسان الطبيعي ولكنه بولس يعترف أنه غبياً ويفتخر بغبائه ويعيب على الذين كان يدعوهم ويكرز بينهم بالمسيحية أنهم لم يمتدحوه فقال بسلوككم هذا نحوي فأنا غبي أفتخر بغبائي لأنه كان ينبغي أن أمدح بينكم لأنني لا أنقص شيئاً عن رسل المسيح وهنا إستدلال على أنه ليس من رسل المسيح ولا رأى المسيح وفي النهاية يعترف وإن كنت لست شيئاً تلك هي الحقيقة أن بولس لا يساوي شيئاً حتى في نظر نفسه.
أنظر كيف أنه يلوم من يدعوهم على أنهم لم يمتدحوه هل هذا كان سلوك أحد من الرسل إذا تحدثنا عن ميزان الرسالة، هل الرسل يتهمون أنفسهم بالغباء، بل والأدهى يفاخر بأنه غبي، هل الرسل يستجدون المدح ويطلبونه من الناس، هل الرسل يعترفون بأنهم لا شيء.
• بولس يعترف انه انسان تعيس ولا يسكن في جسده الصلاح !
يقول في رسالته إلي أهل روما: (7/15-24)
((15فَإِنَّ مَا أَفْعَلُهُ لاَ أَمْلِكُ السَّيْطَرَةَ عَلَيْهِ: إِذْ لاَ أُمَارِسُ مَا أُرِيدُهُ، وَإِنَّ مَا أُبْغِضُهُ فَإِيَّاهُ أَعْمَلُ. 16فَمَا دُمْتُ أَعْمَلُ مَا لاَ أُرِيدُهُ، فَإِنِّي أُصَادِقُ عَلَى صَوَابِ الشَّرِيعَةِ. 17فَالآنَ، إِذَنْ، لَيْسَ بَعْدُ أَنَا مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ، بَلِ الْخَطِيئَةُ الَّتِي تَسْكُنُ فِيَّ. 18لأَنَّنِي أَعْلَمُ أَنَّهُ فِيَّ، أَيْ فِي جَسَدِي، لاَ يَسْكُنُ الصَّلاَحُ: فَأَنْ أُرِيدَ الصَّلاَحَ ذَلِكَ مُتَوَفِّرٌ لَدَيَّ؛ وَأَمَّا أَنْ أَفْعَلَهُ، فَذَلِكَ لاَ أَسْتَطِيعُهُ. 19فَأَنَا لاَ أَعْمَلُ الصَّلاَحَ الَّذِي أُرِيدُهُ؛ وَإِنَّمَا الشَّرُّ الَّذِي لاَ أُرِيدُهُ فَإِيَّاهُ أُمَارِسُ. 20وَلكِنْ، إِنْ كَانَ مَا لاَ أُرِيدُهُ أَنَا إِيَّاهُ أَعْمَلُ، فَلَيْسَ بَعْدُ أَنَا مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ، بَلِ الْخَطِيئَةُ الَّتِي تَسْكُنُ فِيَّ. 21إِذَنْ، أَجِدُ نَفْسِي، أَنَا الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ مَا هُوَ صَالِحٌ، خَاضِعاً لِهَذَا النَّامُوسِ: 22أَنَّ لَدَيَّ الشَّرَّ. فَإِنَّنِي، وَفْقاً لِلإِنْسَانِ الْبَاطِنِ فِيَّ، أَبْتَهِجُ بِشَرِيعَةِ اللهِ. 23وَلكِنَّنِي أَرَى فِي أَعْضَائِي نَامُوساً آخَرَ يُحَارِبُ الشَّرِيعَةَ الَّتِي يُرِيدُهَا عَقْلِي، وَيَجْعَلُنِي أَسِيراً لِنَامُوسِ الْخَطِيئَةِ الْكَائِنِ فِي أَعْضَائِي. 24فَيَا لِي مِنْ إِنْسَانٍ تَعِيسٍ"
بولس يعترف ويقول بأنه إنسان ضعيف الإرادة ولا يملك السيطرة على نفسه فهو يدعو الناس إلى الفضيلة وإلى أشياء جيدة ولكنه لا يستطيع أن يفعلها ولكنه يفعل ما يبغضه، ويقول طالما أن يأمر بما لا يفعله فهو موافق للشريعة وهو بهذا الميزان كالذي يأمرك بالمعروف ولا يأتيه وينهاك عن المنكر ولا ينتهي وهؤلاء هم أهل الكتاب: "أتامرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون" ويبرر إرتكابه للآثام وخداعه ويقول أن إرتكابه للخطايا ليس بسببه وإنما بالخطيئة الساكنة في جسده وأن جسده ليس مسكناً للصلاح وهو يرى أن الأفعال الصالحة شيء جيد ولكن أعضائه تقاوم هذه الأفعال الصالحة فلا يخضع للناموس للشر الذي ساكن فيه ولهذا السبب فهو تعيس.