افتراء جديد او شبهة جديدة


الريح والشياطين وسليمان:

ولسليمانَ الريحَ عاصفةً تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها، وكنّا بكل شيءٍ عالمين. ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملاً دون ذلك، وكنا لهم حافظين (آيتا 81 ، 82).

قالوا: يعني أن الله سخّر الريح تجري بأمره، وكانت الشياطين يدخلون تحت الماء فيُخرِجون له من قعر البحر الجواهر، ويعملون عملاً دون ذلك، أي دون الغواص، وهو اختراع الصنائع العجيبة. وكان الله يحفظ العمل لئلا يفسده الشياطين، الذين دأبهم إفساد ما يعملون! (القرطبي في تفسير هذه الآية). ولا يخفى أن الشياطين أرواحٌ شريرة لا شغل لها سوى إغراء الناس على اقتراف كل منكر. ولا نتصور أنهم يخترعون ما ينفع الإنسان. ومن الخطأ قوله إن الله سخّر الريح لسليمان، وإنها تجري بأمره، كأن الله أشرك سليمان في مُلكه، وهو لا يليق بحكمته وقدرته!

=-=-=-=-=-=-=-=

الرد

قال الإمام سيد قطب في هذا الصدد

{ ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها؛ وكنا بكل شيء عالمين. ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك. وكنا لهم حافظين }..

وتدور حول سليمان روايات وتصورات وأقاويل، معظمها مستمد من الإسرائيليات والتخيلات والأوهام. ولكن لا نضل في هذا التيه. فإننا نقف عند حدود النصوص القرآنية وليس وراءها أثر مستيقن في قصة سليمان بالذات.

والنص القرآني هنا يقرر تسخير الريح ـ وهي عاصفة ـ لسليمان، تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها. وهي في الغالب الشام لسبق الإشارة إليها بهذه الصفة في قصة إبراهيم.. فكيف كان هذا التسخير؟

هنالك قصة بساط الريح الذي قيل: إن سليمان كان يجلس عليه وهو وحاشيته فيطير بهم إلى الشام في فترة وجيزة. وهي مسافة كانت تقطع في شهر على الجمال.


ثم يعود كذلك.. وتستند هذه الرواية إلى ما ورد في سورة " سبأ " من قوله:
{ ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر }

ولكن القرآن لم يذكر شيئاً عن بساط الريح ذاك ؛ ولم يرد ذكره كذلك في أي أثر مستيقن. فليس لنا ما نستند عليه لنقرر مسألة البساط.

والأسلم إذن أن نفسر تسخير الريح بتوجيهها ـ بأمر الله ـ إلى الأرض المباركة في دورة تستغرق شهراً طرداً وعكساً.. كيف؟

لقد قلنا: إن القدرة الإلهية الطليقة لا تسأل كيف؟ فخلق النواميس وتوجيهها هو من اختصاص تلك القدرة الطليقة.

والمعلوم للبشر من نواميس الوجود قليل. ولا يمتنع أن تكون هناك نواميس أخرى خفية على البشر تعمل، وتظهر آثارها عندما يؤذن لها بالظهور: { وكنا بكل شيء عالمين }.. العلم المطلق لا كعلم البشر المحدود.

وكذلك تسخير الجن لسليمان ـ عليه السلام ـ ليغوصوا في أعماق البحر أو أعماق اليابسة. ويستخرجوا كنوزها المخبوءة لسليمان؛ أو ليعملوا له أعمالاً غير هذا وذاك.. فالجن كل ما خفي. وقد قررت النصوص القرآنية أن هناك خلقاً يسمون الجن خافين علينا، فمن هؤلاء سخر الله لسليمان من يغوصون له ويعملون عملاً دون ذلك. وحفظهم فلا يهربون ولا يفسدون ولا يخرجون على طاعة عبده. وهو القاهر فوق عباده يسخرهم حين يشاء كيف يشاء.

وعند هذا الحد المأمون نقف في ظلال النصوص. فلا نسبح في الإسرائيليات.
.