جويرية بنت الحارث ـ رضي الله عنها ـ

من هى :

بــرة بنت الحارث بن أبي ضرار بن حبيب بن عائذ بن مالك‏..‏ و قبيلتها تنتسب إلي حي من خزاعة أبوها زعيم هذه القبيلة التي تسمي ببني المصطلق‏.‏
زوجت برجل من قومها يدعي مسافع بن صفوان‏.‏

كان زواج النبي ـ صلي الله عليه وسلم عقب غزوة بني المصطلق التي كانت ـ علي الراجح ـ في أواخر السنة الخامسة من الهجرة‏,‏ السبب في هذه الغزوة أن الرسول ـ صلي الله عليه وسلم ـ بلغه أن الحارث بن ضرارـ و الد برة ـ أخذ يجمع الجموع لحرب المسلمين‏,‏ وكان هذا الرجل هو وقومه قد ساعدوا المشركين في غزوة أحد‏..‏

فلما تأكد النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ من اعدادهم العدة لحرب المسلمين‏,‏ خرج ـ صلي الله عليه وسلم ـ ومعه عدد كبير من أصحابه‏,‏ وولي علي المدينة في غيابه الصحابي الجليل زيد بن حارثة‏.‏ التقي الجمعان بالقرب من ماء يقال له المريسيع‏,‏ وكان هذا الماء علي مقربة من ديار بني المصطلق‏.‏

لم يطل هذا اللقاء فقد حمل المسلمون عليهم حملة قوية شتتت جموع بني المصطلق‏,‏ وسقط بعضهم قتلي وأسري‏,‏ وكان من بين القتلي مسافع بن صفوان‏,‏ زوج السيدة برة بنت الحارث‏.‏ غنم المسلمون في هذه الغزوة غنائم كثيرة بلغت الآلاف من الإبل والغنم‏..‏ و كان من بين من أخذ في الأسر السيدة برة بنت الحارث‏.‏ عز عليها وهي من هي في عزها وشرفها‏,‏ أن تري قومها وقد ذلوا بعد عز‏,‏ فما كان منها إلا أن ذهبت إلي رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ وقالت له في ضراعة وحياء‏:‏ يا رسول الله‏,‏ أنا بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه‏,‏ وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك‏,‏ وقد وقعت في حوزة ثابت بن قيس‏,‏ فكاتبني علي تسع أواق من الذهب‏,‏ فجئتك أستعينك علي أمري تأثر ـ صلي الله عليه وسلم ـ لتلك الفتاة التي هي بنت سيد قومها‏,‏ وكان ـ صلي الله عليه وسلم ـ يحب أن ينزل الناس منازلهم‏,‏ يقول لأصحابه‏:‏ أكرموا عزيز قوم ذل‏,‏ وغني قوم افتقر‏,‏ وعالما ضاع بين جهال‏.‏
فقال لها بعد أن استمع الي حديثها‏:‏ وهل لك في خير من ذلك؟
قالت له‏:‏ وما الذي هو خير من ذلك يا رسول الله؟
فقال لها‏:‏ أقضي عنك كتابتك وأتزوجك فقالت له‏:‏ نعم ما قلت يا رسول الله‏.‏
قال لها ـ صلي الله عليه وسلم ـ قد فعلت

في رواية‏:‏ أن والد برة بعد أن وقعت في السبي جاء أبوها الحارث ابن أبي ضرار‏,‏ إلي النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ قال له‏:‏ يا محمد‏,‏ أصبتم ابنتي وهذا فداؤها‏,‏ فإن ابنتي لا يسبي مثلها‏,‏ فخل سبيلها‏.‏
قال له ـ صلي الله عليه وسلم‏:‏ أرأيت إن خيرتها أليس قد أحسنت؟ قال‏,‏ بلي‏..‏ فأتاها أبوها فذكر لها‏.‏
ـ لك‏.‏ فقالت‏:‏ اخترت الله ورسوله

في رواية ثالثة‏:‏ أن أباها كان قد أخفي بأحد شعاب مكة بكرين مما جاء به في فداء ابنته لما سأله رسول الله صلي الله عليه وسلم ـ عنهما قال‏:‏ أشهد أنك رسول الله حقا‏.‏ فطلب اليه صلي الله عليه وسلم ـ ابنته‏,‏ فزوجه اياها‏,‏ وكان صداقها أربعمائة درهم وكان عمرها عشرين سنة‏.‏ تم زواج النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ بهذه السيدة الكريمة المنبت‏,‏ وسري خبر زواجه ـ صلي الله عليه وسلم ـ بها في أصحابه الذين شاركوا معه غزوة بني المصطلق‏,‏ وفي جمع الغنائم وفي أسر الرجال وفي سبي النساء‏.‏ سارعوا إلي اطلاق ما تحت أيديهم من أسري ومن سبايا وقالوا‏:‏ اصهار رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ لا يصح إلا أن نكرمهم ونتركهم احرارا‏.‏

ما كان من امرأة أعظم علي قومها بركة منها‏:‏ فقد أعتق بزواجها من رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ أهل مائة بيت من بيوت قبيلة بني المصطلق‏.‏ سماها النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ جويرية كراهة ان يقال خرج من عند برة‏.‏

ظلت السيدة جويرية ـ رضي الله عنها ـ لم تنس تلك اللحظة السعيدة التي لقيت فيها رسول الله صلي الله عليه وسلم ـ التي شرفت فيها بكونها قد صارت من أمهات المؤمنين‏,‏ والتي ترتب عليها ان أعتقت قومها من الاسر والسبي بعد ان صاروا أصهارا لرسول الله ـ صلي الله عليه وسلم‏.‏

قد ترتب علي هذه المعاملة الحسنة التي عامل بها النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ بني المصطلق ـ وهم حي من خزاعة عرفوا بالشجاعة والعزة‏.‏ ترتب علي كل ذلك ان اسلم بنو المصطلق عن بكرة ابيهم وصاروا اخوة للمسلمين بعد ان كانوا أعداء لهم‏.‏ قد كانت جويرية ـ رضي الله عنها ـ امرأة تقية نقية‏,‏ ذات ذكاء حاد‏,‏ وفراسة ثاقبة‏,‏ اقبلت علي العبادة والطاعة لله ـ عز وجل ـ ولرسوله ـ صلي الله عليه وسلم ـ منذ دخلت في الإسلام‏.‏ تقول ـ رضي الله عنها ـ رأيت في المنام قبل قدوم رسول الله صلي الله عليه وسلم ـ لغزونا بثلاث ليال‏,‏ كأن القمر يسير من يثرب حتي وقع في حجري‏,‏ فكرهت أن اخبر أحدا بذلك‏,‏ فلما وقعت في السبي رجوت تحقق الرؤيا‏,‏ فأعتقني رسول الله صلي الله عليه وسلم ـ وتزوجني‏.‏

وعاشت ـ رضي الله عنها ـ في بيت النبوية تصوم النهار‏,‏ وتقوم الليل‏,‏ روت ان رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ خرج من عندها لصلاة الصبح وهي في مسجد بيتها‏,‏ ثم رجع اليها بعد أن أضحي فوجدها في مسجدها عاكفة‏,‏ فقال لها‏:‏ أمازلت علي الحالة التي تركتك عليها ؟ فقالت نعم‏,‏ فقال لها‏:‏ لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات‏,‏ لو وزنت بما قلتيه منذ اليوم لوزنتهن‏,‏ وهي‏:‏ سبحان الله عدد خلقه‏,‏ ورضا نفسه‏,‏ وزنة عرشه‏,‏ ومداد كلماته‏.‏

قد روت عن النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ عددا قليلا من الاحاديث النبوية ـ وتوفيت في خلافة معاوية سنة ست وخمسين‏,‏ ودفنت بالبقيع ـ رضي الله عنها ـ



عن فضيلة امام الأزهر