
-
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ
:bsm:
السلام عليكم ورحمة الله
أقدم لكم هذه الآيات الكريمة إتعاظاً منا وأخذ العبرة والنظر إلى هذه الدنيا بأنها لا تساوي شيئاً سوى العمل الصالح فيها ، فهي دار ممر والآخرة دار مقر ، فعلينا التزود من دار الممر إلى دار المقر ،والتأهب للحساب والعرض على ربنا الحي القيوم الذي له الملك وحده.
فهذه الآيات ذكرى تنفع المؤمنين ، وتحذير لكل جبار متكبر متمتع ظالم والعياذ بالله
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ اللّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (11) قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12) قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَارِ (13) زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14) قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ (17) شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) آل عمران
قوله تعالى: زين للناس حب الشهوات من النساء «الخ»، الآية و ما يتلوها بمنزلة البيان و شرح حقيقة الحال لما تقدم من قوله تعالى آنفا: إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم و لا أولادهم من الله شيئا «الخ» إذ يظهر منه أنهم يعتقدون الاستغناء بالأموال و الأولاد من الله سبحانه فالآية تبين أن سبب ذلك أنهم انكبوا على حب هذه المشتهيات و انقطعوا إليها عن ما يهمهم من أمر الآخرة، و قد اشتبه عليهم الأمر فإن ذلك متاع الحيوة الدنيا، ليس لها إلا أنها مقدمة لنيل ما عند الله من حسن المآب مع أنهم غير مبدعين في هذا الحب و الاشتهاء و لا مبتكرون بل مسخرون بالتسخير الإلهي بتغريز أصل هذا الحب فيهم ليتم لهم الحيوة الأرضية فلو لا ذلك لم يستقم أمر النوع الإنساني في حيوته و بقائه بحسب ما قدره الله سبحانه من أمرهم حيث قال: «و لكم في الأرض مستقر و متاع إلى حين: البقرة - 36.
و إنما قدر لهم ذلك ليتخذوها وسيلة إلى الدار الآخرة و يأخذوا من متاع هذه ما يتمتعون به في تلك لا لينظروا إلى ما في الدنيا من زخرفها و زينتها بعين الاستقلال و ينسوا بها ما وراءها، و يأخذوا الطريق مكان المقصد في عين أنهم سائرون إلى ربهم، قال تعالى: «إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا و إنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا»: الكهف - 8.
إلا أن هؤلاء المغفلين أخذوا هذه الوسائل الظاهرة الإلهية التي هي مقدمات و ذرائع إلى رضوان الله سبحانه أمورا مستقلة في نفسها محبوبة لذاتها و زعموا أنها تغني عنهم من الله شيئا فصارت نقمة عليهم بعد ما كانت نعمة و وبالا بعد ما كانت مثوبة مقربة.
قال تعالى: «إنما مثل الحيوة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس و الأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها و ازينت و ظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس إلى أن قال: و يوم يحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم و شركاؤكم فزيلنا بينهم إلى أن قال: و ردوا إلى الله موليهم الحق و ضل عنهم ما كان يفترون»: يونس - 30 تشير الآيات إلى أمر الحيوة و زينتها بيده تعالى لا ولي لها دونه لكن الإنسان باغتراره بظاهرها يظن أن أمرها إليه، و أنه قادر على تدبيرها و تنظيمها فيتخذ لنفسه فيها شركاء - كالأصنام و ما بمعناها من المال و الولد و غيرهما، إن الله سيوقفه على زلته فيذهب هذه الزينة، و يزيل الروابط التي بينه و بين شركائه، و عند ذلك يضل عن الإنسان ما افتراه على الله من شريك في التأثير و يظهر له معنى ما علمه في الدنيا و حقيقته، و رد إلى الله مولاه الحق.
و هذا التزين أعني: ظهور الدنيا للإنسان بزينة الاستقلال و جمال الغاية و المقصد لا يستند إلى الله سبحانه فإن الرب العليم الحكيم أمنع ساحة من أن يدبر خلقه بتدبير لا يبلغ به غايته الصالحة، و قد قال تعالى: «إن الله بالغ أمره»: الطلاق - 3، و قال تعالى: «و الله غالب على أمره»: يوسف - 21، بل إن استند فإنما يستند إلى الشيطان قال تعالى: «و زين لهم الشيطان ما كانوا يعملون»: الأنعام - 43، و قال تعالى: «و إذ زين لهم الشيطان أعمالهم»: الأنفال - 48.
نعم لله سبحانه الإذن في ذلك ليتم أمر الفتنة، و تستقيم التربية كما قال تعالى: «أ حسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا و هم لا يفتنون و لقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا و ليعلمن الكاذبين أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون: العنكبوت - 4، و على هذا الإذن يمكن أن يحمل قوله تعالى: «كذلك زينا لكل أمة عملهم: الأنعام - 108، و إن أمكن أيضا أن يحمل على ما مر من معنى التزيين المنسوب إليه تعالى في قوله تعالى: «إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا: الكهف - 7.
و بالجملة التزيين تزيينان: تزيين للتوسل بالدنيا إلى الآخرة و ابتغاء مرضاته في مواقف الحياة المتنوعة بالأعمال المختلفة المتعلقة بالمال و الجاه و الأولاد و النفوس، و هو سلوك إلهي حسن، نسبه الله تعالى إلى نفسه كما مر من قوله: إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها الآيات، و كقوله تعالى: «قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده و الطيبات من الرزق»: الأعراف - 32.
و تزيين لجلب القلوب و إيقافها على الزينة و إلهائها عن ذكر الله و هو تصرف شيطاني مذموم، نسبه الله سبحانه إلى الشيطان، و حذر عباده عنه كما مر من قوله تعالى: «و زين لهم الشيطان ما كانوا يعملون» الآية، و قوله تعالى فيما يحكيه من قول الشيطان: «قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض و لأغوينهم أجمعين»: الحجر - 39، و قوله تعالى: زين لهم سوء أعمالهم»: التوبة - 37، إلى غير ذلك من الآيات.
و هذا القسم ربما نسب إليه تعالى من حيث إن الشيطان و كل سبب من أسباب الخير أو الشر إنما يعمل ما يعمل و يتصرف في ملكه ما يتصرف بإذنه لينفذ ما أراده و شاءه، و ينتظم بذلك أمر الصنع و الإيجاد، و يفوز الفائزون بحسن إرادتهم و اختيارهم، و يمتاز المجرمون.
و بما مر من البيان يظهر أن المراد من فاعل التزيين المبهم في قوله: زين للناس حب الشهوات «الخ» ليس هو الله سبحانه فإن التزيين المذكور و إن كان له نسبة إليه تعالى سواء كان تزيينا صالحا لأن يدعو إلى عبادته تعالى و هو المنسوب إليه بالاستقامة أو تزيينا ملهيا عن ذكره تعالى و هو المنسوب إليه بالإذن، لكن لاشتمال الآية على ما لا ينسب إليه مستقيما كما يجيء بيانه كان الأليق بأدب القرآن أن ينسب إلى غيره تعالى كالشيطان أو النفس.
و من هنا يظهر صحة ما ذكره بعض المفسرين: أن فاعل زين هو الشيطان لأن حب الشهوات أمر مذموم، و كذا حب كثرة المال مذموم، و قد خص تعالى بنفسه ما ذكره في آخر الآية و في ما يتلوها.
الميزان في تفسير القرآن
يتبع..
التعديل الأخير تم بواسطة المهتدي بالله ; 17-10-2005 الساعة 04:11 PM
المسلم حين تتكون لديه العقلية الاسلامية و النفسية الاسلامية يصبح مؤهلاً للجندية و القيادة في آن واحد ، جامعاً بين الرحمة و الشدة ، و الزهد و النعيم ، يفهم الحياة فهماً صحيحاً ، فيستولي على الحياة الدنيا بحقها و ينال الآخرة بالسعي لها. و لذا لا تغلب عليه صفة من صفات عباد الدنيا ، و لا ياخذه الهوس الديني و لا التقشف الهندي ، و هو حين يكون بطل جهاد يكون حليف محراب، و في الوقت الذي يكون فيه سرياً يكون متواضعاً. و يجمع بين الامارة و الفقه ، و بين التجارة و السياسة. و أسمى صفة من صفاته أنه عبد الله تعالى خالقه و بارئه. و لذلك تجده خاشعاً في صلاته ، معرضاً عن لغو القول ، مؤدياً لزكاته ، غاضاً لبصره ، حافظاً لأماناته ، و فياً بعهده ، منجزاً وعده ، مجاهداً في سبيل الله . هذا هو المسلم ، و هذا هو المؤمن ، و هذا هو الشخصية الاسلامية التي يكونها الاسلام و يجعل الانسان بها خير من بني الانسان. |
تابعونا احبتي بالله في ملتقى أهل التأويل
http://www.attaweel.com/vb
ملاحظة : مشاركاتي تعبر فقط عن رأيي .فان اصبت فبتوفيق من الله , وان اخطات فمني و من الشيطان
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى

المفضلات