قصيدة الفرزدق في سيدنا علي زين العابدين (رحمه الله)

قيلت في أثناء حج هشام بن عبد الملك حج في خلافة أبيه وأخيه الوليد، فطاف بالبيت، فلما أراد أن يستلم الحجر لم يتمكن حتى نصب له منبر فاستلم وجلس عليه، وقام أهل الشام حوله، فبينما هو كذلك إذ أقبل علي بن الحسين، فلما دنا من الحجر ليستلمه تنحى عنه الناس إجلالا له وهيبة واحتراما، وهو في بزة حسنة، وشكل مليح، فقال أهل الشام لهشام: من هذا ؟ فقال لا أعرفه - استنقاصا به واحتقارا لئلا يرغب فيه أهل الشام - فقال الفرزدق - وكان حاضرا - أنا أعرفه، فقالوا: ومن هو ؟ فأشار الفرزدق يقول:

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته * والبيت يعرفه والحل والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلهم * هذا التقي النقي الطاهر العلم
إذا رأته قريش قال قائلها * إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
ينمى إلى ذروة العز التي قصرت * عن نيلها عرب الاسلام والعجم
يكاد يمسكه عرفان راحته * ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
يغضي حياء ويغضى من مهابته * فما يكلم إلا حين يبتسم
بكفه خيزران ريحها عبق * من كف أروع في عرنينه شمم
مشتقة من رسول الله نبعته * طابت عناصرها والخيم والشيم
ينجاب نور الهدى من نور غرته * كالشمس ينجاب عن إشراقها الغيم
حمال أثقال أقوام إذا فدحوا * حلو الشمائل تحلو عنده نعم
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله * بجده أنبياء الله قد ختموا
من جده دان فضل الانبياء له * وفضل أمته دانت لها الامم
عم البرية بالاحسان فانقشعت * عنها الغواية والاملاق
والظلم كلتا يديه غياث عم نفعهما * يستوكفان ولا يعروهما العدم
سهل الخليقة لا تخشى بوادره * يزينه اثنتان: الحلم والكرم
لا يخلف الوعد ميمون بغيبته * رحب الفناء أريب حين يعتزم
من معشر حبهم دين وبغضهم * كفر وقربهم منجى ومعتصم
يُستدفع السوء والبلوى بحبهم * ويستزاد به الاحسان والنعم
مقدم بعد ذكر الله ذكرهم * في كل حكم ومختوم به الكلم
إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم * أو قيل من خير أهل الارض قيل هم
لا يستطيع جواد بعد غايتهم * ولا يدانيهم قوم وإن كرموا
هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت * والاسد أسد الشرى والبأس محتدم
يأبى لهم ان يحل الذم ساحتهم * خيم كرام وايد بالندى هضم
لا ينقص العدم بسطا من أكفهم * سيان ذلك إن اثروا وإن عدموا
أي الخلائق ليست في رقابهم * لاولية هذا أوله نعم
فليس قولك: من هذا بضائره * العرب تعرف من أنكرت والعجم
من يعـرف الله يعرف أولية ذا * فالدين من بيت هذا ناله الامـم.