لِيَكُن للمسلمين خلافة وخليفة!
الشيخ عصام عميرة


21 رجب 1426هـ الموافق 26/8/2005مـ


--------------------------------------------------------------------------------



(الخطبة الأولى)

أيها الناس: يشكو ديفيد وارن من صحيفة أوتوا سيتيزن بأنه لا يوجد هناك شخص واحد يمكن أن يتكلم أو يتحدث باسم جميع المسلمين اليوم، وهو يعتقد أن سبب ذلك هو إلغاء دولة الخلافة عام 1924. لذلك فليُعطَ المسلمون حق تقرير المصير والحكم، ولتكن هناك خلافة وخليفة يمكنه القول: " أتكلم بالنيابة عن جميع المسلمين وهذا هو موقفنا نحو مختلف القضايا"! جاءت هذه الشكوى في نهاية مقال مثير للجدل كتبه مؤلف يدعى عابد الله جان، صاحب كتاب "نهاية الديمقراطية" وكتاب "نشوء الصليبية الأخيرة في أفغانستان" الذي سيصدر قريباً. وقد ذكر الكاتب في مقاله أموراً عجيبة يندر وجودها في صحف تصدر في العالم الإسلامي، بل إن جرأة الكاتب في فضح الرأسمالية وكشف النوايا الصليبية لباب الفاتيكان، لو تمثلت في كاتب مسلم لاعتبر إرهابياً من الطراز الأول، ولقدم إلى محكمة مكافحة الإرهاب مكبل اليدين والرجلين ومعصوب العينين مكمماً. ذلك بأنه أثبت بالدليل التاريخي الذي لا يقبل الطعن والمراء أن المسلمين اليوم لا يطبقون دينهم الذي طبقوه بالأمس، وأثبت مسؤولية الاستعمار الأوروبي والأميركي الشره مصاص دماء الشعوب وثرواتها، بدعم من صليبية الفاتيكان الحاقدة على الإسلام والمسلمين، أثبت مسؤوليتهم عن المذابح التي جرت للمسلمين وغير المسلمين في العالم منذ القرن الخامس عشر الميلادي وحتى يومنا هذا. ومن جملة ما ذكر أن الغرب يتحمل مسؤولية القتل المتعمد لما بين اثني عشر وخمسة عشر مليون إنسان منذ الحرب العالية الثانية قبل نحو ستين عاماً، والتسبب في قتل مئات الملايين من بني البشر الذين دمر اقتصادهم، وخضعوا للعيش وفق معايير الرأسمالية الجشعة، وأن مئات الآلاف من أبناء تلك الشعوب المضطهدة قضوا تحت وطأة تعذيب فرق المخابرات الأوروبية والأميركية. ويضيف الكاتب لفتة هامة جداً عندما يعقد مقارنة بين ما يدعيه الغرب من مسؤولية المسلمين عن أعوام أربعة من الفوضى والهلع الذي حصل في العالم بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي لم يوجد بعد دليل قاطع يحملهم تلك المسؤولية، وبين ما أحدثه الغرب من فوضى وهلع في أوساط المسلمين على مدى قرون أربعة أو خمسة، وكل الأدلة قاطعة على مسؤوليتهم عنها وعن غيرها في بلاد أخرى. أيها الناس: لنترك المقال وصاحبه جانباً، ولننظر فيما قاله بابُ الفاتيكان أثناء زيارته لمسقط رأسه ألمانيا قبل أيام قليلة، واجتماعه مع ممثلي الجالية الإسلامية هناك. لقد قال بالحرف الواحد: أدعو المسلمين الى العمل مع المسيحيين للعمل على محاربة الارهاب و«التطرف المتوحش». ورفض «الضغينة» و«عدم تقبل الآخر» و«العنف» للحد من انتشار الارهاب. ورأى الباب بأن للقادة المسلمين «مسؤوليةً كبيرة» لتعليم جيل الشباب المسلم وتوعيته بمخاطر الارهاب، معبراً عن قلقه إزاء انتشار الارهاب الذي يتعارض مع «الحق المقدس في الحياة»، ومبدياً ثقته بأنه يعبر بذلك عن رأي المسلمين. وقال إن الحوار بين المسيحيين والمسلمين «ضرورة حيوية». ولمح الى أنه لا يكفي إدانة الاعتداءات فقط، داعياً إلى تجاوز مشاعر الحقد التي تولد الارهاب. وقال: «إن تمكنا معا من استئصال مشاعر الحقد والتصدي لأي شكل من اشكال رفض الآخر وأي مظهر من مظاهر العنف، فسنوقف موجة التعصب الأعمى التي تعرض للخطر حياة العديدين وتمنع انتشار السلام في العالم». ودعا الباب الألماني الأصل اليهودَ والمسيحيين إلى العمل معا لكي لا «تتمكن قوى الشر من الوصول مجدداً إلى السلطة.. ولكي تبني الاجيال المستقبلية عالماً مسالماً واكثر عدالة يتساوى فيه جميع المواطنين».أيها الناس: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سيأتي على الناس سنوات خدّعات، يُصَدق فيها الكاذب ويُكذَّب فيها الصادق، ويُؤتمن فيها الخائن ويُخوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة"، قيل وما الرويبضة؟ قال: "الرجل التافه يتكلم في أمر العامة". قال اللغوي ابن منظور: "الرويبضة: هو العاجز الذي ربض عن معالي الأمور وقعد عن طلبها، والغالب أنه قيل للتافه من الناس لُِربُوضِه في بيته، وقلة انبعاثه في الأمور الجسيمة". ولنترك مؤقتاً هذا الباب الذي قبع في صومعته وقعد عن طلب الحقائق العقائدية الساطعة، وتجاهل ما يعرفه عن الإسلام، وضرب الذكر صفحاً عن بشرى المسيح عليه السلام بنبي من بعده واجب الاتباع من قبل جميع الناس بمن فيهم أصحاب عيسى من الذين قالوا إنا نصارى، ولنتجاوز عن ثقته المفرطة بأنه يعبر عن رأي المسلمين فيما طرحه على المسلمين في ألمانيا من الذين أخطأوا خطأً كبيراً بمجرد قبولهم لقاءه والسماع منه، ولننتقل إلى أعجوبة جديدة في مجال الفكر والكتابة والتأليف حيث كشر أحد كبار العلماء في عصرنا عن أنيابه وهاجم أطروحة دكتوراه نال صاحبها الدرجة العلمية بامتياز، من قبل أساتذة متخصصين وجامعات معتمدة، هاجمها بعنف ومن غير دليل من الكتاب والسنة لمجرد مخالفتها لمنهج الإسلام الوسطي أو المعتدل كما يسميه هو وشيخ الأزهر وأضرابهم!أيها الناس: لماذا لا يوجه هذا الباب النداءات إلى الشباب النصراني في أوروبا وأميركا وباقي أنحاء العالم كي ينبذوا الزنا وشرب الخمور والشذوذ المثلي الذي يمارسونه بينهم والقتل الذي تمارسه حكوماتهم ضد الشعوب المستضعفة، وأن يتخلقوا بأخلاق الحواريين الذين قالوا لعيسى عليه السلام: "نحن أنصار الله"، وأن عليهم أن ينبذوا فصل الدين والكنيسة عن الحياة والدولة، وأن يثوروا ضد حكامهم المتطرفين وغلاة المحافظين الجدد؟ ولماذا لا يثير الشباب النصراني ضد بوش وبلير الزعيمين المستأجرين من قبل الرأسماليين والذين خالفوا كبار مفكري ومنظري الرأسمالية فلم يطبقا المبدأ الحر والنظام الديمقراطي الذي يزعم أنه يحترم حقوق الإنسان، وأنهما وباقي زعماء الغرب قد خانوا الأمانة، وحكموا بغير ما نصت عليه مواثيق حقوق الإنسان، وانحرفوا عن قواعد مبدأ الديمقراطية، وطلبوا من المسلمين في العراق الموافقة على دستور الحكم الكافر؟ أفلا يرون أن حكامهم لا يختلفون كثيراً عن حكام المسلمين في حكمهم بغير ما أنزل الله، وانحرافهم عن مبدأ الإسلام الذي أنزله الله من فوق سبع سماوات؟ فيا أيها الباب، يا حكام الكفر الغربي: من كان بيته من زجاج فلا يرجمن بيوت الآخرين بالحجارة.

(الخطبة الثانية)

أيها الناس: ماذا يقصد هذا المتباكي على حياة الأرواح البريئة بعودة قوى الشر مجدداً إلى السلطة؟ إني أجزم أنه لا يعني نظام صدام العراقي أو نظام الطالبان الأفغاني الذين أطيح بهما مؤخراً، ولا يعني نظام ولد الطايع الموريتاني أو أريستيد الهاييتي، ولكنه يعني قطعاً نظام الخلافة الإسلامي. ذلك النظام الذي يخشى الغرب قدومه المباغت، لينزل على رؤوسهم كالصاعقة، يحرق الفساد وينير الظلمات، ذلك النظام الذي بات يشكل هاجساً قوياً يقلق زعماء العصابات الرأسمالية الجشعين، وينذرهم بقرب زوال نفوذهم عن بلاد المسلمين أولاً، ثم عن بلادهم تحت وطأة ضربات جند الخلافة. ولذلك نجدهم يسدون المنافذ أمام العاملين المخلصين لإقامتها، يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.أيها الباب، أيها المحافظون الجدد، يا زمرة حكام الشر في العالم الغربي والشرقي، يا أقزام العرب والعجم من حكام المسلمين، اسمعوا وعوا، الخلافة قادمة، والمسلمون إلى الحكم زاحفون، وإلى قلع نفوذكم يعملون، وعلى قطع دابركم مصممون، ولإخراج شعوبكم من ظلمكم عاملون، ولحكم الأرض كلها بما أنزل الله يطمحون، وهم على ثقة تامة بنصر ربهم، ولا عجب، فهم على ربهم يتوكلون.أيها الناس: إن الخسارة الكبرى ستكون من نصيب العلماء والمفكرين من أنصار الغرب في أوساط المسلمين، فهؤلاء سينبذون نبذ النواة في ظل الخلافة القادمة، وسينظر إليهم دوماً بعين الريبة بما قدمت أيديهم من موالاة للكفار وأعوانهم من الحكام، وبما أجرموا في تغطية الحقائق الساطعة عن العامة والخاصة من المسلمين، وبما كتموا من العلم، ولبسوا على الناس يلبسون. وأما المسلمون الذين تقاعسوا عن العمل مع العاملين، وخذلوا إخوانهم فلم ينصروهم في المعركة الحقيقية ضد الكفر والكافرين، وانشغلوا في معارك ما أنزل الله بها من سلطان كمعركة سلام الشجعان وغيرها من معارك الأوهام والأحلام، هؤلاء المسلمون المتقاعسون سيندمون على تقصيرهم وخذلانهم لإخوانهم، وسيتمنى أحدهم لو استقبل من أمره ما استدبر ليكون عوناً للعاملين المخلصين وسنداً لهم. فأدركوا أنفسكم أيها المترددون، والتحقوا بصفوف العاملين، فقد دنت المفاصلة، وأزفت ساعة التغيير. جاء في البداية والنهاية عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: نزلنا المدائن فكنا منها على فرسخ فجاءت الجمعة فحضر أبي، وحضرت معه، فخطبنا حذيفة، فقال: إن الله تعالى يقول: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) ألا وإن الساعة قد اقتربت، ألا وإن القمر قد انشق، ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراق، ألا وإن اليوم المضمار، وغدا السباق. فقلت لأبي: أتستبق الناس غداً؟ فقال: يا بني، إنك لجاهل إنما هو السباق بالأعمال. ثم جاءت الجمعة الأخرى فحضرها فخطب حذيفة، فقال: ألا إن الله يقول: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) ألا وإن الساعة قد اقتربت، ألا وإن القمر قد انشق ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراق، ألا وإن اليوم المضمار، وغداً السباق، ألا وإن الغاية النار، والسابق من سبق إلى الجنة. فاللهم اجعلنا من السابقين إلى الجنة، والعاملين المخلصين لإعزاز هذا الدين.


--------------------------------------------------------------------------------

http://www.al-aqsa.org/nidaat/mediadetail.php?nidaa=986
[/size]