د. محمد مورو

الذئاب تحكم إسرائيل

الأربعاء، 18 فبراير 2009 - 19:23


إذا كان المجتمع الصهيونى أصلاً هو مجتمع عدوانى، وهذا جزء من البنية الأساسية له، وهو مجتمع لا يستطيع العيش بدون عدوان، وإلا فقد برر وجوده، فإن هذه الحقيقة تتأكد يوماً بعد يوم، وكان هناك فى إسرائيل عادة اتجاهان، اتجاه يقوم على العدوان المباشر والوحشى وبدون أى رتوش وهو اليمين الإسرائيلى، واتجاه آخر يقوم أيضاً على العدوان ولكن بوضع لمسات ورتوش تحسن من الصورة، أو قدر من المراوغة والنعومة الزائفة كان يمثله ما يسمى – خطأ – باليسار الإسرائيلى وخاصة حزب العمل، فإن من المثير أن نرصد أن الاتجاه الثانى فقد الكثير من وجوده فى إسرائيل، وأصبحنا أمام اتجاه واحد وهو اتجاه العدوان المباشر، يمكننا أن نطلق على الاتجاه الأول أسلوب الذئاب، وهو قتل الفريسة بأى قدر من الدموية والوحشية والقسوة، واتجاه الثعالب الذى يقتل أيضاً الفريسة، ولكن بعد مراوغة وهو الاتجاه الثانى. وعلينا ألا ننسى فى هذا الصدد أن اتجاه الثعالب ممثلاً فى حزب العمل على سبيل المثال، هو الذى أقام دولة إسرائيل وحكمها لمدة طويلة، وكان هذا الاتجاه يعطى قدراً من المناورة لإسرائيل ولحلفاء إسرائيل مثل أمريكا والغرب، ولكن الاتجاه الأول يحرج حلفاء إسرائيل ويكشفهم من ناحية، ويقلل لديهم هامش الخداع، بل ويحرج أيضاً ما يسمى بالمعتدلين العرب الباحثين عن وهم السلام ويجعلهم مكشوفين أمام الشعوب العربية، بل أحياناً ينهى مبرر وجودهم وخاصة بالنسبة لما يسمى بتيار السلام والاعتدال والتفاوض الفلسطينى.

وعلينا ألا ننسى أنه بالنسبة للضحايا وهم العرب والفلسطينيون فإن معاناتهم كانت كبيرة فى الحالتين، بل ربما كانت معاناتهم مع اتجاه الثعالب أكبر من معاناتهم أمام اتجاه الذئاب، فعلى الأقل فإنه بالنسبة لحالة الذئاب، فإن الضحية تقاوم، لأنه ليس أمامها إلا أن تقاوم، وربما تفتح هذه المقاومة الطريق الصحيح نحو التوحد وامتلاك عناصر القوة والاستعداد. وعلينا ألا ننسى أيضاً أن أمثال شيمون بيريز – من الثعالب – هو الذى نفذ مجزرة قانا، وكذا إسحاق رابين – من الثعالب – هو الذى كسر عظام الانتفاضة الأولى 1987 وقتل أطفال الحجارة، وأن القدر الأكبر من المجازر والفظائع والاحتلال والتشريد التى لحقت بالفلسطينيين فى سنوات الصراع الأولى كانت على يد الثعالب أمثال بن جوريون وجولدا مائير.

ما أسفرت عنه الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، هو صعود كبير لاتجاه الذئاب، وفوز واضح لليمين، بل تراجع غير مسبوق لحزب العمل – الممثل الرئيسى للثعالب – الذى حصل على أقل نسبة من الأصوات فى تاريخه رغم أنه جاء بثعلب يشبه الذئب هو إيهود باراك ليقوده، ومع ذلك تراجع الحزب بدرجة خطيرة إلى حد إمكانية الحديث عن قرب نهايته التاريخية وخروجه من خارطة السياسة الإسرائيلية، بل خروج كل اليسار من هذه الخارطة، فحزب العمل حصل على 13 مقعدا، وحزب بريتس حصل على 3 مقاعد أى 16 مقعدا من مجموع 120 تصل إلى حوالى 14% من المقاعد، وهى نسبة تعتبر الأسوأ فى تاريخ اليسار الإسرائيلى. فى حين حصل الليكود على 27 مقعدا، وإسرائيل بيتنا على 15 مقعدا، وحزب كاديما وهو أحد الانشقاقات على الليكود ويعتبر من اليمين بالطبع على 27 مقعدا وحزب شاس الدينى على 11 مقعدا أى سيطرة اليمين على الكنيست بطريقة شبه كاملة، وبصرف النظر عن الاحتمالات المتوقعة لكيفية تشكيل تحالف وزارى، فإن هذا التحالف سوف يعكس أياً كان رئيسه، رؤية اليمين الصهيونى، ومحكوم إلى مدى كبير برؤية حزب إسرائيل بيتنا شديد التطرف، الذى سيكون رقماً هاماً فى أى حكومة أو صيغة وزارية مقبلة. وهو الحزب الذى يدعو رئيسه "ليبرمان" إلى ضرب غزة بالقنبلة الذرية، وإنهاء وجود حماس بأى ثمن، وكذا فإن ليبرمان نفسه كان قد هدد بضرب السد العالى فى مصر بقنبلة نووية، ومن ثم إغراق مصر من أسوان إلى القاهرة!!.

نحن إذن أمام حكومة ذئاب إسرائيلية أياً كان شكل التحالف، أمام المزيد من العدوان المباشر والاستيطان، ونهاية فرصة حل الدولتين المزعوم، وهذا يعنى أن خيار السلام لم يعد خياراً لا معقولاً ولا متاحاً، وبالتالى فإن على القوى العربية والفلسطينية المراهنة حتى الآن على وهم السلام ووهم التعايش، أن تعيد التفكير فى موقفها، وتتخذ الموقف الصحيح والملائم وفقاً للحقائق المستجدة على الأرض بعد الانتخابات الإسرائيلية التى تقول بوضوح أن إسرائيل والناخب الإسرائيلى يتجه يميناً ولا يريد ولا يسعى للسلام المزعوم.






http://www.youm7.com/News.asp?NewsID=72088&