بدعة جنس العمل وأصل عمل القلب
الكاتب : أبو حسام الدين الطرفاوي
ظهرت في الآونة الأخيرة بدعتان خطيرتان نتيجة الغلو في مسائل الإيمان ، وقد تبنى كل من البدعتان كثير من طلبة العلم ، ولبست على كثير من دكاترة الجماعات وخاصة المنتسبون إلى العلوم الشرعية ، وهاتان البدعتان هما : القول بتكفير تارك جنس العمل ، والثانية القول بأن أعمال القلوب شرط في صحة الإيمان ومن أجل نقول :
أولا : إن هذا القول مخالف للكتاب والسنة وإجماع السلف وأقوال العلماء .
أولا : مخالفته للكتاب
: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً) (النساء:48)
ولم يأتي دليل من الكتاب ولا من السنة على أن تارك جنس العمل كافر أو تارك أعمال القلوب كافر .
: (إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً) (النساء:40)
فمن عمل مثقال ذرة من خير ضاعف الله تبارك وتعالى ذلك ، فما هو هذا العمل الذي يساوى ذرة فقط ، ولو قال رجل أن عمل ما شرط في صحة الإيمان فلا شك أن مقدار هذا العمل ذرات وليس ذرة واحدة . وهذا هو فهم أبي سعيد الخدري كما سيأتي .
: (قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) (الحجرات:14،15)
فالله عز وجل قد أثبت لهم إسلاما ولم يثبت لهم إيمانا في قلوبهم ويقصد به أعمال القلوب ، ثم أثبت كمال الإيمان بالأعمال الباطنة والظاهرة .
وبهذا قال ابن تيمية في (الفتاوى : 7 /475 ـ 479 ) وابن القيم (بدائع الفوائد : 4/821 ـ822) رحمهما الله
ثانيا : مخالفته للسنة :
روى مسلم (186) في حديث الشفاعة الطويل عن أبي سعيد الخدري وفيه : (حَتَّى إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ النَّارِ ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ بِأَشَدَّ مُنَاشَدَةً لِلَّهِ فِي اسْتِقْصَاءِ الْحَقِّ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ فِي النَّارِ ، يَقُولُونَ : رَبَّنَا كَانُوا يَصُومُونَ مَعَنَا وَيُصَلُّونَ وَيَحُجُّونَ .
فَيُقَالُ لَهُمْ : أَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ . فَتُحَرَّمُ صُوَرُهُمْ عَلَى النَّارِ فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ، قَدْ أَخَذَتْ النَّارُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ وَإِلَى رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَقُولُونَ : رَبَّنَا مَا بَقِيَ فِيهَا أَحَدٌ مِمَّنْ أَمَرْتَنَا بِهِ .
فَيَقُولُ : ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ، ثُمَّ يَقُولُونَ : رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا أَحَدًا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا ، ثُمَّ يَقُولُ : ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ .
فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ، ثُمَّ يَقُولُونَ رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا أَحَدًا ، ثُمَّ يَقُولُ : ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ، ثُمَّ يَقُولُونَ رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا خَيْرًا .
وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ يَقُولُ : إِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي بِهَذَا الْحَدِيثِ فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ : (إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ) .فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : شَفَعَتْ الْمَلائِكَةُ ، وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ ، وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ ، وَلَمْ يَبْقَ إِلا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنْ النَّارِ فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ . قَالَ فَيَخْرُجُونَ كَاللُّؤْلُؤِ فِي رِقَابِهِمْ الْخَوَاتِمُ يَعْرِفُهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ : هَؤُلاءِ عُتَقَاءُ اللَّهِ الَّذِينَ أَدْخَلَهُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ وَلا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ الحديث)
وفي حديث أنس عند مسلم (193) يقول النبي: ( فَيُقَالُ لِي
: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ ، وَسَلْ تُعْطَهْ ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَقُولُ : يَا رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي .
فَيُقَالُ لِي : انْطَلِقْ فَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى أَدْنَى أَدْنَى مِنْ مِثْقَالِ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجْهُ مِنْ النَّارِ . فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ ثُمَّ أَرْجِعُ إِلَى رَبِّي فِي الرَّابِعَةِ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا ، فَيُقَالُ لِي : يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ ، وَسَلْ تُعْطَ ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَقُولُ : يَا رَبِّ ائْذَنْ لِي فِيمَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ .
قَالَ : لَيْسَ ذَاكَ لَكَ ، أَوْ قَالَ لَيْسَ ذَاكَ إِلَيْكَ ، وَلَكِنْ وَعِزَّتِي وَكِبْرِيَائِي وَعَظَمَتِي وَجِبْرِيَائِي لأُخْرِجَنَّ مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ)
ففي هذين الحديثين ما يلي :
1 ـ الزيادة والنقص في أعمال القلوب والجوارح
2 ـ وزن أعمال القلوب بأقل من ذرة .
3 ـ أن من كان في قلبه أقل من ذرة يخرج بالشفاعة .
4 ـ أن شفاعة الشافعين تنتهي عند أدنى أدنى أدنى ذرة .
5 ـ استأثر الله من لم يكن عنده عمل قلبي ولا عمل جوارح قط ، وليس معه غير التصديق والإقرار .
6 ـ أن قول القلب وقول اللسان لا يوزن ؛ بل هو مما استأثر الله به
هذا هو الظاهر من الحدثين فمن صرف هذا الظاهر فلابد له من تأويل الدليل ، والتأويل يحتاج إلى دليل ولا دليل .
المفضلات