دبي - فراج إسماعيل

كشف باحث مصري متخصص في علوم الأديان أن ظهور اسم "راحيل" في الغيبيات الدينية الاسرائيلية في حرب غزة، جاء ردا على بيان شديد اللهجة لاتحاد الكنائس الانجيلية في العراق، يشير فيه إلى "أن هذه المرأة وهي أم النبي يوسف عليه السلام، تبكي مجددا على أطفال فلسطين، بعد أن ماتت مكلومة بسببهم عندما قتلهم جميعا هرودس وهو آخر ملوك مملكة يهودا التاريخية التي كانت في فلسطين حتى منتصف القرن الأول للميلاد".

وأكد أبو إسلام أحمد عبدالله الباحث في مقارنة الأديان والكتب السماوية، أن "راحيل" والدة عزيز مصر، النبي يوسف عليه السلام، تمثل حدثا مهما في الذاكرة الصهيونية، إذ أن بناء قبرها في بيت لحم بفلسطين الذي يرجع لمائتي سنة فقط كان بداية الحلم بإنشاء دولة إسرائيل في تلك الأرض.

وأضاف أنهم صنعوا تلك الرواية الغيبية للرد على البيان الانجيلي والايحاء بأن "راحيل" لا تبكي وإنما تساعد الجنود الاسرائيليين على أداء مهمتهم، وذلك لرفع الروح المعنوية لجنودهم ودفعهم إلى المزيد من جرائم الحرب وتبريرها باعتبارات دينية.

وقال إن البيان الذي أصدره اتحاد الكنائس الانجيلية في العراق في بداية الأسبوع الثاني من يناير/كانون ثان بعد العدوان الاسرائيلي على غزة تحدث عن راحيل بقوله "إنها تبكي على أولادها مجددا، فهردوس القديم قتل أبناء فلسطين، وهرودس الجديد يقتل أبناء فلسطين أيضا، في إشارة إلى هجوم الجيش الاسرائيلي على غزة".

وأضاف أبو إسلام "كانت راحيل طوال حياتها حزينة، مكلومة، فاقدة للأولاد، وليس المراد هنا أبناؤها، فهي لم تنجب سوى يوسف وبنيامين، ولكن المراد أبناؤها بالمعني الأدبي وهم كل أطفال أرض فلسطين أو أرض (يهودا والسامرا) التي كانت تعيش فيها عندما قتلهم هرودس حتى لا يخرج من بينهم المسيح حسب كتاب العهد القديم".



راحيل في التراث الإسلامي

وأشار إلى أن اسم "راحيل" ليس له وجود في التراث الإسلامي إلا نقلا عن كتاب العهد القديم، وليست مقرونة بأي فضل سوى أنها أم النبي يوسف وزوجة النبي يعقوب عليهما السلام.

وقال إنها بتلك الصفة السابقة تحظى بالاحترام والتقدير عند المسلمين، ما دام ذلك لا يؤثر على العقيدة الإسلامية.

واعتبر أن الارتكان على الغيبيات للايحاء بأن راحيل كانت تنقذ الجنود الاسرائيليين في حرب غزة، وتدلهم على مقاتلي حماس، يتناقض مع سيرتها، لأن حرب غزة شهدت مقتل أكبر عدد من الأطفال والنساء الأبرياء في تاريخ الحروب الحديثة والقديمة.

وكانت صحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية أوردت أن أهم الحاخامات الشرقيين والزعيم الروحي لحركة شاس عوفاديا يوسف قال -في عظة له يوم السبت- الماضي إن الأم راحيل، والدة النبي يوسف (عليه السلام) جاءت لمساعدة جنود إسرائيل في غزة.

وراحيل هي الزوجة الثانية ليعقوب (عليه السلام) ووالدة النبي يوسف (عليه السلام)، وجاء اسمها في العهد القديم من الكتاب المقدس، كزوجة ثانية بعد شقيقتها الزوجة الأولى من خاله الذي كان يعيش في العراق، وعاشت فترة في مصر مع ابنها يوسف الذي حكم باسم "عزيز مصر" ويعتقد اليهود أن قبر راحيل يوجد في منطقة بيت لحم جنوب القدس.



ظهور "راحيل" هزيمة نفسية

ويرى أبو إسلام أن ظهور "راحيل" لهم في حرب غزة ليس لصالحهم، فحديثهم عن ذلك يحمل شهادة هزيمة لجنودهم، فالإنسان المهزوم يحتاج إلى ما يعينه باللجوء إلى الغيبيات. والعجيب أن راحيل – كما جاء في سفر التكوين 3516 – ماتت أثناء ولادة متعسرة، فلو كانت لها قدرة على الانقاذ لساعدت نفسها. وفي سفر "ارميا" النبي ورد أنها كانت تبكي على بنيها لأنهم زالوا عن الوجود، وهذا قاله متى في العهد الجديد بعد ذلك".

ويقول إن معنى "راحيل" في العبرية يعني "نوعا من النعاج" بينما عند مسيحيي العالم العربي "نوعا من الغزال" .

وأشار إلى تقرير آخر نشرته قبل ايام نفس الصحيفة الاسرائيلية "يديعوت أحرونوت" على لسان ميكي شربيط قائد سرية سلاح المدرعات في حرب غزة قال فيه "لم نكن نرى جنود حماس، ولكننا كنا نفاجئ بهم يخرجون لنا من أعماق الأرض كأنهم أشباح. والتساؤل هنا: أين كانت راحيل، ولماذا لم تخبرهم؟.

وحسب الرؤية الغيبية المشار إليها – كما يتساءل أبو إسلام - أنها أرشدتهم إلى ثلاثة مواقع متفجرات، لكنها لم تساعدهم في عشرات المواقع التي تفجرت فيهم، ولم ترشدهم أيضا إلى المكان المحجوز فيه أسيرهم جلعاط شاليط، ولم تدلهم على المواقع التي تنطلق منها الصواريخ.



كيف تركوها ولم يقتلوها؟

وحسب رواية "يديعوت احرونوت" أن راحيل همست لهم عن هويتها عندما سألوها. ويعلق أبو إسلام "أنا أؤكد أن 99% من الجنود الاسرائيليين لا يعرفون من هي راحيل، وإذا كانوا كذلك فكيف تركوها حتى يسألوها وهم الذين كانوا يقتلون أي كائن حي يظهر لها في غزة دون أن يستنطقوه".

ويفسر إصرار حاخام اليهود الشرقيين على تأكيد تلك الاشاعة بأنه يريد إعادة الاهتمام إلى قبر "راحيل" الذي كان مزارا سياحيا ناجحا جدا يزوره الكثير من اليهود من كل بلاد الأرض قبل 15 عاما، وبعد الانتفاضة والمواجهات الفلسطينية، تحول ذلك المزار إلى مكان مهجور لا يزوره أحد.

وعن سبب اثارة إشاعة ظهور "راحيل" بين اليهود الشرقيين في اسرائيل "الاشكناز" يبرر أبو إسلام أحمد عبدالله ذلك أن هذه الطائفة هم يهود أرثوذكس، والأرثوذكس عموما سواء كانوا يهودا أو مسيحيين يميلون إلى الغيبيات، ومنها قبر "راحيل" الذي تزوره النساء رغبة في الانجاب.

وأضاف أن الحاخام الاسرائيلي بهذه الصورة يهين "راحيل" ويجعل منها مجرمة حرب، تساعدهم في قتل الأطفال والأبرياء، لأنها وفق الرؤية التي يعضدها "تعين المجرم على إجرامه" ولم تقف أمامهم لمنعهم من سفك الدماء التي ماتت حزينة بسببها، وهذا لا يمكن تصوره.




http://www.alarabiya.net/articles/2009/01/26/65074.html