عقبات

في

طريق الصحوة الاسلامية


تأليف
عمر شاكر الكبيسي
مؤسسة الريان


العقبة السابعة
انحسار دور المرجعية لدى المسلمين



ويتكون من المباحث الآتية:
المبحث الاول:المرجعية معناها ودورها.
المبحث الثاني:التأصيل السلوكي للمرجعية.
المبحث الثالث: المرجعية بين الدين والسياسة.
المبحث الرابع:ضوابط التعامل مع المرجعية.


المبحث الاول
المرجعية معناها ودورها


انحسار المرجعية التي تواجه الناس من العقبات التي تعرقل مسيرة الصحوة الاسلامية حتى إنه ليخيل للبعض أنه يواجه فراغاً في أستقبال التوجيه وتنفيذه ،وليس ذلك لخلو الساحة الاسلامية من المرجعية بل لفقدان الطريقة في التعالمل مع المراجع من علماء الشريعة في التوجيه ، ولعل الحاجة اليوم الى المرجعية أصبح ضرورة لما تعانيه الامة الاسلامية من العجز في أتخاذ القرارات بل وحتى العلماء فلقد أعياهم ذلك العجز الذي لفهم حتى أرادهم صامتين لايقدرون على الحراك خصوصاً وأن الساحة الاسلامية شهدت أحداثاً جساماً تتطلب من علمائها أن يفصلوا الأمر في كثير من المناسبات لكن حالهم لم يكن أحسن حظأً من المجال السياسي فأصبح الجيل يترقب نوعاً من العلماء الذين يتحملون أعباء المسؤولية في قيادة الأمة وتوجيهها نحو الوجهة السلمية ولعل ذلك الاخفاق مرجعه إلى أسباب عدة منها :

•عدم اتفاق المراجع في توجيه الناس وعدم اتفاق الناس على مرجعية ذلك العالم.إضافة إلى عدم التفريق بين ماينبغي فيه التوجيه كونه أمر لا يقبل الاجتهاد وبين ما يحتمل فيه التوجيه بأكثر من رأي!
•إضافة إلى المعضلة التميز بين ولاة الأمر ممن أمرنا القرآن بطاعتهم هل هم أهل العلم أم أهل السياسة؟ وسنحاول في هذا المبحث أن نؤصل لمعنى المرجعية لدى المسلمين من الكتاب والسنة لنتبين الطريق القرآني في التعامل مع المرجعية الاسلامية،إلا أنه من الجدير بالذكر الاْشارة إلى أن المرجعية كمصطلح لا أصل لها عند المسلمين من أهل السنة إلا من حيث الوحي وإنما لها وجودها كمصطلح وأثرها الكبير لدى المسلمين من الشيعة وربما كان للمرجعية الشيعية أبلغ الأثر في التوجيه واستقبال الناس لما تقوله كون مبادئ المرجعية الشيعية لها أصولها التي تضفي عليها من الاحترام حد التقديس بسبب آلية المذهب وغير ذلك من الامور.وفي هذا الظروف نجد من الضروري الاستفادة من مسألة المرجعية فقد أثبتت نجاحاً في التوجيه إنها هي التي أوصلت المسلمين من الشيعة في إيران إلى سدة الحكم ،وحينئذِ فإني أرى من الضروري البحث لدى المسلمين من أهل السنة إلى صياغة المرجعية والتأصيل لها من غير فصل بينها وبين المرجعية السياسية أو مزاوجتها بالتشاور اللصيق بين المرجعيتين ،ولا نحتاج إلى الكثير من إجل تأصيل المرجعية السياسية والشرعية في ذلك الأمر،ويمكننا تأصيلها من الكتاب والسنة كما في النصوص الشرعية الآتية:

أولاً: توحيد المرجعية بالوحي: من أجل أن تكون المرجعية موحدة، دأب القرآن إلى توحيدها في التفكير والمنطلق من خلال الوحي وذلك من خلال ترسيخ حكم الله تعالى وعبر التدرج الآتي:

1.حاكمية الله تعالى : وقد أكد القرآن في ذلك بأن الحكم ليس لأحد من الخلق إنما هو لله تعالى وقد أشار القرآن إلى ذلك من الخلال النصوص الآتية {ألاَ لَهُ الخَلقُ وَالاَمرُ تَبَارَكَ اللّهَ رَبُ العَالمَيِنَ}[الأعراف:54 ] وقال تعالى:{ إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفصلين}[ الأنعام :57] وقال تعالى:{إنِ الحُكمُ إلا ِللَهِ أمَرَ ألا تَعبُدُوا إياهُ ذَلِكَ الدّينُ القيَِمُ وَلَكِنَّ أكثَرَ النَّاسِ لاَيَعلَمُونَ}[يوسف :40] {ِللَّهِ الاَمرُ مِن قَبلُ وَمِن بَعُد وَََيَومئذٍ يَفرَحُ المؤُِمنوُنَ}[الروم :4] .

2.التأكيد على المرجعية النبي (ص) : لقد أكد القرآن في الخطوة الأولى على حكم الله وأن الأمر إليه ثم راح يؤكد مرجعية النبي (ص) في تلقي الحكم وإمكانية إصداره ووجوب تنفيذه من قبل الأمة شأنه في ذلك شأن الأمر الصادر من الله تعالى فقال جل وعلا :{ قُل أطِيعوُا اللَّهَ وَالرَسُولَ فإن تولوا فَإن الَّلهَ لاَ يُحبُ الكَفِرِينَ32}[ آل عمران: 32] { يَأُيَها الذَّينَ ء منوا أطِيعوُا اللَّهَ وَرَسُوله وَلاَ تَوَلَّوا عَنهُ وَأنتُم تَسمعُونَ20}[ الأنفال :20]{قُل أَطِيعُوا اللَّهَ وَأطيِعُوا الرَّسُول فَإن تَوَلوا فَإنَمَا عَلَيهِ مَا حُِملَ وَعلَيكُم ما حُمِلتُم وإنِ تُطِيعُوهُ تَهتَدُوا وَمَا علَىَ الرَّسُولَ إلاَ البَلَغُ المبُين45}[النور :54] { يَأيُهَا الَّذِينَ ءَامَنوُا أِطيعُوا الَّله وَأطيِعُوا الرَسُوِلَ وَلاَ تُبِطلُوا أعمَلكُم33}[محمد :33] ونلاحظ من الآيات القرآن رتب آثاراً على التولي عن التنفيذ لما يصدر من النبي (ص) اعتباره المرجعية التي اختارها الله تعالى للناس.ففي ايات جميعاً قرن القرآن بين طاعة الله ورسوله ثم أعقب ذلك بأن أي تول عن التنفيذ فهو كفر وأن ذلك محبط للعمل ،ولعل ذلك التأكيد على المرجعية بسبب استغراب العرب أن يكون النبي من أصلهم.

3.التحذير من أزدواجية المرجعية: وهنا فقد حذر القرآن من أن يكون لأي مرجعية أخرى في التداخل والتزاوج مع المرجعية الاسلامية كونها تستمد أحكمها من الوحي فقال تعالى : {ثُم جَعلَنكَ عَلىَ شَرِيعةٍ مِنَ الأمرِ فَاتبِعهَا ولاتَتَّبع أهَواءَ الَّذِينَ لاَيَعلمُونَ18}[الجاثية :18] وقال تعالى يذكر المؤمنين بأن الهوى والآراء القائمة عاى الأماني لا مكان لها في صياغة المرجعية الاسلامية {َوأعَلمُوا أنَّ فِيكُم رَسُول اللَّهَ لَو يُطِيعُكم في كَثِيٍر مِنَ الأََمِر لَعَنِتُم وَلكِن اللَّهَ حَبَّب إِلَيكُمُ الايَماَن وَزَيَنهُ في قُلوُِبكم وَكَرَه إليكُم الكُفرَ وَالفُسُوق وَالعصِيانَ أُولَئكَ هُمُ اَلرَاشدُون7}[الحجرات:7] ثم راح القرآن يؤكد على ضرورة الثبات على المرجعية الاسلامية ذات الوحي في المنطلق والحكم فقال جل وعلا:{لِّكُل أمُةٍ جَعلَنا مَنسَكًا هُم ناَسِكوه فَلاَ يُنَزعُنَك في الأمرِ وَأدعُ إلى رَبِك إنَكَ لَعلَى هُدًى مّسُِتقيٍم67}[الحج :67].

ثانيا: التأكد على المرجعية العلماء: وهنا نلحظ أن القرآن الكريم أشارإلى المرجعية أخرى من الناس مع التأكيد على مرجعية الوحي فأوجب على المسلمين الرجوع إلى أولي الأمر في فض النزاعات فقال جل وعلا:{يَأيُها الَِّذينَ ءَامنَُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأطِيعُوا الرَّسُولَ وَأوِلى الأمر مِنكَُم فَإن تَنَزعتُم في شَىءٍِ فَرُدُوه الىَ اللَّهِ وَالَّرُسولِ إن كُنتُم تُؤمِنُون بِاللَِّه وَاليَومِ اَلأِخِر ذَلِكَ خَيُرُ وَأحسَنُ تَأوِيلاً59}[النساء :59] إلا أن الفقهاء اختلفوا في تفسير تلك المرجعية فرأى بعضهم بأن المقصود من أولي الأمر هم المرجعية السياسية بينما يرى الآخرون بأن المرجعية هنا هي المرجعية الدينية، وأرى أن الأمر من الممكن دمجه بالمرجعيتين السياسية والدينية ،إما بالحكم لمن يتمتع بالمقدرة على المستويين السياسي والشرعي أو بأن يكون الأمر مقروناً بين الولايتين ولعل القرآن قد أشار إلى ذلك في قوله تعالى:{ وَلَو رَدُّوُه إِلىَ اُلرَّسُولِ وَإِلَى أُولىِ اُلأمِر مِنهُم لَعِلَمهُ اُلذَِينَ يَستَنبُِطونَهُ مِنُهم }[النساء:83] فقد أورد القرآن ضرورة رد الأمر في المنازعات إلى أولي الآمر وأهل العلم من إهل القدرة على الاستنباط.

ثالثا: عدم الفصل بين المرجعية السياسة والشرعية: فقد حكم النبي (ص)الآمة عقوداً من الزمن بصفتيه اسياسية والشرعية وكان المرجع للأمة،ومع مرجعيته التي أنيطت به من السماء إلا أنه ما كان ذلك ليمتعه من استشارة أصحابه في الكثير من الأمور،فلا يمكن الفصل بين حكم النبي(ص)سياسياً أو شرعياً وقد ظل الأمر كذلك حتى نهاية الخلافة الراشدة وقد كان الفقهاء يرون لمن يريد تولي أمر المسلمين أن يكون مجتهداً تتكامل فيه شروط الامامة الشرعية والسياسية وقد جاءت الكثير من النصوص الداعية إلى الطاعة لأولي الأمر مهما بدر منهم مالم يكن كفراً بواحاً سيأتي بيانها بعد قليل.


المبحث الثاني
التأصيل السلوكي لدور المرجعية


إن احترام دور المرجعية بين المسلمين له أبلغ الأثر في تحقيق الاستقرار القيادي على كافة الأصعدة،ومن هنا جاء التأصيل السلوكي له والتربية على احترامه في الكتاب والسنة وسنتعرف على ذلك في هذا المبحث.

لقد أورد القرآن نصوصاً من آيات تدل على توجيه المسلمين للانقياد إلى المرجعية الاسلامية آنذاك،ومن خلال شخصية النبي(ص)وسوف نقف على نماذج من ذلك تقرر حالة التربية لطاعة أولي الأمر والاستجابة للمرجع من أهل العلم وأولي الأمر خصوصاً وأن القرآن نقل لنا ماحصل من قوم موسى وما طلبه نبي الله تعالى هارون منهم في اتخاذ العجل، فقد أبدى نبي الله هارون النصح للقوم لكنهم أبوا فلما عاتب كليم الله تعالى أخاه على عدم متابعته أخبره بأثر المرجع الأول في اتخاذ القرار وما يترتب على اتخاذ غيره للقرارات من آثار. قال تعالى في حكاية ذلك : {وَلقَََد قَالَ لَهُم هَرُونُ مِن قَبلُ يَقومِ إِنَمَا فُتنِتُم بهِ وإن ربكُمُ الَرَحمُن فاتبِعُونِى وأطيعُوا أمرِى 90 قَالُوا لن نَبَرَح عليِه عَكِفِين حتَىَ يرجَعَ إليَناَ مُوسى91 قاَل يَهَرُوَُن مامَنعَك إذ رَأيتَهُم ضَََََُلوا 92 ألا تتَبَِعِن أفَعصَيت أَمرِى93 قَالَ يَبنؤَم لا تَأخُذ بِلحيِتِى وَلاَ بِرَأسِى إنِى خَشِيتُ أن تَقُولَ فَرقَتَ بَينَ بَنِى إسَراءِيلَ وَلم تَرقُب قَولىِِ94}]طه 90-94[ فأخبره بأن الأمة إذ اختلفت وتفرقت في أمرها ففي مثل هذه الأحوال يحتاج إلى قرار من المرجع الأول للفصل في مثل هذه النزاع ، هذا وقد عزز القرآن تلك المباديء بما أمر به المؤمنين من طاعة لما يصدر من النبي(ص) كونه المرجع الأول في الفصل بين الناس في شؤون الدنيا والآخرة قال تعالى :{إِنَماَ كَانَ قَولَ المؤمنين إِذَا دُعُواْ إِلىَ الَلِه وَرَسُوِلهِ لِيَحكُم بَينَهم أَن يَقُوُلوا سَمِعنَا وَأطَعنَا وَأوُلئكَ هُمُ المفُلحُون51}ٍٍٍ[النور:51] وسوف نقف على بعض الأمثلة في ميدان التطبيقي من التوجيهات القرآنية والنبوية في ذلك تحقيقاً لوجود المرجعية وكيفية التعامل معها وذلك من خلال الخطوات الآتية:

الخطوة لأولى: النبي بين المرجعية السماء وأعراف الناس:
النبي(ص) بشر من الناس رقى بأخلاقه وسما بشخصه فاختاره الله للرسالة واالنبوة إلا أن النبي(ص)بأخلاقه وتعالميه يبقى بشراً يطرأ على الآخرين من التصرفات الانسانية قال تعالى :{قُل إنَمَا أنَاْ شراً مِثلُكُم يُوحَى إِلىَ أنَمَا إلَهُكُم إلَهُ وَاحِدُ}[الكهف:110] وقد صرح النبي(ص) بذلك فيقوله ((إنما أنا بشر أنس كما تنسون فإذا نسيت فذكروني))[صحيح مسلم 572 وانظر شرح القاضي عياض(2/508)].وكون النبي (ص) يعيش في مجتمع يقوم في مبادئه على احترام العرف وتنفيذ ما جرت عليه العادة فإنه يشق على الناس تلقي أمر فيه نقض لتلك الأعراف،وإذا علمنا أن أبا طالب ما منعه من الاسلام إلا ما إلفه من عرف آبائه وأجداده من عبادة الأصنام في الجاهلية تبين لنا حجد التأثير الكبير الذي يتركه العرف في حياة الناس.وقد كان للعرب من التقاليد والأعراف أن الابن إذا تبناه شخص آخر فإنه ينزل منه منزلة الابن الحقيقي فيرثه ويشاركه في كل شيء وهو ما أراد القرآن إبطاله بمثل لا يرقى الشك إلى منزلته ، فاختاره الله تعالى لذلك النبي(ص) أن زيداً سيطلق زينب , أنه صلى الله عليه وسلم سيتزوجها من بعد.
وأمام الدور التوجيهي والتربوي للنبي (ص) في مثل هذه الأمور بالصلح والتفاهم فقد راح الصلاة والسلام ينصح الطرفين بالتريث والصبر،وكذلك لما للعرف من أثر في عدم تقبل مثل هذا الأمر لم يخبر النبي(ص) زيداً بما سيكوم الفراق بينهما وبما سيكون من زواجه منها فيما بعد وهو ما أدى إلى عتاب القرآن للنبي (ص) فقال جل وعلا : {وَإِذ تَقُوُل لَِّلذِى أنَعَم اللُهُ عَلَيهِ وَأنعَمتَ عليه أَمسِك عَلَيكَ زَوجَك وَأتِق اللهُ وَتُخفى فِي نفَسِكَ مَا اللهُ مُبدِيهِ وَتخَشىَ الَناسَ وَاللهُ أحَقُ أن تَخشَهُ فَلمَا قََضَى زَيدُ مِنهَا وَطَراً زَوجَنكهَا لِكَى لاَ يَكُون عَلَى المُؤمِنيَن حَرُُجُ فِي أزَواِج أدْعِياَئهم إذا قَضَوا مِنهُنَ وَطَرا وَكاَن أمرُ اللهِ مفعُولا37}[الاحزاب:37][تفسير ابن الكثير(3/646)].وفي هذا النص إشارة واضحة إلى أن النبي (ص) هو مرجع الامة فإذا أمر فينبغي أن لا يتردد الناس في تنفيذ الأمر وإن خالفت أعرافهم وتقاليدهم، لذلك فقد جاء عتاب الله تعالى للنبي (ص) ليكون ما يصدر من أوامر فيما بعد غير قابلة لمراعاة عرف و غيره مهما كان شكلها وحجمها طالما كان المنطلق فيها هو الوحي.

الخطوة الثانية: توجيه وتدريب الامة:
إن المجتمع الانساني كتلة من الأمزجة والأفكار لا تكاد تتوافق على أمر في النادر القليل ، لذلك فقد يصدر من ذلك المجتمع ما يوحي بالاعتراض أو الشكوى حيال بعض القرارات أو تجاه بعض القيادات من أولي الأمر والمراجع ،ولأن ذلك الأمر طبيعة في الانسان قال تعال:{وكاَنَ الانسَانُ أكثَرَ شيءٍِ جدَلاً}[الكهف:54] فقد تطلب في توجيهه عناية السماء إضافة إلى توجيه النبوي ليكون الأمر أبلغ في التنفيذ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم {للهِ ما فيِ اُلسََمَواِت وَمَا في اُلأرِض وَإنِ تُبدُوا ما في أنُفسِكُم أو تُخفُوهُ يُحاسبكمُ به اللهُ فيَغَفُر لِمنَ يَشَاء وَيعُذب من يَشَاء واللهُ عَلَى كُلَ شيءٍ قَدير284}[البقرة:284] اشتد ذلك على أصحاب الرسول الله(ص)فأتوا رسول الله(ص) ثم بركوا على الركب فقالوا:أي رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق: الصلاة والجهاد والصدقة وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها. قال رسول الله(ص): ((أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا؟ بل قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير)) فلما اقترأها القوم وذلت بها ألسنتهم، أنزل الله قوله تعالى في أثرها {ءَامَنَ الرَسُولُ بِمَا أُنزِل إليَهِ من رَبهِ والمُؤمنُونَ كلٌ ءامَنَ بِاللهِ َومَلئكَتِهِ وكُتُِبِهِ وَرُسُلِهِ لاَُنفرُق بَيَن أَحَدٍ مِن رُسلُهِ وقِالُوا َسمِعنَا وَأطَعَنا غُفرَانَك ربنا وَإليَكَ المَصيُر285} [البقرة:285] فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى : فأنزل الله عز وجل {لاَيُكلفُ الله ُنَفساً إَلا وُسَعهَا لَهاَ مَا كَسبَت وَعليَها ما َأكَتسَبت رَبنَا لاَ تُؤخِذَنا إن نَسيَنا أو أَخطأنَا}قال نعم {َربَنا ولا تَحِمل علَينَا إصراً كَمَا حَملتُه على الَذِين مِن قبَلِنا} قال: نعم {َربَنا ولا تُحَمِلنا مَا لاَ طَاقَةَ لَناَ ِبهِ} قال :نعم {واعفُ عَناَ وَاغفر لَناَ وَارحَمنا أنَت مَوَلنَا فَانُصرنَا على القومِ الكََفَرِين} [البقرة:286] قال: نعم [أخرجه مسلم في صحيحه برقم(125)] والحديث فيه من إشارات التأكيد بالالتزام بأوامر المرجعية وذلك من خلال ما يأتي:

1.وجود حالة التمرد النفسي لبعض الناس تجاه بعض الأمور مما يؤدي إلى الاعتراض وهو أمر مشروع إذا كان في حدوده، حيث إن شكوى الصحابة كانت بين يدي المرجعية ومع ذلك فقد واجه النبي الأمر بحزم فأمرهم بالسمع والطاعة وحذر أصحابه من سلوك التمرد على الأوامر الشرعية التي كانت دأباً لليهود والنصارى من قبل.

2.يبدو أن القرآن أراد اختبار سلوك الأصحاب والأمم التالية من بعد بضرورة الا لتزام لما يتلقاه الناس من أوامر عن طريق مراجعهم إذا كانت في طاعة الله.

3.الاستجابة الشعبية للناس في تلبية ما أمر الله تعالى به وما أمر به النبي (ص) وهو يعبر عن نوعية ذلك المجتمع في التعامل مع المرجع إذا أمر من غير تمرد أو جدال بل إن الأمر أحيانا يتطلب الاستجابة وحسب.

الخطوةالثالثة: الاستجابة السريعة:
وبعد ما مر من الخطوات من تربية للسلوك البشري في التعامل مع أوامر المرجعية بحزم ومن غير تردد ، ينقل القرآن لنا نموذجاً للاستجابة لما يصدر من المرجعية النبوية وحتى وإن تعلق الأمر في حقوق الشخصية التي أولاها الاسلام للمسلم ومن ذلك حق اختيارالزوج من غير إجبار خصوصاً للنساء،وقد خطب النبي امرأة لرجل لم يكن في نظر أهلها كفأً لابنتهم ولما بادر إلى الاعتذار بسبب عدم قناعة الوالدين بشخص الخاطب بادرت البنت فقالت:إن رسول الله قد رضييه فقد رضيته فلما أخبرهم رسول الله برضاه عمن خطب له وافقت البنت[تفسير القرآن العظيم لابن الكثير3/646]،عندها نزل القرآن يؤكد ضرورة اتباع الأوامر وحتى التوجيهات التي تتعلق بالحقوق الشخصية وهو ماقرره القرآن في قوله تعالى،{َومَا كان ِلمُؤمٍِن ولا مُؤمنةٍ إذَا قََضَََََى اللهُ وَرَسولُه ًُ أمراً أن يَكُونِ لَهُم َُالخيِرةُ مَِنَ أَمَِرهِم وَِمَن يَعِص اللَهَ وَرَسولهُ فَقَد ضََلَ ضَللاَ مُبيِنا36}[الاحزاب:36] وفي الاشارة مهمة بإنه ربما صدر من تلك المراجع مافيه مصلحة مستقبلية يراها المرجع من حيث يجهلها صاحب الشأن فإذا قرر المرجع أمراً فينبغي التسليم والقبول إذ كثيراً ما يكون أمر الناس في مثل هذه الأمور مبني على العاطفة التي تغفل الجانب العقلي.

الخطوة الرابعة: معاقبة الخارجين على المرجعية:
وبعد كل ما مر من الخطوات فإن القرآن عمد إلى تقرير بعض العقوبات الصارمة بحق من يحاول أن يتمرد على ما يصدر من المرجعية النبوية من أوامر أو توجيهات فعد من يفعل ذلك بأنه من قبيل المنافقين فقال تعالى :{َوإذِاَ قِيلَ لهَم تَعِالوا إلَىَ ما أنزلَ اللهُ وإلَىَ الرَسُول رَأيَت اَلمَنفُقين يصُدوُن عَنكَ صُدُودا61} [النساء:61][تفسير القرآن العظيم لابن كثير(3/692)]ونقل لنا القرآن صوراً من سلوك المنافقين في ذلك فقال تعالى:{ذَلِكَ بأنهم قَالُوا للِذَينَ كَرَهوِا مَا نَزَل اللُه ُُسَنطيُعكم في بَعِضَ الأمرِ واللهُ يعلمُ إِسَراهم26}[محمد:26] لذلك لما خاصم الزبير رجلاً في سريج من الحرة فقال النبي(ص) :(( اسق يازبير ثم أرسل الماء إلى جارك ،فقال الأنصاري: يا رسول الله إن كان ابن عمتك ، فتلون وجه رسول الله (ص) ثم قال:(( اسق يا زبير ، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر ، ثم أرسل الماء إلى جارك)) واستوعى النبي (ص) للزبيرحقه في صريح الحكم حين أحفظه الأنصاري ،وكان أشار إليهما بأمر فيه سعة ، فأنزل الله تعالى قوله :{فَلاَ وربَِكَ لا يؤمنُونَِ حتَّى يُحكموك فيَِما شَجَر بينُهم ثُم لا يجدُوا في أنفُسهم حرًجا مِمَا قَضيَت ويُسلمُوْا تسليًما65}[النساء:65] إذ نفت الآية الايمان عمن لم يرض بحكم رسول الله(ص).وتنقل بعض كتب التفسير والحديث رواية أخرى لنزول الآية من حيث إن عمر بن الخطاب رأى أن الخروج على المرجعية باعتبارها السياسي والشرعي أمر يستحق القتل فلما استفتاه أحدهم في أمر كان رسول الله قد قضي فيه لكن الرجل لم يعجبه ذلك الأمر عمد رضي الله عنه إلى سيفه فقتل ذلك الرجل،فقال رسول الله :(( ما كنت أظن أن يجترىء عمر على قتل مؤمن)) ، فأنزل الله تعالى قوله : :{فَلاَ وربَِكَ لا يؤمنُونَِ حتَّى يحكموك فيَِما شَجَر بينُهم ثُم لا يجدُوا في أنفُسهم حرًجا مِمَا قَضيَت ويُسلمُوْا تسليًما65}[النساء:65] فهدر القرآن دم ذلك الرجل وبرأ عمر من قتله[تفسير القرآن العظيم لابن كثير(3/693)]. والآية صرحت بنفي الايمان عمن لا يرضى بحكم رسول الله(ص) وفي ذلك إشارة إلى إن الامام إذا قضى أمراً فلا يجوز الخروج عليه وإن فعل ذلك يعد خروجاً من الايمان.