فياحسرات روحك وغمومها ! وياغبطها وسرورها ! حتى إذا تكاملت عدة الموتى , وخلت من سكانها الأرض والسماء ؛ فصاروا خامدين بعد حركاتهم , فلا حس يسمع , ولا شخص يرى , وقد بقي الجبار الأعلى كما لم يزل أزليا واحدا منفردا بعظمته وجلاله , ثم لم تفاجأ الا بنداء المنادي لكل الخلائق معك للعرض على الله عز وجل بالذل والصغار منك ومنهم .
فتوهم كيف وقوع الصوت في مسمعك وعقلك , وتفهم بعقلك بأنك تدعى الى العرض على الملك الأعلى ؛ فطار فؤادك , وشاب رأسك للنداء ؛ لأنها صيحة واحدة للعرض على ذي الجلال والإكرام والعظمة والكبرياء .
فبينا أنت فزع للصوت , إذا سمعت بانفراج الارض عن راسك ؛ فوثبت مغبرا من قرنك الى قدمك بغبار قبرك , قائما على قدميك شاخصا ببصرك نحو النداء , وقد ثار الخلائق كلهم معك ثورة واحدة , وهم مغبرون من غبار الارض التي طال فيها بلاؤهم .
فتوهم ثورتهم بأجمعهم بالرعب والفزع منك ومنهم
فتوهم نفسك بعريك ومذلتك , وانفرادك بخوفك , واحزانك , وغمومك , وهمومك في زحمة الخلائق , عراة حفاة , صموت أجمعون بالذلة والمسكنة والمخافة والرهبة ؛ فلا تسمع الا همس أقدامهم والصوت لمدة المنادي , والخلائق مقبلون نحوه , وأنت فيهم مقبل نحو الصوت , ساع بالخشوع والذلة , حتى إذاوافيت الموقف ازدحمت الأمم كلها من الجن والإنس عراة حفاة ؛ قد نزع المـلك من ملوك الأرض , ولزمتهم الذلة والصغار , فهم أذل أهل الجمع وأصغرهم خلقة وقدرا بعد عتوهم وتجبرهم على عباد الله عز وجل في أرضه .
ثم أقبلت الوحوش من البراري وذرى الجبال منكسة رؤؤوسها لذل يوم القيامة بعد توحشها وانفرادها من الخلائق ذليلة ليوم النشور لغير بلية نابتها ولا خطيئة أصابتها ؛ فتوهم إقبالها بذلها في اليوم العظيم ليوم العرض والنشور .
وأقبلت السباع بعد ضراوتها وشهامتها منكسة رؤوسها ذليلة ليوم القيامة حتى وقفت من وراء الخلائق بالذل والمسكنة والانكسار للملك الجبار , وأقبلت الشياطين بعد عتوها وتمردها خاشعة لذل العرض على الله سبحانه , فسبحانه الذي جمعهم بعد طول البلاء واختلاف خلقهم وطبائعهم وتوحش بعضهم من بعض , قد أذلهم البعث وجمع بينهم النشور .
يتبع>>>
المفضلات