‏ ‏حدثنا ‏ ‏إسحاق بن منصور ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏أبو أسامة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏هاشم بن هاشم ‏ ‏قال سمعت ‏ ‏عامر بن سعد ‏ ‏سمعت ‏ ‏سعدا ‏ ‏رضي الله عنه ‏ ‏يقول ‏

‏سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول ‏ ‏من ‏ ‏تصبح ‏ ‏سبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر ‏
فتح الباري بشرح صحيح البخاري

‏قوله في رواية أبي أسامة ‏
‏( سبع تمرات عجوة ) ‏

‏في رواية الكشميهني " بسبع تمرات " بزيادة الموحدة في أوله , ويجوز في تمرات عجوة الإضافة فتخفض كما تقول ثياب خز , ويجوز التنوين على أنه عطف بيان أو صفة لسبع أو تمرات ويجوز النصب منونا على تقدير فعل أو على التمييز .
قال الخطابي : كون العجوة تنفع من السم والسحر إنما هو ببركة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لتمر المدينة لا لخاصية في التمر .

وقال ابن التين : يحتمل أن يكون المراد نخلا خاصا بالمدينة لا يعرف الآن . وقال بعض شراح " المصابيح " نحوه وإنه ذلك لخاصية فيه , قال : ويحتمل أن يكون ذلك خاصا بزمانه صلى الله عليه وسلم , وهذا يبعده وصف عائشة لذلك بعده صلى الله عليه وسلم . وقال بعض شراح " المشارق " أما تخصيص تمر المدينة بذلك فواضح من ألفاظ المتن , وأما تخصيص زمانه بذلك فبعيد , وأما خصوصية السبع فالظاهر أنه لسر فيها , وإلا فيستحب أن يكون ذلك وترا .

وقال المازري : هذا مما لا يعقل معناه في طريق علم الطب , ولو صح أن يخرج لمنفعة التمر في السم وجه من جهة الطب لم يقدر على إظهار وجه الاقتصار على هذا العدد الذي هو السبع , ولا على الاقتصار على هذا الجنس الذي هو العجوة , ولعل ذلك كان لأهل زمانه صلى الله عليه وسلم خاصة أو لأكثرهم , إذ لم يثبت استمرار وقوع الشفاء في زماننا غالبا , وإن وجد ذلك في الأكثر حمل على أنه أراد وصف غالب الحال . وقال عياض : تخصيصه ذلك بعجوة العالية وبما بين لابتي المدينة يرفع هذا الإشكال ويكون خصوصا لها , كما وجد الشفاء لبعض الأدواء في الأدوية التي تكون في بعض تلك البلاد دون ذلك الجنس في غيره , لتأثير يكون في ذلك من الأرض أو الهواء .
قال : وأما تخصيص هذا العدد فلجمعه بين الإفراد والإشفاع , لأنه زاد على نصف العشرة , وفيه أشفاع ثلاثة وأوتار أربعة , وهي من نمط غسل الإناء من ولوغ الكلب سبعا وقوله تعالى : ( سبع سنابل ) وكما أن السبعين مبالغة في كثرة العشرات والسبعمائة مبالغة في كثرة المئين . وقال النووي : في الحديث تخصيص عجوة المدينة بما ذكر , وأما خصوص كون ذلك سبعا فلا يعقل معناه كما في أعداد الصلوات ونصب الزكوات . قال : وقد تكلم في ذلك المازري وعياض بكلام باطل فلا يغتر به انتهى . ولم يظهر لي من كلامهما ما يقتضي الحكم عليه بالبطلان , بل كلام المازري يشير إلى محل ما اقتصر عليه النووي , وفي كلام عياض إشارة إلى المناسبة فقط , والمناسبات لا يقصد فيها التحقيق البالغ بل يكتفى منها بطرق الإشارة . وقال القرطبي : ظاهر الأحاديث خصوصية عجوة المدينة بدفع السم وإبطال السحر , والمطلق منها محمول على المقيد , وهو من باب الخواص التي لا تدرك بقياس ظني . ومن أئمتنا من تكلف لذلك فقال : إن السموم إنما تقتل لإفراط برودتها , فإذا داوم على التصبح بالعجوة تحكمت فيه الحرارة وأعانتها الحرارة الغريزية فقاوم ذلك برودة السم ما لم يستحكم . قال : وهذا يلزم منه رفع خصوصية عجوة المدينة بل خصوصية العجوة بل خصوصية التمر , فإن من الأدوية الحارة ما هو أولى بذلك من التمر , والأولى أن ذلك خاص بعجوة المدينة . ثم هل هو خاص بزمان نطقه أو في كل زمان ؟ هذا محتمل , ويرفع هذا الاحتمال التجربة المتكررة . فمن جرب ذلك فصح معه عرف أنه مستمر , وإلا فهو مخصوص بذلك الزمان . قال وأما خصوصية هذا العدد فقد جاء في مواطن كثيرة من الطب كحديث " صبوا علي من سبع قرب " وقوله للمفئود الذي وجهه للحارث بن كلدة أن يلده بسبع تمرات , وجاء تعويذه سبع مرات , إلى غير ذلك . وأما في غير الطب فكثير , فما جاء من هذا العدد في معرض التداوي فذلك لخاصية لا يعلمها إلا الله أو من أطلعه على ذلك , وما جاء منه في غير معرض التداوي فإن العرب تضع هذا العدد موضع الكثرة وإن لم ترد عددا بعينه .

وقال ابن القيم : عجوة المدينة من أنفع تمر الحجاز , وهو صنف كريم ملزز متين الجسم والقوة , وهو من ألين التمر وألذه . قال : والتمر في الأصل من أكثر الثمار تغذية لما فيه من الجوهر الحار الرطب , وأكله على الريق يقتل الديدان لما فيه من القوة الترياقية , فإذا أديم أكله على الريق جفف مادة الدود وأضعفه أو قتله انتهى . وفي كلامه إشارة إلى أن المراد نوع خاص من السم وهو ما ينشأ عن الديدان التي في البطن لا كل السموم , لكن سياق الخبر يقتضي التعميم لأنه نكرة في سياق النفي , وعلى تقدير التسليم في السم فماذا يصنع في السحر