بسم الله الرحمن الرحيم

استكشكل بعض اعداء الاسلام من النصارى قوله تعالى في سورة الاحزاب : ((و امراة مؤمنة ان وهبت نفسها للنبي)) و قالوا كيف تهب المراة نفسها هكذا من دون زواج لنبي ؟؟

و الرد على هذه الشبهة في النقاط التالية :

1. ان المراد من وهب المراة نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم هو ان يتزوجها بدون صداق (مهر) و لا ولي

2. انه لم يثبت بسند صحيح ان النبي صلى الله عليه وسلم تزوج امراة وهبت نفسها له

3. رمتني بدائها و انسلت : ثامار جدة المسيح تعرض نفسها لحموها حسب الكتاب المقدس !!


اولا : ان المراد من وهب المراة نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم هو ان تعرض المراة نفسها للزواج من النبي صلى الله عليه وسلم مع اسقاط حقها في المهر .

اما الدليل على ان الاية تتحدث عن زواج و ليس فاحشة (و حاشاه عليه الصلاة و السلام بابي هو و امي ) :

ان الاية الكريمة بسياقها كاملا صنفت الواهبات انفسهن من ضمن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم
.
قال تعالى : (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۗ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (50))

و اما الدليل على ان المراد بوهب المراة نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم هو عرضها ان تتزوج منه من دون ولي مع اسقاطها حقها في المهر
:

1. ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها ذكرت - في حديث لها قالته (من باب الغيرة ) - وهب المراة نفسها من غير صداق
نقرا في مسند الامام احمد رحمه الله مسند عائشة الجزء السادس
25290 - حدثنا عبد الله حدثني أبى ثنا محمد بن بشر ثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة : انها كانت تعير النساء اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه و سلم قالت ألا تستحي المرأة ان تعرض نفسها بغير صداق فنزل أو قال فانزل الله عز و جل { ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك } قالت انى أرى ربك عز و جل يسارع لك في هواك
تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين

ملاحظة :
قول ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها انما هو من باب الغيرة التي تصيب النساء من ضرائرهن و مثل هذا مغفور باذن الله
نقرا في فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر رحمه الله الجزء التاسع كتاب النكاح :
((قوله ( فلما نزلت : ترجي من تشاء في رواية عبدة بن سليمان فأنزل الله ترجي وهذا أظهر في أن نزول الآية بهذا السبب ، قال القرطبي حملت عائشة على هذا التقبيح الغيرة التي طبعت عليها النساء وإلا فقد علمت أن الله أباح لنبيه ذلك وأن جميع النساء لو ملكن له رقهن لكان قليلا . قوله ( ما أرى ربك إلا يسارع في هواك ) في رواية محمد بن بشر " إني لأرى ربك يسارع لك في هواك " أي في رضاك ، قال القرطبي : هذا قول أبرزه الدلال والغيرة ، وهو من نوع قولها ما أحمدكما ولا أحمد إلا الله ، وإلا فإضافة الهوى إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا تحمل على ظاهره ، لأنه لا ينطق عن الهوى ولا يفعل بالهوى ، ولو قالت إلى مرضاتك لكان أليق ، ولكن الغيرة يغتفر لأجلها إطلاق مثل ذلك . ))


2. اجماع المفسرين من السلف على ذلك :
نقرا من تفسير الطبري رحمه الله :
(( وقوله ( وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ ) يقول: وأحللنا له امرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي بغير صداق.
كما حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد قوله ( وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ ) بغير صداق، فلم يكن يفعل ذلك وأحل له خاصة من دون المؤمنين.
وذكر أن ذلك في قراءة عبد الله (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ) بغير إن، ومعنى ذلك ومعنى قراءتنا وفيها إن واحد، وذلك كقول القائل في الكلام: لا بأس أن يطأ جارية مملوكة إن ملكها، وجارية مملوكة ملكها.
وقوله ( إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا ) يقول: إن أراد أن ينكحها فحلال له أن ينحكها وإذا وهبت نفسها له بغير مهر (خَالِصَةً لَكَ) يقول: لا يحل لأحد من أمتك أن يقرب امرأة وهبت نفسها له، وإنما ذلك لك يا محمد خالصة أخلصت لك من دون سائر أمتك.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ) يقول: ليس لامرأة أن تهب نفسها لرجل بغير أمر ولي ولا مهر، إلا للنبي، كانت له خالصة من دون الناس ويزعمون أنها نـزلت في ميمونة بنت الحارث أنها التي وهبت نفسها للنبي.))


فالاية تتكلم عن اي امراة مؤمنة تعرض نفسها بالزواج من النبي صلى الله عليه وسلم مع اسقاط حقها في المهر و هذا نوع من الزواج اختص به النبي صلى الله عليه وسلم و ليس المراد انها تهب نفسها هكذا للنبي عليه الصلاة و السلام ليطاها دون عقد وزواج و حاشاه بابي هو و امي .

ثانيا : لم يثبت اصلا ان النبي صلى الله عليه وسلم تزوج اي من الواهبات انفسهن له عليه الصلاة و السلام .

وقد صرح ابن عباس رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوج اي من الواهبات انفسهن .
نقرا من تفسير الطبري رحمه الله لسورة الاحزاب :
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يونس بن بكير، عن عنبسة بن الأزهر، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال لم يكن عند رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم امرأة وهبت نفسها.

حسن الرواية ابن حجر رحمه الله في فتح الباري شرح صحيح البخاري الجزء التاسع كتاب النكاح :
(( ويعارضه حديث سماك عن عكرمة عن ابن عباس " لم يكن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأة وهبت نفسها له " أخرجه الطبري وإسناده حسن ، والمراد أنه لم يدخل بواحدة ممن وهبت نفسها له وإن كان مباحا له لأنه راجع إلى إرادته لقوله تعالى . إن أراد النبي أن يستنكحها ، ))

و اما ما روي عن ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها كما نقله ابن كثير رحمه الله في تفسيره لسورة الاحزاب :
((ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا منصور بن أبي مُزَاحم، حدثنا ابن أبي الوضاح -يعني: محمد بن مسلم -عن هشام بن عُرْوَة، عن أبيه، عن عائشة قالت: التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم خولة بنت حكيم ))

فخولة بنت حكيم رضي الله عنها وهبت نفسها للنبي عليه الصلاة و السلام ليتزوجها بغير صداق الا ان النبي عليه الصلاة و السلام لم يقبل
.
و الدليل على ذلك :
نقرا من صحيح البخاري كتاب النكاح باب التزويج على القرآن وبغير صداق 4854 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان سمعت أبا حازم يقول سمعت سهل بن سعد الساعدي يقول إني لفي القوم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قامت امرأة فقالت يا رسول الله إنها قد وهبت نفسها لك فر فيها رأيك فلم يجبها شيئا ثم قامت فقالت يا رسول الله إنها قد وهبت نفسها لك فر فيها رأيك فلم يجبها شيئا ثم قامت الثالثة فقالت إنها قد وهبت نفسها لك فر فيها رأيك فقام رجل فقال يا رسول الله أنكحنيها قال هل عندك من شيء قال لا قال اذهب فاطلب ولو خاتما من حديد فذهب فطلب ثم جاء فقال ما وجدت شيئا ولا خاتما من حديد فقال هل معك من القرآن شيء قال معي سورة كذا وسورة كذا قال اذهب فقد أنكحتكها بما معك من القرآن .

وقال بن حجر رحمه الله في فتح الباري شرح صحيح البخاري الجزء التاسع كتاب النكاح :
(( وهذه المرأة لم أقف على اسمها ، ووقع في " الأحكام لابن القصاع " أنها خولة بنت حكيم أو أم شريك ، وهذا نقل من اسم الواهبة الوارد في قوله تعالى وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي وقد تقدم بيان اسمها في تفسير الأحزاب وما يدل على تعدد الواهبة . ))

وقد رويت روايات اخرى تذكر ان النبي صلى الله عليه وسلم قد تزوج بعض النساء اللاتي وهبن انفسهن الا انها لا تخلو من ضعف في الاسانيد .

الروايات :
1. نقرا من تفسير الطبري رحمه الله لسورة الاحزاب :
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهد أنه قال في هذه الآية ( وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ ) قال: أن تهب. وأما الذين قالوا: قد كان عنده منهن فإن بعضهم قال: كانت ميمونة بنت الحارث. وقال بعضهم: هي أم شريك . وقال بعضهم: زينب بنت خزيمة.

الرواية ضعيفة و العلة :
الارسال من مجاهد رحمه الله .

2. نقرا من تفسير الطبري رحمه الله لسورة الاحزاب :
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن ابن عباس، قال: ( وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ ) قال: هي ميمونة بنت الحارث.

الرواية ضعيفة و العلة :
الانقطاع بين قتادة و ابن عباس رضي الله عنه .
وضعفها ابن حجر رحمه الله في فتح الباري شرح صحيح البخاري الجزء التاسع:
(( . ومن طريق قتادة عن ابن عباس قال : التي وهبت نفسها للنبي - صلى الله عليه وسلم - هي ميمونة بنت الحارث ، وهذا منقطع . وأورده من وجه آخر مرسل وإسناده ضعيف))

3. نقرا من المصدر السابق :
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال: ثني الحكم، قال: كتب عبد الملك إلى أهل المدينة يسألهم، قال: فكتب إليه علي، قال شعبة: وهو ظني علي بن حسين، قال: وقد أخبرني به أبان بن تغلب، عن الحكم، أنه علي بن الحسين الذي كتب إليه، قال: هي امرأة من الأسد يقال لها أم شريك، وهبت نفسها للنبي.

الرواية ضعيفة و العلة :
الارسال من علي بن الحسين رحمه الله
.

4. نقرا من المصدر السابق :
قال: ثني سعيد بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: كنا نتحدث أن أم شريك كانت وهبت نفسها للنبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وكانت امرأة صالحة

الرواية ضعيفة لعلتين :
1. الارسال من عروة بن الزبير
2. سعيد بن ابي الزناد ضعيف و اختلف فيما رواه قبل انتقاله لبغداد

نقرا من سير اعلام النبلاء للذهبي رحمه الله الجزء الثامن :
((وقال صالح جزرة ‎ : قد روى عن أبيه أشياء لم يروها غيره . وقد تكلم فيه مالك لروايته كتاب الفقهاء السبعة ، عن أبيه . وقال : أين كنا نحن من هذا ؟
قال الخطيب : تحول من المدينة ، فسكن بغداد . روى عنه الوليد بن مسلم ، وابن وهب ، وسليمان بن داود الهاشمي .
وقال ابن المديني : ما حدث به بالمدينة صحيح ، وما حدث به ببغداد أفسده البغداديون . وقال الفلاس : فيه ضعف .
وروى عبد الله بن أحمد ، عن أبيه ، قال : هو كذا وكذا - يلينه - .
وقال سليمان بن أيوب البصري : سمعت ابن معين : إني لأعجب ممن يعد فليحا وابن أبي الزناد في المحدثين .
قال ابن حبان : كان عبد الرحمن ممن ينفرد بالمقلوبات عن الأثبات . وكان ذلك من سوء حفظه ، وكثرة خطئه ، فلا يجوز الاحتجاج به إلا فيما وافق الثقات ، فهو صادق . ))

فلم يثبت ان النبي صلى الله عليه وسلم تزوج اي من الواهبات انفسهن

يتبع مع النقطة الثالثة