هل إله الإسلام يمل ؟

قالوا : إن إله الإسلام يمل و يسأم .... واستندوا على فكرهم بما جاء في
صحيح البخاري كتاب( الجمعة) باب (ما يكره من التشديد في العبادة ) برقم 1083 عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ : كَانَتْ عِنْدِي امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ rفَقَالَ مَنْ هَذِهِ قُلْتُ فُلَانَةُ لَا تَنَامُ بِاللَّيْلِ فَذُكِرَ مِنْ صَلَاتِهَا فَقَالَ: مَهْ عَلَيْكُمْ مَا تُطِيقُونَ مِنْ الْأَعْمَالِ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا.


الرد على الشبهة


أولًا: إن عنوان الشبهة باطل من أساسه فما بني على باطل فهو باطل ؛لأن الحديث الشريف ينفي صفة الملل تمامًا عن رب العالمينI فهذه صفة نقص ؛ صفة منفية عن الله Iلا تجوز في حقه...
الحديث نفسه يقول:" إِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا ". فالحديث ينفي صفة الملل عن الله I والمعنى : أنه I لا يمل أبدا حتى لو مللتم أنتم فهولا يمل أبدًا من إعطاء الثواب والخير...

فهم بذلك علماء المسلمين كما يلي :

1- المنتقى شرح الموطأ (ج 1 / ص 273) وَقَوْلُهُ r :" َذَكَرَ الدَّاوُدِيُّ أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ مَعْنَاهُ لَا يَمَلُّ وَأَنْتُمْ تَمَلُّونَ .

2- كشف المشكل من حديث الصحيحين ( ج1/ ص 1174) : وقولهr:" فإن الله لا يمل حتى تملوا" الملل للشيء الاستثقال له والكراهية ونفور النفس عنه، وذلك لا يجوز في صفات الله -عز وجل- لأنه لو جاز لدخلت عليه الحوادث واختلفوا في معنى الكلام على أربعة أقوال:
أحدها: أن المعنى لا يمل أبدا مللتم أو لم تملوا وجرى هذا مجرى قولهم حتى يشيب الغراب ويبيض القار وأنشدوا صليت مني هذيل بخرق
لا يمل الشر حتى يملوا
المعنى: لا يمل وإن ملوا إذا لو مل عند ملالهم لم يكن له عليهم فضل
والثاني: لا يمل من الثواب ما لم تملوا من العمل ومعنى يمل يترك لأن من مل شيئا تركه حكاهما أبو سليمان
والثالث: أن المعنى لا يقطع عنكم فضله حتى تملوا سؤاله فسمى فعله مللا وليس بملل ولكن لتزدوج اللفظة بأختها في اللفظ وإن خالفتها في المعنى وهذا كقوله تعالى ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه ) (البقرة 194)
وقوله :( ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين ) آل عمران 54 وقوله :( وجزاء سيئة سيئة مثلها ) الشورى 40 وأنشدوا
ألا لا يجهلن أحد علينا... فنجهل فوق جهل الجاهلينا
والرابع: أن المعنى لا يطرحكم حتى تتركوا العمل له وتزهدوا في الرغبة إليه فلما كان الاطراح لا يكاد يقع إلا عن ملل وكان المجازى عليه هو الملل حسن أن يسمى باسمه

3- شرح ابن بطال للبخاري( ج1/ص86 ): قال ابن قتيبة: وقوله: تمت فإن الله لا يمل حتى تملوا - ، معناه لا يمل إذا مللتم.
ومثال ذلك: قولهم في الكلام: هذا الفرس لا يفتر حتى يفتر الخيل، لا يريد بذلك أنه يفتر إذا فترت الخيل، ولو كان هذا المراد ما كان له فضيلة عليها إذا فتر معها.

4- شرح ابن بطال للبخاري ( ج5/ ص135 ): وقد قال r : « إن الله لا يمل حتى تملوا » . يعنى أن الله لا يقطع المجازاة على العبادة حتى تقطعوا العمل. فأخرج اللفظ المجازاة بلفظ الفعل، لأن الملل غير جائز على الله تعالى، ولا هو من صفاته.
5- شرح النووي على مسلم ( ج3/ ص 133 ) قَوْله r: ( فَإِنَّ اللَّه لَا يَمَلّ حَتَّى تَمَلُّوا ): هُوَ بِفَتْحِ الْمِيم فِيهِمَا ، وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى : ( لَا يَسْأَم حَتَّى تَسْأَمُوا ) وَهُمَا بِمَعْنًى قَالَ الْعُلَمَاء : الْمَلَل وَالسَّآمَة بِالْمَعْنَى الْمُتَعَارَف فِي حَقّنَا مُحَال فِي حَقِّ اللَّه تَعَالَى ، فَيَجِب تَأْوِيل الْحَدِيث . قَالَ الْمُحَقِّقُونَ : مَعْنَاهُ لَا يُعَامِلكُمْ مُعَامَلَة الْمَالِّ فَيَقْطَع عَنْكُمْ ثَوَابه وَجَزَاءَهُ ، وَبَسَطَ فَضْله وَرَحْمَته حَتَّى تَقْطَعُوا عَمَلكُمْ ، وَقِيلَ : مَعْنَاهُ لَا يَمَلّ إِذَا مَلَلْتُمْ ، وَقَالَهُ اِبْن قُتَيْبَة وَغَيْره ، وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْره ، وَأَنْشَدُوا فِيهِ شِعْرًا . قَالُوا : وَمِثَاله قَوْلهمْ فِي الْبَلِيغ : فُلَان لَا يَنْقَطِع حَتَّى يَقْطَع خُصُومه . مَعْنَاهُ : لَا يَنْقَطِع إِذَا اِنْقَطَعَ خُصُومه ، وَلَوْ كَانَ مَعْنَاهُ يَنْقَطِع إِذَا اِنْقَطَعَ خُصُومه لَمْ يَكُنْ لَهُ فَضْل عَلَى غَيْره ، وَفِي هَذَا الْحَدِيث كَمَال شَفَقَته r وَرَأْفَته بِأُمَّتِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَرْشَدَهُمْ إِلَى مَا يُصْلِحهُمْ وَهُوَ مَا يُمْكِنهُمْ الدَّوَام عَلَيْهِ بِلَا مَشَقَّة وَلَا ضَرَر فَتَكُون النَّفْس أَنْشَطَ وَالْقَلْب مُنْشَرِحًا فَتَتِمّ الْعِبَادَة ، بِخِلَافِ مَنْ تَعَاطَى مِنْ الْأَعْمَال مَا يَشُقّ فَإِنَّهُ بِصَدَدِ أَنْ يَتْرُكهُ أَوْ بَعْضه أَوْ يَفْعَلهُ بِكُلْفَةٍ وَبِغَيْرِ اِنْشِرَاح الْقَلْب ، فَيَفُوتهُ خَيْر عَظِيم ، وَقَدْ ذَمَّ اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى مَنْ اِعْتَادَ عِبَادَة ثُمَّ أَفْرَطَ فَقَالَ تَعَالَى : { وَرَهْبَانِيَّة اِبْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا اِبْتِغَاء رِضْوَان اللَّه فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتهَا } وَقَدْ نَدِمَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاصِ عَلَى تَرْكه قَبُول رُخْصَة رَسُول اللَّه rفِي تَخْفِيف الْعِبَادَة وَمُجَانَبَة التَّشْدِيد .

إن الحديث يشبه قولَّهI : ]وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (82) [ (طه). ومعنى لغفار ، أي كثير المغفرة.

وقوله I : ] قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) [ (الزمر).

وبهذا أكون قد رددت على هذه الشبهة التي هي أوهن من بيت العنكبوت لو كان يعلمون.


ثانيًا: إن الذي يمل ويسأم ولا يستطيع أن يصبر على عباده هو الرب الذي يعبده المعترضون وذلك بحسب ما جاء في الكتاب المقدس فنجد أن الربَّ نفد صبره على شعبه (أصابه الملل) وراجعه عبدُه ونبيُّه موسى قائلاً له : " اِرْجِعْ عَنْ حُمُوِّ غَضَبِكَ، وَانْدَمْ عَلَى الشَّرِّ بِشَعْبِكَ " ! وذلك بحسب ما جاء في سفر حزقيال إصحاح 32 عدد11: 12 11فَتَضَرَّعَ مُوسَى أَمَامَ الرَّبِّ إِلهِهِ، وَقَالَ: «لِمَاذَا يَا رَبُّ يَحْمَى غَضَبُكَ عَلَى شَعْبِكَ الَّذِي أَخْرَجْتَهُ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ بِقُوَّةٍ عَظِيمَةٍ وَيَدٍ شَدِيدَةٍ؟ 12لِمَاذَا يَتَكَلَّمُ الْمِصْرِيُّونَ قَائِلِينَ: أَخْرَجَهُمْ بِخُبْثٍ لِيَقْتُلَهُمْ فِي الْجِبَالِ، وَيُفْنِيَهُمْ عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ؟ اِرْجِعْ عَنْ حُمُوِّ غَضَبِكَ، وَانْدَمْ عَلَى الشَّرِّ بِشَعْبِكَ. لا تعليق !.


كما أن الكتاب المقدس هو الذي نسب إلى الله I صفة الملل بالمعنى المذموم يقينًا إليمًا ؛ جاء ذلك في سفر إِرْمِيَا إصحاح 15 عدد 5فَمَنْ يَشْفُقُ عَلَيْكِ يَا أُورُشَلِيمُ، وَمَنْ يُعَزِّيكِ، وَمَنْ يَمِيلُ لِيَسْأَلَ عَنْ سَلاَمَتِكِ؟ 6أَنْتِ تَرَكْتِنِي، يَقُولُ الرَّبُّ. إِلَى الْوَرَاءِ سِرْتِ. فَأَمُدُّ يَدِي عَلَيْكِ وَأُهْلِكُكِ. مَلِلْتُ مِنَ النَّدَامَةِ.
نلاحظ قول الرب: " مَلِلْتُ مِنَ النَّدَامَةِ ". لا تعليق !

كتبه / أكرم حسن مرسي
باحث في مقارنة الأديان