بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله
أنواع الحساب يوم القيامة
السؤال:
لدي سؤال : اشرحوا لنا أنواع وكيفية الحساب في القبر ويوم القيامة ، فتارة نقرأ في الحديث الشريف أنه من نوقش الحساب عذب ، وأن المؤمن لا يرى إلا عرض الحساب ، وفي القرأن الكريم نقرأ أن كل شئ من عمل الأنسان سيراه ولو كان مثقال ذرة من خير أو شر ، أي ولو شربة ماء سيعد من النعيم ، ويحاسب عليها ، بغض النظر أكان مؤمنا أو كافرا والعياذ بالله نرجوا تفسيرا لذلك .

نشر بتاريخ: 2012-09-19
الجواب :
الحمد لله
أولا :
عذاب القبر ونعيمه ثابت بالنص والإجماع ، والأصل أن العذاب والنعيم في القبر يكون على الروح ، وقد تتصل الروح بالبدن فيصيبه شيء من العذاب أو النعيم .
راجع إجابة السؤال رقم (47055) ورقم (8829) ورقم (21212) .

وأما الحساب : فليس هناك في القبر حساب ، إنما هو عذاب على بعض ما عمل ، أو نعيم في القبر لمن كان من أهل الخير ، وأما الحساب فإنه يكون في موقف القيامة .
ثانيا :
الأصل أن يحاسب الناس كلهم في موقف القيامة ، إلا صنفا من الناس ، يتفضل الله عليهم ، فيدخلهم الجنة من غير سبق حساب ، ولا عذاب ، كما سبق في جواب السؤال رقم (4203).

روى الترمذي (3357) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةَ : ( ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ ) قَالَ النَّاسُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ عَنْ أَيِّ النَّعِيمِ نُسْأَلُ فَإِنَّمَا هُمَا الْأَسْوَدَانِ وَالْعَدُوُّ حَاضِرٌ وَسُيُوفُنَا عَلَى عَوَاتِقِنَا ؟ ( قَالَ إِنَّ ذَلِكَ سَيَكُونُ ) حسنه الألباني في" صحيح الترمذي " .
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية :
" أي: ثم لتسألن يومئذ عن شكر ما أنعم الله به عليكم، من الصحة والأمن والرزق وغير ذلك ، ما إذا قابلتم به نعمه من شكره وعبادته " انتهى من "تفسير ابن كثير" (8 /474) .
وروى الترمذي (2417) وصححه عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ ) .
صححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
قال ابن القيم رحمه الله :
" قال قتادة : " إن الله سائل كل عبد عما استودعه من نعمه وحقه .
والنعيم المسئول عنه نوعان : نوع أخذ من حله وصرف في حقه فيسأل عن شكره ونوع يأخذ بغير حله وصرف في غير حقه فيسأل عن مستخرجه ومصرفه " انتهى من "إغاثة اللهفان" (1 /84) .
وقال أيضا :
" كل أحد يسأل عن نعيمه الذي كان فيه في الدنيا هل ناله من حلاله ووجهه أم لا ؟ فإذا تخلص من هذا السؤال سئل سؤالا آخر هل شكر الله تعالى عليه فاستعان به على طاعته أم لا ؟ فالأول سؤال عن سبب استخراجه والثاني عن محل صرفه " انتهى من "عدة الصابرين" (ص 157) .
ثالثا :
الحساب يوم القيامة نوعان :
النوع الأول :
حساب عرض ، وهذا يخص المؤمن ، يُسأل عن عمله وعلمه ونعمة الله التي منّ بها عليه ، فيجيب بما يشرح صدره ويثبت حجته ويديم نعمة الله عليه .
وإذا عرضت عليه ذنوبه أقر بها فيسترها الله عليه ويتجاوز عنه .
فهذا لا يناقش الحساب ولا يدقق عليه ولا يحقق معه ، ويأخذ كتابه بيمينه ، وينقلب إلى أهله في الجنة مسرورا ؛ لأنه نجا من العذاب وفاز بالثواب .
روى البخاري (6536) ومسلم (2876) عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ عُذِّبَ ) قَالَتْ قُلْتُ أَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : ( فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ) ؟ قَالَ ( ذَلِكِ الْعَرْضُ ) .
قال الحافظ رحمه الله : " قَالَ الْقُرْطُبِيّ : مَعْنَى قَوْله " إِنَّمَا ذَلِك الْعَرْضُ " أَنَّ الْحِسَابَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ إِنَّمَا هُوَ أَنْ تُعْرَضَ أَعْمَالُ الْمُؤْمِنِ عَلَيْهِ حَتَّى يَعْرِفَ مِنَّةَ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي سَتْرِهَا عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَفِي عَفْوِهِ عَنْهَا فِي الْآخِرَةِ " انتهى .
وروى أحمد (24988) عن عَائِشَةَ قالت : " سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْحِسَابِ الْيَسِيرِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْحِسَابُ الْيَسِيرُ ؟ فَقَالَ : ( الرَّجُلُ تُعْرَضُ عَلَيْهِ ذُنُوبُهُ ثُمَّ يُتَجَاوَزُ لَهُ عَنْهَا إِنَّهُ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ هَلَكَ ) . صححه الألباني في "ظلال الجنة" (2/128) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" المؤمن يحاسب ولكنه ليس حساب مناقشة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نوقش الحساب هلك -أو قال- عذب) لكنه حساب عرض " انتهى من "اللقاء الشهري" (1 /378) .

وقد روى البخاري (2441) ومسلم (2768) عن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا ؟ فَيَقُولُ نَعَمْ أَيْ رَبِّ . حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ : سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ . فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ . وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ )
النوع الثاني :
حساب مناقشة ، وهذا حساب الله للكفار ، ومن شاء من عصاة الموحدين ، وقد يطول حسابهم ويعسر بحسب كثرة ذنوبهم . وهؤلاء العصاة من الموحدين يدخل الله منهم النار من شاء إلى أمد ، ثم يخرجهم فيدخلهم الجنة إلى أبد .
روى مسلم (2968) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : " قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ : هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ قَالَ : ( هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ فِي الظَّهِيرَةِ لَيْسَتْ فِي سَحَابَةٍ )؟ قَالُوا لَا قَالَ : ( فَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ فِي سَحَابَةٍ )؟ قَالُوا لَا قَالَ : ( فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ إِلَّا كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا ) ،قَالَ ( فَيَلْقَى الْعَبْدَ فَيَقُولُ أَيْ فُلْ أَلَمْ أُكْرِمْكَ وَأُسَوِّدْكَ وَأُزَوِّجْكَ وَأُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ؟ فَيَقُولُ بَلَى قَالَ فَيَقُولُ أَفَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلَاقِيَّ؟ فَيَقُولُ : لَا فَيَقُولُ فَإِنِّي أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي ، ثُمَّ يَلْقَى الثَّانِيَ فَيَقُولُ أَيْ فُلْ أَلَمْ أُكْرِمْكَ وَأُسَوِّدْكَ وَأُزَوِّجْكَ وَأُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ؟ فَيَقُولُ : بَلَى أَيْ رَبِّ فَيَقُولُ أَفَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلَاقِيَّ ؟ فَيَقُولُ لَا فَيَقُولُ فَإِنِّي أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي ، ثُمَّ يَلْقَى الثَّالِثَ فَيَقُولُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ آمَنْتُ بِكَ وَبِكِتَابِكَ وَبِرُسُلِكَ وَصَلَّيْتُ وَصُمْتُ وَتَصَدَّقْتُ وَيُثْنِي بِخَيْرٍ مَا اسْتَطَاعَ ، فَيَقُولُ هَاهُنَا إِذًا قَالَ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: الْآنَ نَبْعَثُ شَاهِدَنَا عَلَيْكَ ، وَيَتَفَكَّرُ فِي نَفْسِهِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْهَدُ عَلَيَّ؟ فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ وَيُقَالُ لِفَخِذِهِ وَلَحْمِهِ وَعِظَامِهِ انْطِقِي ، فَتَنْطِقُ فَخِذُهُ وَلَحْمُهُ وَعِظَامُهُ بِعَمَلِهِ وَذَلِكَ لِيُعْذِرَ مِنْ نَفْسِهِ وَذَلِكَ الْمُنَافِقُ وَذَلِكَ الَّذِي يَسْخَطُ اللَّهُ عَلَيْهِ ) .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" اختلف العلماء رحمهم الله في قوله: ( لتسألن يومئذ عن النعيم ) هل المراد الكافر، أو المراد المؤمن والكافر؟ والصواب: أن المراد به المؤمن والكافر، كل يسأل عن النعيم، لكن الكافر يسأل سؤال توبيخ وتقريع ، والمؤمن يسأل سؤال تذكير... سؤال المؤمن سؤال تذكير بنعمة الله عز وجل عليه ، حتى يفرح ويعلم أن الذي أنعم عليه في الدنيا ، تكرم عليهم بنعمته في الآخرة، أما الكافر فإنه سؤال توبيخ وتنبيه " انتهى ، باختصار من "لقاء الباب المفتوح" (98 /9) .

راجع لمعرفة المزيد إجابة السؤال رقم (52887) ، (138650)
والله أعلم .

موقع الإسلام سؤال وجواب


{قلت: يا رسول الله! فما يفعل بنا ربنا إذا لقيناه؟ قال: تعرضون عليه باديةً له صفحاتُكم، لا يخفى عليه منكم خافية}، كما قال تعالى: ((يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ))[الحاقة:18]، هذا هو الموقف، وهذه هي الحال التي لا يمكن لأحد أن يخفي فيها شيئاً، فأعضاؤه تنطق وتشهد عليه، وكذلك الملائكة والكتـاب، فيقال لكل إنسان: ((اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا))[الإسراء:14]، فليس هناك أمور مخفية، ولا يستطيع أحدٌ أن يكتم شيئاً مما عمل.
قال: {فيأخذ ربك عز وجل بيده غُرفَةً من ماء، فينضح بها قبلَكُم} أي: ينضح بها الخلائق {فلعمر إلهك ما يخطئ وجه أحدٍ منكم منها قطرة}، فكل أحد ستصيبه قطرة من هذا الماء، {فأما المسلم فتدع وجهه مثل الريطة البيضاء}، أي: مثل قطعة القماش البيضاء النقية، {وأما الكافر فتنضحه أو قال: فتخطمه بمثل الحُمَم الأسود}؛ فيسود وجهه كما اسودت أعماله من قبل عياذاً بالله! قال تعالى: ((يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ))[آل عمران:106].
قال: {ألا ثم ينصرف نبيكم}، أي: ينصرف النبي صلى الله عليه وسلم من أرض المحشر {ويفترق على أثره الصالحون}، فنبينا العظيم صلى الله عليه وسلم إمامنا في الدنيا والآخرة، فبعد العرض والحساب، وبعد أن يشفعه الله تعالى في أمته وفي العالمين، ويخفف عن الناس، ينصرف بأمته، فيتبعونه صلى الله عليه وسلم وقد عطشوا وأنهكوا من هذا الوقوف الطويل، والحر الشديد، والحساب العظيم، ومن هذه الأهوال، فيتبعون النبي صلى الله عليه وسلم، وحظهم في اتباعه في ذلك اليوم مثل حظهم في اتباعه في هذه الحياة الدنيا، والمُعرِض عن هديه وسنته في الدنيا سوف يبُعد ويطرد هناك، قال تعالى: ((جَزَاءً وِفَاقًا))[النبأ:26].
قال: { فيسلكون جسراً من النار}، أي: يعبرون الجسر الذي هو أدق من الشعرة وأحد من السيف على متن جهنم، قال الله تعالى : ((وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا))[مريم:71]، وهذا الورود على النار -المذكور في الآية- هو لكل الخلائق من فوق هذا الجسر، والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم واقفون هنالك ودعواهم: {اللهم سلم سلم}، يدعون الله سبحانه وتعالى أن يسلمهم ويسلم أممهم.
قال: {فيسلكون جسراً من النار يطأ أحدكم الجمرة يقول: حس}، كالإنسان إذا قام من النوم ووضع قدميه على شيء حار، أو فاجأه شيء حار، فأحس به فقال: حس.. يمشى على الجسر ويشعر بحرها ولفح سعيرها، ويكاد أن يضع قدمه في النار، أو يسقط فيها، نسأل الله العفو والعافية.
قال {يقول ربك عز وجل: أو أنه } أي: نعم. إن الأمر كذلك، أو أنتم كذلك، أو هذا هو الجسر، وهذه هي النار.
قال: {ألا فتطلعون على حوض نبيكم على أظماء -والله- ناهلة عليها، قط رأيتها} يعني: ما رأيت مثلها، والنواهل: الإبل الواردة للشرب، فمع شدة عطشهم يندفعون كالإبل الظمأى للشرب من هذا الحوض الذي اختص وأعطيه النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: {فلعمر إلهك ما يبسط أحد منكم يده إلا وقع عليها قدح}، فالمؤمنون بعد أن يتجاوزوا الجسر يندفعون إلى الحوض اندفاع الإبل الظمأى إلى الشراب، ويصف النبي صلى الله عليه وسلم كيفية شربهم منه وأنه سهل، فيبسطون أيديهم عند الحوض فيقع في يد كل واحد منهم قدح من هذا الحوض المورود، الذي يشخب -يصب- فيه ميزابان من الكوثر من الجنة، فإذا شربه {يطهره من الطَّوْف والبول والأذى}، يعني: لا يبول ولا يتبرز كما كان في الدنيا، ولا يبقى فيه أذى، فإن شربة واحدة من هذا الحوض تطهره وتنقيه فلا يحتاج أن يتغوط أو يبول، ولا يخرج منه شيء من الأذى أبداً، وهي شربة لا يظمأ بعدها أبداً.. جعلنا الله من وارديه؛ آمين.
قال: {وتُخنس الشمسُ والقمرُ فلا ترون منهما واحداً} أي: أن الشمس والقمر يختفيان، وذلك بأن يجمعهما الله سبحانه وتعالى فيلقيهما في جنهم ويتبعهما من كان يعبدهما في الدنيا؛ زيادة في عذابهم وحسراتهم، لا تعذيباً للشمس والقمر.
{قال: قلت: يا رسول الله! فبم نبصر؟ قال: بمثل بصرك ساعتك هذه}، أي: أن الناس يوم القيامة يبصرون بمثل البصر في تلك الساعة التي كان يخطب فيها النبي صلى الله عليه وسلم، وهي ما بعد صلاة الفجر وقبيل طلوع الشمس، وهي أفضل الأوقات من جهة النور والإضاءة، وجمال الجو، والبرودة، وهي أيضاً أعدل الأوقات في جميع الأحوال والبيئات، والآخرة أعظم لا شك.
قال: {وذلك قبل طلوع الشمس، في يوم أشرقت الأرض وواجهت به الجبال}، فإذا سطع ضوء الشمس على قمم الجبال؛ فإن الإضاءة أجمل ما تكون في ذلك الوقت، فليست في وقت الظهيرة حيث الأشعة قوية، وليست قبل ذلك حيث الظلام، فهكذا يكون نور الجنة، جعلنا الله من أهلها، أما النار فهي سوداء مظلمة، عافانا الله منها.
{قال: قلت: يا رسول الله! فبم نُجزى من سيئاتنا وحسناتنا؟ قال صلى الله عليه وسلم: الحسنة بعشر أمثالها، والسيئة بمثلها إلا أن يعفو}، وهذا من كرم الله عز وجل، كما قال تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا))[النساء:40]، وقال تعالى: ((مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ))[الأنعام:160]، فالله يجزي الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والسيئة بمثلها، إلا أن يعفو ويتجاوز عنها.
فواعجباً كيف يدخل الناس النار! وويل لمن غلبت آحاده عشراته! لكنه التيه والضلال والخسران وضياع العقل: ((وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ))[الملك:10]، وإلا فأين ذوو العقول؟ هلا تفكروا كيف تغلب الآحاد العشرات؟! الآحاد التي قد تعفى كيف تغلب العشرات التي تضاعف أضعافاً وأضعافاً، لا يكون ذلك إلا فيمن أعمى الله تبارك وتعالى بصيرته، وكتب عليه الشقاوة.
موقع الحوالي رحمه الله