[TR]
[TD="class: alt1, align: center"]
مخطوطات البحر الميت 7-16
احمد عثمان

أثار الإعلان عن اكتشاف مخطوطات عبرية وآرامية قديمة بمنطقه قمران في أعقاب الحرب العالمية الثانية، حماس الباحثين في تاريخ الكتب المقدسة، وراحوا ينتظرون العثور بينها على المعلومات التي يمكن أن تزيل الغموض عن مرحلة هامة من التاريخ الإنساني. ذلك أن أقدم نسخة عبرية موجودة الآن من كتب العهد القديم ترجع إلى القرن العاشر بعد الميلاد، وهى تتضمن اختلافات عديدة عن النسخة السبعينية اليونانية التي ترجمت في الإسكندرية خلال القرن الثالث قبل الميلاد. أيهما أكثر صحة عند الاختلاف؟ و أيهما يمكن الاعتماد عليه؟ ولا يتوقف الأمر على الجماعات اليهودية، فإن الكنائس المسيحية تعتبر العهد القديم جزءا من كتابها المقدس، وبينما كان المسيحيون حتى القرن العاشر يستخدمون الترجمة السبعينية اليونانية فهم قد تحولوا عنها- باستثناء الكنيسة اليونانية- إلى ترجمة النسخة العبرية منذ القرن العاشر.
كما أن المعلومات التي وصلتنا عن السيد المسيح جاءت كلها من كتابات كتبت بعد نصف قرن من الوقت الذي حددته لوفاته. وليس هناك نص واحد- ولو صغير- جاء فيه ذكر المسيح في المصادر التاريخية المعاصرة للفترة التي قيل إنه عاش فيها، بليجعله فيلعهد الجديد نفسها- وهى المصدر الوحيد عن تاريخ يسوع- تعطينا معلومات متضاربة في شأن حياته، ومماته فبينما يذكر إنجيل متي أن مولده كان أيام حكم الملك هيرودوس، الذي مات في العام الرابع قبل الميلاد، فإن إنجيل لوقا يجعل مولده في عام الإحصاء الروماني، أي في العام السادس بعد الميلاد. والخلاف قائم كذلك على تمديد الوقت الذي انتهت فيه حياته الأرضية " فبحسب ما ورد في الأناجيل من معلومات، هناك من يجعله في العام الثلاثين أو في العام الثالث والثلاثين أو السادس والثلاثين.
و بينما كان الاعتقاد سابقا بأن كتبة الأناجيل كانوا هم أنفسهم من تلاميذ المسيح وحوارييه الذين عاصروه وكانوا شهودا على ما كتبوه من معلومات، فقد تبين في العصر الحديث أن أحدا منهم لم يره، وأنهم جميعا اعتمدوا في رواياتهم على ما سمعوه عن آخرين أو ما فسروه من الكتابات القديمة.
و على هذا فإن العثور على كتابات قديمة، سابقة ومعاصرة للفترة التي عاش فيها المسيح عيسى، وفى منطقة لا تبعد إلا بضعة كيلومترات عن مدينة القدس التي قيل إنه مات فيها، قد أنعشى الآمال في وجود معلومات بها تحل هذه الإلغاز وتبين حقيقة الأمر في تاريخ مؤسس الديانة المسيحية، وعلاقته بالجماعات اليهودية الموجودة في عصره، وزاد الحماس عندما تم نشر الأجزاء الأولى من المخطوطات في الستينات، وتبين أنها تنتمي إلى جماعة يهودية/ مسيحية تعرف باسم العيسويين، وانه كان لهم معلم يشبه في صفاته عيسي المسيح. إلا أن الحماس الذي سار بين الباحثين والقراء قابله قلق وخشية من جانب السلطات الدينية- وما يتبعها من هيئات أكاديمية- لدى كل من الطوائف اليهودية والمسيحية وليست دواعي هذا القلق تتعلق بالخوف من أن المعلومات المكتشفة قد تؤدى إلى إضعاف إيمان المؤمنين، فهذه كتابات دينية قديمة، وإنما ساد القلق بسبب ما قد تكشفه هذه النصوص من تغيير وتبديل- ليس فقط في حقائق التاريخ القديم- و إنما في تفسير النصوص الدينية وفى مغزاها كذلك. ولهذا فمنذ ان استولت السلطات الإسرائيلية على مدينة القدس القديمة بعد حرب يونيو 1967 توقفت لأعمال نشر المخطوطات تماما، ولا يزال هناك ما يزيد عن نصفها غير منشور بل إن السلطات الإسرائيلية في محاولة منها لإسكات الأصوات التي ارتفعت في العالم كله- وكانت أقواها لصوت الباحثين اليهود أنفسهم- قد عمدت إلى القيام بتمثيلية مرسومة للتخلص من هذا الإلحاح، فقد أرسلت سلطات الآثار الإسرائيلية صورا فوتوغرافية، زعمت أنها تمثل كل المخطوطات المجودة في متحف روكفلر بالقدس، إلى جامعة أكسفورد البريطانية وكذلك إلى إحدى الجامعات الأمريكية، وتظاهرت السلطات الإسرائيلية بالغضب والاحتجاج عندما قامت هذه الجامعات بترجمة ونشر الصور التي في حوزتها، بدون تصريح رسمي من إسرائيل.
و كان الهدف من هذه التمثيلية هو الإيحاء بأن كل نصوص المخطوطات قد تم ترجمتها ونشرها، ولم يعد هناك مبرر لمطالبة السلطات الإسرائيلية بالكشف عما في حوزتها من كتابات. ومن المؤكد أن هناك بعض النصوص وبعض القصاصات التي لم تترجم بعد، والتي يراد لها الاختفاء تماما في ذاكرة النسيان مرة أخرى، إلا أن الجزء الذي كان قد نشر في البداية " يكفي كي يبين لنا طبيعة الأسرار التي يحرص البعض على عدم الكشف عنها، وهذا هو ما سنقوم به في هذه الحلقات.
يطلق اسم (مخطوطات البحر الميت) على مجموعات المخطوطات القديمة التي تم العثور عليها في ما بين 1947 و 1956 داخل كهوف الجبال الواقعة غربي البحر الميت، في مناطق قمران ومربعات وخربة ميرد وعين جدى ومسادا. وكان العثور خاصة على منطقة قمران- أو عمران- بالضفة الغربية للأردن، على بعد عدة كيلومترات جنوبي مدينة أريحا منذ ما يقرب من نصف قرن أثر عميق على تفكير الباحثين اليهود والمسيحيين في العالم كله، أدى بلا شك إلى تغير كبير في العديد من الاعتقادات التي كانت قائمة في فلسطين، و مع هذا فنحن لا نزال في بداية الطريق، ولن تظهر النتائج الكاملة لاكتشاف مكتبة قمران إلا بعد أن تنشر كافة النصوص وتظهر دلالاتها الدقيقة أمام الباحثين.
لم تكد الحرب العالمية الثانية تنتهي، عندما تم العثور على الكهف الأول في ربيع 1947 بالقرب من البحر الميت، وكانت فلسطين لا تزال تحت الحماية البريطانية وما تزال مدينة القدس والضفة الغربية في أيدي الفلسطينيين. فقد أضاع الصبي محمد ا الديب إحدى الماعز من قطيعه، وكان ينتمي إلى قبيلة التعامرة التي تتجول في المنطقة الممتدة بين بيت لحم والبحر الميت. وصعد الصبي فوق الصخر باحثا على معزته، فشهد فتحة صغيرة مرتفعة في واجهة سفح الجبل، وعندما ألقى محمد بحجر داخل هذه الفتحة سمعها تصطدم بمادة فخارية في الداخل، فأعاد الكرة وألقى بعدة أحجار أخرى، وكان في كل مرة يسمع ذات الصوت الذي يحدث عند ارتطام الأحجار بالفخار. عند هذا تسلق محمد سفح الجبل و أطل برأسه داخل الكوة، واستطاع في ظلام الكهف أن يشاهد عددا من الأوعية الفخارية مصفوفة على أرضية الكهف. وفى صباح أليوم التالي عاد محمد ومعه أحد أصدقائه إلى موقع الكهف، الذي ساعده على الصعود إلى الكوة و الدخول منها إلى الكهف، الذي عثر بداخله على عدة أوعية فخارية بداخلها لفافات تحتوى علي سبع مخطوطات.
و سرعان ما ظهرت المخطوطات معروضة للبيع عند تاجر للأنتيكات في بيت لحم عرف باسم كاندو، الذي باعها لحساب التعامرة، فقام مار أثاناسيوس صموئيل - رئيس دير سانت مارك للكاثوليك السوريين - بشراء أربع مخطوطات بينما اشترى الأستاذ إليعازر سوكينوك الثلاث الباقية لحساب الجامعة العبرية بالقدس. ولما قامت الحرب العربية الإسرائيلية على أثر إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948 في 15 مايو، خشي أثاناسيوس على مصير المخطوطات التي اشتراها، فأرسل المخطوطات الأربع إلى الولايات المتحدة لعرضها للبيع هناك إلا أنه في النهاية وافق على بيعها مقابل ربع مليون فقط، عندما اشتراها إيجال يادين - ابن الأستاذ سوكينوك - لحساب الجامعة العبرية في القدس. وهكذا أصبحت المخطوطات السبع الأولى في حوزة الجامعة العبرية الإسرائيلية.
و عندما تم إعلان الهدنة بين الدول العربية وإسرائيل في 7 يناير 1949، أصبحت منطقة قمران والثلث الشمالي من منطقة البحر الميت تحت سيطرة المملكة الأردنية الهاشمية. وبدأ الأردنيون ينظمون عمليات أثرية للبحث عن المخطوطات، وكان التعامرة يحتفظون بموقع الكهف سراً لا يبيحون به لأحد، فتمكن الجيش الأردني من العثور على الكهف في نهاية يناير 1949.
بعد ذلك نظم ا لأردنيون عمليات تنقيب داخل الكهف، بإشراف هاردنج البريطاني، وكان يشغل مدير الآثار الأردنية، والكاهن رولآند دى فو، الذي كان مديراً للإيكول بيبليك دى فرانس بالقدس الشرقية. وعثر الأثريون على مئات القصاصات الصغيرة داخل الكهف ،إلى جانب قطع من الفخار والقماش والخشب ، ساعدت في تحديد تاريخ المخطوطات . إلا ان عمليات التنقيب الأثرية لم تبدأ في بقايا خربة قمران - التي تقع أسفل الكهف - إلا في نوفمبر 1951، حيث تم العثور على أطلال القرية القديمة التي عاش بها العيسويون وبها بقايا رومانية من بينها عملات نقدية، يشير تاريخها على ان هذا الموقع كان مسكوناً إلي ان قامت حركة التمرد اليهودية ضد الرومان في الفترة ما بين 66 و 70 ميلادية، والتي انتهت بحرق مدينة القدس وطرد اليهود من المنطقة المحيطة بها.
و طمعاً منهم في الحصول على الربح المالي، انتشر التعامرة في كل وديان البحر الميت بحثا عن مخطوطات أخرى قد تكون مخبأة في الكهوف العديدة الموجودة في هذه المنطقة الجبلية، وفى فبراير 1952 استطاع البدو العثور على كهف أخر به العديد من المخطوطات التي تحللت إلى قصاصات صغيرة، باعوها إلي السلطات الأردنية. واتبعت سلطات الآثار الأردنية نفس الطريقة التي اتبعها التعامرة في البحث داخل كهوف البحر الميت عن المخطوطات، وانتهي الأمر عام 1956 باكتشاف مجموعة من احد عشر كهفاً في منطقة قمران تم ترقيمها، وبينما عثر التعامرة على أربعة كهوف 1، و 4، و 6، و 11، فإن الآثار الأردنية عثرت على السبعة الباقية.
كان المار أثاناسيوس قد سمح للمدرسة الأمريكية للدراسات الشرقية في القدس - وهي التي قامت بالتحقق من القيمة الأثرية للمخطوطات - بتصوير ونشر المخطوطات الأربع التي في حوزته، وبالفعل قامت ألمدرسه أولا بنشر صور لهذه المخطوطات ما بين 0 195 و 1 95 1، حتى تسمح للباحثين بالإطلاع عليها، ثم تبعت هذا بنشر ترجمة إنجليزية لها. كما قامت الجامعة العبرية بنشر صور المخطوطات اشث التي حصلت عليها مع ترجمة لها عام 1954.
أصبح الأب دى فو هو المسئول عن عمليات البحث الأردنية عن مخطوطات قمران، و بالتالي عن عمليات إعداد وترجمة ونشر النصوص التي عثر عليها، فأوكل قصاصات الكهف رقم 1 إلى " دومينيك بارثيلمى " و" ميليك " اللذين يعملان معه في الإيكول بيبليك دى فرانس، و بالفعل تم إعداد ونشر الترجمة الإنجليزية لها عن جامعة أكسفورد عام 1955. إلا أن الحكومة الأردنية قامت عام 953 1 بتشكيل لجنة عالمية من ثمانية باحثين - ليس بينهم عربي واحد - لتولى عملية إعداد المخطوطات ونشرها برئاسة دى فو، وحضر جميعهم من فرنسا وانجلترا والولايات المتحدة والمانيا إلى القدس للعمل.
بعد ذلك تم عام 1961 نشرت ترجمة المخطوطات التي عثر عليها في كهوف منطقة مربعات ( جنوبي منطقة قمران ) التي ترجمها ميليك، في الجزء الثاني وتتضمن الجزء الرابع المزامير التي وجدت في الكهف رقم 11 عام 965 1، والجزء الخامس القصاصات التي عثر عليها في الكهف رقم 4 عام 1968.
وجدت كهوف في مناطق أخرى غير قمران، عثر بداخلها على مخطوطات قديمة، في مناطق الميرد في الجنوب العربي لقمران ومربعات في الجنوب الشرقي وماسادا، وهي القلعة اليهودية القديمة في المنطقة الخاضعة لإسرائيل في النصف الجنوبي للبحر الميت. فلم يكتف التعامرة بالتنقيب عن المخطوطات في منطقة قمران بل إنهم راحوا يجوبون كل المنطقة الجبلية المطلة على البحر الميت بحثا في كهوفها عن الكنز القديم. وفي أكتوبر 1951 عثر بدو التعامرة علي مخطوطات مكتوية بالعبرية وباليونانية في أحد الكهوف بوادي مربعات - حوالى15 كيلومترا جنوبي كهف قمران الأول -وعرضوها على السلطات الأردنية لشرائها وكذلك عثر التعامرة في نفس الفترة على بعض الكتابات المسيحية في منطقة الميرد القريبة من قمران، من بينها كتابات سريانية، كما قامت بعثة من الأثريين الإسرائيليين - بقيادة إيجال يادين - بالبحث من المخطوطات فيما بين 1963 و965 1، في بقايا قلعة ماسادا بالمنطقة التي تقع تحت سيطرتهم في الجنوب الشرقي من مدينة الخليل، وتم العثور على بعض المخطوطات هناك ولكن الذي يهمنا هنا هو مخطوطات منطقة عمران بالتحديد، التي تركتها طائفة العيسويين، وليس الكتابات اليهودية والمسيحية التي وجدت في باقي المناطق.
نشبت الحرب بين العرب وإسرائيل عام 1967، التي كان من نتيجتها سقوط الضفة الغريبة تحت السيطرة الإسرائيلية، وكذلك متحف القدس الذي به المخطوطات، ولم يفلت من هذا المصير سوي مخطوطة واحدة هي المخطوطة النحاسية لأنها كانت في عمان في ذلك الوقت، وتوقفت حركة النشر تماما بعد ذلك.

العثور في قمران على نماذج مختلفة من اسفار العهد القديم
مخطوطات البحر الميت
احمد عثمان
ص 27 - 36

كانت معظم الخلافات بين اليهود والمسيحيين الأوائل تتعلق بتفسير ما ورد في كتب العهد القديم، بخوص المسيح المنتظر. وبينما اعتبر المسيحيون أن ما ورد في كتب الأنبياء فيما يتعلق بعبد الرب وابن الإنسان و عمانوئيل والنبي خليفة موسى، إنما كانت كلها تتحدث عن عيسى المسيح وتبشر بقدومه، قال اليهود إنها تتعلق بشعب إسرائيل وخلاصه، وإن مسيحهم ما زال منتظرا، وكانت هناك بعض النصوص التي وردت بالترجمة اليونانية لكتب العهد القديم تختلف عما هو موجود بالكتب العبرية التي لدى اليهود، فأيهما أصدق؟ بل إن هناك أسفاراً بأكملها وجدت في النص اليوناني للعهد القديم و لم توجد بالنص العبري، وهى تتضمن تفاصيلا هامة فيما يتعلق بمجيء المخلص كما وأن الشخصية التاريخية للسيد المسيح لا يعرف اليهود عنها شيئاَ، فبخلاف ما ورد في كتب العهد الجديد والذي يتعلق بمولد المسيح في بيت لحم وحياته في الناصرة وموته في القدس، فإن أحدا من المعاصرين لبداية القرن الميلادي الأول- سواء من اليهود أو الرومان- لم يذكر عنه شئ، وتبين أن الفقرة التي وردت عنه في كتابات " يوسيفوس " إنما هي إضافة لاحقة قام بها أحد الناسخين المسيحيين. لذلك فقد أثار العثور على مخطوطات قمران التي كتبت ما بين القرن الثاني السابق الميلادي ومنتصف القرن الميلادي الأول، الأمل في وجود معلومات بها تحل هذه الألغاز وتفسر الأحداث تفسيرا تاريخيا. بل إن البعض كان يأمل في العثور على نسخ قديمة من أناجيل العهد الجديد في قمران 4 أو على إشارة تتعلق بالحواريين. ولكن الذي حدث كان يختلف تماما عن هذا كله، فلا ذكر للسيد المسيح حيا في هذه الفترة، وإنما هناك جماعة شبه مسيحية تعيش في قمران، على بعد عدة أميال من القدس، وهى تنتظر عودة معلمها الذي سبق له أن مات، وتعتبر كهنة المعبد ممثلين للشيطان على الأرض، ومسئولين عن موت معلمهم الصديق كما و أن الكتب التي قبلها المسيحيون و رفضها اليهود، وجدت جميعها ضمن مكتبة العيسويين في كهوف قمران. كانت الجرار الفخارية التي حفظت بها المخطوطات ذات شكل خاص وحجم محدد، فهي أسطوانية الشكل يزيد ارتفاعها قليلا عن نصف المتر، مسطحة في أعلاها وفى أسفلها وكان هذا النوع من الجرار ينتج عادة في مصر خلال القرنين السابقين على العصر المسيحي، مما يدل على أن شكل أجرار ونظام حفظ المخطوطات في داخلها كان مأخوذا عن العادات المصرية، فلم يكن هذا النوع من الفخار ينتج قي فلسطين وكانت عادة حفظ المخطوطات في داخل الجرار الفخارية هي عادة مصرية قديمة نشأت منذ عصر الملك رمسيس الثالث، من الأسرة العشرين خلال القرن الثاني عشر قبل الميلاد، واستمرت حتى القرن الميلادي التاسع. وجدت معظم مخطوطات قمران مكتوبة على رقائق من الجلد، وإن كان بعضها مكتويا على أوراق البردى و واحدة- على رقائق نحاسية، مكتوبة في غالبيتها بالعبرية، إلا أن هناك بعض الكتابات الآرامية واليونانية، وتتفق طريقة الخط المستخدم في الكتابة مع نتيجة الحفر الأثري في خربة قمران، وكذلك نتيجة الفحص الذي تم عن طريق كربون 14، على أن هذه المخطوطات قد تم كتابتها في ما بين القرن الثاني قبل الميلاد و منتصف القرن الميلادي الأول. وبالطبع فإن هناك عددا كبيرا من المخطوطات يتضمن كتبا قديمة ترجع إلى تاريخ سابق، وان كان نسخها قد تم خلال هذه الفترة، وتحتوى مكتبة قمران على ثلاثة أنواع من الكتابات: كتابات توراتية من أسفار العهد القديم، وكتابات لأسفار لم تدخل في قانون العهد القديم، وكتابات جماعة قمران العيسوية. بلغت الكتب التوراتية حوالي مائتي كتاب، فقد عثر علي عدد كبير من أسفار كتب العهد القديم- باستثناء كتاب استير- وإن كان بعضها لم يتبق منه إلا قصاصات صغيرة، وأكثر نسخ وجدت لكتاب واحد كانت للمزامير التي بلغ عددها 27 نسخة وسفر التثنية الذي وجدت منه 25 نسخة، ثم لسفر إشعيا الذي وجدت منه 18 نسخة. أما الكتابات التي لا تدخل في قانون العهد القديم فهي نوعان " نوع يسمى "أبو كريفا" مثل سفر توبيت وسفر حكمة بن سيرا والجزء المكتوب باليونانية من رسالة إرميا، وهذا النوع وإن لم يدخل في قانون النص العبري المازوري إلا أنه موجود في النص اليوناني السبعيني، والنوع الأخر عبارة عن بعض الأسفار التي تمت كتابتها في الفترة مابين القرن الثاني السابق للميلاد ونهاية القرن الميلادي الأول، رفض الأحبار اعتبارها بين كتبهم المقدسة لأصبحت تعرف باسم "بسوديبحرافا" إلا أن الترجمة اليونانية لهذه الكتب حفظها المسيحيون- أحيانا بالسريانية أو الأرمينية أو الحبشية في مخطوطات قمران- مثل عهود الأسباط الإثني عشر وسفر إينوخ- مما يبين أن جماعة العيسويين كانت تدخلها ضمن مكتبتها. كما وجدت كذلك كتابات تفسيرية، تقوم بشرح الكتب المقدسة بطريقة الجماعة، أي عن طريق المجاز وليس على أساس من حرفية النص كما كان الكهنة يفعلون. وجد عدد من الكتب تحتوى على تفسير لأسفار العهد القديم، تختلف أحيانا عن التفسيرات التي نجدها في كتب التلمود، فمثلا في كتاب تفسير سفر التكوين- أول كتب العهد القديم- نجد أن القصة التي جاءت في التوراة بشأن زواج فرعون من سارة، قد جاء تفسيرها على أن الملك المصري هو الذي خطف سار- فأصابه المرض حتى اضطر إلى إرجاعها لزوجها إبراهيم: " عندما سمع حاركنوش (الأمير المصري) كلام لوط (ابن أخي إبراهيم)، ذهب إلى الملك وقال له: كل هذه الكوارث وهذا الكرب الذي أصاب سيدي الملك، كان بسبب سارة زوجة إبراهيم اترك سارة ترجع إلى زوجها، وسوف تختفي هذه الكوارث والقروح عنك ". وإلى جانب الكتب الدينية فقد عثر في قمران على كتابات تختص بجماعة العيسويين نفسها، مثل، كتاب "التلاميذ" و" مخطوطة دمشق" و" مزامير الشكر، و" مخطوطة الحرب"، وبالرغم من أن أسفار التوراة الخمسة الأولى تنسب إلى موسى- الذي عاش في القرن الرابع عشر قبل الميلاد- وبالرغم من أن أسفار العهد القديم قد تم صياغتها في شكها النهائي فيما بين القرنين السادس والرابع قبل الميلاد، فإن الترجمات الموجودة حاليا لهذه الكتب التوراتية- بما في ذلك الترجمات العربية- تعتمد كلها على النص العبري المازوري الذي يرجع إلى عام 1008 ميلادية.
كان اليهود منذ أن سمح لهم قورش الفارسي ببناء معبد القدس، وعودة الكهنة من بابل خلال القرن الخامس قبل الميلاد، يستخدمون التوراة وهي الكتب الخمسة الأولى من العهد القديم والتي تحتوى على تعاليم موسى- في عباداتهم، إلا أنه ظهرت بينهم كتابات أخرى عديدة مثل تلك التي تحكى تاريخ بنى إسرائيل بعد موسى، إلى جانب الكتب المنسوبة إلى مجموعة من الأنبياء ظهرت في مابين القرن العاشر والقرن السادس قبل الميلاد، وكتابات الحكمة والمزامير. وبينما كانت جماعة العيسويين تهتم بجميع هذه الأسفار، حيث كانت تفسر توراة موسى على أساس من تعاليم الأنبياء وأشعار المزامير، فإن كهنة المعبد كانوا يحصرون اهتمامهم على الأسفار الخمسة الأولى وعندما اختفت طائفة الكهنة بعد أن دمر الرومان معبد القدس عام 70 ميلادية، قام الفقهاء من أحبار اليهود ببناء الديانة اليهودية حول التعاليم التلمودية التي قالوا بها لتفسير التوراة، حيث اعتقدوا بوجود توراة شفهية غير التوراة المكتوية، وصلتهم نقلا عن موسى، وفسروا النصوص المكتوبة علي أساسها. وعندما ظهرت الديانة المسيحية الجديدة، التي اعتمدت في محاجاتها لليهود على ما جاء بكتابات الأنبياء والمزامير، ظهر خلاف بينهم حول الأسفار التي يمكن اعتبارها من بين الكتابات المقدسة واجتمع عدد من الأحبار عند نهاية القرن الميلادي الأول بمدينة صغيرة اسمها يمنية بالقرب من يافا على الساحل الفلسطيني، وقاموا بمراجعة جميع الكتابات الموجودة لديهم وتقرير ما يمكن أن يدخل منها في ما أصبح يعرف باسم " القانون " أي التي يمكن اعتبارها جزءا من العهد القديم- واستبعدوا الكتابات الأخرى، وعلى هذا الأساس فإن النص العبري الذي تم العثور عليه في نهاية القرن العاشر والذي أصبح أساسا للترجمات الحديثة، يعتمد على هذا القانون الذي تم اختياره وتجميعه عند نهاية القرن الأول للميلاد. إلا أن الملك بطليموس الثاني (فلاديلفيوس)- الذي أنشأ مكتبة الإسكندرية- كان قد استحضر مجموعة من كتبهَ القدس إلى الإسكندرية خلال القرن الثالث قبل الميلاد، الذين جلبوا معهم كتبهم وتم ترجمتها إلى اللغة اليونانية، والتي تعرف باسم النص السبعيني ولأن الكنيسة المسيحية استخدمت اللغة اليونانية منذ نشأتها فقد أصبح هذا النص السبعيني لكتب العهد القديم، هو المستخدم لدى جميع الكنائس المسيحية حتى القرون الوسطي، إلا أنه بعد ترجمة النص العبري إلي اللاتينية واللغات الأخرى في القرن السادس عشر. تبين وجود عدة خلافات بينه وبين النص السبعيني، مثل وجود أجزاء ناقصة أو زائدة، وكذلك وجود بعض الاختلافات في الكلام نفسه وفى أسماء الأعلام والتواريخ كذلك.
كما أن هناك أسفار في المجموعة السبعينية اليونانية لكتب العهد القديم، ليست موجودة في القانون العبري المازوري، أصبحت الآن تعتبر من الكتب الدينية المشكوك في صحتها والتي يطلق عليها اسم "أبو كريفا" وظل الخلاف قائما بين دارسي التوراة، فبينما يصر بعضهم على صحة أحد النصوص و ينكر الآخر، يحاول آخرون التوفيق بينهما، ولهذا فعند ما تم العثور على مكتبة قمران في أعقاب الحرب العالمية الثانية، توقع الباحثون أن تكون هذه هي فرصتهم لحسم هذا الخلاف. وأهمية الكتب التي عثر عليها في قمران أنها ترجع- على الأقل- إلى القرن الثاني قبل الميلاد، أي قريبا من الزمن الذي تمت فيه الترجمة السبعينية اليونانية، وقبل ان يختار أحبار اليهود الكتب التي تدخل القانون، ويقررون إعدام ما عداها. وكان سفر إشعيا هو أول ما تم ترجمته من مخطوطات قمران ونشر عام 1952، ولكنه لم يظهر سوى اختلافات بسيطة عن النص العبري المازوري، يمكن اعتبارها أخطاء إملائية أو اختلاف في طريقة تركيب الجمل، إلا أن الوضع تغير بعد ذلك عندما نشر فرانك مور كروس-أ حد الخبراء المسئولين عن ترجمة النصوص- جزءا من سفر صموئيل جاء من الكهف (4)، وتبين أن هناك خلافا جوهريا بينه وبين نظيره في النص المازوري، لكنه عندها قـام بمقارنة هذا النص مع نظيره في الترجمة السبعينية اليونانية، وجده يتفق اتفاقا كاملا معه، إلا أن فرانك كروس عندها قام بترجمة جزء آخر من نفس المخطوط، لاحظ وجود اختلاف فيه - ليس فقط مع النص المازوري- وإنما مع النص السبعيني كذلك، وإن اتفق مع النص السامري. فهناك جماعة صغيرة من السامريين تعيش في منطقة نابلس، لديها كتابها المقدس الذي يحتوى على الأسفار المقدسة الأولى فقط من كتب العهد القديم، تعتمد الجماعة بأن أصله يعود إلى أيام النبي موسى، وهناك اختلافات عديدة بين ما ور في الأسفار السامرية وما جاء في كل من النص العبري المازوري واليوناني السبعيني. ومن بين نقاط الخلاف التي لها دلالة هامة، ما يتعلق منها بالمدة التي قضاها بنى إسرائيل في مصر، فبينما يقول النص العبري بأن بقاءهم في مصر كان لمدة 430 سنة، فإن النص السامري- ويتفق معه في هذا النص اليوناني- يجعل هذه المدة تشمل بقاء بنى إسرائيل في كنعان وفى مصر، أي الفترة منذ مجيء إبراهيم إلى كنعان إلى خروج موسى إلى سيناء. إلا أنه تم العثور على رقعة صغيرة في الكهف رقم (4) بقمران مكتوبة بالعبرية تحتوى علي جزء من سفر الخروج، وجدت أنها تتفق مع القراءة السامرية في بعض الأجزاء التي تختلف فيها عن النص العبري.
وهذا يدل على أن الأسفار السامرية ترجع إلى نص قديم كان موجودا منذ نشأة هذه الجماعة في القرن الخامس قبل الميلاد، لم يحدث به تغيير. وهكذا فنحن نجد بين الكتابات التي عثر عليها في كهوف قمران من العهد القديم، ما يتفق منها مع النص العبري المازوري وما يتفق مع النص اليوناني السبعيني و ما يتفق مع النص السامري. إلى جانب كتابات أخرى تحتوى على مزيج من هذه النصوص. كل هذا يدل على أنه كان هناك- على الأقل- أربع كتابات مختلفة لذات الأسفار التي تدخل ضمن مجموعة العهد القديم، مما دفع بعدد كبير من الباحثين المسيحيين للمطالبة بعدم الاقتصار على النص المازوري فقط عند القيام بترجمات جديدة، وإنما باختيار الأصلح والأقرب إلى الصحة من بين النصوص الموجودة.
[/TD]
[/TR]
[TR]
[TD="class: alt2, align: right"][/TD]
[/TR]