المطلوب من الإنسان ذلك الكائن المادي الذي يقف على قمة السلسلة الحيوانية، والذي يمثل لطخة بروتوبلازمية ثلاثية الأبعاد أن يتعامل مع جمال الفراشة كما يتعامل مع خمائرها الهضمية .
أن يتعامل مع اللوحة البديعة حسب اللون وثمن القماش والتباين اللوني الذي لا يُرهق العين .. لا أكثر ..!!

لكن الجمال أحد شروط الإنسان التي لا تنفَّك عنه، ولا قيمة للعمل مهما كانت فائدته إذا كان خاليا من العنصر الجمالي ..!!

وأصبح الجمال أحد شروط النظرية الفيزيائية..والمعادلة الأكثر جمالا وبساطة ورونقا هي الأكثر صِحة وإتقانا .
وقد اقتنع هايزنبرج بمعادلات ميكانيكا الكم بسبب جمالها .. بل ويرى بول ديراك أن " جمال المعادلة يثبت صحة النظرية أكثر من تجريبها .!" -1-

فالجمال هو السِمة الغالبة والتجارب قد تخطيء لكن الجمال قلَّما يخطيء .. !!
ولذا عندما قدَّم هيرمان فيل herman weyl نظريته في القياس وجد أنها لا تنطبق على الجاذبية، لكن نظرا لجمالها كان متأكدا أن لها مكاناً في فيزياء الكون، وبالفعل بعد زمن ثبت أن نظريته متعلقة بديناميك الكم الكهربائي QED.

بل والمدهش الآن أن العلماء ينصرفون بشدة عن نظرية الاوتار الفائقة لأنها تفتقد الرونق الجمالي والشكل المريح في جميع معادلاتها .. ولذا قال هايزنبرج لأينشتاين " جمال المعادلة ليس اقتصاداً في التفكير، ولكنه شيء لصيق بطبيعة الكون نفسه ."-2-

إن العالِم الفيزيائي العبقري هو الذي يؤمن بجمال الكون ثم ينطلق في أبحاثه من خلال هذه الحقيقة ..وتاريخ الكشوف العلمية هو تاريخ الجمال ... فالعالِم والفنان ينشدان الهدف الجمالي نفسه مع اختلاف الأدوات .. فالكل يقتنع أن الكون جميل وقوانينه جميلة ولذا يقول كارل فون ويزاكر carl von weizacker "البحث عن القوانين الجميلة التي تحكم كوننا لا يُفسر سبب العثور عليها بانتظام وباستمرار ." -3-

إن الجمال جوهري فيما دون الذرة وفوق الذرة وفي المِجرة .. ولا ينفك الجمال عن الطبيعة ولا الكون ولا معادلات الكون ولا قوانين الرياضيات التي أنشأ الله بها الكون ..!!

صورة ندفات الثلج Snowflakes تحت الميكروسكوب


صورة تجمع مِجري

لكن يبقى السؤال .. العربات البشعة تنقل الركاب أيضاً .. فلماذا تُصر الطبيعة على فلسفة الجمال في كل شيء ..لا مُبرر لهذا الأمر إلا لأن الخالق سبحانه وتعالى - خالق هذا الكون البديع - جميل يحب الجمال ... خالق الكون بمنظومة رياضية عالية الإتقان جميل يحب الجمال ... !!
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله جميل يحب الجمال ." -4-

إن متطلبات التخليق الضوئي لا تكفي لتفسير جمال أوراق الأشجار التي تُعَّد كل منها لوحة فنية مستقلة ..
جمال الذرة، جمال ندف الثلج، جمال ورقة الشجر، جمال صوت العصفور ، جمال القمر ..كل كائن يحوي فلسفة جمال، سواء كان هذا الكائن جماد أو نبات أو حيوان ..
وإذا كان الجمال صدفويا لكان نادرا أو غير موجود لكنه أصل الفيزياء والكيمياء والعلوم والكائنات ..
لماذا الجمال موجود بالتلسكوب وبالعين المجردة وبالميكروسكوب العادي وبالميكروسكوب الإلكتروني ؟ لماذا تحرص الطبيعة على الجمال ؟ لماذا نحن نستوعب الجمال وندركه ؟

عندما تُشرف ورقة القيقب على السقوط يكون لونها تحفة جمالية لونها عميق الحُمرة وعروقها زرقاء وأطرافها ذهبية في لوحة فنية متكاملة مع أنها ستسقط، وليس ثمة فائدة بيولوجية للأمر ...ولذا يقول ماكس بورن " العالِم الحقيقي يؤمن بجمال الطبيعة ".
ومهما كان الإنسان بسيطاً فإنه يحرص على تناسق وجمال أدواته وأن يُزركش يد منجله ..

عظمة الجمال وجلاله، وفلسفة وجوده، يحملان توقيع الخالق الجميل مُحب الجمال في كل شيء في بلورة الندى وريش الطائر وعشب الحقل وأمواج البحر ... الجمال هو عنوان الحياة ..وما ظهر الفساد في البر والبحر إلا بما كسبت أيدي الناس !!!!