ما معنى قول النبي بشأن معاوية : " لا أشبع الله بطنه" ؟!

قالوا : أن النبيَّ دعا على معاويةَ ، وهذا يدل على أنه لم يكن صحابيًّا مخلصًا...
تعلقوا على ذلك بما جاء في صحيح مسلم برقم 4713 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
كُنْتُ أَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ r فَتَوَارَيْتُ خَلْفَ بَابٍ قَالَ :فَجَاءَ فَحَطَأَنِي حَطْأَةً وَقَالَ اذْهَبْ وَادْعُ لِي مُعَاوِيَةَ قَالَ فَجِئْتُ فَقُلْتُ هُوَ يَأْكُلُ قَالَ ثُمَّ قَالَ لِيَ : "اذْهَبْ فَادْعُ لِي مُعَاوِيَةَ". قَالَ : فَجِئْتُ فَقُلْتُ هُوَ يَأْكُلُ . فَقَالَ : " لَا أَشْبَعَ اللَّهُ بَطْنَهُ".



أولاً : إن النبيَّ r مات وهو راضٍ عن معاوية t تمامَ الرضا ....
فقد دعا له النبي r في عدة مواضع كما يلي:

1- قوله ص" اللهم اجعله هاديًا مهديًا، واهده، واهد به " .(أخرجه البخاري في التاريخ 4/1/327 وابن عساكر في تاريخه 2/133/1) ورجاله كلهم ثقات رجال مسلم، وحكم عليه الشيخ الألباني بالصحة وذكر تحسين الترمذي له في (سننه 3842) راجع: (السلسلة الصحيحة 4/9691).

2- عن العرباض بن سارية السلمي قال: " سمعت رسول الله r يقول: اللهم علم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب". (صحيح ابن حبان 16 /192 ، و صحيح ابن خزيمة 3/214 والطبراني في المعجم الكبير 18/251 وأحمد في المسند 4/127 وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 3227).

ثانيًا : إن الحديث محل الاعتراض نفهم منه تأكيد حُسن صحبة معاوية t ، كما أنه من كتاب الوحي وغيره لنبي r ، وليس في الحديث ما يدل على أن ابن عباس – الذي كان طفلاً حينها– قد أخبر معاوية t بأن النبيَّ يريده ، بل يُفهم من ظاهر الحديث أنه شاهده يأكل فرجع إلى النبي r ليخبره بما رأى....

وأما عن النبيِّr فقد زكاه الله I في خلقه لما قال : "وأنك لعلى خلق عظيم " ( القلم 4).
وبالتالي : لا يعقل أن يدعو النبي على معاوية t بالجوع دون سبب يستوجب ذلك , والظاهر من الحديث هو الدعاء له t " لا أشبع الله بطنه " أي: أنه سيفتح له وسيرى من الرزق والخير الكثير الطيب الذي لا يشبع البطن مهما أكل منه لكثرة حلاوته واختلاف أنواعه....
وهذا وقع بالفعل في خلافة معاوية فقد كانت تأتيه t أصناف الطيبات التي أغدقت على الأمة... راجع : ابن عساكر في تاريخ دمشق.

وعليه : فالحديث فيه إشارة إلى سعة الرزق التي ستلحق بمعاوية ،وقد استجاب الله دعاء نبيَّه له...

ثالثًا: إن هناك تفسيرًا آخر لهذا الحديث وهو : أن النبي r قال ذلك عن معاوية دون قصد ، وهو مما جرت عليه عادة العرب ينطق اللسانُ بلا نية , مثل: قولهr :" تربت يمينك " ، وقوله r في حديث أنس : " لا كبر سنك ". وقوله r : " ثكلتك أمك".

قال الإمامُ النووي في شرحه : وَأَمَّا دُعَاؤُهُ عَلَى مُعَاوِيَة أَنْ لَا يَشْبَع حِين تَأَخَّرَ فَفِيهِ الْجَوَابَانِ السَّابِقَانِ : أَحَدهمَا :أَنَّهُ جَرَى عَلَى اللِّسَان بِلَا قَصْد ، وَالثَّانِي :أَنَّهُ عُقُوبَة لَهُ لِتَأَخُّرِهِ . وَقَدْ فَهِمَ مُسْلِم -رَحِمَهُ اللَّه- مِنْ هَذَا الْحَدِيث أَنَّ مُعَاوِيَة لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقًّا لِلدُّعَاءِ عَلَيْهِ ، فَلِهَذَا أَدْخَلَهُ فِي هَذَا الْبَاب ، وَجَعَلَهُ غَيْره مِنْ مَنَاقِب مُعَاوِيَة لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَة يَصِير دُعَاء لَهُ . وَفِي هَذَا الْحَدِيث جَوَاز تَرْك الصِّبْيَان يَلْعَبُونَ بِمَا لَيْسَ بِحَرَامٍ . وَفِيهِ اِعْتِمَاد الصَّبِيّ فِيمَا يُرْسِل فِيهِ مِنْ دُعَاء إِنْسَان وَنَحْوه مِنْ حَمْل هَدِيَّة ، وَطَلَب حَاجَة ، وَأَشْبَاهه . وَفِيهِ جَوَاز إِرْسَال صَبِيّ غَيْره مِمَّنْ يَدُلّ عَلَيْهِ فِي مِثْل هَذَا ، وَلَا يُقَال : هَذَا تَصَرُّف فِي مَنْفَعَة الصَّبِيّ ؛ لِأَنَّ هَذَا قَدْر يَسِير وَرَدَ الشَّرْع بِالْمُسَامَحَةِ بِهِ لِلْحَاجَةِ ، وَاطَّرَدَ بِهِ الْعُرْف وَعَمَل الْمُسْلِمِينَ . وَاَللَّه أَعْلَم .

إذًا: من خلال ما سبق أكون قد نسفتُ الشبهة نسفًا - بفضل الله I -.

كتبه / أكرم حسن