ماذا يخسر الزوجان لو أبدلا الكلام الغليظ الفظ بكلام رقيق لطيف جميل؟ إن المخرج واحد والتعب متساوٍ والقيمة متحدة، لكن النتيجة متباينة تبايناً عظيماً.
لقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مباغتة الزوجة في الدخول إليها بعد السفر وأمر أن يجعل لها مهلة في الاستعداد لزوجها حتى لا تقع عينه على ما لا يرضيه، كل ذلك مراعاة لجانب الزوجية وتلطيف لجو الأسرة من أن يحدث ما يعكر صفوه من تطاول في الكلام، أو نقد جارح. فيروي لنا جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه حينما قفلوا راجعين من إحدى المغازي استعجلوا في دخول المدينة، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ، فَقَالَ: «أَمْهِلُوا حَتَّى تَدْخُلُوا لَيْلاً - أَيْ: عِشَاءً - لِكَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وَتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ»(1).
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يراعي نفسية الزوجة واهتماماتها مع ما كان عليه من عمل وجهاد وتعليم وإدارة لشؤون المسلمين، فيقوم بتجميع البنات الصغيرات لكي يلعبن مع عائشة، وأحياناً يقف لها يسترها وهي تطالع لعب الحبشة في المسجد.
عَائِشَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: «كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ لِي صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِي، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ يَتَقَمَّعْنَ مِنْهُ فَيُسَرِّبُهُنَّ إِلَيَّ فَيَلْعَبْنَ مَعِي»(2).
وعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: «وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُومُ عَلَى بَابِ حُجْرَتِي وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ بِحِرَابِهِمْ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ لِكَيْ أَنْظُرَ إِلَى لَعِبِهِمْ ثُمَّ يَقُومُ مِنْ أَجْلِي حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّتِي أَنْصَرِفُ، فَاقْدِرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ حَرِيصَةً عَلَى اللَّهْوِ»(3).

إننا كثيراً ما نلتزم الأدب واللباقة مع الأجانب والغرباء، ولا يمكن أن نقول لأحد منهم: إن قصتك هذه قد سمعناها مراراً وتكراراً، بينما لو قال ذلك الزوج أو الزوجة سرعان ما نصرخ: ما أكثر ما تكررين هذه القصة.
أليس الزوج والزوجة أحوج إلى هذه اللباقة واللطافة من الغرباء، إن كل زوج بوسعه أن يجعل من البيت باقة وردة يرف بها نسيم عليل ورائحة زكية وصوت جميل.
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في قمة الأدب مع أزواجه إنه ليراعي يقظتها ونومها ويبالغ في إخفاء حركته في البيت خشية أن يوقظها أو تستوحش، تروي لنا عائشة هذا الأدب فتقول: أَلاَ أُحَدِّثُكُمْ عَنِّي وَعَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: قَالَتْ: «لَمَّا كَانَتْ لَيْلَتِي الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِيهَا عِنْدِي انْقَلَبَ فَوَضَعَ رِدَاءَهُ وَخَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عِنْدَ رِجْلَيْهِ وَبَسَطَ طَرَفَ إِزَارِهِ عَلَى فِرَاشِهِ فَاضْطَجَعَ فَلَمْ يَلْبَثْ إِلاَّ رَيْثَمَا ظَنَّ أَنْ قَدْ رَقَدْتُ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ رُوَيْدًا وَانْتَعَلَ رُوَيْدًا وَفَتَحَ الْبَابَ فَخَرَجَ ثُمَّ أَجَافَهُ رُوَيْدًا»، ولما سألته عائشة قال لها: «وَظَنَنْتُ أَنْ قَدْ رَقَدْتِ فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَكِ وَخَشِيتُ أَنْ تَسْتَوْحِشِي»(4).
ماذا يكلفك أيها الزوج إذا قلت لزوجتك: ما أجمل هندامك اليوم، أو ما أحسن طهيك للطعام، أو ما أجمل ترتيب المنزل!
لقد جعل الإسلام ملاطفة الزوجة وملا عبتها من الإيمان، فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنْ أَكْمَلِ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنَهُمْ خُلُقاً وَأَلْطَفَهُمْ»(5).
إنك تستطيع أن تكسب ود زوجتك لو أهديتها هدية مكافئة لها على حسن استقبالك وتربية ولدك!