مَثْنَـــى وَثُـــلاثَ وَرُبَـــاعَ

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات


مـواقـع شـقــيـقـة
شبكة الفرقان الإسلامية شبكة سبيل الإسلام شبكة كلمة سواء الدعوية منتديات حراس العقيدة
البشارة الإسلامية منتديات طريق الإيمان منتدى التوحيد مكتبة المهتدون
موقع الشيخ احمد ديدات تليفزيون الحقيقة شبكة برسوميات شبكة المسيح كلمة الله
غرفة الحوار الإسلامي المسيحي مكافح الشبهات شبكة الحقيقة الإسلامية موقع بشارة المسيح
شبكة البهائية فى الميزان شبكة الأحمدية فى الميزان مركز براهين شبكة ضد الإلحاد

يرجى عدم تناول موضوعات سياسية حتى لا تتعرض العضوية للحظر

 

       

         

 

 

 

    

 

مَثْنَـــى وَثُـــلاثَ وَرُبَـــاعَ

النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: مَثْنَـــى وَثُـــلاثَ وَرُبَـــاعَ

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jul 2010
    المشاركات
    2,476
    آخر نشاط
    23-11-2015
    على الساعة
    06:28 PM

    افتراضي مَثْنَـــى وَثُـــلاثَ وَرُبَـــاعَ

    مَثْنَـــى وَثُـــلاثَ وَرُبَـــاعَ
    موضوع تعدّد الزوجات يشغل بال غالبية المفكرين والمفسرين ، وقد اتخذ منه أعداء الإسلام ذريعة للنيل من الإسلام (من جانب المساواة بين الرجل والمرأة) ، وقد هدانا الله نحن موقع الأرقام للوقوف على هذا البحث الرائع من ضمن كتاب "الحكمة المطلقة" للمهندس الفاضل / عدنان الرفاعي جزاه الله خيرا . . . فقد قمنا بنقله لنشر الفائدة ، ولفتح المجال أمام من يرغب في الإدلاء بأية تفصيلات أو شروحات أخرى على هذا البحث ، والتي بدورنا سنقوم بنشرها فورا ضمن هذا البحث بعد أن نستلمها بالبريد الإلكتروني أو البريد العادي . .
    موضوع البـحـث :
    لنبدأ بالواقع الاجتماعي النفسي المحيط بهذه المسألة، ولنبحثه من خلال الاحتمالات المتعلقة بهذه المسألة، بشكل مجرد عن الأحكام القرآنية ..
    في المجتمع الإنساني نرى أن عدد الإناث أكبر من عدد الذكور، فعدد النساء الصالحات للزواج، يزيد على عدد الرجال الصالحين للزواج..
    فترة الإخصاب وما يتعلق بها من فطرة غريزية عند الرجل تمتد في حياته – بشكل عام – لما بعد سن السبعين عاما، بينما تتوقف هذه الفترة عند المرأة – بشكل عام – في سن أقل منه عند الرجل بأكثر من عشرين عاما..
    هناك حالات تكون فيها الزوجة راغبة عن الوظيفة الفطرية بسبب السن، والواقع الذي يفرضه الفارق بين زمني الإخصاب عند الزوجة والزوج، مع أن الزوج ما زال راغبا في هذه الوظيفة .. وعلى الرغم من ذلك الاثنان لا يريدان الانفصال عن بعضهما .. هذا بالإضافة إلى أن الرجال معرضون للوفاة والأحداث بنسب أكثر منها عند النساء بسبب الحروب وظروف العمل الاجتماعية، وهذا يزيد من ارتفاع نسبة النساء الصالحات للزواج في المجتمع..
    هذه الحقائق تفرز – في كل مجتمع يحرم التعدد – فائضا من النساء غير المتزوجات، أو فائضا من زمن الإخصاب في حياة الرجل دون أن يقابله – في الزمن نفسه – إخصاب مقابل له عند الزوجة، أو واقعا من الاختلال في الوظيفة الفطرية..
    وهذا الواقع الذي يفرزه تحريم التعدد في المجتمع يقع على الاحتمالات التالية ..
    ·النساء الفائضات اللاتي لم يتزوجن:
    1-إما أنهن يكبتن فطرتهن، فلا يعرفن الرجال في حياتهن .. وبالتالي فالخاسر هو المرأة..
    2-أو أنهن يعرفن الرجال كأخلاء في الظلام بعيداً عن العلاقة الشرعية الشريفة .. ولما كانت هذه النساء فائضات، أي لا يقابلهن رجال، بسبب كون نسبة النساء أعلى من نسبة الرجال، فإن علاقتهن غير الشريفة مع الرجال إما أن تكون مع رجال متزوجين وبالتالي التسبب بخيانة نساء أخريات، وإما مع رجال غير متزوجين، وفي هذه الحالة لن تتغير نسبة الفائض من النساء .. وهكذا نرى أن الخاسر هو المرأة أيضا لأن زوجها يخونها من خلال علاقته غير الشريفة مع تلك النساء الفائضات . . .
    ·الرجال الذين يوجد عندهم فائض من الإخصاب دون أن يقابله إخصاب عند زوجاتهم، والذين يرغبون في الوظيفة الفطرية دون أن ترغب زوجاتهم بذلك بسبب فارق امتداد فترة الإخصاب وما يتعلق بها من الوظيفة الفطرية:
    3-إما أنهم يكبتون فطرتهم، وبالتالي فالخاسر هو الرجل ..
    4-أو أنهم يعرفون النساء الأخر كخليلات من خلال خيانة زوجاتهم، وبالتالي فالخاسر هو المرأة، لأنها – في هذه الحالة – يخونها زوجها .. وهذا الاحتمال مستقل عن الاحتمال رقم (2) وإن كانت النتيجة واحدة وهي خيانة الزوجات من قِبل أزواجهن، وبالتالي خسارة المرأة، فنحن ندرس المسألة من منظار الاحتمالات المطروحة, لا من منظار النتائج..
    ففي الاحتمال رقم (2) دفعت المرأة ثمن خيانة زوجها لها، لأن الخيانة حصلت بسبب كون امرأة من النساء الفائضات لم تكبت فطرتها، وبالتالي كون هذه المرأة الفائضة تجد في الرجل المتزوج حلا لوظيفتها الفطرية .. بينما في هذا الاحتمال – رقم (4) – حصلت خيانة الزوجة بسبب أن الزوج لم يكبت فطرته الفائضة بسبب فارق زمن الإخصاب، وبالتالي بسبب كون هذا الرجل يجد في النساء الأخر حلا لوظيفته الفطرية ..
    5-أو أنهم يطلقون زوجاتهم، لاستبدالهن بأخر، وبالتالي فالخاسر هو المرأة ..
    الواقعرقم الاحتمالالاحتمالات المطروحةالطرف الخاسرالنساء افائضات(1)كبت فطرتهنالمرأة(2)إقامة علاقة غير شريفة مع الرجال والتسبب بالخيانة لنساء أُخرالمرأةالرجال فائضوا الإخصاب والوظيفة الفطرية(3)كبت فطرتهمالرجل(4)خيانة زوجاتهمالمرأة(5)طلاق زوجاتهمالمرأة
    (أربع خسارات للمرأة مقابل خسارة واحدة للرجل)
    وهكذا نرى أن الخسارة التي تدفعها المرأة من مستحقات منع تعدد الزوجات في المجتمع هي بنسبة 4 إلى 5 = 0.8، في حين أن الخسارة التي يدفعها الرجل من مستحقات هذا المنع هي بنسبة 1 إلى 5 = 0.2، أي أن الخسارة التي تدفعها المرأة هي أربع أضعاف الخسارة التي يدفعها الرجل..
    وهنا نقول للذين ينادون بمنع التعدد بحجة حماية المرأة .. من الخاسر الأول فيما تنادون به ؟ .. كيف تكون المرأة رابحة من منع التعدد الذي تنادون به وهي تدفع أربعة أضعاف ما يدفعه الرجل من مستحقات منع هذا التعدد!؟ .. والعاقل يعرف هذه الحقيقة دون بذل الكثير من الجهد، فكون نسبة الإناث تزيد على نسبة الذكور يقتضي أن منع التعدد هو ضد مصلحة النساء أولاً، لأنه إذا حرم بعض الرجال من الزواج بزوجة أخرى, فإنه تحرم بعض النساء من الزواج نهائيا ..
    نحن نعلم أنه عند زيادة العرض تقل قيمة الطلب، فكيف إذا حجّم الطلب عند زيادة العرض ؟ .. فبدلا من أن يقرع الرجل باب المرأة لتكون زوجة كريمة مع زوجة أخرى، ضمن إطار الأسرة الكريمة، ستقرع المرأة باب الرجل المتزوج – في حال منع التعدد – ليكون لها خليلاً في الظلام، بعيداً عن ساحة صون كرامتها الإنسانية، أو ستكبت فطرتها مدى الحياة..
    إذا المطلوب هو إباحة في التعدد المشروط، بحيث تحفظ كرامة المرأة والرجل، ويغطّى الفائض من النساء غير المتزوجات، وتلغى مستحقات خسارة منع التعدد.. ولما كانت هذه المستحقات تتوزع – كما رأينا – بين الرجل والمرأة بنسبة واحد إلى أربعة، فإن الحد الأعلى المباح لتعدد الزوجات لابد أن يكون موافقا لهذه النسبة، ولا يتجاوزها بأي شكل من الأشكال، وبالتالي لابد ألا تتجاوز إباحة التعدد رجلا مقابل أربع نساء، لأن حاجة المرأة للتعدد – كما رأينا – هي أربعة أضعاف حاجة الرجل .. عند ذلك يوضع إطار لحل المسألة، أولا لصالح المرأة، وثانيا لصالح المجتمع بأسره ..
    ولابد - حتى تصان كرامة المرأة وتكون إباحة التعدد لصالحها – أن تشرط هذه الإباحة بحصول العدل وبحرية المرأة الكاملة في الزواج، فإن هي لم ترغب أن تكون زوجة لرجل متزوج بزوجة أخرى، وتختار عدم الزواج، لا أحد يمنعها من تحقيق رغبتها، وبحيث يكون خيارها للزواج من رجل متزوج هو بديل عن خيار عدم الزواج .. والرجل الذي يتزوج بزوجة أخرى، لابد من شروط توضع عليه، تضمن حق زوجته الأولى والثانية والثالثة والرابعة، دون أن ينقص شيئاً ... حين ذلك فقط يتم وضع أحكام صون كرامة المرأة والرجل والمجتمع بأسره، ويكون قد وضع إطار لمجتمع كريم نظيف خال من الفساد والفاحشة ..
    ولنبحث – قرآنيا – حقيقة الأحكام التي يحملها القرآن الكريم بالنسبة لهذه المسألة، عبر الإبحار في الدلالات والمعاني التي تحملها الآيتان التاليتان ..
    )وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا)(النساء:3)
    )وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً)(النساء:129)
    إن الصورة التي تحمل حكم إباحة التعدد هي )فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ) ، ومن الواضح أنها مشروطة بقوله تعالى : )وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى) ، فوقوع حكم إباحة التعدد – وهو الحكم الوحيد في القرآن الكريم بالنسبة لهذه المسألة – جزاءً للشرط الذي نراه، ليس مصادفة وليس عبثاً ..
    وساحة الشرط هي ذاتها ساحة الجزاء .. فالشرط ضمان لحق النساء اللاتي سيتزوجن رجالاً متزوجين ( بدليل أنه تم البدء في عبارة الجزاء بالمثنى، أي أن الواحدة موجودة مسبقاً )، والجزاء إباحة للأزواج المتزوجين الذين سيتزوجون من تلك النساء اللاتي يضمن الشرط حقوقهنّ ..
    وما ذهب إليه معظم المفسرين من أن الجزاء الذي يحمل حكم إباحة التعدد، يدعو الرجال لترك النساء اللاتي تضمن عبارة الشرط حقوقهنّ، والزواج من غيرهنّ من النساء، بمعنى إن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا غيرهنّ من النساء مثنى وثلاث رباع .. وهذا التصور لا يقرّه القرآن الكريم، فلو كان صحيحا لوردت كلمة غيرهنّ ( فانكحوا غيرهنّ ما طاب لكم من النساء )، أو لأضيفت كلمة لا تنكحوهن ( لا تنكحوهنّ وانكحوا غيرهنّ ما طاب لكم من النساء ) .. فعبارة الشرط )وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى) تخص ساحة محددة تتعلق بها النساء المرشحات للزواج من أزواج متزوجين، وعبارة الجزاء ) فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ) تخص ساحة الإباحة، بحيث يضمن الحقّ الذي تحمله عبارة الشرط لتلك النساء ..
    ولو كان ما ذهبوا إليه صحيحا، لما أتى حكم إباحة التعدد – وهو الحكم الوحيد الخاص بهذه المسألة في القرآن الكريم – جزاءً لشرط، ولكان حكم إباحة التعدد معطوفاً على جملة الشرط، وليس جزاءً لها .. ( لا تقسطوا في اليتامى وانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ) ..
    وحمل الشرط – في الآية الكريمة – على النساء اليتيمات المراد نكحهنّ، وتأويل الجزاء على النهي عن الزواج بتلك النساء، ونكح غيرهنّ .. هذا الحمل وهذا التّأويل ليسا سليمين للأسباب التالية ..
    (1)– عند بلوغ النكاح تنتهي مرحلة اليتم ( المعروف بفقدان الأب )، والصورة القرآنية التالية تشير إلى ذلك .. )وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ . . . . . ) (النساء: من الآية6)، وحديث الرسول – صلى الله عليه وسلم – رقم ( 2489 ) الوارد في سنن أبي داود ( لا يتم بعد احتلام ) يؤكد صحّة ما نقول .. فكيف تكون كلمة اليتامى – في عبارة الشرط – متعلقة بالنساء المراد نكحهنّ، أي النساء اللاتي تجاوزن مرحلة الاحتلام ودخلن بمرحلة النّكاح، والقرآن الكريم والحديث الشريف يؤكّدان أن اليتم مسألة تنتهي حين بلوغ مرحلة النكاح، وحين وصول مرحلة الاحتلام ؟ ..
    (2)– لو كان الشرط )وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى) متعلقا فقط بالنساء اليتيمات ( يتم فقدان الأب ) المراد نكحهن، لتسرب احتمال السماح بوقوع الجور ( عدم القسط ) على النساء الأخريات ( غير اليتيمات )، وهذا محال، أو لتعلق التعدد في هذه الحالة فقط، أي لا يسمح التعدد إلا بوجود نساء يتيمات, ووجود الخوف من الجورعليهنّ، وهذا يتنافى مع الهدف من إباحة التعدد الذي يهدف أولاً إلى تغطية الفائض من النساء . .
    (3)– لو كان الجزاء )وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ) يعني الابتعاد عن النساء اليتيمات المراد نكحهنّ، لكان ذلك ضدهن وليس في مصلحتهنّ، فأمر إلهي بالابتعاد عن نكح اليتيمة، وتركها دون زواج، ليس بصالحها ولا بأيّ وجه من الأوجه . .
    (4)– لا يمكن أن يكون الجور الذي يحمله الشرط )وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى) هو عدم العدل بين هذه اليتيمة ( المرشحة كزوجة ثانية ) والزوجة الأولى .. فكما رأينا في ضمن رابط آخر ( ضمن الموقع )، لا ترتبط مشتقات الجذر ( ق س ط ) بمسألة العدل بين الزوجات، لأنها تعني قياس الأمور في ميزان واحد، لا علاقة لغير اليتيم بهذا القسط المطلوب، بينما مشتقـّـات الجذر ( ع د ل ) هي التي ترتبط بمسألة العدل بين الزوجات .. والعبارة القرآنية ) فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) في الآية ذاتها تؤكـّد ذلك .. فالقسط الذي يحمله الشـّرط يتعلق فقط بين اليتامى والزوج الذي يريد نكاح امرأة ثانية مع امرأته، ولا علاقة للزوجة الأولى بذلك .. بينما العبارة القرآنيـّة ) فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) هي المتعلقة بالعدل بين الزوجة الأولى والزوجة الجديدة . .
    (5)– لو كان الشرط )وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى) متعلقا فقط بالزواج من اليتيمة، لما بدئ بالمثنى في عبارة الجزاء ) فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ) ، ولبدئ بالواحدة ... ولذلك نرى أنـّه عند عدم توفر الشرط يأمر الله تعالى بالاكتفاء بالواحدة ( الزوجة الأولى الموجودة مسبقاً ) .. فالصورة القرآنيـّة هي خطاب موجّه للمتزوجين من الرجال الذين يريدون الزواج بامرأة ثانية أو أكثر ..
    (6)– لو كان الشرط )وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى) يخص النـّساء اليتيمات المراد نكحهنّ – حسب ما ذهبوا إليه – والخوف هو عدم العدل بهنّ، لما كان داع للعبارة القرآنية ) فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) التي تأتي بعد عبارة الجزاء مباشرة، ولكانت – من هذا المنظار – زيادة لا فائدة منها، لأنّ عبارتي الشـّرط والجزاء تؤمنان العدل وعدم السّــماح بإباحة التعدد إلا بعدم الخوف من وقوع الجور .. والعبارة القرآنية التالية لها مباشرة ) فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) تحمل أيضاً شرط العدل، فلو كان ما ذهبوا إليه صحيحاً لكان هذا تكراراً، ولتنافى ذلك مع حقيقة القرآن الكريم ..
    (7)– كلمة اليتامى في عبارة الشـّرط )وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى) تحمل إطلاقاً لا يمكن حصره فقط بالنساء اليتيمات دون الذكور ( حسب ما ذهب إليه معظم المفسرين ) .. وما يقوي ذلك هو ورود الكلمة ذاتها ( اليتامى ) بإطلاقها هذا، في الآية السابقة لهذه العبارة مباشرة )وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً) (النساء:2))وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا) .. فكيف يتم الجزم بأن كلمة اليتامى في عبارة الشرط لا تعني إلا النساء اليتيمات المراد نكحنهن ؟ !..
    والسؤال الذي يطرح نفسه الآن ... ما هو الرابط بين عبارتي الشرط والجزاء في الآية الكريمة الوحيدة التي تحمل حكم إباحة التعدد ؟ .. وما هي حدود الأحكام التي تحملها هذه الآية ؟ .. للجواب على هذا السؤال لا بد من الوقوف عند كلمة اليتامى وإظهار الدلالات والمعاني التي تحملها هذه الكلمة, وذلك من منظار القرآن الكريم ..
    الإطار العام لمشتقات الجذر ( ي ت م ) في القرآن الكريم، هو داخل حدود معنى الانفراد بالنسبة للمسألة التي يتعلق بها اليتم، وهو عدم وجود مأوىً ونظير بالنسبة لهذه المسألة .. فاليتيمة – من هذا المنظار – تأخذ معنى المرأة المفردة عن زوجها ..
    وداخل هذا الإطار العام يوجد إطار خاص بمسألة الأبوة، ويعني الانفراد وعدم وجود مأوى ونظير بالنسبة لهذه المسألة، وهو اليتم المعروف بفقدان الأب ..
    إذا هناك وجهان للمعاني التي تحملها كلمة اليتيم:
    (1)الوجه العام، ويكون فيه اليتيم بمعنى المنفرد الذي ليس له مأوى ولا نظير بالنسبة لمسألة ما.. والآية الكريمة التالية تحمل هذا بشكل واضح جلي .. ) وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لاعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيم)(البقرة: من الآية220)
    من الواضح أن الإطار العام لكلمة اليتامى في هذه الآية الكريمة، هو إطار يتامى الانفراد وعدم المخالطة ( من الطبيعي أن يشمل هذا الإطار اليتم المعروف بفقدان الأب )، والعبارة القرآنية) فَإِخْوَانُكُم) تشير إلى ذلك .. فكلمة ) تُخَالِطُوهُمْ) ترتبط بأنفسهم، ولا يمكن حصرها بأموالهم ومتاعهم، ودليل ذلك هو الضمير المتصل ( هم )، ولذلك فالمخالطة هنا هي مخالطة اجتماعية معنوية تشمل حتى الزواج . . ولذلك فكلمة ) فَإِخْوَانُكُم) تؤكد - أيضا – هذا العمق المعنوي الاجتماعي، وتنفي العمق المادي، فالإخوّة مسألة إيمانية وليست مادية، والعدل بالعمق المادي وصيانة حقوق الآخرين مادّياً مسألة واجبة حتى مع غير المؤمنين وغير اليتامى ( يتم فقدان الأب ) ولذلك فكلمة ) فَإِخْوَانُكُم) تشير إلى العمق المعنوي الاجتماعي .. من كل هذا نستنتج أن اليتامى الذين تشير إليهم هذه الصورة القرآنية هم يتامى انفراد وعدم مخالطة، ومن الطبيعي أن يكون مفهوم اليتم المعروف بفقدان الأب واقعا داخل إطار هذا المفهوم العامّ ..
    والصورة القرآنية التالية )أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى)(الضحى:6) تحمل هذا الوجه( العام ) من اليتم، فلا يمكن حصر اليتم في هذه الصورة القرآنية بمجرد فقدان الأب، ويأتي يتم فقدان الأب وجهاً خاصاً داخل إطار الوجه العام لليتم الذي تحمله هذه الصورة القرآنية .. وبقراءة الصور التالية لهذه الصورة تتوضح هذه الحقيقة بشكل أكبر .. )أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى) (الضحى:6) )وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى) (الضحى:7) ) وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى) (الضحى:8)
    فكما أن كلمة ( ضالاً ) تقابل كلمة ( فهدى ) وبالتالي فإن الهدى أنهى حالة كونه ضالاً .. وكما أن كلمة (عائلاً ) تقابل كلمة ( فأغنى ) وبالتالي فإن الغنى أنهى حالة كونه عائلاً .. كذلك كلمة ( يتيماً ) تقابل كلمة ( فآوى ) وبالتالي فإن المأوى أنهى حالة كونه يتيماً .. ولو تم سجن الدلالات والمعاني التي تحملها كلمة ( يتيماً ) داخل إطار يتم فقد الأب، لتنافى ذلك مع مطلق المعاني التي تحملها هذه الصورة القرآنية ..
    وهكذا فالصورة القرآنية )أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى)(الضحى:6)
    تقول : لقد من الله تعالى عليك فآواك بعد أن كنت وحيداً بين قومك منفرداً عنهم عديم النظير .. وبالتالي فاليتم في هذه الصورة القرآنية يحمل إطارً عامّاً أوسع من مجرد يتم فقدان الأب ..
    (2)الوجه الخاص، ويكون فيه اليتم بمعنى فاقد الأب، والذي لم يبلغ النكاح، والصورة القرآنية )وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ . . . . . ) والحديث الشريف رقم ( 2489 ) في سنن أبي داو؟ ( لا يتم بعد احتلام )، يشيران إلى هذا الوجه من اليتم ..
    ولنعد إلى الآية الكريمة التي تحوي حكم إباحة تعدد الزوجات، ولننظر إلى كلمة اليتامى الواردة فيها، من منظاري الوجهين العام والخاصّ لمسألة اليتم ..
    (1)– لو نظرنا من منظار الوجه العام لمسألة اليتم، وهو – كما رأينا – بمعنى الانفراد، وعدم توفر النظير، وعدم المخالطة، فإنّ عبارة الشرط )وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى ) تعني وإن خفتم تجوروا في النساء المنفردات اللاتي لا يجدن أزواجا ( اليتيمات )، وهذه العبارة ترتبط مع عبارة الجزاء )فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ) برباط الاقتضاء والتعلق بتحقيق مراد الشرط .. أي فإن من مقتضيات عدم الجور في حقوق تلك النساء المنفردات انفراد زوجية ( اليتيمات )، وهو الزواج منهنّ، ولو كانت إحداهنّ زوجة ثانية أو ثالثة أو رابعة.
    فالصورة القرآنية، شرطها وجزاؤها – من منظار الوجه العام لمسألة اليتم – تقول : إن أنتم لم تتزوجوا الفائضات المنفردات ( انفراد زوجية ) اللاتي لا يجدن أزواجاً حتى وإن كانت إحداهن هي الزوجةالثانية أو الثالثة أو الرابعة، فسيكون ذلك جوراً في حقّهنّ، وعدم عدل فيهنّ، ولولا ذلك لما شرع تعدد الزوجات. فشرع إباحة التعدد في الزوجات هو لتغطية هذا الفائض من النّساء، وحتى لا تبقى هناك نساء منفردات فائضات ( يتيمات ) لا يجدن أزواجاً.
    (2)– لو نظرنا إلى الآية الكريمة من منظار الوجه الخاص لمسألة اليتم، والذي يعني فقدان الأب، وعدم بلوغ مرحلة النكاح، فإن كلمة اليتامى في عبارة الشرط )وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى ) تعني الأطفال الواقعين تحت الولاية، والخطاب موجه لولي أمر هؤلاء الأيتام .. وما يقوي ذلك هو سياق الحديث القرآني السابق واللاحق لهذه الصورة، وخصوصاً الآية الكريمة التي تسبق هذه الصورة مباشرة والتي تخاطب أولياء أمور اليتامى .. )وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً)(النساء:2)
    فالذي يمكنه أن يأكل أموال اليتامى إلى أمواله هو ولي أمر اليتيم وليس أي إنسان آخر .. وبما أن الآية (2 ) من سورة النساء تخاطب أولياء أمور اليتامى، فإن عبارة الشرط التي تليها مباشرة، تخاطب – من منظار وجه اليتم الذي نعني فقدان الأب وعدم بلوغ مرحلة النكاح – أيضاً أولياء أمور اليتامى..
    وهذه الحالة تكون حينما يتوفَّى رجل ويترك وراءه يتامى وزوجة تحت ولاية رجل غير مُحرم - بعد موت الزوج - على هذه الزوجة . . وفي هذه الحالة إن تزوجت الأم من رجل آخر ، كان ذلك على حساب اليتامى ، الذين سيفقدون رعاية أمهم وحنانها ، وإن بقيت دون زواج كان ذلك على حساب حياتها الفطريّة ، وإن ترك ولي الأمر اليتامى وأمهم ، كان ذلك ليس في صالحهم . . لذلك فالحلّ الأفضل هو أن يتزوج ولي الأمر أم اليتامى - إن أرادت ذلك - ليضمّهم إليه ، وتكون أمهم زوجته ، وبالتالي يقترب منهم ومن تعويضهم ما فقدوه من حنان الأب ورعايته . .
    والخطاب في عبارة الشرط )وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى ) إضافة إلى أنه - من هذا المنظار لكلمة اليتامى - موجّه لأولياء أمور اليتامى ، فهو أيضا خطاب موجّه لجميع المتزوّجين الذين يريدون - من أجل مرضاة الله تعالى - مساعدة اليتامى وتربيتهم ورعايتهم ، فاكتمال الرعاية يكون حينما تكون أمّ اليتامى معهم ، في الوقت الذي تُمارس فيه حياتها الفطرية بشكل طبيعي ، وفي الوقت الذي يكون فيه أولادها اليتامى بمكانة أبناء لزوجها الجديد الذي يريد مساعدة هؤلاء الأيتام . .
    وهكذا يكون الربط - من منظار الوجه الخاص لمسألة اليتم الذي يعني فقدان الأب وعدم بلوغ مرحلة النكاح - بين الشرط والجزاء في الآية الكريمة التي تحمل حكم إباحة تعدّد الزوجات ، هو أن الذين يخشون الجور على اليتامى ، ويريدون مساعدتهم وإعطائهم حق الرعاية والتربية ، فإن ضمّهم والزواج من أُمّهاتهم ، هو من مقتضيات هذه الخشية ، وإن كانت أمّ اليتامى هي الزوجة الثانية أو الثالثة أو الرابعة . .
    وفق هذَين العمقَين فقط يُمكن الرّبط بين عبارَتي الشرط والجزاء في آية إباحة تعدّد الزوجات ، ربطا منطقيا يحمله القرآن الكريم ، ويُناسب قواعد اللغة العربية ، ولا يتعارض مع بديهيّاتها ومسلّماتها . .
    إذا الهدف من إباحة تعدّد الزوجات في القرآن الكريم هو - كما نرى - حلّ مشكلة الفائض من النساء اللاتي لا يجدن أزواجا ، وحلّ مشاكل الأيتام الذين يحتاجون لرعاية وتربية ، وليس الهدف إرضاء أصحاب الشّهوات من الرجال على حساب حياة النّساء وكرامتهنّ . .
    ولمّا كان الخالق سبحانه وتعالى هو المشرّع ، أي أن العالم علما مطلقا بما سيكون من مضاعفات اجتماعية ونفسية نتيجة منع التعدّد ، هو ذاته واضع الحلول لهذه المضاعفات ، فلا بُدّ أن يكون التشريع مطلقا ، يحمل مساواة تامّة بين المضاعفات الناتجة عن منع التعدّد ، وبين حدود التشريع الذي يحملها هذا التشريع ، وذلك في معادلة حلّ هذه المسألة . .
    لقد رأينا كيف أن المرأة تدفع أربعة أضعاف ما يدفعه الرجل من مستحقات الخسارة الناتجة عن منع إباحة التعدّد ، وبالتالي فإن المساواة التّامّة بين طرَفَي المعادلة بالنسبة للنساء والرجال ، تتحقّق حينما تُسدّد مستحقات خسارة منع التعدّد تسديدا كاملا متناسبا - ما بين الرجل والمراة - مع نسبة تأثُّرهما بمنع هذا التعدّد . . وهذه المستحقات تُسدّد - كما رأينا - بنسبة عظمى هي أربع نساء ورجل . . والصورة القرآنية (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ) التي تصور الحد الأعلى لإباحة تعدّد الزوجات ، نراها تحمل المعادلة المطلقة التي ترسم الإطار الأكبر لحلّ هذه المسألة ، بشكل يتمّ فيه تسديد مستحقات خسارة منع إباحة تعدّد الزوجات تسديدا عادلا متوازنا ، وبالتالي إنهاء المضاعفات الاجتماعية والنفسية الناتجة عن منع هذه الإباحة . . فليس عبثا أن يكون الحد الأعلى للتّعدّد هو أربع نساء . .
    والمسألة لم تنته هنا ، فالعبارة القرآنية التالية مباشرة لصورة الشرط والجزاء . . (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) هي شرط جديد ، يُلغي عدم تحقيقه مسألة إباحة التعدّد ، ويضعها خارج إطار حدود الله تعالى في كتابه الكريم . . فبعد تحقُّق شروط إباحة التعدّد التي رأيناها ، لا تكون هذه الإباحة من شرع الله تعالى إلا بتحقُّق العدل بين الزوجات . . وفي حال عدم تحقُّق العدل فإن التعدّد خروج على حدود الله تعالى . . ومع أن الصورة القرآنية (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) تشير إلى الجانب المادّي للعدل الذي يستطيع الإنسان عليه ، كما يدلّ السياق القرآني السابق واللاحق لهذه الصورة . . ومع أن الصورة القرآنية (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ) تشير إلى الجانب العاطفي المعنوي الخارج عن إطار استطاعة الإنسان ، كما يدلّ السياق القرآني السابق واللاحق لهذه الصورة . . فإننا نجد - باعتبار العدل هو ذاته في الصورتين ، وبالنظر إلى كل صورة من منظار الصورة الاخرى - عمقا جديدا من الدّلالات والمعاني . .
    الصورة الثانية تقول، إن العدل بين النساء هو خارج استطاعة الرجل مهما كان حريصا، وبالتالي يكون تقدير الصورة الأولى - من منظار الصورة الثانية - أن من خاف منكم عدم حصول العدل، فعليه بالواحدة فقط، لأن العدل لن تستطيعوا عليه مهما حرصتم . . فعليك أن تعلم يا من جمعت بين أكثر من زوجة، أنك خرجت من دائرة العدل بين الزوجات مهما كنت حريصا على حصول ذلك العدل . . فالصورة القرآنية الأولى - وفق هذا التصور فقط - هي ليست شرطاً إنما خبر من الله تعالى بالنسبة لمسألة العدل . .
    ومن يتوهم أن الصورة الثانية (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ) تنسخ إباحة التعدد المشروط في الصورة الأولى إنما يفرض سلفا في خياله - سواء علم بذلك أم لم يعلم - أن الله تعالى لا يعلم حقيقة الأحكام التي يُنــزّلها في كتابه الكريم، ومدى صلاحيتها للبشر، فكأنه يقول شرع الله تعالى حكم إباحة التعدد وشرط العدل ( المادي المستطاع ) ثم اكتشف - سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا - حقيقة كان يجهلها، هي أن العدل لن يكون، فسحب حكم الإباحة . .
    وكما قلنا . . حتى لو فرضنا أن العدل المقصود في الصورة الأولى هو ذاته المقصود في الصورة الثانية، فإن ذلك لا يُلغي حكم إباحة التعدد، ويكون تقدير الصورة الأولى - كما رأينا - هو أن التعدد مسألة مباحة ضمن شروطها، ولكن على المتزوج بامرأة ثانية أو أكثر أن يعلم أنه على الرغم من بقائه داخل إطار الحكم المباح المشروع، فإن تحري العدل والخوف من الخروج من إطاره، يقتضي الزواج بواحدة فقط، ولا يعني أبدا إلغاء حكم التعدد، فهذه العبارة - كما قلنا - ليست شرطا، إنما هي خبر من الله تعالى، وتكون شرطا حينما يفسر العدل فيها بالعدل المادي المستطاع . .
    لننظر إلى الآية الكريمة التالية . .
    (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) (النحل:126)
    فهل خروج المُعَاقِب بمثل ما عُوقِب ، من إطار الخير الذي ينتظر الصابرين (وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) يُلغي إباحة أن يُعَاقِب الإنسان بمثل ما عُوقِب ؟ . . .
    والعبارة القرآنية ( ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا) تبين لنا أن الاستعمال السليم لحكم إباحة التعدد والالتزام بشروطه، هو اقتراب من عدم الجور والظلم بشتى جوانبه . . فكلمة (تَعُولُوا) تعني تجوروا وتميلوا، ولا تعني تكثر عيالكم، فلو كان ذلك لكان من الأولى مجيء العبارة القرآنية بالصيغة ( ذلك أدنى ألا تعيلوا ) . .
    وحكم إباحة التعدد الذي رأيناه، هو حكم إباحة مشروطة - كما نرى في القرآن الكريم - وليس حكم إيجاب، والمرأة لا تُكره على الزواج من رجل متزوج، أو غير متزوج . . فالمسألة مسألة حكم مباح ضمن شروط تضمن طرفي المعادلة، هدفه وضع إطار سليم لحل المشكلات الناتجة عن طوارئ اجتماعية تؤدي بالنهاية إلى مضاعفات من شأنها خلخلة توازن المجتمع بأسره . .
    وما نراه من مضاعفات خطيرة لاستعمال حكم إباحة تعدد الزوجات، استعمالا خاطئا يتشرد من خلاله الأطفال والنساء، ليس من الإسلام في شيء، والإسلام منه براء، وهو ناتج عن أخذ حكم إباحة التعدد من منظار الأهواء والشهوات، دون الالتفات إلى شروطه . . وهؤلاء يأخذون ببعض الكتاب ويعرضون عن بعض، وبالتالي يجسدون أمثلة سيئة تشيع التمرد على حكم الله تعالى، وتعطي ضعيفي الإيمان حيثيات لهذا التمرد، لإيهام ضعيفي الإدراك بعدم صلاحية أحكام كتاب الله تعالى . .
    وهكذا نرى أن أحكام الله تعالى، حكمة مطلقة مجردة عن التاريخ والزمان والمكان، وأن فرض التصورات البشرية على النصوص القرآنية, وعدم النظر إلى النصوص القرآنية إلا من منظار التاريخ والزمان والمكان، يشوه - في نفوس البشر - صورة الأحكام القرآنية المطلقة العادلة، ويوهم ضعيفي الإدراك بخضوع الدلالات القرآنية للأحداث التاريخية المرحلية، ويضع أفق الفكر الإسلامي في إطار تصورات البشر وأهوائهم، كما سنرى إن شاء الله قريبا في مسائل العبيد وملك اليمين، وكما نشهد - بالنسبة لمسألة تعدد الزوجات - من مضاعفات اجتماعية ونفسية، يدفع ثمنها الإنسان أولا وآخراً . .

    المصدر : كتاب "الحكمة المطلقة" للمهندس عدنان الرفاعي

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Mar 2009
    المشاركات
    7,558
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    21-01-2019
    على الساعة
    03:09 PM

    افتراضي

    بسم الله الرحمن الرحيم
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
    جزاك الله خيراا اخى الفاضل ابا غسان
    تسمح لى بهذه المداخلة والتوضيح


    توضيح آية : مثنى وثلاث ورباع وما ملكت ايمانكم



    {{ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ }}


    الحق سبحانه وتعالى حينما يشرع الحكم يشرعه مرة إيجاباً ومرة يشرعه إباحة ، فلم يوجب ذلك الأمر على الرجل ، ولكنه أباح للرجل ذلك ، وفيه فرق واضح بين الإيجاب وبين الإباحة . والزواج نفسه حتى من واحدة مباح . إذن ففيه فرق بين أن يلزمك الله أن تفعل وان يبيح لك أن تفعل . وحين يبيح الله لك أن تفعل ، ما المرجح في فعلك ؟ إنه مجرد رغبتك .


    ولكن إذا أخذت الحكم ، فخذ الحكم من كل جوانبه ، فلا تأخذ الحكم ، وبإباحة التعدد ثم تكف عن الحكم بالعدالة ، وإلا سينشأ الفساد في الأرض ، وأول هذا الفساد أن يتشكك الناس في حكم الله . لماذا ؟ لأنك إن أخذت التعدد ، وامتنعت عن العدالة فأنت تكون قد أخذت شقاً من الحكم ، ولم تأخذ الشق الآخر وهو العدل ، فالناس تجنح أمام التعدد وتبتعد وتميل عنه لماذا ؟ لأن الناس شقوا كثيراً بالتعدد أخذاً لحكم الله في التعدد وتركاً لحكم الله في العدالة .


    والمنهج الإلهي يجب أن يؤخذ كله ، فلماذا تكره الزوجة التعدد ؟ لأنها وجدت أن الزوج إذا ما تزوج واحدة عليها ألتفت بكليته وبخيره وببسمته وحنانه إلى الزوجة الجديدة ، لذلك فلابد مرأة أن تكره زواج الرجل عليها بامرأة أخرى .



    إن الذين يأخذون حكم الله في إباحة التعدد يجب أن يلزموا أنفسهم بحكم الله أيضاً في العدالة ، فإن لم يفعلوا فهم يسيعون التمرد على حكم الله ، وسيجد الناس حيثيات لهذا الترد ، وسيقال : انظر ، إن فلان تزوج بأخرى وأهمل الأولى ، أو ترك أولاده دون رعاية واتجه إلى الزوجة الجديدة .


    فكيف تأخذ إباحة الله في شيء ولا تأخذ إلزامه في شيء آخر ، إن من يفعل ذلك يشكك الناس في حكم الله ، ويجعل الناس تتمرد على حكم الله ـ والسطحيون في الفهم يقولون : إنهم معذورون وهذا منطق لا يتأتى .


    إن آفة الأحكام أن تؤخذ حكم جزئي دون مراعاة الظروف كلها ، والذي يأخذ حكماً عن الله لابد أن يأخذ كل منهج الله


    هات إنساناً عدل في العِشْرة وفي النفقة وفي البيتوتة وفي مكان الزمان ولم يرجح واحدة على أخرى ، فالزوجة الأولى إن فعلت شيئاً فهي لن تجد حيثية لها أمام الناس . أما عندما يكون الأمر غير ذلك فإنها سوف تجد الحيثية للأعتراض ، والصراخ الذي نسمعه هذه الأيام إنما نشأ من أن بعضاً قد أخذ حكم الله في إباحة التعدد ولم يأخذ حكم الله في عدالة التعدد . والعدالة تكون في المور التي للرجل فيها خيار . أما الأمور التي لا خيار للرجل فيها فلم يطالبه الله بها .


    ومن السطحيين من يقول : إن الله قال : اعدلوا ، ثم حكم أننا لا نستطيع أن نعدل .


    نقول لهم : بالله أهذا تشريع ؟ ، أيعطي الله باليمين ويسحب بالشمال ؟ ألم يشرع الحق على عدم الاستطاعة فقال :


    {{وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا}}


    ومادام قد شرع على عدم الاستطاعة في العدل المطلق فهو قد أبقى الحكم ولم يلغه ، وعلى المؤمن ألا يجعل منهج الله له في حركة حياته عضين بمعنى أنه يأخذ حكماً في صالحه ويترك حكماً إن كان عليه .


    فالمنهج من الله يؤخذ جملة واحدة من كل الناس ، لأن أي انحراف في فرد من أفراد الأمة الإسلامية يصيب المجموع بضرر . فكل حق لك هو واجب عند غيرك ، فإن أردت أن تأخذ حقك فأدّ واجبك .


    والذين يأخذون حكم الله في إباحة التعدد يجب أن يأخذوا حكم الله أيضاً في العدل ، وإلا أعطوا خصوم دين الله حججا قوية في إبطال شرع الله ، وتغيير ما شرع الله بحجة ما يرونه من آثار أخذ حكم وإهمال حكم آخر .


    والعدل المراد في التعدد هو القسمة بالسوية في المكان ، أي أن لكل واحدة من تالمتعددات مكاناً يساوي مكان الأخرين ، وفي الزمان ، وفي متاع المكان ، وفيما يخص الرجل من متاع نفسه ، فليس له أن يجعل شيئاً له قيمة عند واحدة ، وشيئاً لا قيمة له عند واحدة أخرى ، يأتي مثلا بيجامة ((منامه)) صُوف ويضعها عند واحدة ، ويأتي بأخرى من قماش أقل جودة ويضعها عن واحدة ، لا


    لابد من المساواة ، لا في متاعها فقط ، بل متاعك أنت الذي تتمتع به عندها ، حتى أن بعض المسلمين الأوائل كان يساوي بينهن في النعال التي يلبسها في بيته ، فيأتي بها من لون واحد وشسكل واحد وصنف واحد ، وذلك حتى لا تَدِلُّ واحدة منهن على الأخرى قائلة : إن زوجي يكون عندي أحسن هنداماً منه عندك .


    والعدالة المطلوبة ـ أيضاً ـ هي العدالة فيما يدخل في اختيارك ، لأن العدالة التي تدخل في اختيارك لا يكلف الله بها ، فأنت عدلت في المكان ، وفي الزمان ، وفي المتاع لكل واحدة ، وفي المتاع لك عند كل واحدة ، ولكن لا يطلب الله منك أن تعدل بميل قلبك وحب نفسك ؛ لأن ذلك ليس في مكنتك .


    والرسول صل الله عليه وسلم يعطينا هنا القول : عن عائشة رضى الله عنها قالت : { كان رسول الله صل الله عليه وسلم يقسم ويعد ويقول : ( اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك ) يعني القلب } رواه الإمام احمد وأبو داود والدارمي .


    إذن فهذا معنى قول الحق :


    { وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ ... النساء129}


    لأن هناك أشياء لا تدخل في قدرتك ، ولا تدخل في اختيارك ، كأن ترتاح نفسياً عند واحدة ولا ترتاح نفسياً عند أخرى ، أو ترتاح جنسيا عند واحدة ولا ترتاح عند أخرى ، ولكن الأمر الظاهر للكل يجب أن يكون فيه القسمة بالسوية حتى لا تَدِلُّ واحد على واحدة .


    وإذا كان هذا في النساء المتعددات ـ وهن عوارض ـ حيث من الممكن أن يخرج الرجل عن أي امرأة ـ بطلاق أو فراق فما بالك بأولادها منه ؟ لابد أيضاً من العدالة .


    والذي يفسد جو الحكم المنهجي لله أن أناساً يجدون رجلا عدّد ، فأخذ بإباحة الله في التعدد ، ثم لم يعدل ، فوجدوا أبناءه من واحدة مهملين مشردين ، فيأخذون من ذلك حجة على الإسلام . والذين يحاولوا أن يفعلوا ما فعلوا في قوانين الأحوال الشخصية إنما نظروا إلى ذلك التباين الشديد الذي يحدثه بعض الأباء الحمقى نتيجة تفضيل أبناء واحدة على الأخرى في المأكل والملبس والتعليم !


    إذن فالمسلم هو الذي يهجر دينه ويعرضه للنقد والنيل من أعدائه له . فكل إنسان مسلم على ثغرة من ثغرات دين الله تعالى فعليه أن يصون أقواله وأفعاله وحركاته وسكناته من أي انحراف أو شطط ؛ لأن كل مسلم بحركته وبتصرفه يقف على ثغرة من منهج الله ، ولا تظنوا أن الثغرات فقط هي الشيء الذي يدخل منه أعداء الله على الأرض كالثغور ، لا ..... الثغرة هي الفجوة حتى في القيم يدخل منها خصم الإسلام لينال من الإسلام .


    إنك إذا ما تصرفت تصرفاً لا يليق فأنت فتحت ثغرة لخصوم الله . فسد كل ثغرة من هذه الثغات ، وإذا كان رسول الله صل الله عليه وسلم قد توسع في العدل بين الزوجات توسعاً لم يقف به عند قدرته ، وإن وقف به عند اختياره ، فرسول الله صل الله عليه وسلم حين مرض كان من الممكن أن يعذره المرض فيستقر في بيت واحدة من نسائه ، ولكنه كان يأمر بأن يحمله بعض الصحابه ليطوف على بقية نسائه في أيامهن فأخذ قدرة الغير . وكان إذا سافر يقرع بينهن ، هذه هي العدالة .


    وحين توجد مثل هذه العدالة يشيع في الناس أن الله لا يشرع إلا الحق ، ولا يشرع إلا صدقاً ، ولا يشرع إلا خيراً ، ويسد الباب على كل خصم من خصوم دين الله ، حتى لا يجد ثغرة ينفذ منها إلى ما حرم دين الله ، وإن لم يستطع المسلم هذه الاستطاعة فليلزم نفسه بواحدة . ومع ذلك حين يلزم المسلم نفسه بزوجة واحدة ، هل انتفت العدالة مع النفس الواحدة ؟ لا


    فلا يصح ولا يستقم ولا يحل أن يهمل الرجل زوجته . ولذلك حينما شكت امرأة عمر بن الخطاب رضى الله عنه أن زوجها لا يأتي إليها وهي واحدة وليس لها ضرائر ، فكان عنده احد الصحابة ، فقال له : أفتها ( أي أعطها الفتوى )


    قال الصحابي : لك أن يبيت عندك الليلة الرابعة بعد كل ثلاث ليال .


    ذلك أن الصحابي فرض أن لها شريكات ثلاثا ، فهي تستحق الليلة الرابعة .


    وسُر عمر بن الخطاب رضى الله عنه من الصحابي ؛ لأنه عرف كيف يفتي حتى في أمر المرأة الواحدة .


    إذن قوله الحق سبحانه وتعالى : {{وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ }} النساء129


    أي لا تظنوا أن المطلوب منكم تكليفاً هو العدالة حتى في ميل القلب وحبه ، لا .


    إنما العدالة في الأمر الاختياري ، ومادام الأمر قد خرج عن طاقة النفس وقدرتها فقد قال ـ سبحانه ـ (( فلا تميلوا كل الميل )) . ويأخذ السطحيون الذين يريدون أن يبرروا الخروج عن منهج الله فيقولوا : إن المطلوب هو العدل وقد حكم الله أننا لا نستطيع العدل .


    ولهؤلاء نقول : هل يعطي ربنا باليمين ويأخذ بالشمال ؟ فكأنه يقول : أعدلوا وأنا أعلم أنكم لن تعدلوا ؟ فكيف يأتي لكم مثل هذا الفهم ؟ إن الحق حين قال : { وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ .. النساء129} أى لا يتعدى العدل ما لا تملكون من الهوى والميل ؛ لأن ذلك ليس في إمكانكم ، ولذلك قال : { فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ }} النساء129


    نقول ذلك للذين يريدون أن يطلقوا الحكم غير واعين ولا فاهمين عن الله ، ونقوله كذلك للفاهمين الذين يريدون أن يدلسوا على منهج الله ، وهذه المسألة من المسائل التي تتعرض للأسرة ، وربها الرجل .فهب أن رجلا ليس له ميل إلى زوجته ، فماذا يكون الموقف ؟ أمن الأحسن أن يطلقها ويسرحها ، أم تظل عنده ويأتي بامرأة تستطيع نفسه أن ترتاح معها ؟ أو يطلق غرائزه في أعراض الناس ؟


    إن الحق حينما شرع ، إنما يشرع ديناً متكاملاً ، لا تأخذ حكماً منه لتترك حكماً آخر .


    والأحداث التي أرهقت المجتمعات غير المسلمة ألجأتهم إلى كثير من قضايا الإسلام ، ولعدم الإطالة هناك بعض الدول تكلمت عن إباحة التعدد لا لأن الإسلام قال به ، ولكن لأن ظروفهم الاجتماعية حكمت عليهم أن لا يحل مشاكلهم إلا هذا ، حتى ينهوا مسألة الخليلات . والخليلات هن اللائي يذهب إليهن الرجال ليهتكوا أعراضهن ويأتوا منهن بلقطاء ليس لهم أب .


    إن من الخير أن تكون المرأة الثانية ، امرأة واضحة في المجتمع . ومسألة زواج الرجل منها معروفة للجميع ، ويتحمل هو عبء الأسرة كلها . ويمكن لمن يريد أن يستوضح كثيراً من أمر هؤلاء الناس أن يرجع إلى كتاب تفسير في هذا الموضوع للدكتور محمد خفاجة حيث أورد قائمة بالدول وقرارتها في إباحة التعدد عند هذه الآية .


    وهنا يجب أن ننتبه إلى حقيقفى وهي : أن التعدد لم يأمر الله به ، وإنما أباحه ، فالذيتلرهقه هذه الحكاية لا يعدد ، فالله لم يأمر بالتعدد ولكنه أباح للمؤمن أن يعدد . والمباح أمر يكونالمؤمن حراً فيه يستخدم رخصة الإباحة أو لا يستعملها ، ثم لنبحث بحثاً آخر . إذا كان هناك تعدد في طرف من طرفين فإن كان الطرفان متساويين في العدد ، فإن التعدد في واحدة لا يتأتى ، والمثل هو الآتي :




    إذا دخل عشرة أشخاص حجرة وكان بالحجرة عشرة كراسي فكل واحد يجلس على كرسي ، ولا يمكن بطبيعة الحال أن يأخذ واحد كرسياً للجلوس وكرسياً آخر لمد عليه ساقه ، ولكن إذا كان هناك أحد عشر كرسياً ، فواحد من الناس ياخذ كرسياً للجلوس وآخر لستند عليه ، إذن فتعدد طرف في طرف لا ينشأ إلا من فائض . فإذا لم يكن هناك فائض ، فالتعدد ـ واقعاً ـ يمتنع ، لأن كل رجل سيتزوج امرأة واحدة وتنتهي المسألة ، ولو أراد أن يعدد الزواج فلن يجد .


    إذن فإباحة التعدد تعطينا أن الله قد أباحه وهو يعلم أنه ممكن لأن هناك فائضاً . والفائض كما قلنا معلوم ، لأن عدد ذكور كل نوع من الأنواع أقل من عدد الإناث .


    وضربنا المثل من قبل في البيض عندما يتم تفريخه ؛ فإننا نجد عدداً قليلاً من الدجيوك والبقية إناث . إذن فالإناث في النبات وفي الحيوان وفي كل شيء أكثر من الذكور .


    وإذا كانت الإناث أكثر من الذكور ، ثم أخذ كل ذكر مقابله فما مصير الأعداد التي تفيض وتزيد من الإناث ؟


    إما أن تعف الزائدة فتكبت غرائزها وتحبط ، وتنفس في كثير من تصرفتها بالنسبة للرجل وللمحيط بالرجل ، وإما أن تنطلق ، تنطلق مع من ؟ إنها تنطلق مع متزوج . وإن حدث ذلك فالعلاقات الاجتماعية تفسد .


    ولكن الله حين أباح التعدد أراد أن يجعل منه مندوحة لامتصاص الفائض من النساء ؛ ولكن بشرط العدالة . وحين يقول الحق : { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً } النساء 3 .. أي إن لم تستطع العدل الاختياري فليلزم الإنسان واحدة .


    وبعد ذلك يقول الحق : { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } النساء 3


    وهناك من يقف عند ((مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ)) ويتجادل ، ونطمئن هؤلاء الذين يقفون عند هذا القول ونقول : لم يعد هناك مصدر الآن لملك اليمين ؛ لأن المسلمين الآن في خنوع ، وقد اجترأ عليهم الكفار ، وصاروا يقتطعون دولاً من دولهم . وما هبّ المسلمون ليقفوا لحماية أرض إسلامية . ولم تعد هناك حرب بين المسلمين وكفار ، بحيث يكون فيه أسرى و (( ملك اليمين)) .


    ولكنا ندافع عنه أيام كان هناك ملك يمين . ولنر المعنى الناضج حين يبيح الله متعة السيد بما ملكت يمينه ، انظر إلى المعنى ، فالإسلام قد جاء ومن بين أهدافه أن يصفي الرق ، ولم يأت ليجئ بالرق .


    وبعد أن كان لتصفية الرق سبب واحد هو إدارة السيد . عدَّدَ الإسلام مصاريف تصفية الرق ؛ فارتكاب ذنب ما يقال للمذنب : اعتق رقبة كفارة اليمين . وكفارة ظهار فيؤمر رجل ظاهر من زوجته بأن يعتق رقبة وكفارة فطر في صيام ، وكفارة قتل ... إلخ .... إذن الإسلام يوسع مصارف العتق .


    ومن يوسع مصاريف العتق أيريد أن يبقى على الرق ، أم يريد أن يصفيه ويمحوه ؟


    لنفترض أن مؤمناً لم يذنب ، ولم يفعل ما يستحق أن يعتق من أجله رقبة ، وعنده جوار ، هنا يضع الإسلام القواعد لمعاملة الجواري :


    ـ إن لم يكن عندك ما يستحق التكفير ، فعليك أن تطعم الجارية مما تأكا وتلبسها ما يلبس أهل بيتك ، لا تكلفها ما لا تطيق ، فإن كلفتها فأعنها ، أي فضل هذا ، يدها بيد سيدها وسيدتها ، فما الذي ينقصها ؟ إن الذي ينقصها إرواء إلحاح الغريزة ، وخاصة أنها تكون في بيت رجل فيه امرأة ، وتراها حين تتزين لزوجها ، وتراها حين تخرج في الصباح لتستحم ، والنساء عندهن حساسية لهذا الأمر ، فتصوروا أن واحدة مما ملكت يمين السيد بهذه المواقف ؟ ألا تهاج في الغرائز؟


    حين يبيح الله للسيد أن يستمتع بها وأن تستمتع به ، فإنه يرحمها من هذه الناحية ويعلمها أنها لا تقل عن سيدتها امرأة الرجل فتتمتع مثلها . ويريد الحق أيضاً أن يعمق تصفية الرق ، لأنه إن زوجها من رجل رقيق فإنها تظل جارية أمة ، والذي تلده يكون رقيقاً ، لكن عندما تتمتع مع سيدها وتأتي منه بولد ، فإنها تكون قد حررت نفسها وحررت ولدها ، وفي ذلك زيادة في تصفية الرق ، وفي ذلك إكرام لغريزتها . ولكن الحمقى يريدون أن يؤاخذوا الإسلام على هذا !!


    يقول الحق : ((فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ )) فالعدل أو الأكتفاء بواحدة أو ما ملكت اليمين ، ذلك أقرب ألا تجوروا .


    وبعض الناس يقول : ((أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ )) أي ألا تكثر ذريتهم وعيالهم . ونقول لهم : إن كان كذلك فالحق أباح ما ملكت اليمين ، وبذلك يكون السبب في وجود العيال قد اتسع أكثر ، وقوه : ((ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ )) أي أقرب ألا تظلموا وتجوروا ، لأن العول فيه معنى الميل ، والعول في الميراثأن تزيد أسهم الأنصاب على الأصل ، وهذا معنى عالت المسألة ، وإذا ما زاد العدد فإن النصيب في التوزيع ينقص .


    وبعد ذلك قال الحق : النساء 4


    وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا


    اللهم تقبل منا صالح الأعمال


    من خواطر الإمام / محمد متولي الشعراوي

    نسأل الله جل في علاه أن يصلح شأننا كله

    التعديل الأخير تم بواسطة نضال 3 ; 03-04-2012 الساعة 08:18 PM
    توقيع نضال 3


    توقيع نضال 3

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي




    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

مَثْنَـــى وَثُـــلاثَ وَرُبَـــاعَ

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

مَثْنَـــى وَثُـــلاثَ وَرُبَـــاعَ

مَثْنَـــى وَثُـــلاثَ وَرُبَـــاعَ