تفسير الإنجيل بالقرآن (4)النص الأول: " فولدت ابنها البكر ، وقمطته ووضعته فى معلف للدواب إذ لم يكن لهما مكان داخل الخان " (لوقا:2-7)الولادة والطفولة
النص الثانى: " وجاء اليوم الثامن ، موعد ختان الطفل ، فسموه يسوع . وهو الاسم الذى سماه به الملاك قبل أن تحبل به مريم " (لوقا: 2-21)
النص الثالث: " أخذا يسوع إلى مدينة القدس لكى يقدماه للرب . وفقا لما هو مكتوب فى شريعة الرب : ينبغى أن يخصص كل ذكر بكر للرب " (لوقا:2-23)
النص الرابع: " واستمر الطفل ينمو ويتقوى ممتلئا بالحكمة ، وكانت نعمة الله عليه " (لوقا:2-4)
النص الخامس " وبعد أن سافر الرجال الحكماء ، ظهر ملاك الرب ليوسف فى حلم وقال له : قم خذ الطفل وأمه واهرب إلى مصر ، وابق هناك حتى أخبرك ، لأن هيرودس سيبحث عن الطفل ليقتله ".(متى:2-13)
هذه خمسة نصوص من الإنجيل تتحدث عن ميلاد المسيح وأوائل طفولته ، وكلها قاطعة الدلالة على بشرية المسيح وعدم إلوهيته .
ولكن قبل أن نتعامل مع النصوص بتفسيرنا ، الخالى من العصبية والجحود ، وبتفسير القرآن ، قوى الحجة ، رائع البيان ، نرى إجحاف النصارى فى تفسير هذه النصوص ، وكيف يحملونها ما لم تحتمل .
يقول البابا شنودة :" السيد المسيح هو الإله الكلمة المتجسدة ، له لاهوت كامل وناسوت كامل ، ولاهوته متحد بناسوته بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير ..." عظيم هو سر التقوى،الله ظهر فى الجسد " (1تى:3-16) (طبيعة المسيح ص:7)
" وهذا الاتحاد دائم لا ينفصل مطلقا ولا يفترق ، نقول عنه فى القداس الإلهى " إن لاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ، ولا طرفة عين " (طبيعة المسيح:ص7)
أنبه أننى سأترك الآن التناقض فى كلام البابا ، وبيان أن كلامه يهدم بعضه بعضا ، إلى آخر هذا البحث ، عند مناقشة قضية التثليث.
ولكن سنرى الإنجيل والقرآن يكذب البابا ، ويقرر بوضوح حقائق غير ما زعمه.
الدليل الأول : ميلاده من امرأة بشرية .
هناك مسلمات عقلية إذ لم نلتزم بها ، فكل شىء مباح ؟!! يعنى إذا رُفضت هذه المسلمات نستطيع القول بأن السماء أرض وأن الجبال بشر ، وأن الماء تفاح وأن الطائرات عصافير أو حمير.... إلخ
سيقولون لا يوجد عاقل يقول بذلك .
أقول : لكن امرأة ولدت فيلا ، وبقرة ولدت حمارًا ، وآتان – أنثى الحمار- ولدت كمبيوتر ....إلخ
ستقولون هذا أشد محالا من الأول .
أقول : نعم محال أن مخلوقا يلد مخلوقا ليس من جنسه .
والمحال الأكثر ، أن بشرا يلد إلها ، ومخلوقا يلد خالقا .
بسم الله الرحمن الرحيم
{ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } [الإخلا4]
وإليك شهادة الإنجيل بذلك أيضا : " فما يولد من البشر هو بشرى وما يولد من الروح هو روحى " ( يوحنا 3-6)
أما قول المسيح " وما يولد من الروح هو روحى " فإنما يقصد الهداية بعد الضلالة التى تحصل للمؤمن بإيمانه بوحى السماء ، ميلاد معنوى لا حسى .
حيث كان المسيح يعظ نيقوديموس العجوز فقال قبلها " لن يرى أحد ملكوت الله ما لم يولد ثانية ".
ولم أرى أحسن تعبيرا من القرآن وهو يوضح ذلك الميلاد المعنوى ، قال تعالى:
{ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا .. } [الأنعام:122]
فوصف الكافرين بالأموات ، الموت المعنوى ، الناتج عن الضلالة .
كما بين سبحانه أن الوحى المنزل بمثابة روح القلب وهداية العقل ، فقال سبحانه :
{ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [الشورى:52].
إذًا خلق الله فى الكون سننا لا تقبل التغيير ولا التبديل ، أن ميلاد كل شىء من جنسه.
الدليل الثانى : الطفولة والختان .
السيدة مريم حملت بابنها تعسة أشهر ، ماذا كان يفعل المسيح فى بطن أمه هذه المدة ؟ ، كان يتكون ولا شك ، وإلا لا يصح أن يكون كاملا فى بطن أمه من البدء ويظل حبيس الرحم تسعة أشهر.
يعنى لم يكن شيئا فى البدء ، ثم تطور كسائر الأجنة البشرية التى وصفها ربنا نحن المسلمين ، فقال :{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا .. }[الحج:5]
ثم خرج إلى الدنيا طفلا ضعيفا ، لو لم ترضعه أمه لمات ، ولو لم تحفظه من البرد والحر لمات ، ثم ظل يتقوى ، كما ذكر النص الرابع .
أيضا كانت تزيل عنه الأذى الذى يتعرض له كأى طفل ، وتنظفه من بوله وغائطه وتغسله .
وكل ذلك محال فى حق الله سبحانه .
وكانت نعمة الله عليه كما يقول النص أيضا ، وكون نعمة الله عليه يناقض ما جاء فى النص الأول من فقر المسيح وأمه ، حتى وضعته فى معلف للدواب .
وهل يوضع الإله فى معلف للدواب ؟؟
والبابا يقول إن لاهوته وناسوته لم يفترقا لحظة .
يعنى كان اللاهوت لا شىء ، ثم تكون فى رحم العذراء ، ثم خرج طفلا ؟؟
هل سمعت الدنيا بإله ينمو ، ويتقوى على لبن امرأة ، ويُحبس فى ظلمة الرحم ويخرج عريانا ... إلخ
ثم يوضع فى معلف الدواب .
والإله هو الذى كان يبكى ويصرخ ويلتقم الثدى ، ويتبول ويتغوط ، لأن اللاهوت والناسوت واحد كما قال البابا ؟؟؟!!!!
لقد اشترطنا عدم العبث بالمسلمات العقلية ، وهذه المسلمات وحدها تصلح ردا على هذا الجنون .
والصحيح أن مريم كان يأتيها الرزق بلا حساب ، من قبل حملها وولادتها بالمسيح
قال تعالى: { كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [آل عمران:37]
فالقرآن يوافق النص الرابع ، ويناقض النص الأول ، كيف تكون النعمة عليه وهو ينام وأمه فى معلف للدواب .
فالله أنعم على المسيح وأمه ، وعلمه الكتب السماوية وعلمه الحكمة ، التصرف الحسن والقول الحسن.
قال عز وجل:{ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ ..}[المائدة:110].
نرجع إلى تفسير البابا ، الذى يؤكد أن اللاهوت والناسوت شىء واحد .
فنقول له ، إله يختتن ، حرام عليك .
وإله يوصف بالذكورة ، إذا كانت الملائكة لا توصف بالذكورة ولا الأنوثة ، لأن هذه الصفات مخصوصة بالتكاثر والتزاوج ، وهل يتزاوج الإله ويتكاثر.
ثم الجزء المقطوع من الإله عند ختانه ، يجب أن يكون هذا الجزء إلها أيضا .
ألستم تقولون المسيح إله لأنه من روح الذات الإلهية ، أى من جنسها .
على هذا، يكون الجزء المقطوع من الإله إله .
وهل الإله ينقص ؟؟ وقد نقص جزء من الإله .
الدليل الثالث: تقديم المسيح تقربا لله ، كما فى النص الثالث ، دلالة على بشريته المحضة ، فلا يقدم الرب قربانا للرب !!
ولا نقدم لله نفسه قربانا له !!
الدليل الثالث : هروب السيدة مريم بابنها المسيح من هيرودس.
أين لاهوت المسيح أيها البابا .
وأنت تقول:" الله ظهر فى الجسد".
لم يظهر فى الجسد شىء يدل على اللاهوت أبدا .
خبر عزم هيرودس على قتل المسيح لم يأتى به لاهوت المسيح .
ألا يعلم لاهوت المسيح بالمؤامرة ، ومن يحمى من ، المسيح الإله يجب أن يحمى نفسه وأمه ، لا العكس .
لكن الحقيقة أنه لا يوجد شيئا اسمه لاهوت المسيح .
وما ذكرناه سلفا من أدلة قرآنية وعقلية وإنجيلية ، يؤيدها أيضا نص من الإنجيل، يقول: " وهو الإله الذى خلق العالم وكل ما فيه . وبما أنه رب السماء والأرض ، فإنه لا يسكن فى معابد من صنع الناس . ولا يخدم بأيدى الناس كما لو كان محتاجا إلى شىء . وهو الذى يعطى الجميع الحياة والنفس وكل شىء آخر "
(أعمال:17-25:24)
نعم لا يجوز أن يكون الله محتاجا لأحد أو شىء ، ولا يسكن فى معابد من صنع الناس وأولى من ذلك لا يسكن فى معلف صنعه الناس للدواب ، وليس للآلهة !!
وهو يعطى الجميع كل شىء .
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر:15]
وقال سبحانه :{ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ } [النحل:53].
ونلتقى قريبا مع الدرس الخامس بإذن الله .
وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
وكتبه
سعيد رمضان على صالح
المفضلات