مصطفى الشكعة.. وترجل الثائر



الاحد 20 جمادى الأولى 1432 الموافق 24 إبريل 2011

الإسلام اليوم

"أبٌ مثالي, وزوجٌ رقيق حنون مع زوجته, ورجلٌ عالمٌ, وصاحب قولة حق يهدف بها إلى رفعة الإسلام, وعَلَمٌ من الأعلام الذين لا يُنسى فضلهم في الجهاد والفكر الإسلامي"؛ إنّه الدكتور مصطفى الشكعة, عضو مجمع البحوث الإسلامية والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، الذي وافته المنية يوم الجمعة 22 أبريل، ورحل عن عالمنا إثر هبوط مفاجئ في الدورة الدموية، عن عمر يناهز 94 عامًا.

وقد نعى الأزهر الشريف برئاسة فضيلة الدكتور أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر، للأمة الإسلامية، الدكتور مصطفى الشكعة, وقال بيان للأزهر إنه يتقدم للأمة الإسلامية بخالص العزاء، ويحتسب عند الله ما قدمه الفقيد في خدمة الإسلام والدعوة الإسلامية. وشدّد د. فرحات المنجي (عضو مجمع البحوث الإسلامية ومستشار شيخ الأزهر السابق)، على أنّ الفقيد كان "رجلاً عالمًا فذًّا امتاز في إسهاماته الفكرية بالوسطية والاعتدال والبساطة، موضحًا أنه كان عفَّ اللسان طوال حياته حتى في خلافاته مع شيخ الأزهر السابق، وأقرانه في العمل والحياة، وكان صاحب براهين قوية لم يسمع عنه أبدًا أنه تجرأ على أحد بالقول أو الفعل رحمه الله رحمةً واسعةً".

كما أصدرت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة "الإيسيسكو"، بيانًا لها تنعي فيه الشكعة, أشاد بجهوده المتميزة في نشر الفكر الإسلامي المستنير، وفى خدمة قضايا الإسلام والمسلمين في المحافل الدولية، وفى التربية والتعليم في رحاب الجامعة لمدة تزيد عن نصف قرن, حيث كان الراحل عضوًا في هيئات علمية كثيرة منها المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، لجنة ترقية الأساتذة بالجامعة المصرية، لجنة جوائز الدولة التشجيعية.

ويعد كتابه "إسلام بلا مذاهب" من أهم إنجازاته الفكرية، ويُعد مرجعًا هامًا للأمة، لأنّه وضع الأسس لتجاوز الخلاف المذهبي في الإسلام، وركّز على الوحدة الإسلامية الفكرية، فلا يوجد سوى إسلام واحد، والاختلافات بين المذاهب في الفروع فقط، وهو كتاب مهم في هذا التوقيت الذي يريد أعداء الإسلام إشعال الفتن ببلاد المسلمين، وكتابات الشكعة ساهمت في مشروع الإسلام الحضاري، وتعتبر إثراء للمكتبة الإسلامية. ومن كتبه أيضًا "رحلة الشعر من الأموية إلى العباسية"، "الشعر والشعراء في العصر العباسي"، "مناهج التأليف عند العلماء العرب"، وغيرها من المؤلفات.

رحلة عطاء

ولد الشكعة في أغسطس 1917، في قرية محلة مرحوم، المجاورة لمدينة طنطا بمحافظة الغربية، وتعلَّم في مدارسها الابتدائية، وحين تُوفي والده انتقل للإقامة مع أخيه الأكبر الذي كان موظفًا في القاهرة، ثم التحق بكلية الآداب جامعة القاهرة.

كان الدكتور مصطفى الشكعة طالبًا في كلية الآداب يتلقى العلم على كثير من هؤلاء المستشرقين والدكتور طه حسين، لكن كان مصطفى الشكعة يُعارض كل رأي لا يرضاه، ولذلك فإنه تصدى لبعض الآراء التي كان الدكتور طه حسين يلقيها في محاضراته، منها موقفه من مصطفى صادق الرافعي في ذلك الوقت.

ويُذكر للدكتور مصطفى الشكعة فضل إدخاله تدريس اللغة العربية في كثير من الجامعات الأمريكية - أثناء إقامته في الولايات المتحدة - والإسهام في تطوير الجامعات المصرية منذ سنـة 1959م، ومراجعة مقررات اللغة العربية والتربية الإسلامية في مدارس دولة الإمارات العربية المتحدة، وكتابة بعض المواد العلمية في دوائر المعارف الإسلامية.

نال جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1989 وله عديد من المؤلفات في شتى العلوم والمعارف الإسلامية أشهرها "إسلام بلا مذاهب" الذي طُبع أكثر من ثلاثين طبعة، قال عنه الشكعة "أشير في هذا الكتاب إلى أنه حينما نزلت الرسالة السماوية على قلب النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان هناك إسلام واحد هو الإسلام الذي يشترط الإيمان بالله واليوم الآخر والكتب والأنبياء، الإسلام الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر والذي فرض علينا التعلم والعمل".

يحكي عن نفسه

يحكي الشكعة عن نفسه بعد تخرجه قائلاً: "تخرجت في أول العشرينات من العمر، ثم عملت لأربع سنوات مُعلمًا؛ هروباً من الجامعة ووظيفة باحث، براتب ضعيف، فانخرطت كمعلم في وزارة التربية والتعليم، وقد عملت معلمًا لسنتين من الأربعة في الخارج، كانت إحداهما في لبنان، والأخرى باليمن، وفيها كنت معلمًا في كلية المعلمين؛ ونشأت بيني وبين الإمام عبد الله بن الوزير صلة، فاستدعاني إلى مكتبه أنا وزملائي المصريين، وأصدر قرارًا بتعييني مديرًا للإذاعة، ثم أضيف إليها الدعاية، ثم أضيف إليها وظيفة أمين عام لمجلس الوزراء، ثم وظيفة مدير مكتب الإمام؛ فإذ بي وأنا في العشرينات من عمري وجدت نفسي أحكم اليمن، فكل شيء يُضاف علي".

عاد الشاب مصطفى الشكعة ليكمل مسيرته العلمية في مصر فحصل على الدكتوراه في الآداب عام 1954 ثم عمل مدرسًا بكلية الآداب، جامعة عين شمس ، عام 1956. ثم عين عميدًا لها، ثم انتدب للعمل مستشارا ثقافيًا بواشنطن (1960 ـ 1965) .

رجل رباني

وأوضح د. حسام الدين مصطفى الشكعة، نجل الفقيد رحمه الله، أنّ د. الشكعة كان مع أسرته أبًا مثاليًّا يتسم بالحنان في كل مواقفه؛ حيث رعانا وتفقدنا في صغرنا وفي كبرنا، وكان شديد الحرص على مصلحتنا ومستقبلنا، وكان يقوِّم أخطاءنا بالرحمة والإقناع والمزاح الجميل، وكان يحثني- رحمه الله- أنا وإخوتي على صلة الرحم والارتباط ببعضنا في الصغر والكبر، وخاصة بعد زواجنا.

وأشار إلى أنّه رحمه الله كان مثال الزوج الرقيق والحنون مع زوجته؛ حيث كانت مواقفه في جميع أحواله تتمتع بالعطف والحنان واللطف والهدوء، وكان يشعر بمن حوله، ويتفقد أحوالهم ويفرح في أفراحهم ويواسيهم في أطراحهم وأحزانهم، وعلّمني وإخوتي تقديم الصدقات للفقراء والمساكين في الأعياد والمناسبات، وكان يقول لنا لا تنسوا إخوانكم الفقراء في أعيادكم؛ فالأعياد خُلقت لكي نفرح جميعًا، ومن يفرح وحده لا يقتدي بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم.

وأكّد أنّ الفقيد كان يلجأ إلى الله تعالى في كل أزماته وشدائده ويبسطها ويقول: "من توكل على الله فهو حسبه، ومن لا يثق برحمة الله لا يستحق عفوه"، وكان متفائلاً دائمًا لا تفارق البسمة وجهه؛ حيث تعرض لحادث سيارة في السبعينيات، وأصيبت أعضاؤه بكسور شديدة أدت إلى بقائه في المستشفى زمنًا طويلاً، إلا أنه كان مؤمنًا واثقًا مسرورًا بقدر الله ويقول: "الله يحبني فابتلاني".