السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

لقد بشر الله سبحانه وتعالى عبادة المسلمين الموحدين بذلك الجزاء العظيم بعد انتهاء دار الاختبار الدنيا والانتقال الى دار الجزاء الاخرة :
وانتبه العارفون بالله تعالى إلى مقامها الرفيع فحجبهم الشوق إليها عن جميع المطالب مهما سمت ،فهذا إبراهيم عليه السلام يغتنم خلّته مع الله عز وجل ليطلبها " واجعلني من ورثة جنة النعيم " سورة الشعراء85 ،وهذه زوج فرعون تعرف الحقيقة فلا تستزيد من حظوظ الدنيا وإنما ترنو إلى مستقرّ في الجنة : " وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة "سورة التحريم 11
لما خلق الله عز وجل الجنات يوم خلقها وفضل بعضها على بعض، جعلها سبع جنات، دار الخلد، ودار السلام، وجنة عدن، وهي قصبة الجنة، وهي مشرفة على الجنان كلها، وهي دار الرحمن تبارك وتعالى، ليس كمثله شيء ، ولا يشبه شيء، ولباب جنات عدن مصراعان: من زمرد وزبرجد من نور، كما بين المشرق والمغرب، وجنة المأوى، وجنة الخلد، وجنة الفردوس، وجنة النعيم، سبع جنات خلقها الله عز وجل من النور كلها، مدائنها وقصورها، وبيوتها وشُرَفِها، وأبوابها ودرجها، وأعلاها وأسفلها، وآنيتها وحليِّها، وجميع أصناف ما فيها من الثمار المتدلية، والأنهار المطرزة بألوان الأشربة، والخيام المشرفة، والأشجار الناضرة بألوان الفاكهة، والرياحين العبقة، والأزهار الزاهرة، والمنازل البهية.

لقد ذكر لنا الله سبحانه وتعالى الجنة.. ترغيباً فيها .. وبين لنا بعضاً من نعيمها وأخفى عنا بعضاً, زيادة في الترغيب والتشويق. لذلك فإن نعيم الجنة مهما وصف, لا تدركه العقول لأن فيها من الخير مالا يخطر على بال ولا يعرفه أحد بحال.
هي دار الخلود والبقاء.. لا فيها بأس ولا شقاء ولا أحزان ولا بكاء.. لا تنقضي لذاتها ولا تنتهي مسراتها




صفة أهل الجنـة
يدخلها أهل الجنة، جردا مردا مكحلين، أبناء ثلاثين، أو ثلاث وثلاثين، عليهم التيجان، وإن أدنى لؤلؤة منها لتضيء ما بين المشرق والمغرب، ولو أن ما يقل ظفر مما في الجنة بدا، لتزخرفت له ما بين خوافق السماوات والأرض، ولو أن رجلا من أهل الجنة اطلع فبدا سواره، لطمس ضوؤُه ضوءَ الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم.

وإذا فتحت الجنة أبوابها دخلت أول زمرة على صورة القمر ليلة البدر، والذين يلونهم كأشد كوكب دري في السماء إضاءة، قلوبهم على قلب واحد، لا اختلاف بينهم ولا تباغض، يسبحون الله بكرة وعشيا، لا يسقمون فيها ولا يموتون، ولا ينزفون، ولا يبولون، ولا يتغوطون، ولا يمنون، ولا يمتخطون، ولا يتفلون، آنيتهم من الذهب والفضة، وأمشاطهم الذهب، ومجامرهم الألوّة، ورشحهم المسك، أزواجهم الحور العين، أخلاقهم على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم، ستون ذراعاً في السماء، وبجمال يوسف، وقلب أيوب، وعُمْر عيسى، وخُلُق محمد، عليهم جميعاً الصلاة والسلام.



الجنة نور يتلألأ، وريحانة تهتز، وقصر مشيد، ونهر مطرد، وفاكهة كثيرة نضيجة، وزوجة حسناء جميلة، وحلل كثيرة، ومقام أبد في حبرة ونضرة، في دور عالية سليمة بهية. من دخلها ينعم لا يبأس، ويخلد لا يموت، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه.
وهي دار جعلها الله تعالى مقرا لأحبابه، وملأها من رحمته وكرامته ورضوانه، ووصف نعيمها بالفوز العظيم، وملكها بالملك الكبير، وأودعها جميع الخير بحذافيره، وطهرها من كل عيب وآفة ونقص.

فإن سألت عن أرضها وتربتها فهي المسك والزعفران. وإن سألت عن سقفها فهو عرش الرحمن. وإن سألت عن بلاطها فهو المسك الأذفر. وإن سألت عن حصبائها فهو اللؤلؤ والجوهر. وإن سألت عن بنائها فلبنة من فضة ولبنة من ذهب. وإن سألت عن أشجارها فما فيها من شجرة إلا وساقها من ذهب وفضة، لا من الحطب والخشب. وإن سألت عن ثمرها فأمثال القلال، ألين من الزبد، وأحلى من العسل. وإن سألت عن ورقها فأحسن ما يكون من رقائق الحلل.

وإن سألت عن أنهارها فأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى. وإن سألت عن طعامهم ففاكهة مما يتخيرون، ولحم طير مما يشتهون. وإن سألت عن شرابهم فالتسنيم والزنجبيل والكافور. وإن سألت عن آنيتهم فآنية الذهب والفضة، في صفاء القوارير. وإن سألت عن سعة أبوابها فبين المصراعين مسيرة أربعين من الأعوام، وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام.

وإن سألت عن تصفيق الرياح لأشجارها فإنها تنعم بالطرب لمن يسمعها. وإن سألت عن ظلها ففي ظل الشجرة الواحدة يسير الراكب المجد السريع مائة عام لا يقطعها. وإن سألت عن سعتها فأدنى أهلها يسير في ملكه وسرره وقصوره وبساتينه مسيرة ألفي عام. وإن سألت عن خيامها وقبابها فالخيمة الواحدة من درة مجوفة، طولها ستون ميلا. وإن سألت عن علاليها وجوسقها فهي غرف من فوقها غرف مبنية، تجري من تحتها الأنهار. وإن سألت عن ارتفاعها فانظر إلى الكوكب الطالع أو الغارب في الأفق، الذي لا تكاد تناله الأبصار.

وإن سألت عن لباس أهلها فهو الحرير والذهب. وإن سألت عن فرشها فبطائنها من إستبرق، مفروشة في أعلى الرتب. وإن سألت عن أرائكها فهي الأسرة عليها البشخانات، مزررة بأزرار الذهب. وأحلى منه سماع الملائكة والنبيين، وأحلى منهما خطاب رب العالمين.
وإن سألت عن مطاياهم التي يتزاورون عليها فنجائب مما شاء الله، تسير بهم حيث شاءوا. وإن سألت عن حليهم وشارتهم فأساور الذهب واللؤلؤ، وعلى رؤوسهم ملابس التيجان. وإن سألت عن غلمانهم فولدان مخلدون، كأنهم لؤلؤ مكنون.
أرضها بيضاء، وقد أحاط به المسك مثل كثبان الرمل، فيها أنهار مطردة، فيجتمع فيها أهلها، أدناهم وآخرهم، فيتعارفون، فيبعث الله ريح الرحمة، فتهيج عليهم ريح المسك، وإنها لتُشم من مسيرة مائة عام،

أصحاب الجنة هم المؤمنون الموحدون، فكل من أشرك بالله أو كفر به، أو كذب بأصل من أصول الإيمان فإنه يحرم من الجنان، ويكون في النيران.



اهل الجنة

أبو بكر الصديق
عمر بن الخطاب
عثمان بن عفان
علي بن أبي طالب
الزبير بن العوام
سعيد بن زيد
أبو عبيده بن الجراح
عبد الرحمن بن عوف
عكاشة بن محصن
حنظلة بن أبي عامر
بلال بن رباح
زيد بن حارثة
جعفر بن أبي طالب
حمزة بن عبد المطلب
سعد بن معاذ
عبد الله بن رواحة
عبد الله بن حرام
طلحة بن عبيد الله
سعد بن أبي وقاص

سيدات نساء الجنة

مريم ابنة عمران
آسية بنت مزاحم امرأة فرعون
فاطمة بنت محمد


"وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132)وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133 ال عمران)





إن المتحابين في الله في الدنيا هم في الجنة على عمود من ياقوتة حمراء، في رأس العمود سبعون ألف غرفة، يشرفون على أهل الجنة، إذا اطلع أحدهم ملأ حسنه بيوت أهل الجنة نورا، كما تملأ الشمس بيوت أهل الدنيا، فيقول أهل الجنة: اخرجوا بنا ننظر إلى المتحابين في الله، فيخرجون، فينظرون في وجوههم مثل القمر ليلة البدر، عليهم ثياب خضر، مكتوب في جباههم بالنور: هؤلاء المتحابون في الله.
وتقول الملائكة: أما وعزة ربنا وجلاله ما ضحكنا منذ خلقنا إلا معكم، ولا هزلنا إلا معكم، فهنيئا لكم، هنيئا بكرامة ربكم، فلما ودعونا وانصرفوا عنا دخلنا قصورنا، فليس أحد منا إلا وقد وجد الله عز وجل قد جمع له في قصره أمنيته التي تمنى، وإذا على كل قصر منها باب يفضي إلى واد أفيح من أودية الجنة، محفوفة تلك الأودية بجبال من الكافور الأبيض.
وكذلك جبال الجنة، وهي معادن الجوهر والياقوت والفضة، فارعة أفواهها في بطون تلك الأودية، في بطن كل واحد منها أربع جنان: جنتان ذواتا أفنان، فيهما عينان تجريان، فيهما من كل فاكهة زوجان، وجنتان مدهامتان، فيهما عينان نضاختان، وفيهما فاكهة ونخل ورمان، وحور مقصورات في الخيام، لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان، كأنهن الياقوت والمرجان.
فيتبوؤن تلك المنازل، ويستقر قرارهم ،
ويقول الله عز وجل : وبلَغ الوعد الذي وَعدتُ لكم، فتمنوا، فإن لكل إنسان منكم ما تمنى، فيتمنون، فيُعطي كل واحد منهم ما تمنى، ثم يزيدهم تبارك وتعالى من فضله وكرمه ما لم تبلغ إليه أمانيهم.

طيور الجنة، كأمثال البخت، ترعى في شجر الجنة، أعناقها كأعناق الجزر، وإنها لناعمة، تنظر إلى أحدها فيخر بين يديك مشويا، ويقول لك: يا ولي الله، أمّا أنا فقد رعيتُ في واد كذا وكذا، وأكلتُ من ثمار كذا وكذا، وشربتُ من ماء عين كذا وكذا، وسني كذا، وريحي كذا، فكل مني، فإذا اشتهيتَ حسن الطير واشتهيتَ صفته، ووقع في نفسك، وقع الطائر على ما تريد، قبل أن تتكلم، نصفه قديدا ونصفه شواء، متفلقا نضجا.
وتشتهي طيرا آخر، فيجيء مثل البختي، وكلما شبعتَ ألق الله عليك ألف باب من الشهوة في الأكل. ثم تؤتى بالشراب، على برد الكافور، وطعم الزنجبيل، وريح المسك، فتشرب، فإذا شربتَ هضمت ما أكلت من الطعام، وإنك لتأكل مقدار أربعين عاما.

" نعيم أهل الجنة وكسوتهم ليس عن دفع ألم اعتراهم، فليس أكلهم عن جوع، ولا شربهم عن ظمأ، ولا تطيبهم عن نتن، وإنما هي لذات متوالية، ونعم متتابعة " التذكرة للقرطبي:ص 475، وانظر فتح الباري :(6/325) .


يخدم أهل الجنة ولدان ينشئهم الله لخدمتهم، يكونون في غاية الجمال والكمال،قال ابن كثير رحمه الله تعالى: " يطوف على أهل الجنة للخدمة ولدان من ولدان أهل الجنة ( مخلدون ) أي : على حالة واحدة مخلدون عليها، لا يتغيرون عنها، لا تزيد أعمارهم عن تلك السن، ومن فسرهم بأنهم مخرصون، في آذانهم الأقرطة، فإنما عبر عن المعنى، لأن الصغير هو الذي يليق له ذلك دون الكبير. وقوله تعالى: ( إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤاً منثورا ) [الإنسان: 19]، أي إذا رأيتهم في انتشارهم في قضاء حوائج السادة وكثرتهم وصباحة وجوههم وحسن ألوانهم وثيابهم وحليهم، حسبتهم لؤلواً منثوراً، ولا يكون في التشبيه أحسن من هذا ، ولا في المنظر أحسن من اللؤلؤ المنثور على المكان الحسن".تفسير ابن كثير: 7/183 .

الحور العين بوشح الكرامة متزينات، بالمسك متزملات، حدق أعينهن كاحلات، وأطرافهن خاشعات، وفروقهن مكللة بالدر، مركبة بالياقوت، ينادين بأصوات غنجة رخيمة لذيذة، يقلن: نحن الخالدات فلا نموت أبدا، ونحن الغانجات فلا نبأس أبدا، ونحن المقيمات فلا نظعن أبدا، ونحن الراضيات فلا نسخط أبدا، ونحن الحور الحسان، أزواج أقوام كرام، ونحن الأبكار السوام، للعباد المؤمنين، طوبى لمن كان لنا وكنا له.

أنشأهن الله إنشاءً، فجعلهن أبكارا، عاشقات لأزواجهن، مستويات في الأسنان، حسان جمال، كأمثال اللؤلؤ المكنون، كأنهن الياقوت والمرجان، مشيها هرولة، ونغمتها شهية بهية، فائقة وامقة، لزوجها عاشقة، وعليه محبوسة، وعن غيره محجوبة، قاصرة الطرف عن الرجال، فلا تنظر إلى غير زوجها. لم يطمثها إنس قبله ولا جان، كلما أصابها زوجها وجدها عذراء، عليها سبعون حلة، مختلفة الوُشِيِّ والألوان



والسرر ارتفاعه خمسمائة عام، والسرير من ياقوت أحمر، منسوج بقضبان الذهب، مشتبكة بالدر والياقوت والزبرجد، له جناحان من زمرد أخضر. وعلى السرير سبعون فراشا، حشوها النور، وظواهرها السندس، وبطائنها من إستبرق، ولو دُلِّيَ أعلاها فراشا ما وصل إلى آخرها مقدار أربعين عاما.
وعلى السرير أريكة من لؤلؤة، عليها سبعون سترا من نور، وذلك قوله عز وجل: (هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون)؛ أي في ظلال الأشجار على الأرائك متكئون على السرر. وبينما أنت معانقها، لا تمل منك ولا تمل منها، والمعانقة أربعين عاما، ترفع رأسك، فإذا أنتَ بأخرى متطلعة تناديك: يا ولي الله، أما لنا فيك من دَوْلَة؟ فتقول: حبيبتي من أنتِ؟ فتقول: أنا من اللواتي قال الله فيهن (ولدينا مزيد)، فإذا رفعتَ رأسك رأيتَ نورا ساطعا في دارك، فتعجب، فتقول: سبحان الله! أملك كريم زارنا؟ أم ربنا أشرف علينا؟ فيقول الملك وهو على كرسي من نور، وبينه وبين الملك سبعون عاما، والملك في حجبته في الملائكة: لم يزرك ملك، ولم يشرف عليك ربك عز وجل، فتقول: ما هذا النور؟.
فيقول الملك: إنها زوجتك الدنيوية، وهي معك في الجنة، وإنها اطلعتْ عليك فرأتك معانقا لهذه فتبسمتْ، فهذا النور الساطع الذي تراه في دارك هو نور ثناياها
فإذا لقيتَها وجدتَّها تضعف عن هذه الأخرى بمائة ألف جزء من النور، لأن هذه صامت وصلت وعبدتِ الله عز وجل، فهي إذا دخلتِ الجنة أفضل من نساء الجنة،
لأن أولئك أُنبِتن نباتا
تشم من كفها رائحة طيب الجنة، وعليها سبعون حلة من نور، لو نُشِرَ الرداء منها لأضاء ما بين المشرق والمغرب، خلقتْ من نور، والحلل أرق من نسج العنكبوت، وهو أخف عليها من النقش،
فالمؤمنات يتفوقن على الحور العين في الجمال، ويتفوقن عليهن في الحسن، ويتفوقن عليهن في الأخلاق، ويتفوقن عليهن في حسن التبعل للأزواج، ويتفوقن عليهن في كلمات العشق والحب والغرام، ويتفوقن عليهن في جمال الصوت، وحلاوة النغمات، ويتفوقن عليهن في النور والضياء، ويتفوقن عليهن في الحلل والأساور، والتيجان والكساء، ويتفوقن عليهن في الولدان والوصائف، بل إن الحوراء العيناء خادمة للمؤمنات، وحبيبها وزوجها أشد شغلاً بها من الحوراء.

"
قال العلماء : ليس في الجنة ليل ونهار ، وإنما هم في نور دائم أبداً ، وإنما يعرفون مقدار الليل بإرخاء الحجب وإغلاق الأبواب ، ويعرفون مقدار النهار برفع الحجب وفتح الأبواب " ذكره أبو الفرج بن الجوزي . التذكرة للقرطبي : ص504 .



ثم يوحي الله سبحانه إلى حملة العرش، فيوضع بين ظهراني الجنة، وبينه وبينهم الحجب؛ فيكون أول ما يسمعون منه أن يقول: أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني، وصدقوا رسلي واتبعوا أمري؟ فسلوني، فهذا يوم المزيد، فيجتمعون على كلمة واحدة: رب رضينا عنك فارض عنا، فيرجع الله تعالى في قولهم: يا أهل الجنة، إني لو لم أرض عنكم لما أسكنتُكم جنتي، فسلوني، فهذا يوم المزيد، فيجتمعون على كلمة واحدة: رب وجهك أرنا ننظر إليه فيكشف الله تبارك وتعالى تلك الحجب، ويتجلى لهم،
فيبرز لهم عرشه، ويتبدى لهم في روضة من رياض الجنة، فتوضع لهم منابر من نور، ومنابر من لؤلؤ، ومنابر من ياقوت، ومنابر من زبرجد، ومنابر من ذهب، ومنابر من فضة، ويجلس أدناهم، وما فيهم دني، على كثبان المسك والكافور، وما يرون أن أصحاب الكراسي بأفضل منهم مجلسا، فيرون ربهم، لا يمارون في رؤيته، ولا يبقى في ذلك المجلس رجل إلا حاضره الله محاضرة، حتى يقول للرجل منهم: يا فلان بن فلان، أتذكر يوم قلتَ كذا وكذا؟ فيُذَكر ببعض غدراته في الدنيا، فيقول: يا رب، أفلم تغفر لي؟ فيقول: بلى، فسعة مغفرتي بلغت بك منزلتك هذه.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله لمّا خلق الله الجنة والنار، أرسل جبريل إلى الجنة فقال: انظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها، فنظر فيها، فماذا رأى؟ رأى النعيم المقيم، فرجع إلى الله عز وجل فقال: وعزتك لا يَسمع بها أحد إلا دخلها؛ لِما فيها من النعيم المقيم، فأَمر بها وفي رواية فأُمر بها فحُفَّت بالمكاره، فقال: اذهب إليها فانظر إليها وإلى ما أعددتُ لأهلها فيها، فنظر إليها فإذا هي قد حفت بالمكاره، فقال: وعزتك لقد خشيت ألا يدخلها أحد، فقال: اذهب فانظر إلى النار وإلى ما أعددتُ لأهلها فيها، فنظر إليها فإذا هي يركب بعضها بعضا، فرجع فقال: وعزتك لا يدخلها أحد، لمّا رأى ما فيها من العذاب وأصناف العذاب قال: وعزتك لا يدخلها أحد، فأُمر بها فحُفّت بالشهوات فقال: ارجع إليها فانظر إليها، فنظر إليها فإذا هي قد حُفَّت بالشهوات فرجع وقال: وعزتك لقد خشيتُ ألا ينجو منها أحد إلا دخلها.الحديث رواه النسائي والترمذي وقال الألباني:حسن صحيح.

بعد أن يدخل الله أهل الجنة الجنة ينادون خصومهم من الكفار أهل النار
مبكتين ومؤنبين لقد كان الكفار في الدنيا يخاصمون المؤمنين، ويسخرون منهم، ويهزؤون بهم، وفي ذلك اليوم ينتصر المؤمنون، فإذا بهم وهم في النعيم المقيم، ينظرون إلى المجرمين، فيسخرون منهم، ويهزؤون بهم، (إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ (26) وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28)إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ انقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ (32) وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ (33) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ(34) عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ (35) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36){المطففين}
ويتذكر المؤمن في جنات النعيم ذلك القرين أو الصديق الذي كان يزين له الكفر في الدنيا، وكان يدعوه إلى تلك المبادئ الضالة وتلك العقائد الفاسده التي تجعله في صف الكافرين أعداء الله ، فيحدّث إخوانه عن ذلك القرين، ويدعوهم للنظر إليه في مقره الذي يعذب فيه، فعندما يرى ما يعاينه من العذاب – يعلم مدى نعمة الله عليه ، وكيف خلصه من حاله



إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آَمِنِينَ (46) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47) لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ (48) نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (سورة الانعام 50)



شجرة طوبى
وهي شجرة في الجنة، تشبه شجرة بالشام تُدعى الجوزة، تَنْبُتُ على ساق واحد، وينفرش أعلاها، عظم أصلها لو ارتحلت جذعة من الإبل ما أحاطت بأصلها حتى تنكسر ترقوتها هرما، ولو يسير الراكب في ظلها مائة عام لم يقطعها. بطحاؤها ياقوت أحمر، وزمرد أخضر، وترابها مسك أبيض، ووحلها عنبر أشهب، وكثبانها كافور أصفر، وبسرها زمرد أخضر، وثمرها حلل صفر، وسقيها وصمغها زنجبيل وعسل، وعبقها زعفران مبهج، وورقها برود أخضر، وزهرها رياض صفر، وأقتابها سندس وإستبرق، وحشيشها زعفران، والألنجوج يتأجج من غير وقود، يتفجر من أصلها أنهار السلسبيل والمعين والرحيق، وظلها مجالس أهل الجنة، مكان يألفونه، ومتحدث يجمعهم.

ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها، وما من أحد يدخل الجنة إلا انْطُلِقَ به إلى طوبى، فتَفتح له أكمامها، فيأخذ من أي ذلك شاء : إن شاء أبيض، وإن شاء أحمر، وإن شاء أخضر، وإن شاء أصفر، وإن شاء أسود، مثل شقائق النعمان، وأرق وأحسن .
وبينما المؤمنون ذات يوم يتحدثون في ظل شجرة طوبى إذ جاءتهم الملائكة بنجائب مزمومة بسلاسل من ذهب، كأن وجوهها المصابيح نضارة وحسنا، وبرها خز أحمر، وعبقري أبيض، مختلطان، الحمرة بالبياض، والبياض بالحمرة، لم ينظر الناظرون إلى مثله حسنا وبهاء، ذللا من غير محنة، نجب من غير رياضة، رحالها من الياقوت الأخضر، ملبسة بالعبقري والأرجوان، ولجمها ذهب، وكسوتها سندس وإستبرق، فأناخوا إليهم تلك الرواحل، وحيوهم بالسلام من عند الرب السلام، وقالوا لهم: أجيبوا ربكم جل جلاله، فإنه يستزيركم فزوروه، وليسلم عليكم وتسلموا عليه، وينظر إليكم وتنظروا إليه، ويكلمكم وتكلموه، ويحييكم وتحيوه، ويزيدكم من فضله، فإنه ذو الرحمة الواسعة، وذو فضل عظيم.