مقال أخر لأستاذنا الفاضل الدكتور إبراهيم عوض, حفظه الله. المقال يتكلم عن شبهه لا تصدر إلا عن حثالة من حثالات البشر ( أقرب منهم للقردة و الخنازير ). أترككم مع الشبهه الغبية و الرد الماتع لها.

قرأت بأُخَرَة فى موقع "إسلام أون لاين.نت" مقالا للأستاذ محمد الحمروني بعنوان "باحث تونسي يزعم: الاسم الحقيقي لمحمد ‘قُثَم‘!"جاء فيه ما يلى: "لم يستبعد الباحث والمفكر التونسي الدكتور هشام جعيط في كتابه الأخير "تاريخية الدعوة المحمدية في مكة" أن تكون بعض العبارات والآيات زيدت في النص القرآني عند تدوينه، واعتبر أن التأثيرات المسيحية على القرآن لا يمكن إنكارها. وعن محمد صلى الله عليه وسلم قال إنه ولد في حدود سنة 580م، وإنه كان يُدْعَى "قُثَم" قبل بعثته، وتزوج وهو في الثالثة والعشرين وبُعِث في الثلاثين، وإنه لم يكن أبدا أميّا. وفي ندوة عُقِدت في تونس نهاية الأسبوع الماضي وعرض فيها لكتابه شدّد الكاتب على أن ما توصل إليه من نتائج هو ثمرة "عشرات السنوات من البحث والدراسة وفق مناهج علمية صارمة"، وأنه إذ ينشرها فلأنه على يقين بأن ما يورده من "حقائق ينشر لأول مرة". غير أن باحثا تونسيا أشار في معرض تعقيبه على الكتاب إلى أن الرؤى التي يطرحها سبق أن طرح معظمها مستشرق ألماني في القرن الـ19 الميلادى". ويمضى الكاتب قائلا إن جعيط قد أكد أن اسم والد النبى عليه الصلاة والسلام لم يكن "عبد الله"، بل الأرجح، حسب زعمه، أنه صلى الله عليه وسلم هو الذى أطلق عليه هذا الاسم. أما عن اسم النبى ذاته فنراه يدعى أنه لم يكن "محمدا" فى البداية، مستشهدا في ذلك بأن القرآن لم يسمّه باسم "محمد" إلا في السور المدنية: "محمد رسول الله والذين معه" (الفتح)، "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل" (آل عمران). ويزعم الكاتب أن اسم "محمد" هو واحد من التأثيرات المسيحية فى الإسلام، وأنه نُقِل إلى العربية عن السريانية وأنه يعني في تلك اللغة "الأشهر والأمجد"، وأن صيغته الأولى هى "محمدان". أما الاسم الحقيقي للرسول فهو "قُثَم"، وقد سُمِّىَ به لأن أحد أبناء عبد المطلب كان اسمه "قُثَم" ومات على صِغَرٍ فسُمِّىَ النبي على اسم عمه المتوفَّى. كما زعم أن والده لم يكن يُدْعَى: "عبد الله"، بل الأرجح، حسبما ورد فى كلامه، أن النبى صلى الله عليه وسلم هو الذى أطلق عليه هذا الاسم.
كما وجدتُ فى مجلة "كلمة تونس: Kalima Tunisie" المشباكية (العدد 52) كلمة للأمين محمد بعنوان "هشام جعيط يقدّم كتابه الجديد عن السيرة النبويّة" جاء فيها: "احتضن مدرج ابن خلدون بكلية 9 أفريل بتونس يوم 29 نوفمبر 2006م محاضرة قدم فيها الأستاذ هشام جعيط كتابه الجديد عن تاريخ الدعوة النبوية في إطار أبحاث في السيرة النبوية. وهو الجزء الثاني من مشروع ابتدأه بكتاب عن الوحي والنبوّة.
وكانت المحاضرة مناسبة لعرض الجزء الأوّل من كتابه الجديد "تاريخية الدعوة النبويّة في مكة" سيتلوه لقاء آخر يوم 13 ديسمبر لعرض الجزء الثاني عن "تاريخية الدعوة النبويّة في المدينة". ولاحظ المحاضر أنّ بعض الأحداث التي تعرضها كتب السيرة تتناقض مع المنطق التاريخي وذلك للتفاوت بين زمن الأحداث وزمن التداول. واعتبر في هذا السياق أنّ النص القرآني وثيقة يمكن اعتمادها من قبل المؤرخ لمحايثة سيرة الرسول. وقال في هذا الشأن: "نحن محظوظون لوجود هذا النص الذي يمكن أن يلجأ إليه المؤرخ كمصدر تاريخي مهمّ يثبّت الوقائع. لكنّه اعتبر في نفس الوقت أنّ قراءة المؤمن لا زمنيّة وأنّ المؤرّخ مطالب بمقاربة موضوعية. واعتبر أنّه لا قيمة لما يحيل عليه بعض الباحثين من وجود نصوص قرآنية موازية: "المصاحف الضائعة" مثل "مصحف صنعاء" الذي يشتغل على تحقيقه فريق بحث تونسي بإشراف المنصف عبد الجليل وعبد المجيد الشرفي ورجاء بن سلامة. واعتبر أن لا قيمة علمية لذلك وأنّ الدراسات النقدية في هذا الشأن "من باب السخافة"، إذ لم يثبت وجود مسافة زمنية بين النطق بالقرآن وتدوينه كما لم يثبت أنّ القرآن تعرض لتبديل أو تغيير على مستوى نصوصه أثناء تدوينه أو جمعه. كما أشار إلى أنّ منطق القرآن ومعجمه وأسلوبه خاص به ولا يقارن بأيّ نصّ لاحق شعرا أو نثرا. وفي دراسته النقدية لكتب السيرة ذكر أنّ نصوص السيرة الأولى اقتبست منهج التأليف من إنجيل يوحنّا، إذ اطّلع ابن إسحاق على هذا الإنجيل بالسريانية. فالسيرة، حسب تعبيره، هي أناجيل المسلمين، وتقدّم تصوّرا لشخص النبيّ ينتمي بعضه إلى الخيال وإن حافظ على النسق التاريخي العام. وفي سياق آخر اعتبر جعيط أنّ لفظة "محمّد" كنية للرسول وليس اسما وأنّ أصلها سرياني: محمّدان، ورجّح أن يكون اسمه التاريخي "قُثَم"، فوالده كان يسمّى: أبو قثم. ولكنّ القرآن أضفى عليه لقبا دينيّا هو محمد الذي يتسمّى به العرب. وتساءل جعيط: لماذا محمد؟ ولماذا في ذلك الزمن؟ واعتبر أنّ هذا السؤال أنثروبولوجي. لذلك اختار المقاربة الأنثروبولوجية لينتهي إلى أنّ الرسول كان يتحرك في قلب الثقافة القديمة، وبحسّ سياسيّ متميّز. لم يكن فيه عالة على قبيلته بني هاشم، الذين كانوا فرعا خاملا وكان دورهم هامشيّا ضخّم منه كتّاب السير في العصر العباسي. وقد حافظ الرسول على الكثير من الطقوس والأعراف القديمة مع تغيير معناها. وفي آخر محاضرته نبّه هشام جعيط إلى أنّه يتعامل مع نصوص إخبارية ضمن منطق علميّ تاريخي موضوعي وأنّه حسب قوله ليس ‘مع الإسلاميين أو العلمانيين ولا مع التقاة أو الكفّار‘".
وأهم ما يلفت النظر فى هذا الكلام المجعَّط الممخَّط هو دعوى المنهجية العلمية الصارمة. وأرجو أن يتنبه القارئ إلى هذه الدعوى، فهى ليست "المنهجية" فقط، ولا "المنهجية العلمية" فحسب، بل "المنهجية العلمية الصارمة" بتعطيش الجيم وتغليظ الصاد من فضلك إلى أقصى مدى. بل إنه ليزعم أنه أنفق فى الوصول إلى هذه النتائج عشرات السنين. يا ساتر، استر! ولا أدرى ماذا كان يفعل أثناء تلك السنين التى تعد بالعشرات، إذ إن السطو على آراء المستشرقين وأذنابهم ممن قالوا قبله هذا الكلام واتبعوا ذات "المنهجية العلمية الصارمة" (والمصرومة أيضا، أو المشرومة: لا فرق) لا يمكن أن يستغرق كل هذا الوقت. ولكن ما على الكلام ضريبة، فليقل الرجل ما يريد، وليس عليه من بأس، فهذا عصر الهجوم على الإسلام بكل وسيلة وبكل طريق وبكل كلام وبكل سطو وبكل بجاحة، ومن فاته الهجوم الآن فلربما لا تتاح له الفرصة مرة أخرى.
وسوف نتناول فى هذه الدراسة الدعوى المتعلقة باسم النبى وأبيه دون بقية الدعاوى الأخرى التى سبق أن عالجناها وعالجها غيرنا فى كتب ودراسات كثيرة. ونبدأ أولا بالموضوع الخاص باسم الرسول وهل كان فعلا "قُثَم" كما يقول جعيط، الذى يذكرنى اسمه بــ"زعِيط ومعِيط ونطّاط الحِيط"، فنقول وبالله التوفيق، وخيبة الله على كل تافه فارغ العقل والقلب والضمير يظن أنه بترديد كلام أعداء الدين الذى ينتمى إليه رسميا من شأنه أن يجعل منه شيئا ذا قيمة، وهيهات، اللهم إلا إذا استطاع أن يرى قفاه أو حتى حلمة أذنه، نقول إن كلام جعيط فى الشقشقة بالمنهجية العلمية الصارمة لا يساوى بصلة، حتى لو كانت بصلة مصنّنة. كيف؟ إن هذا السخف الذى يدعى جنابه أنه استنفد منه عشرات السنين، ولا أدرى كيف، اللهم إلا إذا كان قد ضُرِب على أذنيه فى كهف الضياع وفقدان الذاكرة والعقل سنين عددا، هذا السخف قد تكررت إثارته من قبل مرات حتى أصبح ماسخًا مَسَاخَةَ من يقولونه، فضلا عمن يكررونه من أحلاس الاستشراق والتبشير من كل منتفخ تافه فارغ من العلم ومن الكرامة ومن المنهجية على السواء.
وجعيط يعرف جيدا أنه يخرّف، وهو يفعل هذا عن عمد، وغايته إشاعة الاضطراب فى كل شىء حتى يشك المسلم فى كل أمور دينه ولا يطمئن إلى أى منها ويسلم مفاتيح عقله وضميره إلى سادة جعيط المتربصين وراء الستار. وهذه خطة قديمة جرى عليها كثير من المستشرقين والمبشرين وأذنابهم، وقد فضحتُ عددا من هؤلاء وأكاذيبهم فى كتبى، وكل ما قاله جعيط قاله هؤلاء قبله، وهو يقلدهم بأمر منهم لا اتباعا لمنهج علمى صارم ولا يحزنون، وكلهم يقول هذا عن منهجه، مع أن كل ما يكتبون هو كلامٌ بزرميط لا أصل له ولا فصل. والمقصود أن يتولى كِبْرَ التشكيك فى الإسلام وكتابه وسيرة نبيه ناسٌ من بين أَظْهُرنا من بنى جلدتنا. ذلك أنه إذا كان اسم الرسول الأصلى هو "قُثَم"، فلماذا غيّره يا ترى، وهو اسم يدل على الكرم وكثرة العطاء، ومن ثم فهو مدح لا ذم؟ ولماذا لم نسمع أحدا من المشركين فى مكة أو من اليهود والمنافقين فى المدينة أو من المرتدين بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم أو من نصارى العرب أو من الروم أو الفرس يذكر هذا؟ لقد اتهمه المشركون بكل نقيصة فقالوا عنه: ساحر ومجنون وكذاب ويكتتب أساطير الأولين، وحاولوا النيل من قدره بقولهم: لقد كان ينبغى أن ينزل القرآن على رجل من مكة أو الطائف عظيم (أى غنى ذى سلطان وسطوة) لا على محمد، كما كانوا يسمونه على سبيل التنقص بــ"ابن أبى كبشة" إشارةً إلى أحد أجداده الأولين، وكان ينكر عبادة الأصنام ويعيبها ويطعن على أهلها، وكان يكنى: "أبا كبشة"، فشبهوا النبي صلى الله عليه وسلم به على ما ذكره البلاذرى عند ترجمته لعبد الله بن عبد المطلب والد الرسول عليه السلام فى "أنساب الأشراف". وفى المدينة رأينا المنافقين يقولون عن الرسول والمهاجرين من أتباعه المخلصين: سَمِّنْ كلبك يأكلْك! وأشاعوا الإفك على زوجته الشريفة العفيفة الكريمة، وتآمروا على قتله. كما كان اليهود يعترضون على كل شىء فى دينه، حتى لقد كانوا يتهكمون بالصلاة والأذان ويتخذونهما هُزُوًا ولَعِبًا، ويسخرون من دعوة القرآن إلى إقراض الله قرضا حسنا قائلين: "إن الله فقير ونحن أغنياء"، ويجدّفون فى حقه سبحانه واصفين إياه بأن يده مغلولة. بل لقد ذهبوا أبعد من ذلك فقالوا لأهل مكة المشركين إن وثنيتهم خير من التوحيد الذى أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم! فهل تراهم كانوا يسكتون لو أن الرسول غير اسمه من "قُثَم" إلى "محمد" كما يهرف "جعيطنا"، وبخاصة أن من يقولون هذا إنما يرمون إلى الزعم بأنه قد فعله كى يطابق اسمُه الاسمَ المبشَّر به فى الإنجيل؟ بل لماذا لم يذكر هو نفسه أنه يسمَّى أيضا: "قُثَم" إلى جانب تسميته: "محمدا"، على الأقل من باب الاستكثار من الأسماء المدحية، وقد ذكر عن نفسه ألقابا أخرى متعددة كالحاشر والماحى والعاقب وما إلى ذلك؟ صحيح أن هناك رواية تقول بأن "قثم" صفة من الصفات التى كان يتسمى بها عليه السلام، بَيْدَ أنها رواية غير وثيقة، إذ لا وجود لها بين الأحاديث الصحيحة. وحتى لو كانت رواية صحيحة إن الأسماء التى وردت فيها إنما هى ألقاب مدحية عُرِف صلى الله عليه وسلم بها بعد النبوة، بل بعد الهجرة، ولم يُعْرَف بشىء منها قبل أن يبعثه الله رسولا، اللهم إلا لقب "الأمين" على ما هو معروف. وهناك شاعر وصفه عليه السلام بأنه "قُثَم" بهذا المعنى المدحى، أى بأنه معطاء كريم لا بمعنى أن هذا هو اسمه، بدليل أنه ساقه فى سياق صفات مدحية أخرى لا علاقة لها بالتسميات، وهو الصرصرى الشاعر البغدادى الأعمى الذى قتله التتار يوم دخولهم بغداد (عام 656هـ):

يتبع بإذن الله