لطائف وفوائد في الحياة الزوجية

__________

تقديم الشيخ السدحان

أهداف الزواج في الإسلام

من يتولي إدارة مؤسسة الأسرة

انهاء الحياة الزوجية

لماذا جعل الله الطلاق في يد الرجل فقط

رعاية حق الزوجية في الحياة وبعد الممات

الرفق بالمرأة واستجلاب مودتها

التجاوز عن الأخطاء في الحياة ازوجية

العناية بالمشاعر بين الزوجين

ما يباح من الطرب ليلة الزفاف

تحذير الزوجين وغيرهما من الغيبة ونقلها

من طرق معالجة المشكلات الزوجية

وعظ الزوجة والإصلاح بين الزوجات

تعاهد الأهل بالتعليم والتوجيه

تطهير البيوت من المنكرات

الغــــــــيرة

عرض الولي موليته علي الرجل الصالح

الحذر من التعرض لسوء الظن

الإحسان إلي البنات

هدي النبي e في النكاح ومعاشرته أهله



أهداف الزواج في الإسلام

التشريع الإسلامي تشريع حكيم ، وله هدف ومغزي .. فالله تعالي من أسمائه (الحكيم ) لذا يجب أن نعتقد جازمين أنه تعالي حكيم في تشريعه كما هو حكيم في خلقه وصنعه .

فحكم تشريع الزواج تكمن في الأمور التالية :

( أ ) غض البصر من الطرفين : وقد اهتم الاسلام في قرآنه وسنة النبي الكريم صلي الله عليه وسلم بهذا الأمر ، يقول الله تعالي – وهو يأمر الرجال والنساء معاً بغض البصر : - ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ، ويحفظوا فروجهم ، ذلك أزكي لهم ، إن الله خبير بما يصنعون ، وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ) .

والتسائل في مسألة غض البصر يؤدي إلي الانزلاق الخلقي كما هو مشاهد في اكثر مدننا وعواصمنا الاسلامية – وللاسف الشديد .

( ب ) حفظ الفرج : وقد تناولت الآيات التي تقدم ذكرها قريباً الأمر بحفظ الفرج مع الأمر بغض البصر ، ولعل الأول ينتج الثاني بمعني أن غض البصر ينتج حفظ الفرج في الغالب الكثير لأن من تمكنت منه مراقبة الله تعالي فلازم غض بصره خوفاً من الله وحياء منه سوف يحفظ فرجه عما حرمه الله عليه ولا يقع في الفاحشة . وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام قوله : ( العينان تزنيان وزناهما النظر والأذنان تزنيان وزناهما السماع ) .. إلي أن قال : ( الفرج يصدق ذلك أو يكذبه) .

( ج ) الحصول علي النسل الذي هو لبنة في بناء المجتمع وسبب إكثاره أتباع خاتم الأنبياء والمرسلين:

ويزيد الأمر وضوحاً الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه عن عبد الله بن مسعود ، والذي يخاطب فيه الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام شباب المسلمين بذلك الأسلوب الرقيق إلي ما فيه صلاحهم ونجاتهم إذ يقول عليه الصلاة والسلام :

( يا معشر الشباب ! من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحفظ للفرج ، ومن لم يستطع ، فعليه بالصوم ، فإنه له وجاء ) ، وعند البيهقي من حديث أبي أمامة ( تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم ) .

وقد تقدمت بعض المعاني التي يمكن ان تعد من أهداف الزواج كالهدوء وراحة النفس مثلاً .

وقد يخطيء الذين يظنون أن الغرض من الزواج هو الحصول علي اللذة والمتعة كيفما تيسرت ، وليس وراء ذلك غرض آخر ، وهذا التصور الخاطيء قد أوقع كثيراً من الشباب في مهالك خطيرة وسقوط في الخلق والانحطاط ، مما جعل حياة عديد منهم في كثير من البلدان شبيهة بحياة الحيوانات التي ليس عليها قلم التكليف ، بل هم أفضل سبيلاً وأسوأ حالاً .

أعلى

من يتولي إدارة مؤسسة الأسرة

إن الاسلام لم يهمل ادارة هذه المؤسسة وبيان من يرأسها ، أو من أولي الناس لتحمل مسئوليتها ؟ .

والذي يتضح من دراسة الاسلام أن الاختصاصات او الصلاحيات موزعة بين الطرفين ، والواجبات محددة ، ولكل جانب خاص هو مسئول عنه :

للرجال اختصاصات لا تشارك فيها المرأة ولا تقوي علي الاضطلاع بمهمتها وسياستها ، وللمرأة اختصاصات لا يصلح لها الرجل ولا يحسن القيام بها .

فمحاولة أحد الطرفين التدخل في اختصاص الطرف الآخر يعرض المؤسسة للارتباك والاضطراب ويسلمها للفوضي .

فلنستمع إلي بعض الآيات القرآنية ، وهي تنظيم حياة الأسرة ، وتحدد المسئوليات ، فتعطي الرجل القوامة والادارة حيث يقول الله عز وجل :

( الرجال قوامون علي النساء بما فضل الله بعضهم علي بعض ، وبما أنفقوا من أموالهم ، فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله ) .

فالآية صريحة في اعطاء الرجل ادارة المؤسسة والقوامة عليها كما تري ، ولم تهمل الأية بيان السبب ، بل بينت اذ يقول الله عز وجل : ( بما فضل الله بعضهم علي بعض وبما أنفقوا من أموالهم ) ، ثم أنه مما لا نزاع فيه أن أي مؤسسة أو شركة إنما ينتخب لادارتها من لديه دراية وخبرة وقوة علي الادارة ، وعلي الصبر علي العمل ، وحنكة في سياسة طبيعة العمل ، ومؤسسة الأسرة من أهم المؤسسات وأخطرها علي الاطلاق اذ بصلاحها يصلح المجتمع ، وبفسادها يفسد المجتمع ، لانها هي التي تقدم للمجمتع افراداً ، هم لبنات بناء المجتمع ، والبناء انما يكتسب صفاته من مواد البناء قوة وضعفاً .

لهذا كله حمل الاسلام الرجل هذه المهمة ، وهي أمانة ثقيلة لأنه أليق بها ، واقوي علي ادائها والمرأة المنصفة تعترف بذلك .

أعلى

انهاء الحياة الزوجية

تنتهي الحياة الزوجية بأحد فراقين اثنين :

1 – فراق بالموت ، وهو أمر لا يملك كل من الطرفين تقديمه أو تأخيره فلذا نمسك عن الحديث عنه .

2 – فراق بالطلاق وهو محل حديثنا : يعتبر الطلاق في نظر الاسلام مخرجاً مما قد يتفاقم بين الازواج من الخلافات والنزاعات ، وهو بمثابة الكي في حل المشكلات الزوجية والكي اخر العلاج .

حيث يبدأ علاج المشكلات الزوجية علي النحو التالي :

( أ ) الوعظ : الوعظ الذي يتضمن النصح والتوجيه وبيان ما علي الزوجة من حقوق الزوج كما يتعرض لبيان حقوق الزوجة علي الزوج ، ويركز علي بيان ما يترتب علي تضييع حقوق الزوج وعصيانه .

( ب ) الهجران في الفراش : الهجران الذي يجلب لها نوعاً من الوحشة وعدم الأنس ، ويدعو الي التوبة والرجوع الي الطاعة .

( ج ) الضرب شريطة أن يكون ضرب تأديب وتخويف فقط لا ضرب انتقام يجرح الجلد او يكسر العظم .

( د ) جلسة مفاوضات ومناقشة يشترك فيها حكم من أهله وحكم من أهلها واذا لم يجد شيء مما ذكر ، وضاق كل واحد منها نفسا بالحياة الزوجية ، هنا يأتي الطلاق لانفاذ الموقف بإنهاء تلك الحياة التي تحولت جحيماً لا تطاق بعد ان كانت مودة ورحمة وطمأنينة وراحة .

وهذه المراحل التي تسبق الطلاق – وربما تمنع الطلاق – بينتها سورة النساء في الآيتين التاليتين إذ يقول الرب عز من قائل :

( الرجال قوامون علي النساء بما فضل الله بعضهم علي بعض ، وبما أنفقوا من أموالهم ، فالصالحات قانتات حافضات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع ، واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ، إن الله كان عليا كبيراً ) .

( وإن خفتم شقاق بينهما ، فابعثوا حكما من أهله وحكماً من أهلها أن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما إن الله كان عليماً خبيراً ) .

أعلى

لماذا جعل الله الطلاق في يد الرجل فقط

وقد تبين مما تقدم أن مشروعية الطلاق أمر له أهميته في الموضوع ، إذا ثبت أنه العلاج الاخير في المشكلات الزوجية .

وبقي في المقام سؤال له وزنه اذا فهم جوابه حق الفهم ، وهو لماذا جعل الطلاق في يد الرجل فقط ؟؟ !! قبل ان يكون للمرأة فيه دور يذكر الهم الا ما كان من قبل الخلع ، وهو فراق تشترك في المحكمة الشرعية ولا تستقبل به المرأة كما هو معروف .

الجواب علي هذا السؤال أن يقال :

لما كان الرجل هو الغارم الذي عليه المهر وسائر النفقات جعل الطلاق في يده لانه سوف لا يفرط في الحياة الزوجية التي غرم في تأسيسها بل سوف يكون أحرص ما يكون علي بقاء مؤسسة الاسرة متمتعة بالهدوء والراحة كلما وجد الي ذلك سبيلا ، ولو جعل الطلاق في يد المرأة لرأينا الأتي :

راينا رجلاً يؤسس ، ثم يؤثث ، فيحرص علي النتائج المنتظرة من المؤسسة ، ثم رأينا امرأة – ناقصة العقل والتفكير _ تهدم المؤسسة وتبعثر الأثاث لأتفه الاسباب ، لأنها لم تغرم شيئاً عن تأسيس المؤسسة بل ربما رغبت عن هذه المؤسسة لتجرب غيرها .

وفي أعتاقدي أن المرأة المسلمة المنصفة تصدقني فيما ذكرت قبل الرجل نفسه لأن بعض الوقائع من تصرفات بعض النساء تشهد لما قلنا في الوقت الذي ليس في يدها الطلاق ، والله أعلم .

وبعد ، أيها الأخوة المسلمون : فلنمثل إسلامنا بالعمل ما استطعنا الي ذلك سبيلاً ، لا بالقول فقط لان الاسلام دين عمل وتطبيق ، فالمسلم معناه هو الانسان المستسلم المنقاد لأوامر ربه وخالقه والمنفذ لأحكامه .

والقصد الحسن والنية الصادقة والعمل الصالح ومحاولة تطبيق الشريعة هذه المعاني هي محل نظر الرب من عبده إذ يقول رسول الهدي عليه الصلاة والسلام : ( إن الله لا ينظر إلي صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلي قلوبكم وأعمالكم ) .

أيها الأخوة : إن لديكم الفرصة لتعلموا لدينكم وإسلامكم لأن قانون بلدكم يسمح لكم أن تخدموا دينكم بكل حرية فعليكم أن تدركوا أن هذه الحرية نعمة من نعم الله عليكم فعليكم أن تستغلوها بالعمل الجاد لنشر تعاليم إسلامكم !!

والله معكم إن صدقتم في أعمالكم لأنه تعالي مع العاملين الصادقين يوفقهم ويهديهم .

( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ) .

وصلي الله وسلم وبارك علي رسول الهدي محمد وآله وصحبه ..

أعلى

رعاية حق الزوجية في الحياة وبعد الممات

عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( ما عرفت علي أحمد من نساء النبي r ما عرفت عن خديجة وما رأيتها ، وكن كان علي النبي r يكثر ذكرها ، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة ، فربما قلت له :كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة ؟ فيقول : أنهما كانت وكانت ، وكان لي منها ولد ) ( رواه البخاري " 7/ 133" ) .

من فوائد الحديث :

(1) في الحديث بيان ما كان عليه النبي r من كريم الخصال ، وعظيم الصفات ، من حسن العهد ، وحفظ الود ، والحلم ، وحسن المعاشرة ، ورعاية حرمة الصاحب والمعاشر حياً وميتاً ، وإكرام معارف ذلك الصاحب .

(2) وفيه فضل خديجة وعظيم قدرها عند رسول الله rومحبنه لها.

(3) وفيه أن ينبغي للزوج أن يحفظ لزوجه المودة والتقدير حياً وميتاً ، اقتداء برسول اللهr وهو القائل : ( خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي ) .

(4) وفيه ثبوت الغيرة ، وانها مستنكر وقوعها من فاضلات النساء ، فضلاً عمن دونهن ، قال الطبري وغيره من العلماء : ( الغيرة مسامح للنساء فيها ، ولا عقوبة عليهن في تلك الحالة ، لما جلبن عليه منها ) ، ولكني ينبغي أن لا تتجاوز المرأة بغيرتها تلك المحارم الي ما حرم الله عز وجل ، ورسوله r .

(5) فيه أن من أحب أحدا أحب محبوباته ، وما يتعلق به .

(6) فيه تنبيه علي خطأ ما يفعله بعض الناس من أن الواحد منهن إذا تزوج ثانية نسي فضائل الأولي وعشرتها له .

(7) علي الزوجة أن تسعي جاهدة لكسب ود زوجها والتحبب إليه بحسن المعاملة وطيب المعاشرة ، فالمرأة المحبوبة هي التي تعطي الرجل ما نقص من معاني الحياة ، وتلد له المسرات من عواطفها كما تلد من أحشائها ، فالمرأة وحدها هي التي تستطيع ايجاد الجو الانساني لزوجها ، فمن النساء من تدخل الدار فتجعلها روضة ناضرة متروحة باسمة ، مهما كانت مصاعب حياتهما ، ومن النساء من تدخل الدار فتجعلها مثل الصحراء برمالها وقيظها وعواصفها ، ومن النساء من تجعل الدار لزوجها هي القبر !

أعلى

الرفق بالمرأة واستجلاب مودتها

عن عائشة زوج النبي r قالت : دخل الحبشة المسجد يلعبون ، فقال لي : ( يا حميراء ، أتحبين أن تنظري إليهم ؟ ) فقالت : نعم ، فقام بالباب ، وجئته فوضعت ذقني علي عاتقه ، فاسندت وجهي إلي خده ، قالت : ومن قولهم يومئذ أبا القاسم طيباً ، فقال رسول الله r : ( حسبك ) ، فقلت : لا تعجل يا رسول الله ، قالت وما لي حب النظر اليهم ، ولكني أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي ، ومكاني معه ) ( رواه النسائي في عشرة النساء " رقم 65 " ) وصححه الحافظ في الفتح (2/444) وتابعه الشيخ الألباني في آداب الزفاف (ص 272 ) . واصل الحديث في الصحيحين ) .

من فوائد الحديث :

(1) في الحديث بيان أهمية الرفق بالمرأة واستجلاب مودتها .

(2) فيه مشروعية التوسعة علي العيال في أيام الأعياد بأنواع ما يحصل لهم به بسط النفس وترويح البدن ، وذلك ضمن ما أحله الله وأباحه ، حيث أن الواقعة المذكورة كانت في يوم عيد .

(3) فيه أن إظهار السرور في الأعياد من شعار الدين .

(4) فيه بيان ما كان عليه رسول الله r من الرأفة والرحمة وحسن الخلق والمعاشرة بالمعروف مع الأهل والأزواج وغيرهم ، وينبغي للازواج أن يتحلوا بهذه الصفات .

(5) فيه بيان فضل عائشة ، وعظيم قدرها عند النبي r ، ومحبته لها ، ولذلك لما سئل عليه الصلاة والسلام من أحب الناس إليك ؟ قال : ( عائشة ) ( رواه البخاري ومسلم ) .

(6) من دواعي اللطف في المعاملة نداء الشخص باسم يحبه ، أو توقع أنه يحبه وخصوصاً أسماء التدليل ، وذلك في الخطاب والتعامل بين الزوجين ، فذلك من شأنه أن يزيد من مشاعر الود والتقدير ، لذلك فقد نادي رسول الله rعائشة بقوله : ( يا حميراء ) وهذا تصغير
( حمراء ) ويريد البيضاء ، وكان يناديها باسم الترخيم الذي يدل علي التقرب والمودة فربما قال لها :

( يا عائش هذا جبريل يقرئك السلام ) ( متفق عليه ) .

أعلى

التجاوز عن الاخطاء في الحياة ازوجية

عن أم سلمة أنها أتت بطعام في صحفة الي رسول الله ، r ، وأصحابه ، فجائت عاتشة متزودة بكساء ومعها فهر ( حجر ناعم صلب ) ففلقت به الصفحة ، فجمع النبي r بين فلقتي الصفحة ، ويقول : كلوا ، غارت أمكم ، مرتين ، ثم أخذ رسول الله r صفحة عاتشة فبعث بها إلي أم سلمة وأعطي صفحة أم سلمة عائشة ) ( رواه البخاري " 5/124 " ) والنسائي " 7/70 "
واللفظ له ) .

من وفوائد الحديث :

(1) في الحديث بيان حسن خلقه r وإنصافه وحلمه .

(2) حسن تصرفه عليه الصلاة والسلام وحله لهذا الموقف طريقة مقنعة ، معللاً هذا الخطأ من عائشة رضي الله عنها بقوله : ( غارت أمكم ) إعتذار منه r لعائشة ، لألا يحمل صنيعها علي ما يذم ، بل يجري علي عادة الضرائر من الغيرة فإنها مركبة في النفس بحيث لا يقدر علي دفعها .

(3) لم يؤدب النبي r عائشة رضي الله عنها وقد غارت فكسرت الإناء ، لأن أم مسلمة رضي الله عنها هي التي اتبدأت ، حيث بعث للرسولr الطعام وهو في بيت عائشة ، وهذا نوع من التجاوز عليها ، ولذا أقتصر الرسول r علي تغريمها الإناء ، ولم يغرمها الطعام لأنه مهدي ، وفي بعض الروايات أنه r غرمها الطعام أيضاً حيث قال : ( إناء كإناء ، وطعام كطعام ) .

(4) بمثل هذه الحكمة وهذا الحلم يمكن للزوج أن يتجاوز الكثير من العقبات في حياته الزوجية ، فالمطلوب حسن التصرف مع الحكمة ، والحلم وعدم العجلة ، وهنا إيماء للذين وفقهم الله وأنعم عليهم بالتعدد أن ينهجوا منهج رسول الله r في العدل والانصاف وحسن الخلق ، ليتجنبوا ( مخططات ) نسائهم وكيدهن وغيرتهن ، وليسلموا ايضاً من الميل الي واحدة دون الاخري وفي ذلك – أي الميل _ جاء الوعيد الشديد والتهديد الأكيد حيث صح عن رسول الله r أنه قال : ( من كانت له امرأتان فمال إلي إحداهما ، جاء يوم القيامة وشقه مائل ) ( رواه أبو داود والترمزي والنسائي ) .

أعلى

العناية بالمشاعر بين الزوجين

عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال لي رسول الله r : ( أني لأعلم إذا كنت عني راضي ، وإذا كنت علي غضبي ، قالت : قلت : من أين تعرف ذلك ؟ فقال : أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين لا ورب محمد ، وإذا كنت غضبي قلت : لا ورب إبراهيم ، قالت : قلت أجل والله يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك ) . ( رواه البخاري " 9/325 " " 10/497 " ، ومسلم " 2439 " ).

من فوائد الحديث :

(1) اذا استقر الزوجان حال كل منهما ، وعرف كل منهما ما يغضب الاخر وما يرضيه وأسباب كل ذلك ، فقد تمكنا – بإذن الله – من توطيد اسس العلاقة الزوجية والسير بها في الدروب الآمنة ، المفروشة بالورود والرياحين ، وأمكنهما أيضاً تجنب أسرتها مسالك العسر ومواضع الزلل والنكد ، ونلحظ في هذا الحديث دقة عناية الرسول بمشاعر r عاتشة وانطباعاتها حتي صار يعلم رضاها وغضبها من مجرد كلامها وحلفها .

(2) قد يقع بين الزوجين نوع من الاختلاف ، ولكن ينبغي إن وجد هجر بينهما أن لا يكون مجحفاً ، بل بالقدر المشروع ، بحيث لا يتجاوز الكلام وبسط الوجه ، حتي الزوجة الناشز شرع الله – بعد وعظها – هجرها في المضجع والفراش وليس عن المضجع والفراش ، ولقد احسن الشاعر حين قال :

أني لانمحنك الصدود وإنني

قسماً إليك مع الصدود لأميل

(3) اغتفر لعائشة – رضي الله عنها – غضبها علي رسول الله r - إذ لا يجوز لأحد أن يغضب عليه _ لأن ذلك كان بدافع الغيرة ، والغيرة دليل المحبة ، ومع ذلك فإنها لم تبتعد أو تشطط كثيراً في غضبها ، فقد أختارت ذكر إبراهيم – عليه السلام – من بين سائر الأنبياء في قسمها ، حيث قالت : ( ورب إبراهيم ) لأن نبينا r أولي الناس به ، فهي لم تخرج عن التعلق به r في الجملة ، وهكذت ينبغي لكل من الزوجين ، بحيث يكون في غضبه مقارباً غير مجحف .

(4) يقع من بعض المسلمين الحلف بغير الله ، وهذا محرم وهو من الشرك الأصغر حتي ولو كان المحلوف به عظيماً كالنبي r أو الكعبة ونحوها ، قال رسول الله r : ( فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت ) ( متفق عليه ) ، وصح عنه أيضاً : ( من حلف بالأمانة فليس منا ) ( رواه أبو داود وغره ) ، وقال عليه الصلاة والسلام : ( من حلف بغير الله فقد أشرك ) ( رواه الإمام أحمد بسند صحيح ) .

أعلى

ما يباح من الطرب ليلة الزفاف

عن عائشة -رضي الله عنها – أن النبي r قال : ( ما فعلت فلانة ؟ - ليتيمة كانت عندها - فقلت : أهدينا إلي زوجها ، قال : فهل بعثتم معها بجارية تضرب بالدف وتغني ؟ قالت : تقول ماذا ؟ قال : تقول :

أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييكم

ولولا الذهب الأحمر لما حلت بواديكم

ولولا الحبة السوداء ما سمنت عذاريكم

( اخرجه الطبراني في الاوسط ، وله طرق دون البيتين الاخيرين عند ابي ماجة " 1900 " ، والبيهقي " 7/289 " ، وأحمد " 3/391 " ، وحسنة الالباني بمجموع طرقة – انظر وراء الغليل " 1995 " ، وأصل الحديث عند البخاري رحمه الله " 9/255 " ) .

من فوائد الحديث :

* في هذا الحديث دليل علي اباحة ضر الدف ليلة العرس ، ومما يدل علي ذلك قول النبي r : ( فصل ما بين الحلال والحرام : الدف والصوت والنكاح ) ( رواه الترمذي وغيره ) .

وهنا بعض الوقفات حول هذه القضية لأهميتها :

(1) لابد وان يكون المضروب هو الدف ، وهو إطار مستدير يوضع علي احدي جهتيه جلد او نحوه ويكون مفتوحاً من الجهة الاخري ، اما بقية الادوات والالات الموسيقية فلا يجوز استخدامها ، لأنه لم يأت بنص من الشارع بإباحتها فهي باقية علي اصل التحريم في قوله r : ( ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف .. الحديث ) ( وهو حديث صحيح ) ووجه الدلالة منه : أن المعاوف هي ألات اللهو كلها ، لا خلاف بين أهل اللغة في ذلك ، ولو كانت حلالاً لما ذمهم علي استحلالها ، ولما قرن استحلالها باستحلال اخمر والزنا ) ، وأدلة تحريم الغناء ، والالات الموسيقية كثيرة ليس هذا محل بسطها.

(2) يلزم أن يكون الكلام المنشد أو المغني به خالياً من الميوعة والفحش والكلمات المثيرة ، ونحو ذلك ، بل يقتصر علي محاسن الكلام واطايب الاشعار .

(3) أن لا يصل صوت النساء ، أو المنشدات الي الرجال ، فلا تستعمل مكبرات الصوت ونحوها ، ولا يكون مكان النساء قريباً من الرجال في تلك الحال .

(4) أن لا يستغرق ضرب الدف وقتاً طويلاً ، وأن لا يكون سبباً في السهر وفوات صلاة الفجر ، وأن لا تبعثر الأموال بالإنفاق عليه أو علي ضاربات الدف ، كما هو الحال الأغلب في الأعراس. قال الشيخ صالح بن غانم السدلان الاستاذ في كلية الشريعة بالرياض :

( ولا باس بضرب الدف عند النكاح ، إظهار للفرح وإشاعة للسرور ، إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع ، أما الشروط :

أ – أن يكون ضرب الدف ضرباً خفيفاً لا إزعاج فيه .

ب – أن يتولي ذلك النساء لا الرجال ، قال شيخ الاسلام ابن تيمية – رحمه الله - ( ... ولما كان الضرب بالدف والتصفيق بالكق من عمل النساء ، كان السلف يسمون من يفعل ذلك من الرجال المغنيين مخانيثاً ، وهذا مشهور في كلامهم .

ج – أن يكون الضرب بدف لا جلاجل فيه ، ويحرم كل ملهاة سواه ، كمزمار وناي ورباب وعود وطنبور وقانون وكمان وقضيب وبوق ، وكل الالات الموسيقية الحديثة ، الضرب بها وسماعها حرام لدي جمهور أهل العلم .

أما الموانع : فهي انتفاء المفسدة ، وأن لا يختلط الرجال بالنساء .

أما ما تشاهده اليوم من التوسع في ضرب الدفوف وعلانها للناس بمكبرات الصوت ، وقضاء الليل في تلحين الأغاني علي الايقاعات الموسيقية المثيرة ، والاناشيط الهابطة الخليعة فلا يجوز بحال من الاحوال ، وينشأ بسببه مفاسد لا تحمد عقباها .

يقول الحافظ ابن رجب في ( نزهة السماع ) : ( انما كانت دفوفهم نحو الغرابيل ، وانشادهم وغنائهم بأشعار الجاهلية في أيام حروبهم ، وما أشبه ذلك ، فمن قاس ذلك علي سماع الغزل مع الدفوف المصلصلة فقد أخطأ غاية الخطأ ، وقاس مع ظهور الفرق بين الفرع والأصل ) .

ويقول العز بن عبد السلام : ( أما العود والالات المعروفة ذوات الاوتار ، كالربابة والقانون فالمشهور من المذاهب الاربعة أن الضرب به وسماعه حرام ).

وقال بان قدامة في ( المغني ) : ( وأما الضرب - أي الدف – للرجال فمكروه علي كل حال ، انما كان يضرب به النساء ، ففي ضرب الرجال به تشبه بالنساء ، وقد لعن رسول الله r المتشبهين من الرجال بالنساء ) .

ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله : ( والأصل التنزه عن اللعب واللهو ، فيقتصر علي ما ورد فيه النص ، وقتاً وكيفية تقليلاً لمخالفة الأصل ) . أ هـ

أخيراً في مسألة رقص النساء في الأعراس والحفلات ، وأعني الرقص الذي يكون بين النساء فحسب ، دون أن يكون للرجال ، أو الصبيان البالغين اطلاع عليه ، الرقص في هذه الحالة فيه عدة محاذير منها :

(1) أن بعضاً من النساء عندما ترقص تكشف عما لا يجوز كشفه ، وذلك بلبس الملابس الفاضحة ، سواء منها المفتوحة من اسفل او من أعلي أو القصيرة الشفافة أو الضيقة ، فحكم الرقص في هذه الحال محرم والنظر اليه من قبل النساء الاخريات محرم ايضاً ، والدليل علي ذلك ما ثبت في الحديث الصحيح عن ابي سعيد الخدري – رضي الله عنه – أن رسول الله قال : ( لا نظر الرجل إلي عورة الرجل ، ولا المرأة إلي عورة المرأة ، ولا يفضي الرجل إلي الرجل في الثوب الواحد ، ولا تفضي المرأة إلي المرأة في الثوب الواحد ) ( رواه الامام مسلم ) ، قال الامام النووي : ( فيه تحريم نظر الرحل إلي عورة الرجل والمرأة إلي عورة المرأة ، وهذا لا خلاف فيه ... ) .

(2) أن بعض من النساء تقوم بتقليد الراقصات العاهرات من الكافرات وغيرهن في طريقة رقصها ، لتأجيج الشهوات واستثارة الغرائز ، وذلك داخل تحت قوله r : ( من تشهبه بقوم فهو منهم ) ( رواه ابو داود ) ، وهو من التعاون علي الإثم والعدوان وقد قال الله تعالي : ( ولا تعاونا علي الإثم والعدوان ) ( المائدة : 2 ) ، وحكم الرقص النظر اليه في هذه الحالة محرم أيضاً .

(3) زيادة علي ذلك فإن بعض النساء تتعرض للاصابة بالعين حال رقصها وعرض مفاتنها وتثنيها بين النساء ، وذلك لتعلق قلوب بعض النساء بشيء يعجبهن في تلك الحالة وينسين التبريك عليها وذكر الله فيصيبنها بالعين أو النظرة حينئذ ، وقد قال رسول الله r: ( العين حق ، ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين ... ) ( رواه مسلم ) ، وقال رسول الله r : ( أكثر من يموت بعد قضاء الله وقدره بالنفس ) قال الراوي : يعني بالعين ، إذن فالمسلمة في غني عن التعرض لهذه المشكلات ولن تحصل مقابلها إلا قول النساء الاخريات : رقص فلانة حسن ، ورقص علانة سيء !!

هذا علاوة علي احتمال وجود كاميرات التصوير المخفية او الظاهرة ، وهذا فيه من الشرور والمفاسد مالا يعلمه إلا الله ، وتحريم ذلك واضح بين .

فالذي يجدر بالمسلمة العاقلة ، ان تتنزه عن التعرض لهذه المحذورات متذكرة سوء عاقبة التمادي أو التساهل بها .
يتبع