الحمد لله و حده و الصلاة و السلام علي من لا نبي بعده,
ثم اما بعد ,
فمنذ أن التقت جيوش التوحيد _تحمل راية لا إله إلا الله محمد رسول الله_ بجيوش التثليث _ تحمل راية الصليب _ على أرض الشام ، منذ ذلك الوقت والصراع محتدم بين المسلمين والنصارى ولا يزال كذلك حتى ينزل المسيح عليه السلام فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويحكم بالإسلام ، مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم « والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم صلى الله عليه وسلم حكما مقسطا فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد »
وقد مر هذا الصراع بأربع مراحل ذكرها الشيخ محمود شاكر رحمه الله في كتابه "رسالة في الطريق إلى ثقافتنا ، تأليف الشيخ محمود محمد شاكر. نشر مكتبة الخانجي ودار المدني ، 1417 هـ ، ص: 44-46 ، و انصح الجميع بالاطلاع على هذه الرسالة ؛ لأنها تكشف حقيقة الصراع بين المسلمين والنصارى، ولأنها تذكي في المسلم عقيدة الولاء والبراء" :

المرحلة الأولى : صراع الغضب لهزيمة المسيحية في أرض الشام ، ودخول أهلها في الإسلام ، فبالغضب أملت اختراق دار الإسلام لتسترد ما ضاع .

المرحلة الثانية : صراع الغضب المتفجر المتدفق من قلب أوربا مشحونا ببغضاء جاهلة عاتية مكتسحة مدمرة سفاحة للدماء جاءت تريد - هي الأخرى - اختراق دار الإسلام ، وذلك عهد الحروب الصليبية الذي بقي في الشام قرنين ، ثم ارتد خائبا إلى موطنه في قلب أوربا .

المرحلة الثالثة : صراع الغضب المكظوم الذي أورثه اندحار الكتائب الصليبية ، من تحته بغضاء متوهجة عنيفة ، ولكنها مترددة يكبحها اليأس من اختراق دار الإسلام مرة ثالثة بالسلاح والحرب، فارتدعت لكي تبدأ في إصلاح خلل الحياة المسيحية بالاتكاء الشديد الكامل على علوم الإسلام ، ولكي تستعد لإخراج المسيحية من مأزق ضنك موئس .
وهذه المراحل الثلاث كانت ترسف في أغلال القرون الوسطى أغلال الجهل والضياع ولم تصنع هذه المراحل شيئا ذا بال .

لمرحلة الرابعة : صراع الغضب المشتعل بعد فتح القسطنطينية ، يزيده اشتعالا وتوهجا وقود من لهيب البغضاء والحقد الغائر في العظام على الترك (أي المسلمين) ، وهم شبح مخيف مندفع في قلب أوربا ، يلقي ظله على كل شيء ، ويفزع كل كائن ، وإذا كانت المراحل الثلاث الأول لم تصنع للمسيحية شيئا ذا بال ، فصراع الغضب المشتعل بلهيب البغضاء والحقد هو الذي صنع لأوربا كل شيء إلى يومنا هذا ، صنع كل شيء لأنه هو الذي أدى بهم إلى يقظة شاملة قامت على الإصرار وعلى المجاهدة المثابرة على تحصيل العلم وعلى إصلاح خلل الحياة المسيحية ، ولكن لم يكن لها يومئذ من سبيل ولا مدد إلا المدد الكائن في دار الإسلام من العلم الحي عند علماء المسلمين ، العلم المسطر في كتب أهل الإسلام ، فلم يترددوا ، وبالجهاد الخارجي وبالحماسة المتوقدة ، وبالصبر الطويل ؛ انفكت أغلال القرون الوسطى بغتة عن قلب أوربا وانبعثت نهضة العصور الحديثة مستمرة إلى هذا اليوم . من يؤمئذ ، عند أول بدء اليقظة ، تحددت أهداف المسيحية الشمالية ، وتحددت وسائلها ، لم يغب عن أحد منهم قط أنهم في سبيل إعداد أنفسهم لحرب صليبية رابعة.

إنتهي كلام الشيخ رحمه الله..

وبما أن الأمة تمر بالمرحلة الرابعة من مراحل الصراع الذي يعتمد على العلم والدين والعقل واستخدام الأساليب المؤثرة على الأديان والعقول ، فإن من أبرز أساليب هذه المرحلة " التنصير" الذي تدفق العاملون به على أقطار الأمة الإسلامية يبشرونها بالكفر ، ويدعونها إلى الضلال ، ويعدونها الغنى إن هي آمنت بالصليب ، ومن صدق بهذه الوعود الكاذبة فاز بنسخة من الإنجيل المحرف ، وأخذ منه المنصرون كل شيء حتى نفسه ، يقول جاك مندلسون : (حينما تكون صحة الشبان الأفريقين سعيدة ، فإنهم لا يتعبون من ترديد القصة القديمة : إن المبشرين جاءوا إلينا وقالوا : إننا نريد أن نعلمكم العبادة . وقلنا : حسنا إننا نريد أن نتعلم العبادة . وطلب المبشرون منا أن نغلق أعيننا ، وفعلنا ذلك وتعلمنا التعبد ، وحينما فتحنا أعيننا وجدنا الإنجيل في أيدينا ، ووجدنا أراضينا قد اغتصبت )
وهذا التنصير الذي يظهر الشفقة ويظهر الرحمة ، ويقدم الدواء ، ويعلم الصغار القراءة والكتابة لينهلوا من كفر النصارى .ما هو إلا وجه من وجوه الحروب الصليبية ومظهر من مظاهرها يوضح ذلك ما وصف به الأب اليسوعي مييز سياسية فرنسا الدينية في الشرق حينما قال : ( إن الحرب الصليبية التي بدأها مبشرونا في القرن السابع عشر لا تزال مستمرة إلى أيامنا.. ولقد احتفظت فرنسا طويلا بروح الحروب الصليبية وبالحنين إلى تلك الحروب حية في نفسها )

ويقول اليسوعيون في عرض نشاطهم التنصيري : ( ألم نكن نحن ورثة الصليبين ، أو لم نرجع تحت راية الصليب لنستأنف التسرب التبشيري والتمدين المسيحي )

ولقد اجتهد النصارى في فرض نصرانيتهم بالقوة في العالم الإسلامي تحت مظلة الاستعمار حينا ، وتحت مظلة الضغوط الاقتصادية والسياسية حينا آخر يقول القس بيرس بيفر : ( في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين كانت الحضارة الأوربية والسيطرة السياسية والقوة العسكرية تجتاح العالم ، وكانت النصرانية تتسنم غارب هذا المد ، وأصبحت الطريق ممهدة أمام المبشرين ، فانتشرت النصرانية مع اتساع السيطرة الأوربية في العالم ، ولقد قام الاستعمار والسيطرة العسكرية بدورهما في نشر النصرانية) . يرجون من وراء ذلك وقف نمو المد الإسلامي في أرجاء المعمورة ، وأن يكفر المسلمون بربهم { وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً } ، وأن يلحق الموحدون بركب أهل الصليب : { وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ } ، غايتهم من ذلك الصد عن سبيل الله ، وأن تكون سبيل الله عوجا ، كما ذكر الله ذلك عنهم في سورتي هود وإبراهيم.
لهذا ولغيره مما يتجدد في ساحة الأمة الإسلامية من حملات تنصيرية نصرانية غاشمة حاقدة أقلقها صمود الإسلام وصمود المسلمين أمام جهودهم التنصيرية الهائلة التي لم تجن إلا أقل القليل مما كانت تطمح إليه - رأيت لزاما علينا أن ندون تذكرة مختصرة توضح أهداف المنصرين وبعض وسائلهم التي ينفذون من خلالها إلى الأمة الإسلامية ...
اسأل الله ان يثبتنا و إياكم علي الدين الحق حتي نلقاه و ان يحفظ امة لا اله الا الله انه و لي ذلك و القادر عليه..
بسم الله نبدأ..