النص التالي الذي سنذكره ، هو نص من أخطر النصوص التي يعتمد عليه اللاهوتيون في إثبات عقيدة ألوهية المسيح وكذلك عقيدة تجسد الإله .
نأخذ مثالاً على ذلك :
الأنبا شنوده في كتابه لاهوت المسيح قرر أن يعطي الفصل الثالث عنواناً يدل على أهمية الأعداد التي سيوردها فقد كتب له عنوان (( آيات صريحه تدل على لاهوته ) ، أي آيات صريحة تدل على ألوهية المسيح ومن بين النصوص التي أوردها يقول )) وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ، تَبَرَّرَ فِي الرُّوحِ، تَرَاءَى لِمَلاَئِكَةٍ، كُرِزَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، أُومِنَ بِهِ فِي الْعَالَمِ، رُفِعَ فِي الْمَجْدِ (( ثم أعقب البابا شنودة هذا النص بقوله ( وواضح من هذه الآية أن المسيح هو الله الذي ظهر في الجسد ) .
القس منيس عبد النور عندما أراد أن يكتب مقدمة لكتاب حقيقة التجسد لم يجد نصاً يستند عليه لإثبات التجسد إلا هذا النص فيقول في مقدمة الكتاب بل إنه اتخذ من هذا النص عنواناً لهذه المقدمة يقول:
سر عظيم
" عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد " ( 1 تيموثاوس 16:3 )
السر في العهد الجديد هو حق إلهي ، كان مختفياً مكتوماً عن البشر ، فأعلنه الله لهم ....... وقد أختار الأستاذ / ثروت عزيز سر أسرار الفداء ، وهو أن الله ظهر في الجسد )
والقمص مرقس عزيز يستشهد بهذا النص أكثر من مرة في محاولة يائسة لإثبات ألوهية المسيح
وبنفس النص يستشهد مهرّج قناة الحياة القس الأرثوذكسي زكريا بطرس في كتابه ( المسيح ابن الله ) فيقول : ( فالسيد المسيح إذاً هو إنسان بشري كامل قد حلّ أو ظهر فيه اللاهوت وهذا ما عبر عنه الكتاب المقدس بقوله " عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد "

يتضح مما سبق مدى أهمية هذا النص من الناحية اللاهوتية فهو الدعامة الأساسية في إثبات سر أسرار الفداء كما يقولون .
ولكن الفاجعة لهم هي أن هذا النص هو نص محرّف , ولقد أدرك هذه الحقيقة اللجنة التي وضعت الترجمة العربية المشتركة والمكونة من علماء كتابيين ولاهوتيين ينتمون إلى مختلف الكنائس المسيحية من كاثوليكية وأرثوذكسية وإنجيلية ، فبعد تحقيق المخطوطات والنصوص لمدة عشرين عاماً اكتشفوا أن هذا النص محرّف ، ليست هذه اللجنة فقط هي التي شهدت بتحريف هذا النص ولكن الآباء اليسوعيين أيضاً عندما أخرجوا نسختهم الكاثوليكية شهدوا بتحريفها ، فتعالوا بنا نقارن هذا النص بين بعض الترجمات العربية الشهيرة

الترجمة العربية المشتركة
ولا خِلافَ أنَّ سِرَّ التَّقوى عَظيمٌ الّذي ظهَرَ في الجَسَدِ وتَبَرَّرَ في الرُّوحِ، شاهدَتْهُ المَلائِكَةُ، كانَ بِشارَةً للأُمَمِ، آمَنَ بِه العالَمُ ورفَعَهُ الله في المَجدِ )).

ترجمة الآباء اليسوعيين

ومن المسلم أنه عظيم سر التقوى الذي تجلى في الجسد ، وتبرر بالروح ورؤي من الملائكة وبشر به في الأمم وأٌومن به في العالم وارتفع في المجد

ترجمة فان دايك

وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ، تَبَرَّرَ فِي الرُّوحِ، تَرَاءَى لِمَلاَئِكَةٍ، كُرِزَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، أُومِنَ بِهِ فِي الْعَالَمِ، رُفِعَ فِي الْمَجْدِ.


قد يبدو لأول وهلة أن الفرق بين الصيغ الترجمات الثلاثة غير مهم ، ولكن من الناحية اللاهوتية الفرق كبير فإذا قلنا بحسب ترجمة فان دايك " الله ظهر في الجسد " قد يعني أن الله سبحانه وتعالى قد تجسد ، أما بحسب النص الآخر " عظيم هو سر التقوى الذي ظهر في الجسد " يكون سر التقوى هو الذي ظهر في الجسد وليس الله ، وطبعاً الفارق كبير جداً .
وحتى ترجمة فان دايك عندما أصدرتها دار الكتاب المقدس بالشواهد وضعت في الهامش السفلي هذه العبارة "ق الذي" وهذه العبارة معناها أن هناك (قراءة) أخرى في المخطوطات جاءت فيها هذه الكلمة "الذي" بدلاً من "الله"
والسؤال هو أي المخطوطات هي المخطوطات الصحيحة ؟

هل التي كٌتب فيها " الذي ظهر في الجسد " أم التي كٌتب بها " الله ظهر في الجسد " ؟

تأتي الإجابة في كتاب علم اللاهوت النظامي ، وحتى نعرف قيمة شهادة هذا الكتاب نورد رأي الدكتور القس منيس عبد النور عن هذا الكتاب ـ وللعلم فإن القس منيس عبد النور هو الذي قام بمراجعة هذا الكتاب ونقحه وأضاف إليه ـ يقول القس في مقدمة المُراجع : (( يسرني أن أقدم للقاريء العربي هذا الكتاب الثمين ، الذي كُتب في سبعينيات القرن التاسع عشر ، وهو مرجع لا يستغني عنه رجل دين ولا طالب لاهوت ولا محب لدراسة العقيدة المسيحية )) .
والآن ننقل كلام كتاب علم اللاهوت النظامي : (( والجملة التي تبدأ بكلمة " الذي " والتي تنتهي بنهاية الآية هي جزء من ترنيمة قديمة عن المسيح اشتهرت في الكنيسة في العصر الرسولي . ومما يرجح صحة قراءة " الذي " عدم ذكر اللاهوتيين القدماء هذه الآية مع الآيات الكثيرة التي أوردوها ليثبتوا لاهوت المسيح وهم يردون على ضلالات أريوس أما سبب تبديل كلمة(الذي) بكلمة (الله) في النسخ اليونانية الحديثة فهو ما بين اسم الجلالة ( حيث كٌتبيت على صورتها المختصرة بحرفين فقط ) وكلمة الذي من المشابهة في صورة كتابتها ، فليس بينهما فرق إلا في خط صغير يقرب من النقطة التي تفرق بين الجيم والحاء والعين والغين في الكتابة العربية . والراجح أن النساخ زادوا ذلك الخط الصغير ليوضحوا المعنى في بعض النسخ ، فتحولت كلمة " الذي " إلى " الله " ثم شاع استعماله له في كل نسخ القرون المتوسطة خلافاً للنسخ القديمة التي لم يٌر فيها إلا كلمة " الذي " ))


الشاهد من كلام كتاب علم اللاهوت النظامي أن الكلمة كانت في الأصل "الذي" حرّفها النساخ إلى " الله"

وحتى نفهم هذا الكلام أرى أن نوضحه بشكل عملي من خلال صورة من المخطوطة الفاتيكانية التي حرّفها النساخ حيث نجد أن الناسخ المحرّف حاول أن يضع بداخل الحرف Ο خطاً لكي يصير Θ ولكن لأن القلم مختلف وحجم القلم أيضاً ، فقد فشل أن يُخرج عملية التحريف بشكل مقنع وظلّت المخطوطة باقية شاهدة على التحريف المتعمد !!

ومما يؤكد أن النص الصحيح هو الذي وليس الله ـ ΟС وليس ΘС ـ هو أن المخطوطات القديمة الأخرى كتبتها ΟС ،

فالمخطوطات التي جاءت فيها عبارة "الذي" ΟС هي :

سينائية ـ أسكندرية ـ أفريمية ـ الأثيوبية ـ F ـ G ـ 33 ـ 365 ـ 1175 ـ 2127

وإليك صورة للنص كما جاء في المخطوطة السينائية ولم يوجد بها كلمة ΘС بل ΟС


أما آباء الكنيسة الذين استشهدوا بهذا النص على أنه "الذي " وليس "الله" فهم :

أوريجانوس ـ ديدموس ـ إبيفانيوس ـ ثيودور ـ كيرلس الأورشليمي ـ جيروم .

وبعض المخطوطات جاءت العبارة ὁ فقط وهذه المخطوطات هي D601 وبعض المخطوطات اللاتينية القديمة .

أما آباء الكنيسة الذين اقتبسوا النص بهذه الصيغه ο فهم :

فيكتورينوس الروماني ـ القديس هيلاري ـ سيفريان ـ أنكيرا ـ بيلاجيوس ـ أغسطينوس ـ فاريماديوم

و معظم علماء المخطوطات رجحوا قراءة الذي بدل الله ووضعوها في قراءاتهم الشهيرة منهم : جرسباخ ـ لاتشمان ـ تشندروف ـ ألفورد ـ وردث ورث ـ ترجلز ـ وستكوت و هورت ـ نستل ألاند ...

المصدر : كتاب تحريف مخطوطات الكتاب المقدس..