ترجمة خطابات متبادلة بين المودودى ويهودية أسلمت ..(مريم جميلة)

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات


مـواقـع شـقــيـقـة
شبكة الفرقان الإسلامية شبكة سبيل الإسلام شبكة كلمة سواء الدعوية منتديات حراس العقيدة
البشارة الإسلامية منتديات طريق الإيمان منتدى التوحيد مكتبة المهتدون
موقع الشيخ احمد ديدات تليفزيون الحقيقة شبكة برسوميات شبكة المسيح كلمة الله
غرفة الحوار الإسلامي المسيحي مكافح الشبهات شبكة الحقيقة الإسلامية موقع بشارة المسيح
شبكة البهائية فى الميزان شبكة الأحمدية فى الميزان مركز براهين شبكة ضد الإلحاد

يرجى عدم تناول موضوعات سياسية حتى لا تتعرض العضوية للحظر

 

       

         

 

 

 

    

 

ترجمة خطابات متبادلة بين المودودى ويهودية أسلمت ..(مريم جميلة)

صفحة 1 من 3 1 2 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 22

الموضوع: ترجمة خطابات متبادلة بين المودودى ويهودية أسلمت ..(مريم جميلة)

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    115
    آخر نشاط
    12-12-2007
    على الساعة
    02:36 AM

    افتراضي ترجمة خطابات متبادلة بين المودودى ويهودية أسلمت ..(مريم جميلة)

    مقدمة المترجم


    سأقوم بترجمة خطابات متبادلة بين يهودية أسلمت "مريم جميلة" ، ومولانا ابو الأعلى المودودى ، وذلك أثناء تحولها للإسلام ، وقد وجدت فى هذه الخطابات ثروة فكرية عن الدين الإسلامى وتفاعله قديما وحديثا مع البشرية ، فأردت ألا أحرم الناطقين باللغة العربية من هذه الثروة . وسأنشر هذه المراسلات واحدة واحدة والرد عليها ، وهى تبلغ 24 خطابا .

    مقدمة مريم جميلة



    فورا بعد أن بدأت فى دراسة مطولة ومركزة (وذلك فى سن 19 سنة) عن الأدب الإسلامى المتاحة صوتيا باللغة الإنجليزية ، وذلك للحصول على معلومات دقيقة فى المقام الأول ، ماذا يعنى لى شخصيا أن أكون مسلمة ، وكذلك للحصول على تفاصيل أكثر لما يدور حاليا بالبلدان الإسلامية بأكثر مما يذكر فى الصحف والمجلات ، ولذلك بدأت فى التراسل مع درزينة من الشباب فى الدول العربية وفى باكستان . ولم أستمر فى مراسلة كثير من هؤلاء أصدقاء القلم طويلا ، لأنى ضجرت منهم بسرعة وبمرارة لطريقة معيشتهم الغربية ولا مبالاتهم بل عداوتهم للإيمان بالإسلام وثقافته ، فى بعض الأحيان ، مع أفكارهم الطفولية . وفى النهاية قررت التخاطب مع قادة المسلمين البالغين والمؤثرين ، خصوصا من بين العلماء . وبنهاية عام 1960 تبادلت الخطابات مع "د. فاضل جمالى" مندوب العراق السابق بالأمم المتحدة ، و "د. محمود حب الله" رئيس المركز الإسلامى بواشنجتون ، والمرحوم "الشيخ محمد بشير الإبراهيمى" كبير علماء الجزائر ، والأب الروحى لصراع التحرير من السيطرة الفرنسية الإستعمارية ، و "د. محمد البابى" من الأزهر الشريف ، و "د. حميد الله" بباريس ، و "د. معروف الدواليبى" الخبير فى الشريعة الإسلامية ، وأستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة دمشق ورئيس الوزراء السابق بسوريا ، و "د. سعيد رمضان" رئيس المركز الإسلامى بجنيف ، وقد حاولت جهدى الإتصال بالشهيد "سيد قطب" وقد كان ينفذ فى ذلك الوقت حكما طويلا بالسجن فى مصر .
    وبالرغم من نشاطات المرحوم الشيخ "حسن البنا" وجماعة الإخوان المسلمين فقد حظوا بحظ وافر "بالطبع بصفة إنتقاصية" ، فى صحافة نيويورك ، إلا أن مولانا المودودى والجماعة الإسلامية لم يسترعوا الإنتباه من العلماء الأمريكيين والصحافة الأمريكية . وتقريبا لعقد من الزمان ، كنت نهمة فى قراءة كل الكتب والنشرات عن الإسلام باللغة الإنجليزية التى أجدها ، ولكنى لم أقرأ شيئا عن مولانا المودودى ولا أعرف عنه شئ ولا عن الجماعة الإسلامية ، حتى عرفت بهم عن طريق "مظهر الدين صديقى" فى مقالته "الإسلام الطريق المستقيم" (والتى نشرت فى صحف نيويورك بواسطة Kenneth Morgan, Roland Press, 1958) . وبمحض الصدفة وجدت مقالة ممتازة منشورة فى "الملخص الإسلامى The Muslim Digest" بدوربان ، بنفس عنوان المقال السابق ، وفى نفس هذه اللحظة كنت متلهفة لمراسلة محرر المجلة لمعرفة عنوان المودودى .
    سطرت خطابى الأول وأنا لا أتوقع أكثر من رد مختصر لتبادل العواطف المشتركة للأفكار المتبادلة . وبذلك لم أكن أتوقع أن تكون هذه المراسلات سيكون لها تأثير على الفترة الأكثر حسما فى تاريخ حياتى .
    لم يكن مولانا المودودى فى حاجة لحثى على تبنى الإسلام ، حيث أنى كنت فعلا على أبواب التحول إليه ، وربما أتخذ الخطوة النهائية حتى قبل أن تكتمل معرفتى به . وكذلك فلم يمارس مولانا المودودى أى ضغط على للدخول فى الإسلام ، فقد كنت أكتب مقالات دفاعا عن الإسلام وذلك قبل سنة من تعارفنا وتبادل الرسائل ، كما أن المفاهيم الأساسية للإسلام تبلورت فى ذهنى بحزم قبل تخاطبنا المشترك . على الرغم من ذلك ، فنتيجة لهذه المراسلات ، فقد اكتسبت زيادة واسعة فى المعلومات مما أثر على كتاباتى وأثر ذلك على عمقها ونضجها .
    ولقارئ هذه المراسلات أن يرجعها إلى مناخها التاريخى ، ففى أمريكا ، كان "جون كيندى" هو رئيس الولايات المتحدة ، وقد وصلت الولايات المتحدة إلى مستوى لم يسبق له مثيل من القوة السياسية والرخاء الإقتصادى . وقد بدأت "الحرب الباردة" بين روسيا أيام "خورشوف" فى الإضمحلال . وكان الرئيس فى باكستان هو "أيوب خان" الذى كان يحكم بلا منافسة ، ولكى يدعم ديكتاتوريته ، فقد فرض الأحكام العرفية ، ومنع كل الأحزاب بما فى ذلك الجماعة الإسلامية . وحتى فإن العلماء الأتقياء لم يتجاسروا على انتقاد السلطة العليا وتطبيقها للقوانين العائلية الغير إسلامية ، ضد رغبة الغالبية العظمى من الشعب .
    وبعد ثلاث سنوات ونصف من المعاناة النفسية الغير مثمرة ، وسنتان من العلاج بالمستشفى ، فقد كنت أتحول من فترة طويلة من المراهقة الحزينة المليئة بالوحدة والإحباط ، وقد كنت أبحث عن نفسى ومكانى الصحيح فى هذه الحياة . فقد كان من رحمة الله سبحانه وتعالى ورأفته بعباده ، أن أعطانى فى هذه الفترة "مولانا أبو الأعلى المودودى" ، وأعطانى الفرصة لحياة مفيدة وغنية وأرضية مثمرة التى يمكنى أن أبنى عليها حياتى وأنميها وأنجزها إلى الأفضل .




    مريم جميلة


    جماد الثانى 14 / 1389
    أغسطس 28 / 1969



    الخطاب (الأول)

    نيويورك فى ديسمبر 1960
    عزيزى مولانا المودودى
    مقالتك الرائعة "الحياة بعد الموت" والتى ظهرت فى عدد فبراير 1960 من مجلة "ملخص المسلم" التى تصدر بدوربان جنوب إفريقيا ، كانت إلى حد بعيد الأفضل والأكثر إقناعا من كل ما سبق لى أن قرأت . وفى أول ما قرأت عنك ، فى نشرة "مظهر الدين صديقى" عن "الإسلام الطريق المستقيم" (والمحررة بواسطة كينث مورجان ، مطابع رونالد بنيويورك 1958) عن المسلمين بباكستان ، بالرغم من أن المؤلف كان يمثل التحرر وقد وصفك بأمور انتقاصية ، ولكنى فورا شعرت بالتعاطف مع ما تتطرحه .
    خلال السنة الماضية ، أردت أن أكرس نفسى للصراع ضد الفلسفة العلمانية المادية ، والقومية التي ما زالَت منتشرة جدا في العالمِ اليوم وتهدد لَيس فقط بقاءَ الإسلامِ لكن الجنس البشري بالكامل . وبهذا الهدف فى وجدانى ، فقد سبق لى أن حررت عدة مقالات ، نشرت ستة منها فى "ملخص المسلم The Muslim Digest" وكذلك فى "الدورية الإسلامية للعمل، بانجلترا The Islamic Review of Working" . المقالة الأولى لى كان عنوانها "نقد الإسلام فى التاريخ الحديث A Critique of Islam in Modern History" كتبت بواسطة البروفسور "وليفرد كانتويل سميث" مدير المعهد الإسلامى بجامعة "ماك جيل" بمونتريال ، ويدحض المقال نقطة بنقطة حججه بأن العلمانية والتغريب يتفقان مع الإسلام ، وأن الإصلاحات التى قام بها "كمال أتاتورك" فى تركيا تعطى مثالا جيدا للبلاد الإسلامية الأخرى لتطبقه . ومقالتى الثانية بعنوان "القومية وخطورتها على التكافل الإسلامى" تبين كيف أن المفهوم الحديث للقومية لا يتفق ويتعارض مع مفهوم الأمة العالمية والأخوة فى الإسلام . ومقالتى الثالثة ، التى ظهرت فى عدد يونيو 1960 من "الدورية الإسلامية The Islamic Review" وكذلك فى عدد أغسطس من "ملخص المسلم The Muslim Digest" وهذه المقالة تفند ما ذكره "آصف أ. فيظى" (وكيل جامعة كشمير) ، من مناقشات عن تغريب الإسلام وتحديثه "وتحريره" إلى الدرجة التى يصبح فيها لا شئ ، ولكنه مفرغ من قيمه الأخلاقية ولا تأثير له فى تشكيل المجتمع وثقافته . كما حررت عدة مقالات أخرى تدحض كلام عالم الإجتماع التركى "ضياء جوكالب" الذى حاول أن يخدع قراؤه ليؤمنوا بالقومية واعلمانية ، وأنها متوافقة مع الإسلام (كمال أتاتورك استقى إلهاماته مباشرة منه) ؛ السير "السيد أحمد خان" الذى اتخذ إلهه ، العلم والفلسفة الأوروبية ، "على عبد الرازق" الذى نشر كتابه "الإسلام ومبادئ الحكم" بعد سقوط الخلافة الإسلامية ، حاول أن يظهر بأن الخلافة لم تكن أبدا مرتبطة بالإسلام وبذلك يجب الفصل بين الدين والسياسة . الرئيس "الحبيب بورقيبة" ، الذى هاجم فى العام الماضى الصيام فى شهر رمضان ، واعتبره من المعوقات للنمو الإقتصادى فى تونس ، "د. طه حسين" بمصر والمؤلف لكتاب "مستقبل الثقافة فى مصر" ، يردد بأن مصر هى جزء من أوروبا ، ولهذا يجب العمل على التغريب الشامل والعلمانية بصفتهما من الضروريات . كل هؤلائكم المحسبون على الإسلام ، أخطر بكثير من الأعداء الخارجيين لأنهم يهاجمون الإسلام من جذوره . وبنشر مقالاتى أردت أن أبصر قرائى من المسلمين لهذه الحقيقة .
    العلمانية المعاصرة والقومية والمادية ، هم من نتاج فلاسفة الثورة الفرنسية ، أمثال "روسو" و "مونتسكو" و"وفولتير" وآخرين من أمثالهم يحبونهم . التعصب والكراهية للدين هى المسئولة عن معتقداتهم بأن الإنسان يستطيع أن يحقق الخلاص والتقدم بدون إله . الوهم بأن الإنسان مستقل عن الله وأنه لا توجد حياة أخرى ، أدى إلى الإعتقاد بأن التقدم الغير مقيد فى الحياة ، هو الهدف الأسمى للجنس البشرى . بدون هذا الجو المعادى للدين ، مثل هذه المذاهب ، كالماركسية ، والفاشية ، والنازية ، والنفعية (كما أصلها جون ديو) والصهيونية (التى تسببت فى المأساة الفلسطينية) ، بسبب هذا الجو ، لم تكن هذه المذاهب لتتجذر . وأنا أخطط لمقالة أخرى عن هذا المفهوم بتفاصيل أكثر .
    ربما تتسأل من أكون ؟؟؟ أنا امرأة أمريكية ، أبلغ من العمر 26 عاما ، وقد أصبحت أهتم كثيرا بالإسلام وبأنه هو فقط المنقذ للبشرية حتى أنى أفكر فى اعتناقه .
    مشكلتى الكبرى ، أنى لا أجد حولى بنيويورك حيث أعيش أحد من المسلمين وأشعر بالوحدة القاتلة . لذلك حينما رأيت مقالتك فى "ملخص المسلم The Muslim Digest" سارعت بالكتابة للمحرر طلبا فى عنوانك ، أملا فى أن تراسلنى . أرجو أن تزودنى بعينات من بعض مقالاتك ، وبالأخص إحدى نشراتك التى كتبتها منذ عدة سنوات بعنوان "منهجية الثورة الإسلامية" . وبما أننا نحمل نفس الأهداف ونعمل لنفس النهايات لأعمالنا ، أرجو أن أسعد بالإتصال بك ومحاولة مساعدتك فى تطلعاتك .
    المتقدمة لك بوافر الإحترام
    مارجريت مارقس

    الخطاب (الثانى)

    لاهور ، يناير 21، 1961

    العزيزة الأنسة مارقوس
    السلام عليكم
    وصل خطابك المؤرخ فى 5 ديسمبر 1960 ، لى وقد كنت قد غادرت للعربية السعودية بناء على دعوة لى من الملك "ابن سعود" . فقد كان الملك يرغب فى تأسيس جامعة إسلامية فى المدينة ، ودعانى للإعداد لمخطط لها . ولهذا فقد بقيت بالخارج حوالى شهر . وعند عودتى تسلمت خطابك والتسخ الثلاثة لمقالاتك . ولا أستطيع أن أبين مدى السعادة التى غمرتنى بقراءة خطابك والمرفقات .
    وقد تعمدت فى بداية خطابى أن أحييك بالتحية التى هى للمسلمين فقط "السلام عليكم" ، والسبب فى ذلك أنه بالرغم من أنك ما زلت تفكرين فى اعتناق الإسلام ، فأنا متأكد بأنك فعلا مسلمة . الشخص الذى يؤمن بواحدانية الله وبأن محمد رسول الله الخاتم ويؤمن بأن القرآن هو كلمة الله ويؤمن بالآخرة ، هو فى الواقع مسلم أصيل سواء ولد فى بيت يهودى أو نصراني أو بيتا من عبدة الأصنام . أفكارك تحمل الشهادة على حقيقة أنك تعتقدين بالأمور أعلاه . وبناء على ذلك ، فأنا أعتبرك مسلمة وأخت لى فى الإيمان . لا تعميد ولا طقوس أمام كاهن مطلوب للدخول فى الإسلام . إذا كنت مقتنعة بحقيقة الإسلام ، فأنت لست فى حاجة أكثر من تأكدى بجدية "ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله" ، ومن ثم تغيرى اسمك لبعض الأسماء الإسلامية ( مثلا .. عائشة أو فاطمة) وتعلنى علنا باسمك الجديد وبديانتك الجديدة ، وذلك حتى يعلم العالم الإسلامى الكبير بأنك أصبحت عضوا فى الأخوة الإسلامية العظيمة . ومن ثم تبدأين فى أداء الصلوات الخمس المفروضة يوميا وتتبعين تعاليم الإسلام الأخرى بثبات . أجدك تماما على عتبة الإسلام وخطوة واحدة قوية ستلحقك بقطار المؤمنين به . أعتقد أن هذه الخطوة الأخيرة طبيعية ومنطقية وهى ذروة أفكارك التى تتبنيها .
    لقد طلبت من مساعدى أن يبعثوا لك بعض النشرات وتلك التى طلبتيها . كما أنى أبعث لك ببعض الكتب التى حررتها . وهذا بالرغم من الحقيقة بأنه لم يسبق لنا التعارف . هذه العاطفة والتوافق فى الأفكار المتبادل ، هما نتيجة مباشرة لأننا نننهل من نفس المصدر .
    هؤلاء المسلمون المغتربون الذين يفتقدون للروح الإسلامية هم نتاج الإستعمار الغربى فى البلاد الإسلامية . الضربة الكبيرة من الإستعمار ، لم تكن فى السياسة أو الإقتصاد بل فى الروح والعقل . لقد فرخ هذا الإستعمار عقولا مستعبدة له من بين ظهرانينا ، هذه الأرواح حتى بعد استقلالنا السياسى ، ما زالت خاضعة للغرب وتسير على خطى أسيادهم السابقين بإخلاص . ومن هذا المنطلق ، أجد أن حربنا للإستقلال لم تنتهى بعد وما زال أمامنا حرب طويلة ضد هؤلاء المواطنين الأجانب .
    والآن ، لا أستطيع أن أخفى حيرتى اللطيفة فى أمر واحد . كيف بالضبط لبنت أمريكية أن تصل إلى هذا المفهوم الواضح والأصيل عن الإسلام ؟؟؟ وهل تستطيعى أن تكتبى لى فى وقت ما ، قصة قصيرة عن تطوراتك الفكرية وترسليها لى ؟؟؟ أنا أقدر شعورك بالوحدة وفقدانك لمجتمع إسلامى ، وبالطبع هذه هى معاناة المسلم الذى يعيش فى بلد غير إسلامى ، ولكن ما يعطيك بعض التعزية ، أن أن تعرفى أن المسلمين الحقيقيين فى هذا العالم يشاركوك ، هذا الشعور بالوحدة ولكن بطريقة أخرى .
    إذا أتيح لك زيارة باكستان ، فسيكون من سرورى أن أستقبلك مرحبا بك كضيفة لدى . كيف سيكون مدى سرورى أنا وعائلتى إذا حضرت وقضيت معنا شهر الصيام فى رمضان (الذى يقع هذا العام فى 17 فبراير إلى 18 مارس) ! سأكون بلاهور حتى نهاية شهر مارس ، وعبده سأذهب لإفريقيا حيث أتمنى أن أقوم بأعمال دعوية للإسلام هناك إن شاء الله . وسأرجع للاهور فى نهاية مايو ، وبإذن الله سأبقى لنهاية العام حيث تجدينى بمنزلى .

    أخوك فى الإسلام

    أبو الأعلى


    يتبع
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الوهاب ; 29-03-2007 الساعة 08:32 AM

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    115
    آخر نشاط
    12-12-2007
    على الساعة
    02:36 AM

    افتراضي

    الخطاب (3)

    نيويورك ، يناير 31 ، 1961

    عزيزى مولانا المودودى
    من عدة أيام مضت استلمت هديتك من الكتب باللغة الإنجليزية والنشرات والتى تقدر بمكتبة صغيرة . لا أستطيع البداية بشكر كاف لك ، وفقط أخبرك بأنى سأحتفظ بهم وأحرص عليهم دائما .
    وأمس فقط استلمت خطابك الذى تقول فيه أنك حينما قرأت مقالاتى فكأنك كنت تقرأ أفكارك أنت . وأؤكد لك أننى أيضا حينما قرأت كتبك ونشراتك ، فشعرت كأنى أقرأ أفكارى ولكن بقوة وشمول أكبر مما يمكننى الكتابة بهما . من مقالاتى التالية ، واحدة عن شعر العلامة "إقبال" ، الرجل الوحيد فى كل العلم الإسلامى المعاصر القادر على التعبير بالشعر للمعانى الثابتة الحقيقية كيف تكون مسلما ، وموضوع آخر عنوانه "منابع الفلسفة للمادية الغربية" ، والتى فيها أتتبع تطورات المادية الغربية من بدايتها فى العصر الإغريقى إلى عصر النهضة إلى ذروتها فى أيدلوجيات حديثة كالشيوعية . وفى هذا المقال الأخير أبين كيف أن الشرور التى نشاهدها الآن هى نتاج منطقى للممارسات التى استمرت لخمسمائة عام مضت . فى الحقيقة ، فكل القادة المفكرون الأوروبيون كانوا متحمسين للمادية ، والحضارة الغربية الحديثة هى ثورة على الكنيسة وعلى كل القيم الدينية والروحية . وهكذا ، فالمادية جزء من نفس الجوهر للحضارة الغربية . وكما أشرت بجدارة فى كتيبك عن "القومية والهند" فإن القادة فى آسيا وإفريقيا ، قد لقنوا فى نفس الوقت لكى يحتقروا تراثهم ويتبنوا هذه الفلسفات المادية . لقد ملئوا بالكراهية والإستياء من سادتهم الأوروبين السابقين ، وكل ما يفعلوه هو رمى القمامة خلفهم فى وجوههم . أعنى هذا كوصف للثورات العنيفة التى تحدث فى آسيا وإفريقيا ، وخصصوا فى الكونغو . بعد ما سمعته عن العنف الذى يحدث بإفريقيا ، فأنا قلقة على سلامتكم . من المؤلم لى أن أقرأ بأن الدول الإسلامية ، كالجمهورية العربية المتحدة "مصر" تنسخ بشكل خانع النظام الروسى والصينى الشيوعى فى سياستها الخارجية مع إفريقيا . أريد أن أتعاطف مع مثل هذه الدول كالجمهورية العربية المتحدة ولكنى لا أتبين أى شئ إسلامى فى سياسات هذه الدول . أى مسلم بسيط قد يبتهج من الجهود التى يقوم بها ناصر فى إفريقيا لرفعة شأن الإسلام . ولكن من الواضح بما لا يدع مجالا للشك ، بأنه ليس معنيا بالإيمان بقدر ما يستخدم ذلك كشعار فعال لتمجيد شخصه ورفع سمعته . وإنه لمن عميق اقتناعى المخلص ، أن مفاهيمك عن الإسلام كما وضحتها فى كتبك "نحو فهم للإسلام وشريعتة وقوانينه" (والتى من كرمك قد أرسلتها لى) هى الترجمة الصحيحة ، وآمل ألا أكون ضيقة الأفق لأقول هذا . أقدرك وأقد التزامك بالإسلام النظيف جدا والنقى ، ورفضك للمساومات لاسترضاء "الحداثة" أو تزييفه بالفلسفات الدخيلة . وأعتقد أن صورة الإسلام كما قدمتها فى كتاباتك هى الطريقة المثلى والطريق الوحيد إلى الحقيقة . وللأسف الشديد فإن هناك من المسلمين من لا يتفقون مع ذلك . فقد تلاقيت مع طلبة مسلمين يدرسون بالجامعات والكليات يرددون أن "مصطفى كمال أتاتورك" كان مسلما جيدا . وأن الإسلام لابد له أن يواكب العصر والفلسفات المعاصرة ، وكل ما لا يتفق من الإسلام مع هذه الفلسفات فهو مردود . مثل هذه الأفكار مشاد بها و "تحررية" و "تقدمية" و "نهضوية" ، بينما هؤلاء الذين يفكرون بطريقتنا هم "رجعيون" و "متعصبون" ويرفضون مواجهة الحقائق فى أيامنا هذه .
    وفى نقطة فى أحد كتيباتك ، "القومية والهند" ، والتى تستحق الإشارة لها ، اعتراضك على أن يتزى المسلمون بالملابس الغربية . والبعض ينظر إلى هذه النقطة بأنها ثانوية وبسيطة ، ولكنى أعتبرها فى غاية الأهمية . الم يقل محمد "عليه الصلاة والسلام"من تشبه بقوم فهو منهم" ؟ أعتقد أن المسلم يجب أن يكون فخورا بأن يعبر عن تميزه بمنظره الطبيعى . ولذلك حينما أرى أحد القادة من المسلمين يرتدى الملابس الإفرنجية وهو حليق اللحية ، لا أملك إلا أن أعتبره ضعيف الإيمان ، يخجل من أن يعلن لللعالم هويته الحقيقية . هل سبق لك أن قرأت كتاب "الإسلام على مفترق الطرق" لمحمد أسد والذى يتطرق إلى هذه النقطة بإسهاب ؟؟؟
    ليس من العجيب أن تتساءل كيف لبنت مولودة بأمريكا فى بيت أمريكى أن تتبنى مفاهيم الإسلام ؟؟؟ وسأذكر لك هنا كيف حدث ذلك .
    فى سن العاشرة من العمر ، كنت منتظمة فى دروس الأحد اليهودية ، وبسرعة أصبحت منفعلة بالتاريخ المأساوى لليهود . كما سحرت خصوصا بقصة إبراهيم "عليه الصلاة والسلام" وأبنائه الإثنين ، إسماعيل وإسحق ؛ إسحق المفروض هو أبو اليهود وإسماعيل هو أبو العرب . ليس فقط علاقة القرابة هذه بين اليهود والعرب ، ولكن تاريخهم متشابك فى فترات كثيرة . لقد درست أنه فى فترة حكم المسلمين لأسبانيا "الأندلس" لقد مارس اليهود عصرهم الذهبى والثقافى . غير عالمة بالطبع ، بالطبيعة الشرية للصهيونية ، بسذاجة كنت أعتقد بأن يهود أوروبا يعودون لفلسطين لكى يصبحوا ساميين حقيقيين ويعيشوا سويا مع العرب . وفرحت جدا لتحقيق الأمجاد السالفة والتعاون مع العرب كما كان الوضع فى أسبانيا .
    لقدعانيت خلال فترة المراهقة المقاطعة الإجتماعية فى المدرسة وذلك لأنى كنت أفضل القراءة فى المكتبة ولم يكن لدى اهتمام بالجنس الآخر ، ولا الحفلات والرقص والسينما والملابس والمجوهرات وأدوات التجميل . وكنت أعتقد بأن التدخين عادة مبتذلة ومضيعة للمال . وبالرغم من الإعتقاد بأن المرء يجب أن يتناول المشروبات فى الحفلات ليكون مقبولا من المجتمع ، كما أن أبوى يعتبرون الإنغماس المعتدل فى النبيذ من "الأشياء الجيدة فى الحياة" ، ويالرغم من ذلك فلم ألامس الكحول فى حياتى . ومنذ أن شاركت أترابى من البنين والبنات القليل من الإهتمامات فتقريبا لم يكن لى أصدقاء فى الثمان سنوات من دراستى الصغرى والكبرى .
    وفى السنة الثانية فى جامعة نيويورك ، قابلت بنتا من بيت يهودى قررت إعتناق الإسلام . وحيث أنى كنت مهتمة بالعرب فقد قدمتنى لكثير من أصدقائها العرب المسلمين فى نيويورك . لقد كنا نحضر سويا نفس الصف الذى يدرس فيه حبر يهودى أحد الموضوعات عن "اليهودية فى الإسلام" . حاول الحبر أن يثبت لتلاميذه ، تحت غطاء "مقارنة الأديان" بأن كل شئ حسن فى الإسلام فهو مشتق من التلمود والمدراش "Midrash" . وقد كان الكتاب الذى ندرسه ( اليهودية فى الإسلام ، تأليف "أى , كاتش مطبعة ميدان واشنجتون ، نيويورك 1954) ومؤلفه هو نفس الحبر ، وقد تتبع السورة الثانية والثالثة فى القرآن الكريم آية آية ويحيلها إلى مصادر اليهود . مضيفا مع هذا مقتطفات تحررية دعائية للصهيونية فى أفلام وممجدة للدولة اليهودية . وبدلا من أن يقنعنى هذا بتفوق اليهودية على الإسلام ، هذا المنهج حولنى إلى وجهة النظر المعاكسة . بالرغم من الحقيقة أنه يوجد بالعهد القديم صفات عالمية للإله ، وصفات أخلاقية عالية ، كما يبشر بذلك الرسل ، فاليهودية دائما تحتفظ بصورة الله العشائرية القومية . وبالرغم من وجود بعض القيم النبيلة ، إلا أن الكتب المقدسة تشبه كتب التاريخ اليهودى وإلاههم القبلى . وقد خرج ضيقى الأفق حديثا بمفهومهم هذا وعبروا عنه فى الصهيونية (ولكن بشكل علمانى جدا) . لا يؤمن رئيس الوزراء الإسرائيلى "ديفيد بن جوريون" بشئ ، ولا يؤمن بإله عظيم ، ولم يذهب قط لكنيس يهودى ، ولا يراعى القوانين اليهودية ولا العادات ولا الطقوس ، وبالرغم من ذلك ، فهو يعتبر عند اليهود حتى الأتقياء منهم والأرثوذكس ، بأنه من أفضل الزعماء اليهود فى هذا الوقت . معظم القادة اليهود يعتبرون الله (حاشا لله) كوكيل عقارات ممتاز لهم ، خصص أرضا معينة لصالحهم !!! لقد أخذت الصهيونية أسوأ الصفات من المادية الغربية الحديثة والقومية وتبنتها لها . مثل هذه الفلسفات النفعية والإنتهازية سيطرت على أذهانهم لتبرر لهم الحملات عديمة الرحمة لنفى أغلبية العرب والقسوة على الأقلية البائسة التى بقيت فى اسرائيل ، ثم بعد ذلك يقولون عن أنفسهم بأنهم هم حملة "التقدم" و "التنوير" إلى عالم عربى جاهل !!! وبالرغم من أن إسرائيل متقدمة علميا وفنيا ، إلا أن هذا التقدم هو تقدم عنصرى وأنهم هم "شعب الله المختار" ، وفى اعتقادى أن هذا المفهوم خطير على السلام العالمى . لقد سمعت "جولدا مائير" تخاطب الجمعية العامة للأمم المتحدة قائلة "أنا أعارض أى شخص يعارض حق إسرائيل فى الأمن بالتخلى عن الحدود العربية التى احتلتها أثناء الغزو" . القيم الأخلاقية هى فقط تلك القيم التى تجعل شعب إسرائيل يعيش فى دولته !!! (لا يهم جولدا مائير ، بالنسبة للبقاء ، فبقاء الآخرين أقل بكثير من بقاء اليهود) . كما أنى اكتشفت أيضا أن حقد اليهود للنبى محمد أكبر من حقد النصارى له . والتطورات اليهودية المنافقة هى أيضا غير مقبولة . وهكذا بالرغم من أنى من عنصر يهودى ، إلا أنى لا أستطيع أن أميز مبادئ وتطلعاتى مع الشعب اليهودى .
    لا أحد من أبوى يعتبر يهودى ملتزم ، وهم مقتنعون بقوة ، أن اليهود الأمريكان يجب أن يعيشوا ويفكروا ويظهروا ويتصرفوا بالضبط كما يفعل الأمريكان . وبعد سنتين من البقاء فى المدرسة الدينية اليهودية ، التحقت فى النظام التعليمى لحركة الثقافة الأخلاقية التى تأسست فى نهاية القرن التاسع عشر بواسطة الراحل "د. فيلكس آدلر Dr. Felix Adler" . وفى كتيبك "وجهة النظر الأخلاقية فى الإسلام" ، أشرت إلى هذه الحركة الإنسانية اللاأدرية والتى ترفض قواعد ما وراء الطبيعة ، معتبرة أنها راجعة إلى صنع الإنسان . لقد كنت إنتظمت أسبوعيا فى مدرسة الثقافة الأخلاقية لمدة أربع سنوات حتى تخرجت منها فى سن الخامسة عشرة . ومنذ ذلك الوقت إلى أن التحقت بصف الحبر "كاتش" فى جامعة نيويورك فى أكتوبر 1954 فقد كنت ملحدة أصيلة وأرفض كل الأديان الأرثوذكسية المنظمة رفضى للخرافة . وفى أحد الأيام أثناء وجودى فى فصل الحبر "كاتش" أعطى الطلبة محاضرة حيث كان يذكر فيها أن القيم الأخلاقية المتعلقة بالإنسان كحق عالمى طبيعى هى مطلقة ومشرعة من الله وليست هى من صنع البشر كما سبق أن أوحى إلى فى دراساتى السابقة بأن أفكر . لقد نسيت تفاصيل المناقشة ، ولكنها كانت نقطة التحول بالنسبة لى فى حياتى .
    وحينما درست القرآن "الكريم" أكثر وأكثر وبعمق ، عرفت لماذا كانم الإسلام والإسلام فقط هو الذى جعل العرب أمة عظيمة . وبدون القرآن فمن المحتمل أن اللغة العربية كانت ستكون منقرضة الآن . وفى أحسن الأحوال ، بدون القرآن تكون غير مشهورة كزولو !!! كل الآداب والثقافة العربية مدينة للقرآن الكريم وتعتمد عليه . بدونه كانت الآداب والثقافة لا قيمة لها .
    وبالرغم منبوى لا يفهمون سبب عدواتى للثقافة التى أنشأونى عليها وبخاصة عداوتى للصهيونية ، فقد أعطونى الحرية لأخطط لحياتى الخاصة . فى البداية حاولى أن يثنونى عن الإنغماس فى الإسلام ، خشية أن يبعدنى ذلك عنهم وعن العائلة . ولكنهم الآن بعد أن رأوا إصرارى فقد أكدوا لى أنهم لن يحاولوا التدخل ليمنعونى عن ذلك أو ليمنعونى عن التحول للإسلام أو أن يضعوا العراقيل فى الطريقة التى أجد فيها سعادتى . وبالرغم من ذلك ، فهم من حين لآخر بذكرون آراء مضادة لى وبالنسبة لكل شئ ، ولكنهم متسامحون وواسعى الأفق بقدر كاف ، بحيث أن لا شئ يعارضون فيه يجعلهم يهددونى بالحرمان أو قطع رابطتهم بى . يالهما من عائلة تختلف عن الكثيرين الأرثوذكس الذين يعتبرون من يتحول إلى دين آخر من الأموات !!!
    ولك أن تفضل الطريقة التى نعمل بها إما سويا وإما منفصلين ، فنحن ننهل من نفس القيم . وبناء على القواعد التى ذكرتها مطولة فى خطابى هذا ، فأكون ممتنة لأى إقتراحات يمكن أن توافينى بها .


    المتقدمة لك بوافر الإحترام
    مارجريت مارقس

    الخطاب (4)

    لاهور ، فبراير 25 1961
    عزيزتى الأنسة مارقوس

    السلام عليكم ورحمة الله
    وصلنى خطابك المؤرخ 31 يناير متأخر بعض الشئ . وأعتذر بتأخرى فى رد سريع بسبب بعض الإلتزامات السابقة الإضرارية . وأخشى أن يكون هذا التأخير قد سبب لك بعض الضيق الذى أقدم اعتذارى عنه .
    لقد درست مخطط حياتك بعناية فائقة واهتمام . وحين قراءته ، أدركت كيف أن العقل المتفتح والغير متحيز يمكنه التوصل إلى "الطريق الصحيح" بشرط أن يبذل الجهد الثابت والمخلص .
    قصة آلامك ومعاناتك وما احتوته من محن عقلية لم يرد فيها ما لم أتوقعه . إذا مر شخص بمنازعة لأمر ثابت ومتجذر ببيئته المحيطة به ، وفى نفس الوقت لا يجد من حوله الذين يتعاطفون معه أو يقدرون أفكاره و قيمه ، فمن غير العادى ألا تمر أو يمر بانهيار حقيقى لأعصابه . عدم توافقك هو محصلة طبيعية لمجتمعك . مزاجك وذوقك وأفكارك وتصرفاتك هى فى الأساس مختلفة بشكل مباشر عن تلك التى فى مجتمعك الذى تعيشين فيه . واحتكاكى الدائم بهم قد يكون سببا لألم أكثر مما حدث . أنت تشبهين نبتة استواية زرعت فى منطقة قطبية وأنت تواجهين هذا الأمر المقدر . من الأفضل لكل شخص أن ينمو ويترعر فى مناخ محبب إليه . فى المناخ المعادى ، حرى بالمرء أن يفقد توازنه العقلى كما أن قراته الذهنية من المحتمل أن تذبل . يضاف إلى ذلك أنك مازلت لم تتزوجين . مجتمعك لا يحب إمرأة مثلك . كل مميزاتك تعتبر عيوبا عندهم . قد لا تستطيعين أن تجدى رفيق حياتك المتاسب فى وضعك الحالى ، وإذا كنت مرتبطة بشكل متكلف ، بشخص ما هناك ، فهذا بالكاد يثبت إمكانية ترتيب زواج ناجح أو مرغوب فيه .
    ومنذ استلامى لخطابك الأول ، وأنا مشغول الفكر بمشاكلك . وأعتقد أنه ليس أمامك إلا أحد البديلين ، إما أن تعملى للإسلام بشكل علنى فى أمريكا وتجمعى حولك مجموعة من المتعاطفين للإسلام ومساعدين لك ، أو أن تهاجرى إلى إحدى الدول الإسلامية وأفضل لك باكستان . وبالنسبة لى ، فلا يمكننى أن أختار لك أحد البديلين الذى يناسبك . ذلك يتوقف على ظروفك وكفاءتك التى أنت أدرى بها منى . ولكن لو قررتى الحضور لباكستان ، فستكونين فى وسط أناس يتشابهون معك فى الرأى ، مع وجود اختلاف فى اللغة . بإذن الله ، ستجدين هنا كل القيم وكذلك كل التعاون والتشجيع . كما أنك قد تجدين هنا رجلا طاهرا مناسبا ليرافقك فى الحياة . وفى حالة حضورك لباكستان ، فيمكننى تقديم كل المساعدات لك ، ولكنى آسف جدا لأن أرسل لك مساعدة مالية للحضور نظرا للقيود الصارمة هنا فى تحويل العملات الأجنبية .
    وأتمنى ألا يقف والديك وكل محبيك أمام اختيارك ، ويجب أن يدركوا الحقيقة بأن وقوفهم أمام رغبة ابنتهم فى تخطيط حياتها قد يؤدى بها إلى اليأس وإلى خطورة الإنهيار العصبى . وعلى العكس ، إذا كانت محظوظة بما فيه الكفاية ، لتعيش فى جو مجتمع ودى ومناسب لها ، فسيكون رأيها متفتحا صحيا ويزداد حماسها وتصبح قادرة على حياة مفيدة ومنتجة . وأعتقد لو أنهم استوعبوا هذه النقطة كاملة ، لن تكون هناك مقاومة من ناحيتهم . فى الواقع ، أنه ليس من غير المحتمل أنهم سيرحبون باقتراحاتى هذه .
    لقد سلتنى عن كتاب "الإسلام على مفترق الطرق" . لقد قرأت هذا الكتاب وذلك مع كتب أخرى لمحمد أسد ، الذى أتيحت لى فرصة التعارف معه شخصيا بعد أن اعتنق الإسلام ، واستقر فى شبه القارة الهندية-الباكستانية . وربما تكونى مهتمة لتعلمى بأنه أيضا كان يهوديا من أصل نمساوى . وأحترم كثيرا عرضه للأفكار الإسلام ونقده للثقافة الأزروبية وفلسفتها المادية . وآسف أن أقول ، على كل حال ، بأنه فى أيامه الأولى من اعتناقه الإسلام كان وفيا وملتزما بتعاليم الإسلام ، ولكنه بالتدريج انحرف إلى من يسمون بالمسلمين "التقدميين" ، مثل اليهود "الإصلاحيين" . ومنذ فترة قريبة طلق زوجته العربية وتزوج ببنت أمريكية مودرن ، عجلت بالتأكيد كثيرا فى انحرافه . وبالرغم من أن هذه الحقائق السوداوية لا يجوز معارضتها ، ولا تبريرها كثيرا ، فأنا لا ألومه كثيرا عليها . أثناء السنة الأولى من اعتناقه الإسلام والتى تقابلنا فيها ، تغيرات طيبة ودمثة شملت حياته . ولكن حينما يبدأ المرء فى العيش كمسلم حقيقى ، كل قدراته تفقد قيمتها السوقية . هذه القصة الحزينة مع "محمد أسد" ، الذى كان معتادا على العيش فى مستو مرتفع ومواصفات حديثة للحياة ، وبعد اعتناقه للإسلام واجه شظف العيش وصعوبات مالية . ولهذا فقد أجبر على تقديم التنازلات واحدة بعد الأخرى . وما زلت آمل بعد هذه التغيرات المضادة ، ألا تكون أفكاره وقناعاته قد تغيرت بالرغم من أن حياته العملية قد شابها كثير من التعديلات . يقول الرسول عليه الصلاة والسلام "أنه سيأتى زمن القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر" . وقد تحققت هذه النبوءة . فى أيامنا هذه ، إذا أراد المسلم رجلا أو إمرأة أن يطبق ما تعلمه من الإسلام يقابل مقاومة شديدة من الحضارة المادية فى كل خطوة يخطوها . البيئة بكاملها تنقلب ضد هذا المسلم . إما أن يقدم تنازلات ، أو يصبح معاديا للمجتمع . الأعصاب القوية والثابتة ، لاغنى لها عن الكفاح الحازم والمتواصل .
    هل اتصلت بالمراكز الإسلامية بواشنجتون د. س . أو مونتريال ، فقد تكون مفيدة لك ؟؟؟ عنوان المركز الإسلامى بمونتريال هو كالآتى :
    (The Islamic Center, 1345 Red Path Crescent, Montreal-2, and Quebec, CANADA).
    أشكر لك تعبيرك عن خوفك على فى رحلتى المتوقعة إلى إفريقيا . ولحسن الحظ ، الأجزاء التى أنوى الذهاب إليه آمنة وسليمة جدا . أنوى الذهاب إلى الصومال ، وكينيا ، وأوغندا ، وتنجانيقا ، وزنجبار ، وموريتوس ، وجمهورية جنوب إفريقيا ، كلها بها تجمعات من الهند وباكستان والمسلمين العرب ، وبمعونتهم آمل أن أنشر الإسلام فى إفريقيا .
    أفهم أفكار المتحيرة عن الرئيس ناصر . فهو أبعد ما يكون مدافعا عن الإسلام ، فيديه القاسية ملوثة بعمق بدماء الشهداء الأبرياء . بلا رحمة سحق الإخوان المسلمين ، وبذلك سدد ضربة يصعب تلافى أثرها على القوة الإسلامية فى المنطقة الناطقة باللغة العربية . هو فى الحقيقة له أربعة ألسن فى فمه . حينما يتكلم مع المصريين يقول "نحن أبناء الفراعنة" (وقد وضع فى ميدان عام فى القاهرة تمثال رمسيس الثانى - هذا الفرعون الملعون الظالم) . وحينما يتكلم مع العالم العربى يقول "نحن جزء لا يتجزأ من أمة مجيدة ووحيدة" . وحينما يخاطب الأفارقة بشكل عام ، يحاول أن يكون داعيتهم ولسان حالهم . حاليا أنشأ بوقا للإسلام "صوت الإسلام" بإذاعة القاهرة لأن هذا يتفق مع استراتجيته وراحته . المغامرون منعدمى الضمير مثله لا يمكن أن يخدموا الإسلام . فقط المخلصون المتواضعون منكرى الذات المجاهدون بصلابة الذين لديهم الإستعداد للتضحية بمكاسبهم الشخصية وطموحاتهم ، هم الذين يدافعون عن الإسلام .
    لقد سعدت جدا بأنك أصبحت مسلمة ملتزمة تؤدين الصلوات اليومية وتصومين رمضان . أهنئك ، وأدعو الله سبحانه وتعالى أن يحفظك ويثبتك ويهديك لطريق الإسلام .

    أخوك فى الإسلام
    أبو الأعلى


    يتبع

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    115
    آخر نشاط
    12-12-2007
    على الساعة
    02:36 AM

    افتراضي

    حذفت للتكرار
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الوهاب ; 02-04-2007 الساعة 09:26 AM

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    115
    آخر نشاط
    12-12-2007
    على الساعة
    02:36 AM

    افتراضي

    الخطاب (5)

    نيويورك فى 8 مارس 1961

    عزيزى مولانا المودودى

    استلمت خطابك المؤرخ 25 فبراير وقد سعدت بقراءة أجاباتك المفصلة والمدروسة لكل الأشياء التى كانت تدور بخلدى منذ فترة طويلة .
    وأرفق مع هذا الخطاب مقالة مصورة من "مجلة الموضة Look Magazine" عن آخر الموضة لملابس المرأة ، والتى بالنسبة لى فهى بغيضة جدا ولا أستسيغ لبسها وأتمنى الموت من أن أ ُرى مرتديتها . يبدو أن مصمموا الأزياء الأوروبيين والأمريكان بعملون جهدهم لتكون المرأة الغربية مبتذلة فى الشارع . المومسات المحترفات لا يمكن أن يذهبن إلى هذه الحدود التى يقال إنها للمرأة المحترمة . يقول "أوسكار وايلد" الحقيقة حينما قرر مرة أن أن الموضة هى شئ قبيح ، ويجب تغييرها كل ستة شهور . أحد وظائف الملابس بالطبع هى التواضع ، وكما ترى من الصورة التى فى المقال ، أن الموضة بالنسبة للمرأة الغربية الحديثة هى مصممة خصيصا لتجارة الجنس . وأول شئ فعلته بعد اقتناعى للإسلام ، وأداء صلواتى ، هو أن أطلت من تنوراتى . وقد اندهش أقاربى كثيرا من أن ألبس هذا الزى فى حين أن المرأة الأمريكية تنورتها فوق الركبة . هناك دعاية متزايدة فى الصحف والمجلات الأمريكية بأن المرأة فى الأراضى الإسلامية "تتحرر" بتأثير الثقافة الغربية عليها وتقليدها لها . وبالرغم من أنى أعتقد أنه يجب على المرأة أن تتعلم إلى أقصى طاقاتها الذهنية ، ولكنى أثير سؤالا عن مدى الفائدة من تركها البيت "خصوصا الأم التى لها أولاد صغار" لتتنافس فى مكاتب العمل والمصانع مع الرجال ، والإستعاضة بالممرضات وجليسات الأطفال لشئون المنزل وتربية الأطفال . هذا بالضبط ما حدث بروسيا الشيوعية والصين ، لنشر ما يقال أنه "تحرير المرأة" وذلك لتحطيم الأسرة بتعمد فى المجتمع . وهذا يحدث بدرجة أقل فى المجتمع الأمريكى . وبدرجة أقل تتحطم الأسرة فى مجتمعى .
    لقد فاجئنى وأثارنى وأحزننى بعمق ما ذكرته عن "محمد أسد" . لم أشك قط فى أنه لم يكن ملتزما بالإسلام ، وذلك من كتاباته الحديثة والخطابات المتبادلة معه . لا أنسى مطلقا هذا الفصل الرائع فى كتابه "الإسلام على مفترق الطرق" على أن يتمسك المسلم بقوة بسنة الرسول عليه الصلاة والسلام ، وأن يتبع القرآن الكريم ، وذلك إذا أراد رفعة للإسلام . لقد كانت حججه عن صحة الأحاديث واضحة جدا ومقنعة ، وشعوره بالإسلام كان واضحا ، وفيما عدا أحواله المالية التى ذكرتها لى ، فأنى لا أملك إلا أن أتصور أن هذا السبب هو الذى غيره . أدعو الله سبحانه وتعالى ألا يحدث ذلك لى .
    هل من فضلك ، يمكنك أن ترسل لى الخطوط العريضة للجامعة الإسلامية الجديدة "جامعة الملك ابن سعود" ؟؟؟ لقد اعتقدت بداية أنها ستكون على غرار الأزهر الشريف . ولكنى منذ أيام قرأت مقالة بأن الجامعة المقترحة ستكون جامعة علمانية مواشاة ببعض الدراسات الإسلامية . وفى نفس المقالة ، ذكر أن الملك سعود سيعيد بناء مكة والمدينة المنورة . وبالرغم من أنى أعرف أن هناك فى المدن المقدسة ، مبانى كثيرة قديمة ومتهالكة ذات طابع عتيق ، تحتاج إلى ترميم ، غير أنى أتمنى ألا تبنى مبانى حديثة بعيدة عن النمط الإسلامى حتى لا يتغير المناخ الإسلامى ليواكب الحداثة المفرطة . أنا أمقت شخصيا المعمار الحديث ، الذى يتناقض مع معايير الجمال والتناسق والسحر والهدوء . فى كل مرة أزور فيها مبنى رئاسة الأمم المتحدة (التى تعتبر مثال بارز للمعمار الحديث) أجدنى ممتلئة بالكآبة لجدب وبرودة المبانى العالية ، والتى لا تشبه إلا صناديق مرتفعة بها نوافذ زجاجية . أعتقد أن هذا المعمار الحديث والذى أفقد مدننا جمالها ، هو إنعكاس لرفض كل القيم الروحية لمصممى هذه المبانى . أفضل لمكة والمدينة أن تبقيا على الروح القديمة من أن تتحول لهذا المفهوم الحديث المدمر .
    وبالرغم من أنى لم أكن أعلم شيئا عن المركز افسلامى بمونتريال منذ إستكماله ، إلى أن ذكرته لى فى خطابك السابق ، إلا أنى كنت فى اتصال دائم مع مسجد واشنجتون ، وقد أجريت له زيارة خاصة وتحدثت مع مديره "محمود حب الله" ، وهو مثل "د. شريبة" متخرج من الأزهر . لقد بنى مسجد واشنجتون حسب العمارة الإسلامية وهو فى جمال المبانى الأخرى فى العالم . وما آلمنى هو أن السلطات الأمريكية تمنع رفع الأذان من مئذنته حتى لا يزعج اجتماعيا سكان المنطقة . والمسجد فقط لأداء صلاة الجمعة ، فالإقبال على بقية الصلوات الخمس كما لاحظت يكاد يكون شبه معدوم .
    هل تعرف شيئا عن الحملة التى يشنها "الحبيب بورقيبة" فى تونس ضد صيام شهر رمضان ؟؟؟ وبأنه السبب فى التأثير على الصحة وتراجع الإقتصاد فى هذا الشهر لبطء الأداء فيه ، وأن هؤلاء الذين يصرون على الصيام فيه رجعيون . وأحد أهداف بورقيبة الخبيث هو القضاء على جامعة الزيتونة التى أسست منذ قرون فى شمال إفريقيا . وقد قرأت فى الصحف أنه فى روسيا الشيوعية ، فإنهم كلما اقترب شهر رمضان يعملون على زيادة الهجوم على الإسلام . الدعاية الشيوعية لا تتوقف أبدا عن وصم شهر رمضان بأنه السبب فى تحطيم الإقتصاد فى هذا الشهر ، وأن العمال فى المصانع يتباطؤون فى العمل ويضيعون الوقت فى الصلاة مما يخرب معدل الإنتاج . والمفروض فى الحبيب بورقيبة أن موال للغرب ولكنه يفعل ما يفعله الشيوعيون .
    لعلك سمعت عن المستشرق ، "د. ولفرد كانتويل سميث D. Willfred Cantwell Smith" ، الذى يعمل مديرا للدراسات الإسلامية فى جامعة ماكجيل بمونتريال ؟؟؟ ، فى حالة معرفتك به ، هل قرأت كتابه "الإسلام فى التاريخ الحديث" ، والذى يذكر فيه بأن الإسلام كما شرحه وبشر به النبى عليه الصلاة والسلام لا يصلح وأنه "منتهى الصلاحية" ولابد أن يأخذ الآن بالعلمانية لكى يعيش فى المستقبل ؟؟؟ وفى الفصل عن باكستان ، تطرق فيه عنك قائلا :
    (.... يقدم المودودى الإسلام كنظام ، زود البشرية من قديم بالإجابة على كل مشاكلها ، فضلا عن أنه أمدها بالإيمان بالله الذى يتجدد كل صباح وأن الله يريهم أياته التى تتكلم عن نفسها ..... الإتجاهات الحديثة تظهر نظام المودودى كما أرخ ، غير كاف فى هذا المجال ، كما أنه يعتبر متشددا جدا فى الشكل ليحقق بإخلاص حقيقة الإسلام وأولويات اليوم فى عالم القيم وديناميكية الروح ... وعلاوة على ذلك ، لنحكم على أطروحاته ، فإنه يتبين منها أنه يريد فرض نظامه على باكستان ، إذا أتيحت له فرصة أن يكون هو وأتباعه فى مرقع القوة ، وأيضا فى طريقة منظمة صارمة يبرهن المودودى ، ولكن بقليل من التخوف ، كلا من البشرية ورفاهيتهم الشخصية للذين يعيشون تحت نظامه . تبدو أيدلوجيته أنها ستقدم منحة قليلة من الرغبات ومن المصداقية للمحكومين ، أو لأن ميل الرجال فى مواقع السلطة كانت دائما فى الغالب وفى مراحل التاريخ حتى المزدهرة منها ، متأثرة بالإنحراف الشخصى .... حركة المودودى هى خليط وتكييف بين التاريخ الإسلامى القديم ومتطلبات الحداثة فى حياتنا الآن ، والتى أخرج منها نموذجه الثابت ، ولا يعتبر ذلك رؤية خلاقة ..."
    وحيث أتوقع بأن يصلك خطابى هذا وأنت مشغول فى الإعداد لرحلة أفريقيا ، فلن تتمكن من الإجابة عليه إلا بعد عودتك للاهور فى نهاية شهر مايو .


    المتقدمة لك بوافر الإحترام
    مارجريت مارقس

    الخطاب (6)

    لاهور ، 1 أبريل ، 1961

    عزيزتى الأنسة مارقوس
    السلام عليكم ورحمة الله

    وصلتنى رسالتك المؤرخة فى 8 مارس فى وقتها ، ولكنى لظروفى الصحية لم أستطع الرد عليك . فأنا منذ منتصف شهر رمضان وأنا أعانى من آلام شديدة ومستمرة فى كتفى الأيمن ولم أحصل على علاج شافى يريحنى . وأخيرا نصحنى الأطباء بأن أحصل على علاج بأشعة (×) .
    لقد قرأت خطابك باهتمام . وصور ملابس النساء التى أرسلتيها ليس جديدة على . فعادة ما نرى نساء أوروبيات وأمريكيات بلاهور يلبسون نفس المودات . ولقد رأيت نساء عربيات فى القاهرة وبيروت ودمشق فى نفس الزى . ببساطة ، لا أستطيع أن أتصور كيف تستطيع إمرأة تحمل بين جنباتها أى معنى للحشمة أن ترتدى مثل هذه الأزياء حتى فى بيتها أمام المقربين من أقاربها ، لا أن تخرج إلى الشارع بهذه الأزياء . وأنا سعيد جدا أن أعلم بأنك تستهجنين ذلك الزى . إذا أمكنك أن تتعلمى اللغة العربية أو اللغة الأوردية ، وتدرسى بصورة مباشرة التعليمات التفصيلية لرسول الله محمد عليه الصلاة والسلام على الأخص للمرأة ، فآمل أنك ستجدين فيها الخصائص الصحيحة والمناسبة للطبيعة الأنثوية . الدور الإجتماعى الذى تلعبه المرأة الغربية ، ليس فى الواقع هو "التحرر" ولكنه الإفساد والعبودية ، وكنتيجة للدعاية الخاطئة والمضللة ، المرأة تحاول أن "تتأنث dewomanize" نفسها . إنهن يعتقدن أنه من العار أن يملأن حياتهن ويؤدين العمل الذى يتفق مع طبيعتهن التى خلقن لها . وبدلا من ذلك يردن أن يتشبهن بالرجال . لقد أثبتت الحضارة الغربية أنها فى منتهى القسوة للأنوثة . من ناحية ، فهى تطلب من المرأة أن تتحمل وطأة الطبيعة بمفردها ، ومن ناحية أخرى تدعوها هذه الحضارة بأن تؤدى الواجبات المختلفة للرجل . وهكذا فقد وضعت بين شقى الرحى . وعلاوة على ذلك ، فقد أغرت نفس هذه الدعاية النساء بأن يصبحن أكثر وأكثر جاذبية للجنس الآخر وبذلك يخرجن عن حشمتهن ويرتدين القليل من اللباس أو حتى يتعرين منها . لقد تحولن إلى لعبة فى أيدى الرجال . أثبت الإسلام بأنه هو الذى كرم المرأة حقا ، بأن جعلها فى عصمة رجل واحد وحجبها عن بقية الرجال . الإسلام يعطى طبيعتها فى الحياة المخصصة لها ، القيمة العالية . بينما فى المقابل ، تستعبدها الحضارة الغربية لعدة من الرجال ، وربطتها بمفهوم خاطئ ، بأن الأعمال التى تؤهلها لها طبيعتها هى من العار والخزى .
    المعلومات التى حصلت عليها عن جامعة المدينة ، غير صحيحة . فالمنهج الذى قدمته بمعرفتى وتمت الموافقة عليه من قبل لجنة شكلت بواسطة الملك ، يحتوى على دراسة القرآن الكريم ، والحديث ، والفقه وعلم الكلام والتاريخ الإسلامى بالإضافة إلى الفلسفة الأوروبية وعلم الشريعة والتاريخ والإقتصاد والسياسة والأديان المقارنة مع لغة أجنبية واحدة (الإنجليزية .. الفرنسية .. الألمانية) كمادة إجبارية . وهذه الدراسات لا يجوز أن يطلق عليها بأنها "علمانية" أو "دينية" بالمفهوم الضيق لهذين المتطلبين . تم التخطيط لهذه الجامعة بحيث لا تشبه غيرها من الجامعات الحديثة أو المدارس القديمة ، وستحتل مكانا فريدا خاصا بها . نتمنى تخريج علماء مسلمين متمكنون من العلوم الإسلامية بالإضافة للعلوم الحديثة وبذلك يكونوا مؤهلين للحياة المعاصرة .
    مثل كل الأراضى الإسلامية الأخرى ، فالسعودية الآن تشهد حضارتين متناقضتين . فاكتشاف البترول قد أدى إلى تضخم الثروات بشكل غير محدد ويفوق الخيال ، وقد فتحت البوابات للحضارة الغربية على مصراعيها . وقد أقيمت مدينة الرياض الحديثة فى الصحراء ، كتوأمة لعواصم المدن الغربية . وكذلك مدن أخرى لجدة والظهران . حتى مكة والمدينة فى سبيلهما للحداثة . وفى ظل هذا الوضع الحرج ، فلو فشلنا فى إخراج علماء من الدرجة الأولى الذين يمكن لهم تجهيز العربية السعودية بالثقافة والقيادة العملية ، هذا الحصن للإسلام ، أخشى أن ننجرف للثقافة المادية كما حدث فى كل من تركيا والآن مصر وتونس ومراكش وأندونوسيا وباكستان التى تواجه قبضة هذه الثقافة القاتلة . أعتقد أنه من واجبنا العمل بكل ما نقدر على إنقاذ هذا المركز الإسلامى من هذا الخطر المتصاعد .
    الحبيب بورقيبة رئيس تونس ، يتبع خطوات "كمال أتاتورك" التركى بحذافيرها . وكل هؤلاء الزعماء الذين ينسبون أنفسهم للإسلام الحديث ، يلعبون لعبة الغدر فى بلدانهم الخاصة . حينما ينطلق هؤلاء للكفاح ضد الإستعمار الغربى ، يناشدوا المسلمين باسم الإسلام ، ولكن فور يمتلكون القوة ، يجعلون الدين هو كبش الفداء "للتأخر" ويخمدون بكل قسوة ، كل توضيح للأفكار الإسلامية والثقافة الإسلامية . كل هؤلاء القوم هم نتاج الإستعمار الغربى . ليس لديهم معرفة أو تقدير للإسلام . لقد تعلموا فى البلدان البريطانية أو الفرنسية أو الأوروبية . البعض منهم متزوجونمن زوجات أجانب (بورقيبة زوجته فرنسية) . هم نماذج مماثلة فى تصرفاتهم وحياتهم الشخصية للأوروبين . لقد قبل المسلمون قيادتهم ليحصلوا على حريتهم السياسية من الإستعمار الغربى ، ولكن هؤلاء القادة المغتربون ، يحاولون إزالة الأثر الأخير من الحضارة الإسلامية من عوالمهم ، ليزدادوا قوة وأمنا .
    لقد تقابلت مع "د. ولفرد كانتويل سميث" وجها لوجه عام 1958 حينما قدم لى نسخة مكملة لكتابه الذى ذكرتيه فى خطابك الأخير ، مثل هؤلاء الرجال يريدون أن يصنعوا إسلاما جديدا ويحاولون فاشلين ، أن يبعدونا عن الإسلام الحقيقى الذى يستند إلى الكتاب والسنة ، وأن نقبل النسخة المعدلة حسب الطلب وحسب أهوائهم . المسلم يجب أن يبقى مسلما بإحساسه الأصيل ، أو أنه ويأبى الله ذلك ، إذا خرج عن نقاء الإسلام فإنه سيختار منتصف الطريق بين الإثنين ، وفرص البقاء فى الإسلام الدافئ يكون خافتا جدا فى الحقيقة .
    أنا متعجب جدا من الحماقة الأوروبية !!! حينما يريدون محاربة الشيوعية يلجأون للإسلام لمحاربتها لأنه الكفر ، ومن الناحية الأخرى ينظرون إلى الإسلام الحقيقى على أنه خطر عليهم ، ويعملون على إخراج المسلمين من دينهم ويشجعون كل أنواع الإبتداع والإرتداد منه . مساكين هؤلاء القوم ، إنهم لا يفهمون النتيجة الحتمية لحماقتهم تلك كيف ستكون ؟؟؟ دائما يشجعون هؤلاء الذين يفرزون أشياء غير إسلامية فى البلاد الإسلامية ، ولا يتعبون من دمغ هؤلاء الأشخاص الذين يعملون ويكافحون من أجل إبقاء الروح الحقيقية للإسلام ، يتهمونهم بأهم "رجعيون ومتعصبون" . ولا يكتفون بهذا الهجاء بل يعملون على أن يكون هؤلاء الزعماء المحدثين مضطهدين للمسلمين الذين يعملون على صحوة الإسلام . الله وحده الذى يعلم إلى ماذا ستؤدى هذه الإنتقادات الخاطئة والغير متعقلة من نقادنا الأوروبيون .
    فليتأكد ويطمئن كل من د. ولفرد كانتويل ونظرائه الذين هم من بين أظهرنا ، أن الغلبية العظمى من المسلمين لن يستبدلوا دينهم ويعتقدون بهذه النسخة المشوهة التى يريدونها لهم . الحمد لله فإن المصادر الأساسية ، القرآن الكريم والسنة النبوية قد حفظت لنا سليمة لا يشوبها شئ . وحتى لو بقى مسلم واحد له القدرة بأن يطلع على المصادر الأساسية لا تلك المنحرفة ، فهذه الأخيرة لن يكون لها موقع فى الإعتقاد بين المسلمين .
    رحلتى لأفريقيا قد تتأجل حتى شهر يوليو نتيجة لأن حالتى الصحية لا تسمح لى بالسفر . كما أن أصدقائى يفضلون الذهاب لإفريقيا عندما تهدأ مرحلة الإنتخابات ويسود الهدوء السياسى هناك مرة أخرى .

    مع تحياتى وتمنياتى الطيبة .

    المخلص
    أبو الأعلى


    يتبع

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    115
    آخر نشاط
    12-12-2007
    على الساعة
    02:36 AM

    افتراضي

    الخطاب (7)

    نيويورك فى 12 أبريل 1961

    عزيزى مولانا المودودى
    لقد صدمت حينما علمت بأنك لن تقوم برحلتك لإفريقيا لاعتلال بصحتك ، وأنك تعانى المرض منذ شهرين . أتمنى أن يصل الطباء إلى العلاج الذى يريحك .ويخفف عنك الألم . معاناتك لهذا الألم ، لاشك أثقل عليك لتكتب لى هذا الخطاب المفصل ، والإجابة على أسئلتى لتريحنى .
    نستمع هذه الأيام بكثرة فى الراديو والتلفزيون والصحافة الحث على "رفع مستوى المعيشة" و "التطور الإقتصادى" فيما يسمى "بالدول النامية" . وفى سبيل الوصول إلى ذلك لابد من مساعدات ضخمة خارجية من الولايات المتحدة أو الإتحاد السوفيتى . لقد أصبح الكلام هن "التطور الإقتصادى" فى هذه البلاد المسماة "الدول النامية" هوسا . التطور الإقتصادى للدول النامية ، يترجم ليعنى ، التعمير والتصنيع والزراعة الميكانيكية . ولنكون عمليين فى الكلام ، فالتطور الإقتصادى ببساطة يمكن أن يترجم على أنه أداة لنشر التغريب فى دول آسيا وإفريقيا . محاربة الأمية ونشر التعليم دائما مطلوب بالتأكيد ، ولكن فى أيامنا هذه تحت هذا السياق فهو يعنى تعليم العلمانية الحديث على أسس غربية وضغوط تكنولوجية . وسائل الإسلام للوصول إلى العدالة الإجتماعية والتوزيع العادل للثروة ، يتم عبر الزكاة وقوانين التوريث وقواعد الأوقاف والتحريم المطلق للفوائد على رؤوس الأموال . الحركة الوحيدة فى أيامنا هذه التى حاولت تطبيق قواعد الإسلام هى حركة "الإخوان المسلمين" المحظورة ، والتى اسسها "حسن البنا" عام 1928 .
    أثناء مراهقتى ، كنت مبهورة بشكل كبير لبعض مؤسسات الأمم المتحدة كاليونسكو (the United Nations Educational and Cultural Organization) ، لأنى كنت دائما منفعلة-عالميا ومهتمة بتعجيل التبادل الثقافى والفهم الصحيح بين الأمم المختلفة فى العالم . ولكنى مؤخرا بدأت أنظر نظرة قاتمة حتى إلى اليونسكو . لقد قرأت كل مطبوعاتها ونشراتها منذ حداثتى فى سن 12 عاما ، عام 1946 ، منذ نشأتها ، وبالرغم من أنه من المفترض ، أن يكونوا موضوعيوين وعلى قدر كبير من النزاهة ، إلا أنهم كالغربيين ، كانوا ضد مفهوم الحياة الإسلامية . فى الحقيقة ، فأنا أنظر إلى مؤسسات الأمم المتحدة إلى أنها تعمل على انتشار التغريب والمادية الحديثة . أول مدير لليونسكو "السير توماس هكسلى" هو حفيد الإحيائى الإنجليزى المشهور ، "توماس هكسلى" مؤلف عدة كتب عن الإلحاد والمادية .
    فى الفصل الأخير من قصتى "أحمد خليل" عن السيرة الذاتية للاجئ عربى فلسطينى ، والتى نشرت فى مارس 1961 فى "الملخص الإسلامى .. بديربان" ، ومنذ نشرها وأنا أتلقى تعليقات عليها من كتاب مسلمين يعترضون على تعاطفى مع صور من الحياة فى العصور الوسطى ، من لبس ملابس تختص بالعصور القديمة ، والأكل بالأصابع فى صحن مشترك ، والنوم على الحصير على الأرض ، الخ .... ويصرون على أنى أسأت إساءة بليغة للقضية العربية بتصويرى لأشخاص يعيشون بهذه الطريقة المتخلفة ، ما رأيك أنت فى ذلك ؟؟؟
    فى تصورى أن النخبة الحاكمة فى كل من آسٍيا وإفريقيا مهوسة بدعوى "التطور" فى بلادها ، ليس فى الحقيقة لرفاهية الشعب ، ولكن بالأحرى ، لأنهم فى خجل منهم !!! إنهم يرتعشون بحدة من عقدة النقص كلما ذكرت بلادهم بأنها "متخلفة" . أعتقد أن هوس جذور التصنيع ليس لأى شئ حقيقى إيجابى تكتسبه البلاد ، ولكن بسبب أن المصانع العملاقة وسدود الأنهار الضخمة والمشروعات الهيدروكهربائية تزيد من سمعة وإحترام البلاد لاعتبارخا من الدول المتقدمة . الأمم ليست مختلفة عن الأفراد الذين يتكالبون على جمع الثروة بكل ما أوتوا من قوة للفخر بها . ويصور القرآن الكريم بجمال هذه الصورة إذ يقول "اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ" ، هذه الآية القرآنية أكثر وضوحا هذه الأيام عما كانت فى عهد الرسالة . "مداخلة : هذا زهد مبالغ فيه ، فالإسلام لا ينهى عن عمارة الأرض وعن تنفيذ ما ينفع الناس" .
    حاليا أفهم لماذا الإيمان باليوم الآخر ضرورى وجزء من الإيمان بالإسلام ، وكثير من الآيات القرآنية تركز عليه . بمجرد أن يؤمن الإنسان باليوم الآخر ، فقيمة هذه الدنيا تضمحل أمام عينيه وتفقد أهميتها عنده . الإيمان باليوم الآخر يعطى للمؤمن منظورا حقيقيا للحياة بحيث يستطيع التمييز بين ما هو حقيقى وهام وما هو غير ذلك . يبدأ هو أو هى فى التطلع للأفضل، والذى يبقى له فى الآخرة وليس إلى كل ما هو مادى يفنى سريعا ولا يترك له أثرا خلفه . الإيمان بالحساب فى اليوم الآخر ، هو المحرك الخلفى لكل القيم الأخلاقية . بدون هذا الإيمان فالقيم الأخلاقية لا معنى لها . إذا كانت الآخرة فى حد ذاتها قيمة أخلاقية ، فلا يجب أن تكون نتيجة أمنيات فكرية ، كما يقول المشككون ، لكن يجب أن تكون حقيقة موضوعية .
    لقد سبق أن ذكرت لك شعورى الإنعزالى من أؤلئكم الذين يشاركونا فهمنا . هنا فى نيويورك ، مجموعة صغيرة من المسلمين الذين أقابلهم فى المسجد أسبوعيا حينما أذهب هناك لتعلم اللغة العربية . أنا أذهب يوم الجمعة لجامعة كولومبيا لأقابل مجموعة من الطلبة المسلمين من بلاد مختلفة ومن ضمنها "باكستان" ، حيث نتجمع لصلاة الجمعة ، ثم نلتقى على عداء للمناقشة ، ولكن أفكارهم تشبه آراء أبوى ، وتصطدم معى فى كل شئ . هم يعتقدون بقوة بأن الإسلام لابد أن يلتقى مع الحضارة الأوروبية وقيمها ويمارسوا التعديل وفقا لذلك . حتى أن بعضهم ينتقد التعاليم الإسلامية الأساسية . والكثير منهم يشكك فى صحة الأحاديث النبوية . وبالرغم من أنى أبذل كل جهدى لأكون مؤدبة ولبقة معهم ، لكنى لا أستطيع إقناعهم كما أنهم لا يستطيعون إقناعى . أتركهم دائما وأنا محبطة . مدرسى للغة العربية فى المسجد ، وهو مصرى من القاهرة ، قال لى أن ينظر لكونه مصرى كما ينظر لكونه مسلما !!! وأن هذا الشعور ليس صناعيا وبعيد عن التغريب ، فهو يولد فى قلب الإنسان فى كل مكان .
    أريد أن أسألك ماذا أفعل فى هذا الأمر ؟؟؟ ومنذ نوفمبر 1959 لقد كتبت عدة مقالات أدافع أدافع فيها عن هذه النقطة ، وقد نشرت فى كثير من المجلات باللغة الإنجليزية ، ولكنى أشعر بأنها ليست كافية . وبالإضافة للكتابة ، أكون ممتنة لو أرشدتنى إلى شئ عملى بهذا الخصوص قمت أنت به وتقوم به حاليا .
    مع كل دعواتى لك بالتحسن فى صحتك ، أرسل لك السلام لك ولأسرتك .



    المتقدمة لك بوافر الإحترام
    مارجريت مارقس


    الخطاب (8)

    لاهور فى 19 مايو 1961

    عزيزتى آنسة مارقوس

    السلام عليكم ورحمة الله
    استلمت خطابك المؤرخ فى 12 أبريل ، وأعتذر إليك مرة ثانية ، للتأخير فى الرد ، فكما تعلمين السبب هو تأخر صحتى ومزيد من الأعمال . والحمد لله فبعد فترة مرض طويل ، عولجت بأشعة (×) ، وتقريبا تماثلت للشفاء ، مع شعور بأنه ما زال هناك بعض الضعف .
    لقد قرأت باهتمام قصتك فى "المرجع الإسلامى" والتى أرفقتيها بخطابك . لقد سطرت يداك صورة دقيقة عن قوة تأثير المادية الغربية على المسلمين العرب . لقد رأيت بعينى أثناء زيارتى الأخيرة ، مدى هذا التأثر على حياة العرب ، وناقشت تلك المسائل مع المفكرين والمصلحين المحبين للإسلام . التعليقات التى استقبلتيها عى قصتك ، لا تدهشنى بالمرة . حتى المخلصين من المسلمين يخشون من أن الغربيين والمسلمين المحدثين قد يشمئزوا حينما تعرض هذه الصور "التقليدية" عليهم . من الطبيعى أن يكون رد فعلك على هذه الآراء المضادة مختلطا بالفزع ، ولكنيجب عليك أن تتفهمى هذا الوضع . إذا صبرتى على نشر حقيقة الإسلام ، فتأكدى بأنك ستنجحين وستفوزين فى جهودك فى النهاية ، وستربحين بمن يعتنق الإسلام . وأنصحك بألا تحاولى إقناع كل الناس ، خصوصا هؤلاء الذين لا يأبهون للسماع لك ، وآراؤهم مخالفة تماما لآرائك ، حتى ولو كانوا هم أبائك المحبوبين . فالله سبحانه وتعالى يقول لنا "فذكر إن نفعت الذكرى" . عليك دائما بالبحث عن الأرواح التى يمكنها الإرتفاع عن المفاهيم المادية البحتة ويقدرون القيم الروحية والأخلاقية العليا . ما لم تتوصلى لمثل هؤلاء الأشخاص ، فستشعرين بالعزلة وتظلين فى متاهات المادية المتوحشة ، والمهاترات والمناقشات مع أشخاص معادين يحاولون أن يزرعوا الكآبة فى ذهنك .
    من الطبيعى أن تريد هذه الدول المسماة "الدول النامية" العمل على أن يضعوا حدا لتخلفهم بالسرعة الممكنة ، ويلحقوا بالدول الغربية فى سباقها للتقدم المادى . ولكن المأساة ، أن المعونة من الدول الأجنبية الغنية ، هى مقدمة لطوفان من التبعية الثقافية المدمرة لديننا ، وقيمنا وحضارتنا ، وكل ما هو قريب من نفوسنا وعزيز لدينا نجد فيه معنى حقيقيا للحياة . الأنكى من هذا ، هو أن يسند أمر الأمة إلى أناس من ذوى الأفكار المهزومة والذين يعملون على تغيير أسس الشريعة بالرغم من ضآلة معلوماتهم . هذا الوضع ذو خطورة مزدوجة . ليس فقط أنها تهديد للنموذج الإسلامى ، ولكن أيضا إمكانية أن تقع البلدان الإسلامية فى أحضان الشيوعية . حينما يشاهد المسلمون مقدساتهم وقيمهم السامية فى الحياة تداس تحت الأقدام ، وأنه لم يبقى لهم إلا الأفكار المادية التى تقود حياتهم وموتهم ، بالتأكيد فسيكونون تربة خصبة للدعاية الشيوعية والتسلل والمؤمرات . أعتقد أن السياسة الأمريكية ستعانى ولن تعوض الخسائر فى الدول الإسلامية . وقد بلاقوا نفس المصير الذى واجهته فى الصين وجميع التبرعات النقدية والعينية وتقع فى أيدى العدو . التحيز المتجذر ضد الإسلام وكراهية المسلمين بين الأمريكان والغرب أعماهم حتى عن خسائرهم هم .
    السؤال الذى أثرتيه فى نهاية خطابك السابق ، هو سؤال هام لا شك . هذا بالضبط هو السؤال الذى كنت احاول أن أصل لحله منذ السنوات الخمس والثلاثون الماضية . بدأت جهودى فى فهم الإسلام والعمل لإحيائه منذ شبابى فى الثالثة والعشرين من العمر ، ومنذ ذلك الوقت فقد كرست كل حياتى وعملى له . لم يكن لدى أية تطلعات لمجرد منهجية دفاعية أو خلفية دفاعية . فقد انطلقت من ثلاثة محاور هجومية . فمن أحد النواحى ، فأنا أعرف بمنتهى الوضوح القواعد والأسس التى ينبنى عليها الإسلام . لقد شرحت بشكل مفصل كيف أن طريقة الحياة فى الإسلام تتفوق كثيرا فى جميع النواحى عن مثيلاتها الغربية . وثالثا ، قدمت حلولا إسلامية عملية للمشاكل ... التى حتى المراقبون المسلمين ... يرون أنه لابد من اتباع الغرب فى حلها . ونتيجة لهذا العمل ، فإن الملايين من المسلمين فى باكستان والهند ، من كل مشارب الحياة ، يشاركونى الحماس لعودة النظام الإسلامى . حوالى 25 من كتبى باللغة الأردية قد ترجمت للغة العربية ، ونسبة كبيرة من المسلمين فى العالم العربى يقدرون ويدعمون أفكارى . إننى أحنى جبهتى لله سبحانه وتعالى وأحمده على كل هذا . وللأسف فحتى الآن القليل من أعمالى ترجمت للغة الإنجليزية . ولو أمكنك تعلم اللغة الأردية ، فربما تساعدك كتبى فى صراعك للدعوة للإسلام فى أمريكا .
    ياترى هل تعلمين بأن منظمة باسم "الجماعة الإسلامية" كانت تعمل منذ عام 1941 فى الهند-باكستان فى شبه القارة الهندية ؟؟؟ . تسعى "جماعة الإسلام" على نشر وتطبيق المفاهيم التى ذكرتها فى كتاباتى . وبعد إنفصال باكستان عن الهند ، أصبح هناك جماعاتان ، أحدهما بالهند وأخرى بباكستان . وقد منع الرئيس "أيوب خان" الجماعة الثانية مع كل الأحزاب السياسية الأخرى ، حين صدور الأحكام العرفية عام 1958 ؛ والجماعة الأولى ما زالت تعمل فى الهند تحت قيادة مستقلة . لقد سردت لك هذه القصة لأجعلك تعلمين بأنه لكى تحصلى على بعض المكاسب الإيجابية فى الدعوة للإسلام ، لابد من التضحية بصبر لأعوام عدة . علاوة على ذلك ، لكى تحققى النجاح فى أمر ما ، لابد تحيطى علما بالمناخ العلمى والأخلاقى الذى حولك . إنه طريق صعب وغير مريح على طول الخط . أنت الآن قد بدأت هذا الطريق . أقدر تماما مدى الصعوبة والألم التى تواجه شابة غير متزوجة تتحول لتعمل للإسلام فى بلد كأمريكا ، ولكنك حينما اعتنقت الإسلام لا شك تشبعتى بوضوح الواجبات التى أنيطت بك ، يجب عليك أن تستعينى بالله العظيم وأن تحتسبى كل المسئوليات التى اختارك الله سبحانه وتعالى لها . كل ما تبذلينه من جهد وإخلاص فيه ، سيعود عليك بتوفيق وعون من الله سبحانه وتعالى ، وستفتح أمامك الطرق والسبل بما لم تكونى تتوقعيه مسبقا .
    أعترف بأنى مفرط فى صحتى ، ولكنى مضطر لأداء كثير من الأعمال . يوميا هناك الكثير الذى يجب أن أقرأه وأحرره ، تصلنى كثير من الخطابات من الناس ، والكثير يأتون لزيارتى ، ولذلك فإذا تأخرت فى الرد على خطاباتك فلا تنزعجى واستمرى فى مراسلتى حتى أظل على علم بمجهوداتك ونشاطك . أنا مهتم جدا بكفاحك فى سبيل الإسلام . وأيضا ، فأنا أرغب فى نشر بعض مقالاتك فى الصحيفة الأردية الشهرية ، "ترجمان القرآن" متضمنة بعض خطاباتك ، ولكن لن أذكر فيها الأشياء الشخصية الحميمة . وأرجو ألا يكون لديك اعتراض على هذا . هل لى أن أسألك ، هل اتخذت اسما إسلاميا لك ؟؟؟


    مع السلامات والتمنيات الطيبة .
    المخلص

    أبو الأعلى

    يتبع

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    115
    آخر نشاط
    12-12-2007
    على الساعة
    02:36 AM

    افتراضي

    الخطاب (9)


    نيويورك فى 29 مايو 1961

    عزيزى مولانا المودودى

    السلام عليكم
    لقد سعدت جدا باستلام رسالتك المؤرخة فى 20 مايو وشعرت بارتياح حينما علمت بأئك تتعافى من مرضك . وأتمنى لك الشفاء العاجل .
    لك كل الحرية فى نشر خطاباتى ومقالاتى فى "ترجمان القرآن" ، كما تشاء ,
    من كل الخطابات التى استلمتها تعليقا على قصتى القصيرة ، فتعليقك هو الوحيد الذى تفهم الذى كنت أريد أن أقوله فيها . كما أخبرتك فالفصل الأخير من هذه القصة القصيرة "أحمد خليل" : السيرة الذاتية للاجئ عربى من فلسطين ، فقد بدأت فيها الكتابة فى أغسطس 1949 حينما كنت فى الخامسة عشر من العمر . الجزء الأول يتكلم عن طفولته المبكرة فى قرية صغيرة جنوب فلسطين ، بيته والبيئة المحيطة وأفراد عائلته ، ينتهى الأمر بطردهم المأساوى من بيوتهم خلال حرب فلسطين عام 1948 ، وما حدث من دمار شامل للقرية (ومع هذا الدمار دمار كلى للقرية) بواسطة القوة المتفوقة الصهيونية . يبدأ الفصل الثانى ، حينما كان عمر "أحمد خليل" ثمانية عشرة عاما وقد تزوج قبل عامين ، وقرر أن يترك مخيم اللاجئين بدون إذن من الحكومة ، مصطحبا البقية الأحياء من عائلته ليؤدوا الحج فى مكة "بشكل غير قانونى" ، وقد قرر أن يجعل المدينة مقره الدائم لحين العودة لفلسطين . باقى القصة تركز على ابن عمه "رشيد" ، الذى كان خلال حياته صديقه الحميم ورفيقه ، وأخيه الصغير المتخلف عقليا "خليفة" ، وابنه المتبقى على قيد الحياة "إسماعيل" ، وابنه المتبنى ، "عبد الرازق" طالب دين بالأزهر الشريف ضرير وقد أصبح راحته الوحيدة . الجزء الأول من القصة بؤكد على شرور المادية الغربية واحتضانها لأغراض الكيان الإستعمارى الصهيونى ، وتنتهى الفصول الأخيرة مبينة الأثر الضار لصناعة النفط فى السعودية حيث يمتد إلى الحياة اليومية والمصير المحتوم لهذه الأسرة العربية المسلمة . قصتى تعبر عن نفس أفكارك التى فى كتبك ، فقط فى صورة قصة . ولأسباب واضحة ، (بعيدا عن قيمتها الأدبية أو قصورها) "أحمد خليل" غير مرغوب فيه هنا ، ولم أتمكن من الحصول على فرصة مع الناشرين الأمريكان .
    الأن أنا فى صدد تجميع كتاب آخر ، حيث سيكون عنوانه ، "الإسلام يهاجم من الداخل ومن الخارج" : دعاية أدبية عن معاداة الإسلام . ليس غرضى منه أن أظهر فقط بالتفصيل كيف أن الإسلام يحارب بواسطة المستشرقين الأوروبيين والمسلمين المتغربيين من الداخل ؛ أريد فوق كل هذا لأعرض لعقلية خصومنا . لن يفيدنا مجرد إدانة أعدائنا . لكى نحاربهم بكفاءة ، أعتقد أنه من الضرورى لنا أن نفهمهم ونعرف كيف يفكرون . من بين المؤلفين ، أريد أن أتكلم بالتفصيل عن "ولفرد كانتويل سميث..مدير المعهد الإسلامى بجامعة ماك جيل بكندا" .. "هـ . جـ , ويلز .. المؤرخ البريطانى الشهير" .. "أرنولد توينبى" و "ويليام دوجلاس .. القاضى والذى يعمل حاليا فى المحكمة المريكية العليا" و "جوليان هكسلى .. الأحيائى والمدير السابق لليونسكو من 1946 - 1948 " و "ألبرت شويتزر" و "مسز إليانور روزفلت" و "جون س. باندو ,, المدرس السابق بالكلية الأمريكية ، وويعمل الآن سفيرا لأمريكا بالجمهورية العربية المتحدة" , ومن بين المتغربيين المسلمين ، سأضمن الكتاب ، "ضياء جاكالب" و "د. طه حسين" و "آصف ايه فايز .. وكيل جامعة كشمير" . كل اقتباس ، سيبدأ بفقرات تمهيدية ثم يتبع بتعليقات تفصيلية . وسأكتب مقدمة طويلة فى مقدمة المختارة الأدبية ، وخاتمة الكتاب ستكون مختصرة ومشرقة .
    كنت توا أقرأ كتابا يحتوى على معلومات مفيدة ، للراحل "محمد على" ، الرئيس السابق للحركة الأحمدية بلاهور وعنان الكتاب "المسيح الدجال ويأجوج ومأجوج" ، ويشرح فيه ، يكف أن النبوءات للرسول محمد عليه الصلاة والسلام فى هذا الخصوص قد تعنى هيمنة المادية الغربية على العالم . وبالنسبة لتخوفى أن ما يسمى "المساعدات التقنية" لبلدان العالم النامى تعنى فقط توسع المادية الغربية ، نبينا عليه السلام ، كان يعلم ذلك جيدا وقد قال : "أن الدجال سيعطى فقراء المسلمين طعاما ، ولكنه سيخرجهم عن إيمانهم" .
    وللأسف ، لقد أفسد الكتاب ، حيث أراد أن يقنع قراءه بأن "ميرزا غلام أحمد" القديانى ، هو المهدى المنتظر .
    فى الشهور الأخيرة ، كنت أحاول الإتصال مع "سيد قطب" ، وكما تعرف أكثر من اى شخص آخر ، فقد سجن تحت "ناصر" ، ومنذ حلت الإخوان المسلمون فى عام 1954 . وبالرغم من أنه لم يكن قادرا على الكتابة لى بنفسه ، فقد استلمت من أخته "أمينة قطب" خطابا جميلا تقول فيه بأن خطاباتى له قد وصلته فى زنزانة السجن وأنها تريد أن تكتب لى بالنيابة عنه . سيد قطب عالم ومؤلف لعدة كتب ويعتز بك كثيرا ، وقد أثنى على كتبك ونصحنى بقراءتها . ما أيشع هذا الذى يجرى فى الدول المسماة إسلامية ، الإسلام مضطهد جدا أكثر مما فى الدول الغير مسلمة .
    أرفق مع خطابى هذا نسخة من النشرة الأسبوعية للكنيسة المحلية "يونيتاريان Unitarian" ، وآبائى وأختى الكبيرة بفكرون بأن يكونوا أعضاء فيها . حتى الآن مازلت تحت الإنطباع بأن هذه الكنيسة هى من الطائفة النصرانية ، التى رفضت التثليث وألوهية المسيح ، وتنظر إلى سيدنا عيسى عليه السلام بأنه نبى وتؤكد على وحدانية الله . على كل حال ، فأبوى وأختى يعتنقون عقيدة لا تختلف عن "الإنسانية اللاأدرية" لحركة الثقافة الأخلاقية .
    منذ خمسة أيام مضت ، فى عيد الأضحىوبعد الصلاة ، وبحضور اثنان من أصدقائى المسلمين ، رسميا نطقت بالشهادتين ، وذلك يدخلنى كاملا فى الإسلام . وقد استلمت من البعثة الإسلامية لأمريكا فى بروكلين ، من الشيخ "داوود أحمد فيصل" شهادة إعتناقى للإسلام . واسمى الآن "مريم جميلة" ومن الآن فصاعدا سأمهر به كل مراسلاتى وكتاباتى . وبما أن آبائى لا يريدون مناداتى بالإسم العربى وكذلك آخرين من العائلة ، فلن أصر عليه معهم ، ولكن معك ومع كل إخوانى وأخواتى فى العقيدة ، فسأستخدم فقط الإسم الجديد الذى أعتز به وأفخر به .
    متمنية لك دوام الصحة والتحسن فيها ،
    لك فى الإسلام
    مريم جميلة


    الخطاب (10)


    لاهور فى 20 يونيو
    عزيزتى مريم جميلة
    السلام عليكم ورحمة الله

    لقد استلمت خطابك المؤرخ فى 29 مايو وقد سعدت قلبيا بأن أعرف أن أصبحت جزءا لا يتجزأ من الأخوة العظيمة للإسلام ، وذلك بنطقك بالشهادتين وتبنى اسما إسلاميا لك . كل ذلك كان أمر طبيعيا نتيجة أفكارك وقناعاتك . وأتضرع إلى الله سبحانه أن يقبل إخلاصك له ، ويمنحك القوة على العيش والعمل للإسلام ، كما يمنحك ويساعدك على مواجهة الجو المعادى لك والمحيط بك .
    وأنا ممتن لك على القلق حول حالتي الصحية. الحمد لله حالتي الصحية قد عادت الى حالتها الطبيعيه. وإن شاء الله ، أنوي المغادره إلى إفريقيا فى يوليو المقبل .
    شكرا على السماح بنشر اجزاء من مقالاتك ورسائلك . وفى إعتقادى ، انها ستكون بمثابة فتح لأعين الشباب المسلم هنا ، فستمدهم باكتشاف مغاير لما هم عليه من تغريب أنفسهم ، رغم ولادتهم في مجتمع مسلم وهاهى فتاة ولدت في نظام يهودى فى امريكا الحديثة ، والذي كانت تناضل من أجل الحقيقة وتسعى إلى ممارستها ، وها قد وجدتها فى النهاية . أرجو أن تكونين مثالا لهم يعلمهم درسا .
    أرجو أن ترسلى لي نسخة من رواية "أحمد خليل" . سأحاول أن أجد الوقت لقراءتها ، ثم عرضها على دور النشر التى تنشر لى ، "السادة المنشورات الاسلامية المحدوده .. بلاهور" . ويسرني إذا وافقت على طباعتها .
    مقتطفاتك عن الدعايه ضد الاسلام يمكن أن تكون مفيدة جدا وومرشدة . هناك العديد من الحقائق التي لا ينبغي ان تغفلى عن ذكرها . أن الشيوعيين فى الشرق ، والديموقراطيين فى الغرب يضعوا أيديهم فى أيدى بعضهم البعض فى العداوة للإسلام . ثانيا ، حينما يخرج أحدهم من أو ينحرف عن الإسلام ، ترتفع الأصوات عاليا في الاوساط الغربية ، مما يشجع المسلمين المحدثين على الجرأة على الإسلام وأكثر تبجحا فى إيذاء الدعاة للإسلام . واستنادا لهذه الانتقادات ، فهم يفسرون الخروج عن الاسلام مرادف "للتنوير" و "التقدم" ، وفى أفراطهم المتزايد ، يكتسبون المعجبين من الذين يدعون تحديث الإسلام ويزدادوا أكثر حماسا فى مخططاتهم . ويجعلون الحكام يشنون حربا مفتوجة على المحكومين ، وكنتيجة لهذا الصدام الداخلى ، تصبح البلاد الإسلامية خالية من الحيوية . وكنتيجة أخرى لهذا الموقف الذى يفتقد الحكمة ، فإن ما يسمى "بدول عدم الإنحياز" ، يصبح خط دفاع ضعيف وغير حصين . وإلى الآن ، فالشيوعية تضطهد المسلمين فى البلاد التى تحكمها ، بينما الدول الغير شيوعية تعمل على إثارة الفوضى فى الدول الإسلامية الحرة ، وبذلك فالهدف الرئيسى من الدفاع المشترك يكون مهزوما . ولذلك فالمسلمين الحقيقيين قد فشلوا فى رؤية أية فروق بين القوتين ، وأجبروا على الإعتقاد بأن جوهرهم هو نفس الشئ . وفى ظل هذا الإشمئزاز والنفور الشديد من الأغلبية الساحقة من المسلمين ، ترى أن التحالفات التى يجريها الحكام هى تحالفات صناعية ، وقد فقدت معناها .
    أنتقل الآن إلى سؤالك عن الدجال . فى اللغة العربية فكلمة الدجال تعنى الكذاب والمخادع . ومن هذا المفهوم ، فكل شخص مخادع ، وكذلك كل مجموعة مخادعة قهم دجاجلة . وعلى كل حال ، قالأحاديث التى وردت عن سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام عن الدجال ، (المخادع) تشير إلى أنه شخص فرد . أثناء سلطة الدجال ، كما أخبر بذلك رسولنا ، فإن المسلمين سيقاسون من الإضطهاد . وحينما أرجع إلى الأحاديث التى وردت فى الدجال أو "المسيح الدجال) ، أعتقد أنه لم يأت بعد ، ولكنى أعتقد أن الوقت قد حان لوصوله وستحقق هذه النبوءة سريعا . كما أعتقد أن ظهور الدال سيكون بـ "إسرائيل" .
    أنا سعيد باتصالك بسيد قطب وعائلته . وبالرغم من أنه لم تتح لنا فرصة اللقاء وجها لوجه ، غير أن كلينا يعرف الآخر معرفة وثيقة . لقد أرسل لى كتبه من السجن ، وقد قابلت أخاه "محمد قطب" حينما زرت القاهرة عام 1960 . المحن التى يواجهها الإخوان المسلمون بالحديد والنار ، وكذلك كل المسلمون الأصليون فى كل مكان ، لا يجب أن تثير استغرابك . فحينما ينشأ المسلم تحت مظلة الكفر وسيطرته ، ويرفع أعلامه بين يديه ، فسيصل إلى هذا الحد فى اضطهاد اخوته فى الدين ويعاملهم معاملة قد لا يجرؤ غير المسلمين عليها ، ولكن عاجلا أم آجلا وبالتأكيد ، سيأتى الوقت الذى يحصد فيه ما بذر .
    دعواتى لك بالتقدم الثابت على طريق الإسلام .

    المخلص

    أبو الأعلى


    يتبع

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    115
    آخر نشاط
    12-12-2007
    على الساعة
    02:36 AM

    افتراضي

    الخطاب (11)


    نيويورك فى 11 يوليو 1961

    عزيزى مولانا المودودى
    السلام عليكم
    شكرا على خطابك فى 20 يونيو ، وأنا سعيدة خاصة وأنى قد سمعت بأن صحتك قد عادت لطبيعتها وبناء عليه فيمكنك أن تذهب فى رحلتك لإفريقيا . وسأبعث لك خطابى هذا بالبريد السطحى ، حيث أنى لا أتوقع ردك عليه قبل عودتك للاهور فى سبتمبر .
    ومما جمعته من قراءاتى ، فإفريقيا تظهر كنقطة مضيئة على الخريطة ، فيما يخص الناحية الإسلامية من معنى . خصوصا فى نيجيريا ، حيث القيادة القادرة لأحمدو بيلو وأبو بكر توفا بلاوا . فالإسلام ينتشر بقفزات بحيث بالمقارنة ، فكل وثنى واحد يعتنق النصرانية يقابله عشرة يعتنقون الإسلام . فبالرغم من الكاثوليك والبروتستانت يملكون الثروات الضخمة ومن ورائهم الدعم من القوى الغربية ، وهم يحتكرون التعليم والمستشفيات والأعمال المحببة للبشر تقريبا منذ قرن ، ولكنهم يكتسبوا فقط حفنة ممن يعتنقون دينهم ، بينما الإسلام فى عدة أسابيع أو شهور ، تتحول إليه قرى كاملة . ونشرت مؤخرا النيويورك تايمز بأن محرررها قابل بعض المبشرين الكاثوليك فى بلدة نيجيرية الذين أخبروه بأن معظم الإفريقيين الذين عمدوا ، يواظبون اليوم على حضور المسجد المحلى ويراعون الصيام فى رمضان . أعتقد أن واحدا من أهم الأسباب لهذه الحقيقة ، أنه ليس هناك تمييزا عنصريا فى الإسلام كما هو مقبول فى النصرانية ، فكل الكنائس تعزلهم بصلابة ، بينما يرحب بهم فى المساجد ويشعرون كأنهم فى بيوتهم . لو نظم العمل التبشيرى الإسلامى بكفاءة ، فسيجد مجالا خصبا فى العشرين مليون أسودا من الناس ، خصوصا الفقراء منهم ، والعاطلون والمنبوذون والمحتقرون ، الذين يعيشون فى "الجيتو" فى نيويورك وشيكاغو .
    فى مختاراتى عن الدعاية ضد الإسلام ، ضمنت مقالا يمدح "الرئيس الحبيب بورقيبة" وحملته ضد الصيام فى رمضان ولاتى ظهرت فى "النشرة الإسلامية" ، والتى أعتقد بأنها معيبة ولا تغتفر . معظم المعلقون والمشاركون فى مختاراتى ، على صلة بالجامعة الأمريكية ببيروت والكلية الأمريكية بالقاهرة . هاتين المؤسستين هما مشاريع للتبشير البروتوستانتى وبالرغم من أنهم اكتسبوا عددا قليلا جدا ليتحولوا إلى النصرانية ، إلا أنهم حققوا نجاحا كبيرا فى صد الكثير عن مفاهيم الإسلام وجذبهم لطريقة الحياة الغربية . ومنذ أيام قابلت طالبا مسلما من السعودية يدرس فى جامعة كولومبيا فى مجال التدريس ، حصل على شهادتى "أ ، ب" من الجامعة الأمريكية ببيروت ، وأخبرنى بأن كل الطلبة المسلمين لابد أن يحضروا الصلوات النصرانية بالكنيسة . وهؤلاء الذين يرفضون الحضور ، عليهم أن يدرسوا فصلا إلزاميا فى "الأخلاق النصرانية" .
    لقد تدربت فى أحد المدارس العملية على الكتابة على الآلة الكاتبة ، وذلك لاعتقادى بأن ذلك سيسر على الحصول على وظيفة كسكرتيرة . وفى بداية بحثى عن عمل ، توجهت أولا إلى "مركز استعلامات عربية" حيث كنت أعتقد أن اهتمامى المتزايد فى الدول الناطقة باللغة العربية وفى الإسلام سيكون له قيمة ، ولكن سريعا حينما يعرفون أنى يهودية اعتنقت الدين الإسلامى وأننى لا أتعاطف مع الرئيس جمال عبد الناصر وشعاره "القومية العربية" ، فإنهم يواجهونى بلقاء بارد مما يجعلنى لا أعود إليهم مرة ثانية ، بعد ذلك ، زرت مقر "الأصدقاء الأمريكان للشرق الأوسط" فواجهتنى شابتان جميلتان بالمكاتب الأمامية وأبلغتانى بصراحة ، أن الأديان الأرثذوكسية قد اندثرت ولإن لم يضع العرب الإسلام خلفهم وينظروا إليه كرداء بالى ، فإنهم لن يحققوا تطورا إقتصاديا ويرفعوا مستوى معيشتهم . وسريعا تبينت أن المنظمات الأمريكية التى تعنى بالشرق الأوسط ، مدارة إما بالصهيونية أو بواسطة الإرساليات التبشيرية النصرانية أو أنها تجارية صرفة .
    منذ أيام كنت أمر فى نيويورك فرأيت مركز التجارة التونسى . انتبهت بشدة للسجاجيد اليدوية والنحاس المطروق المعروض بنافذة العرض ، وقررت الدخول للمعرض لإلقاء نظرة هناك . وقد تلقيت صدمة لم أكن أتوقعها فى حياتى ، لم أر شيئا إلا أرفف مزدحمة بقنانى النبيذ والويسكى وشراب الروم والبيرة . وسألت السسيدة المسئولة فى المكاتب الأمامية ، هل هذه منتجات تونس المستقلة ؟؟؟ فقالت لى أن هذه المنتجات للإستعمال الشخصى وللتصدير إلى الخارج ، وهى تمثل التقدم الإقتصادى للرئيس الحبيب بورقيبة الذى جلبه لتونس . وقالت أن الإسلام كان فقط من آثار العصور الوسطى ، وكلما أسرعنا فى التخلص منه كان ذلك أفضل !!! وقد لا حظت أن لهجتها تميل إلى اللكنة الفرنسية ، فسألتها هل أنت من الجنسية الفرنسية ؟؟؟ فأجابت بشدة نعم . وقالت لى أن الحكومة التونسية ورئيسها بورقيبة يرغبون فى تنمية العلاقات والصداقة مع فرنسا .
    وأنا اليوم أنوى الذهاب بعد الظهر إلى جامعة نيويورك ، التى سبق أن درست بها ، لأتكلم مع يهودى كان قد اعتنق الإسلام ونطق بالشهادتين فى المسجد . وحينما علمت أنه باعتناقه الإسلام ، أخذته إلى الكنيس اليهودى حيث أجبره الحبر على الردة إلى اليهودية . لم يكن أمامه خيار ، وذلك لأن أمه (أبوه قد مات) هددته بسحب دعمها المالى عنه إذا استمر على الإسلام . وبما أنه كان طالب طب ، فلن يستطيع أن يعول نفسه للأعوام القادمة . وأنا أحمد الله سبحانه وتعالى على أن رزقنى أبوين ليسوا بهذا الضيق فى التفكير وليسوا غير متسامحين كهذين الأبوين .
    فى غاية الشوق لتلقى ردك على فى سبتمبر وكل التفاصيل الهامة عن رحلتك لإفريقيا .

    أختك فى الإسلام

    مريم جميلة

    الخطاب (12)


    لاهور فى 29 سبتمبر 1961

    عزيزتى مريم جميلة
    السلام علكم ورحمة الله

    وصلنى خطابك المؤرخ فى 11 يوليو منذ أيام قلائل مما يشير إلى أن البريد السطحى من بلدكم إلى بلدى بطئ جدا . لقد وصلتنى مخطوطة قصتك "أحمد خليل" من أكثر من شهر ، وهى الآن لدى "المنشورات الإسلامية المحدودة" . وفور إعادتها لى سأحاول أن أجد الوقت لقراءتها وأبعث لك تعليقى عليها .
    ستندهشين حينما تعلمى بأن الحكومة فجأة قررت شطب أسماء الدول الإفريقية والعربية من على جواز سفرى ، ولهذا فأجبرت على إلغاء رحلتى إلى إفريقيا . ومنذ ذلك الوقت فقد استقبلت العديد من الخطابات من هذه البلدان رسالات احتجاج وكذلك من باكستان على هذه القيود على تحركاتى الخارجية . الذين فرحوا بهذا الإجراء ، هم فقط القديانيون الذين ينتسبون "لميرزا غلام أحمد" من قداينى الهند ، الذى ينصب نفسه كنبى جديد ، ويعتبر كل رجل وامرأة لا يعتقدون بذلك كفارا .
    الإسلام ينتشر بثبات فى إفريقيا بدون تنظيم أو دعم مالى بالرغم من المجهود المكثف والمصاريف الضخمة التى تصرفها الإرساليات التبشيرية النصرانية . هذه الحقيقة لهى أكبر دليل على حجم التناقض والمميزات بين الدينيين . النصرانية ضعيفة بالرغم من انتشار المدارس النصرانية والمستشفيات والدعم من الحكومات المستعمرة ، نادرا ما يعتنقها الإفريقى بحماس ، وهؤلاء الذين يفعلون ذلك ، سرعان ما يخيب أملهم فيها ويتخلو عنها . وعلى العكس من ذلك ، فبالرغم من أن الإسلام لم يقدم لهم بصورة جميلة متكاملة ، وأن معظم المسلمين ليسوا على الخلقة الإسلامى الصحيح ، ولا يوجد جاليات تبشيرية مدربة ، فالنذر البسيط من الإسلام الذى يعرفه هؤلاء الأفارقة يأتى من الإتصالات الشخصية . وحتى ذلك فهو كاف لجذبهم إلى الإسلام . وهذا ما شجعنى على العمل على تنظيم برنامج مدروس هناك ، ولكن للأسف فقد قيدت يداى . وعلى كل حال ، فلن يمنعنى ذلك إن شاء الله ، على أن أعمل ما فى وسعى فى سبيل ذلك بالرغم من المسافة البعيدة التى أنا فيها .
    لن تتعجبى إذا علمت بأن العاملين فى مجلة "المرجع الإسلامى" الذين يساندون الحبيب بورقيبة ، هم من نفس مدرسته الفكرية . هم من بلادنا وأنا أعرفهم تماما . هم ينتسبون لمجموعة لاهور الذين يتبعون "ميرزا غلام أحد القديانى" الذين تجرؤا وادعوا مخطئين بالنبوة . الأساس لأتباعه هو إدعاء نبوته ومن لا يؤمن به فهو كافر . أو غير مؤمن . ابن ميرزا غلام أحمد "بشير الدين محمود" يقود هذه المجموعة . والفريق المنبثق منهم والذى يقود هذه المجلة بالمسجد الذى يعمل بانجلترا ، يترددون فى إعلان الميرزا كرسول ولكن يقولون بأنهم نبى فقط كمعنى مجازى ، ولكنهم ينظرون إليه كالمسيح المنتظر ، والمجدد ، والمهدى .
    كلتا المجموعتين من القديانيين كانا من المفضلين جدا لدى الحكم البريطانى أثناء حكمها لشبه القارة الهندية قبل انقسامها للهند والباكستان . هم لم يكونوا يتمتعون ويدعمون فقط من المحتل البريطانى ، بل كانوا يشجعون وينالون الحماية من الإمبريالية البريطانية . فى داخل البلاد وخارجها ، كانوا يعينون فى الوظائف القيادية ، وقد كان ولاؤهم وطاعتهم للعرش البريطانى . قوبلت دعايتهم الإسلامية فقط لأنها كانت غير مؤذية للإحتلال ومطيعة جدا للإحتلال ، ودعمت بعثاتهم بالخارج نظير ولائهم للإمبراطورية . مولانا محمد على الذى ترجم القرآن الكريم للغة الإنجليزية ، كان قائدا لحركة الأحمدية بلاهور وهى التى أسست "البعثة العملية والثقة الثقافية" بانجلترا ، وأصدرت "المرجع الإسلامى " .
    هؤلاء القوم لا يدخرون وسعا ليظهروا أنفسهم بأنهم هم التنوريون والمتحررون والمتقدمون حسب المعايير الأوروبية . ولهذا نجدهم متحمسون لتبنى كل خطوة ، سواء فى باكستان أو أى بلد إسلامى آخر لما يسمونه بتطوير الإسلام . حاليا فقد تعدلت قوانين الأسرة فى بلدنا ليجعلوها متفقة مع تلك المعايير الغربية !!! ، ولهذا فهؤلاء الذين يديرون "المرجع الإسلامى" يصفقون لها بصوت مرتفع .
    لقد كان تقييمك للجامعات النصرانية فى كل من بيروت والقاهرة سليم جدا . وقد يهمك أن تعلمى بأن الكليات والمدارس النصرانية فى باكستان قد حققت نتائج متشابهة فى القرن والنصف الماضى . النخبة فى مجتمعاتنا فى موقع اقتصادى مميز ، وقد تبوؤا أعلى المناصب ، كما ترعى الدولة أبناءهم من سن الرابعة والخامسة من المر فى هذه المدارس . يتعلمون اللغة الإنجليزية بدلا من الأوردو ، ومن الطبيعى فاللكثرين منهم لا يستطيعون التحدث أو الكتابة بلغة أوطانهم . هم فى عزلة كاملة عن مصادر إيمانهم وثقافتهم . يحتفلون بالكريسماس ، ويتجاهلون أعيادهم . لا يعرفون شيئا عن أساسيات الإسلام ، وحينما يكبرون يكونون هم قادتنا وهم المسيطرون على مقدراتنا . تأثير نظام التعليم الذى ورثناه من الإحتلال البريطانى مدمر . وبالرغم من أن المدارس الحكومية لا تحول المسلم لنصرانى ، إلا أن النتيجة العملية لهذا النظام العلمانى هو الجهل ؛ واللا مبالاة ، الغلبية من شبابنا المتعلم يبقون مسلمين ليس بسبب دراستهم بل بالرغم عنها . وبما أنك حديثة العهد على المجتمع الإسلامى ، فأود أن تكونى محيطة بالسبب الذى يجعل المسلمين يبحثون عن العصرنة ولماذا أقلامهم وألسنتهم تروج للكفر .
    أشعر بقلق عميق للمشاكل التى تواجهك . ففأنا أدرك المحن التى تواجه أى شخص حينما يعتنق هو أو هى الإسلام فى أرض الكفر ، والصعوبات التى تواجهها المرأة هى عشر مرات من تلك التى يواجهها الرجل . من التجارب الشخصية المريرة ، فقد واجهت إلى أى مدى تسامح الغربيين الجدد وسعة أفقهم . كما أنك واجهت أيضا هذا النوع من الناس الذين يمثلون الدول الإسلامية فى البلدان الغربية . وبالرغم من أن هناك أوقاتا صعبة جدا ستقابلك ، إلا أنها ستضيف إلى صلابتك فى هذا العالم ، وبإذن الله ، بالتأكيد ستكون مكسبا لك فى الآخرة .
    وأعتقد لو أنك كنت قبلتى دعوتى لك لتعيشى فى لاهور ، فربما كان ذلك يوفر عليك بعضا من المنغصات ، كماأنى يمكننى القيام بمساعدتك بكل الطرق المتاحة ، وحتى أثناء وجودك بأمريكا ، وعلى هذا البع بيننا ، فأى شئ ترين أن أقدمه لك فأرجو أن تكونى صريحة فى طلبه منى ، ولن أتردد فى تنفيذه بقدر استطاعتى . عسى أن يتغمدك الله برحمته الواسعة ، ويعينك ويرزقك الصبر والمثابرة .

    مع كل تحياتى
    أخوك فى الإسلام

    أبو الأعلى


    يتبع

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    115
    آخر نشاط
    12-12-2007
    على الساعة
    02:36 AM

    افتراضي

    الخطاب (13)


    نيويورك فى 19 أكتوبر 1961

    عزيزى مولانا المودودى
    السلام عليكم

    شكرا على خطابك فى سبتمبر 29 .

    أحضر كل يوم جمعة ظهرا "رابطة الطلبة المسلمين" بجامعة كولومبيا لأداء فريضة الجمعة . ويقوم الطلبة بالتناوب بإلقاء خطبة الجمعة وإمامة الصلاة . وبما أننى أنثى ، فلا يجوز لى أداء الخطبة أو الإمامة ، وعندما جاء دورى ، ناب عنى أحد الطلبة الطيبين من الجمهورية العربية المتحدة ، ليقرأ خطبة مكتوبة كنت قد حررتها له ، وهى بعنوان ""هل يمكن للاسلام أن يتوافق مع روح القرن العشرين ؟" . وقد حللت فيها أهم سبعة مقترحات "لتحديث" الإسلام يرددها تكرارا من يسمون أنفسهم "التقدميون" ، وهذذه السبع نقاط هى :::
    (1) الإلغاء الدائم للخلافة .
    (2) الإلغاء للشريعة واستبدالها بالنظم العلمانية الغربية .
    (3) استبدال مفهوم عالمية الأخوة الإسلامية "الأمة" بالقومية العرقية الإقليمية .
    (4) الترجمات الرسمية للقرآن الكريم بدون وجود النص العربى ، واستبدال الحروف العربية بالرومانية .
    (5) رفع مستوى المعيشة بتبنى التصنيع وجعله هدفا أسمى للحكومات ، والتضحية بكل القيم فى سبيل ذلك أو جعلها أمورا ثانوية .
    (6) ما يسمى "بتحرير المرأة" .
    (7) اعتماد الزى والعادات الأوربية فى المعيشة .
    وقد بينت فى خطبتى ، بأن هذه المقترحات إذا استمر العمل بها كما هو مخطط لها ، فستؤدى إلى الدمار الكامل للحضارة الإسلامية . وقد قوبلت من الطلاب برفض عنيف . وقالوا لى ، بأنهم فور إكمالهم لدراستهم بأمريكا وعودتهم لبلادهم ، سيبذلون كل جهدهم فى لتنفيذ هذه الإصلاحات . أحد الطلاب من أفغانستان أكد لى أن بلده تحتاج لما هو أكثر من ذلك وكماكان "أتاتورك" !!! معظم الطلبة الذين قابلتهم يشاركون فى هذا الرأى ، ويجب على الإعتراف بأن ذلك أحبطنى وأوصلنى إلى اليأس التام .
    مرفق مخطوطة من الخطبة ، أرجو أن تعلمنى برأيك فيها .
    أختك فى الإسلام

    مريم جميلة

    الخطاب (14)


    لاهور فى 24 أكتوبر 1961

    أختى العزيزة فى الإسلام
    السلام عليكم

    أشكرك على خطابك المؤرخ فى التاسع من أكتوبر ، ومخطوطة خطبتك .
    وصفك للطلبة المسلمين الذين قابلتيهم بجامعة كولومبيا ، هو بالضبط كتوقعاتى . لقد قمت بدراسة عميقة لنظم التعليم للجيل الصاعد الجديد هنا وفى الدول العربية . النتائج الحتمية لهذا النظام يؤدى إلى تحامل شديد ضد الإسلام من هؤلاء الطلبة وتراثه التاريخى وثقافته المتوارثة . وفى أول فرصة هم حريصون على تمزيق شكله وتشويه روحه . هم متخلفون عقليا ومسلوبون أخلاقيا . حينما يعودون لأوطانهم يتقلدون المناصب الممرموقة ، وهذا هو السبب فى الفجوة الكبيرة بين الحكام والمحكومين . ولكن أؤكد لك أن هناك جانب آخر مشرق ، ومن نفس هذه المدارس والكليات والجامعات ، يوجد طلاب يتوقون بعمق إلى النظام الإسلامى . نفس هذا الوضع موجود فى العالم العربى ، تركيا ، وأندونسيا ، وكل البلاد الإسلامية . مثل هؤلاء الطلبة ، وبالذات الذين ينتسبون "لجمعية الطلاب" كانوا على صلة وثيقة بى وعندى آمال كبار فيهم . ولسوء الحظ فمثل هؤلاء الطلاب لديهم فرص ضئيلة للذهاب إلى أمريكا والغرب لقصور المعونات التى تجعل هذه الزيارات صعبة لهم ، وقصرها على الأبناء الفاسدين . ذلك هو السبب فى أنك لم تقابلى مثل هؤلاء الطلبة فى نيويورك .
    كنت أريد المسارعة فى طبع قصتك عن "أحمد خليل" لصالحك ، ولكن لشدة الأسف فإن "ميان توفيل محمد" مدير إدارة المنشورات الإسلامية قد أعتقل ، وهو الآن فى السجن بموجب قانون"السلامة العامة" ، وهذا القانون من مخلفات الإحتلال البريطانى بحيث يجرى إعتقال من يريدون دون محاكمة . تعتقله السلطات وتضعه خلف القضبان للمدة التى تراها هى . لقد كان مساعدا مقربا منى لمدة العشرين سنة الماضية . وكنتيجة لاحتجازه فذلك يتيح لهم الجرأة على نشر كتيب يهاجم نظام الأسرة ، كما صودرت كل النشرات الإسلامية للأبد .
    لقد درست خطبتك ليوم الجمعة بدقة ، وأؤكد لك أن ما ذكرتيه هو نفس ما كنت أردده لمدة ثلاثون عاما باستمرار . وذلك هو السبب فى أن المحدثين يخافونى كخطر عليهم . وأنا أتعجب كيف تسنى لبنت ولدت ونشأت بأمريكا أن تكون قادرة على استيعاب المشكلة بهذا العمق ؟؟؟ . ما ذكرتيه فى خطبتك لا يثير فى نفسى إلا التقدير العميق ، داعيا الله أن يزودك بالحكمة والثبات على توضيح وتعزيز قضية الإسلام .
    مع تحياتى وتمنياتى الطيبة
    أخوك فى الإسلام
    أبو الأعلى

    يتبع

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    115
    آخر نشاط
    12-12-2007
    على الساعة
    02:36 AM

    افتراضي

    الخطاب (15)


    نيويورك فى 8 نوفمبر 1961

    عزيزى مولانا المودودى
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    أشكرك على خطابك فى 24 أكتوبر .
    ويسعدنى أنك تعارض المذهب التبريرى الجدلى بشدة كمعارضتى له . حينما بدأت قراءة الأدب الإسلامى باللغة الإنجليزية فى عام 1953، أصدقائى المسلمين وبعض أقاربى ، رشحوا لى أن أقرأ للسيد / سيد أمير على كتابه عن "روح الإسلام" . وقد قعلت بنصيحتهم ، وعند النهاية من قراءة الكتاب ، اقتنعت بأنه أسوأ كتاب نشر عن الإسلام . وقد تعجب أصدقائى المسلمين من رد فعلى السلبى هذا ، ولم يستطيعوا فهم الدوافع وراء هذا الإنطباع .
    خذ كمثال ، مسألة تعدد الزوجات . حتى بعض المسلمين ، كالدكتور "حب الله" الذى كان يدير المركز الإسلامى بواشنجتون ، قالوا لى أن الإسلام يبيح التعدد تحت شروط نادرة استثنائية . بعض المحدثين يذهبون ببعيدا فى تفسير الآية القرآنية التى تقول "وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً {129} سورة النساء" ... ويعتبرون ذلك مبررا قويا لعدم التعدد . ومطابقا لهذا المنهج التبريرى ، يعلق "محمد على من لاهور" فى ترجمته الإنجليزية للقرآن "ص 187 - 188" :
    "سورة رقم 4 : آية 3 تبيح التعدد فقط تحت ظروف معينة ... ومن الواضح أن الإذن بالتعدد لأكثر من زوجة واحدة ،كان تحت ظروف آنية حينئذ فى المجتمع المعاصر ... ويمكن الإضافة هنا ، أن التعدد فى الإسلام تارخيا وعمليا يعتبر استثناء وليس قاعدة ..." .
    والدحض القوى لهذا المفهوم ، أن هذه المبررات لم يقل بها أحد من المفسرين المشهورين تفسيرا للآية الكريمة ، إلى أن وقع العالم الإسلام تحت نير الإستعمار الغربى . ولم أجد فى القرآن الكريم أو فى أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما يشير إلى إدانة مطلقة للتعدد ، أو أنه شر فى ذاته ، كما أنه لم يثار سؤالا عن ضرورة تقييده وإباحته لظروف معينة . والذى ورد فى الآية المذكورة أعلاه ، لا يفيد التقييد ، وبعبارة أخرى ، بأنه لا يوجد رجلين متشابهين تمام التشابه ، وغلبة العاطفة تختلف من شخص لآخر ، فلا يملك أحد أن يساوى فى عاطفته بين زوجات مختلفات ، وهذا لايعنى المساواة والعدل وحسن المعاملة فى المعيشة بينهن ، بقدر الإمكان .
    وفى مقدمة الترجمة الإنجليزية لـ "مارمادوك بكتول" ، تفسير أكثر أمانة لهذه الآية ، حيث كتب :
    "لا ينظر فى الإسلام للعزوبة بأنها طهرة وقداسة . بالنسبة للنصرانية ، فالمثالية الدينية هى فى العزوبة ؛ والزواج بواحدة هو فى الواقع امتياز لمواكبة الطبيعة البشرية . والمقابل فى لإسلام ، هو أن المثالية فى الزواج بزوجة واحدة ، والإمتياز لمواكبة الطبيعة البشرية هو فى التعدد . فزواج الرسول القدوة عليه الصلاة والسلام ، بخديجة لأعظم مثال على الزواج بواحدة فقط ، كما أن الرسول كان عليه أن يعطى مثالا آخر للبشرية بزواجه من أكثر من واحدة فيما بعد ، ويبين لها كيف يكون العدل بين الزوجات . الإسلام لم يؤسس التعدد ، بل كان التعدد موجودا من قبل بلا حدود ، وجاء الإسلام ليحدده فى أربعة فقط ، مع إعطاء كل إمرأة شخصيتها وحقوقها القانونية ، والتى يجب أن تحترم وأن يكون الرجال مسؤلون عن هذا الإحترام لكل زوجة . الزواج بواحدة أو التعدد الذى يتبع فى أى دولة ، يرجع إلى العوامل الإجتماعية والإقتصادية فى ذلك المجتمع" .
    أتساءل إن كنت قد قرأت فى عدد أبريل - مايو "صوت الإسلام" الذى تصدره "جمعية الفلاح" بكراتشى هذه المقالة "الحدود فى الإسلام" ؟؟؟ كتبها "محمد شبلى" ، الذى اكتسب إعجابى فى أحد المرات فى وضوحه وعرضه الذى لا يتلون عن الأسباب المنطقية للعقوبات التى تسمى بالوحشية ، كرجم الزناة حتى الموت ، وقطع يد السارق ، وجلد الزانى غير المحصن وشارب الخمر الخ ... . 99% من الكتاب المسلمين المعاصرين يحاولون القول بأن تلك الحدود أصبحت ملغاة فى العصر الحديث . وكمثال على مثل هؤلاء القوم ، الخطاب الذى وجه لرئيس تحرير المجلة يهاجم بعنف "محمد شبلى" ، على عدم اعتباره بأن العلمانية الغربية متفوقة على الشريعة الإسلامية .
    الرئيس "الحبيب بورفيبة" يقول : "حتى الآن فإن مفاهيم الإسلام تستقى من العلماء السابقين بالحرف ولم تتغير خلال هذه القرون الطويلة . هذه المفاهيم القديمة أصبحت بالية ... وبمفهوم آخر ، فإن المحدثين يحاولون أن يقولوا لنا بأن كل المجددين خلال القرون الإثنى عشرة الماضية لم يكونوا يفهمون معانى القرآن الكريم ، وأنه للمرة الأولى فقد جاء هؤلاء القوم بالفهم الصحيح له .
    هذه هى بعض الأسباب التى تجعلنى أعتبر أن النهج التبريرى يعتبر من أعلى الأمور خيانة ، وجبن أخلاقى ، وكفر روحى ونفاق .
    حينما يقول لى هؤلاء الطلبة التقدميين ، بأن بلادهم لا يجب أن تتدين ، إلى أن تتطور اقتصاديا ، ويرتفع مستوى المعيشة فيها أولا ، لا أمتلك إلا ترديد كلمات سيدنا عيسى عليه السلام "عليهم السلام" ، وذلك كما جاء بالإنجيل حينما قال لحوارييه : "ابحثوا أولا عن مملكة السماء وحينئذ قهذه الأشياء المادية ستعطى لكم ....." . ولكن هؤلاء المجددين يريدونها بالعكس !. يؤكدون لنا أنهم حين الحصول على المعيشة الرغدة ، حينئذ سيركزون على النواحى الروحية . ولكن الواقع يؤكد أن هذا لن يصير ، لأن الشخص الذى ينهج هذا النهج سيظل مشغولا بالمادة بحيث يصبح ذلك شغله الشاغل وسينسى كل الروحانيات بالكلية .
    الأسباب التى يذكرونها لتصديق هذا المنطق ، يمكن إلقاء الضوء عليها فى مقابلتى لأحد المدرسين بالمسجد فى نيويورك ، حيث قال لى أن كمال أتاتورك منع الأتراك من الذهاب لأداء فريضة الحج بحجة أن إقتصاد البلد منهار ، وأن الشعب فى مجاعة بحيث لا تسمح الحكومة بخروج أية مبالغ خارج البلاد . ويجادل هذا المدرس بأن ذلك مبرر ، حيث أن الحج يكون على الإستطاعة وأنه إجبارى فقط على من يتحمل نفقاته . ولكنه لم يتطرق إلى أن سياسة أتاتورك ، منعت فقط الحج ولكنها لم تمنع أى سفرية أخرى خصوصا لأوروبا أو أمريكا ، ولم يكن مسموحا بهذ السفريات فقط بل كانت تشجع برعاية رسمية .
    فى لقاء مع المؤسسة الطلابية بجامعة كاليفورنيا ، كان الموضوع المفضل للطرح هو أن المدارس الدينية كالأزهر وديوباند والمستويات الأقل ، يعتمدون فى تدريسهم على الحفظ ، وكان الإنتقاد هو على عدم الإعتماد على الثقافة المستقلة والخلاقة . وهؤلاء الطلبة فى نشوتهم هذه ، غير مدركين أن هذا النقد يجب أن يوجه لهم أنفسهم . فمن بين هؤلاء الطلاب الذين يدرسون بالغرب لم أجد أقل أثر يظهر أنهم مبدعين وأن ثقافتهم وأفكارهم ، متحررة من القيود . لايتقدمون بأفكارهم هم ، بل تلقائيا يرددون ما تعلموا كالببغاوات ! . وهذا السبب فى أنه بالرغم من أن الجامعات الأمريكية قد تحتشد بالطلاب المسلمين ، إلا أنك من العبث أن تجد من بينهم علماء حقيقيين .
    المعنى الحرفى لكلمة "إسلام" ، هى الإذعان لمشيئة الله . لا يمكن أن تكون مذعنا له سبحانه ، وأنت لا تراعى توجيهاته وأوامره فى حياتك اليومية العملية . مثل هذا الشخص الذى يشك فى حكمته (كما حدث مع أحد الطلبة فى جامعة كولومبيا ، الذى أخبرنى بأنه الآن من المسموح للمسلمين أكل لحم الخنزير ، لأنه من الممكن الآن تربية الخنازير تربية صحية ، خطورة الأمراض المصاحبة لأكل الخنزير قد تلاشت ! المسلم الحق ، لا يتخلى عن أمر ورد بالقرآن الكريم ، مدعيا بأنه لايناسب العصر الحديث . الهدف الأسمى للحياة ، أن يعيش الإنسان تبعا لما أراده الله سبحانه له ، وتعاسته تأتى من غضب ربه عليه . فالإنسان يجب أن ينظر إلى أوامر الله بفرحة وحب ، لا ينظر إليها كعبء عليه . يردد الأتقياء من اليهود يوميا فى الكنيس اليهودى الوصايا التالية من قانون سيدنا موسى عليه السلام :
    "فلتحب ربك الله ، من كل قلبك وبكل روحك ، وبكل قوتك . وهذه الكلمات التى سأوصيكم أنا "الله" بها ، سأضعها على قلب "موسى" . سوف تعلموها بدقة لأطفالكم ، ويجب أن تتكلم بها فى البيت ، وعندما تكون فى رحلة ، وعندما تكون جالسا أو قائما . يجب أن تضعها علامة على يدك ، وأمامك بين عينيك . يجب أن تحفرها على أعمدة الأبواب وعلى الأسوار" ( سفر التثنية 6 : 4 - 9) .
    ومن ناحية أخرى ، فهؤلاء المحدثين ، بدل أن يستسلموا لله سبحانه وتعالى ، يتوقعون أن يخضعوا تعاليم الله لهم !
    أرفق هذا الخطاب نسخة من "النشرة الإسلامية" ، والتى تمتدح القوانين الباكستانية الجديدة عن الأسرة ، برجاء تعليقك .

    أختك فى الإسلام
    مريم جميلة


    يتبع

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    115
    آخر نشاط
    12-12-2007
    على الساعة
    02:36 AM

    افتراضي

    الخطاب (16)


    لاهور فى 16 ديسمبر 1961

    عزيزتى مريم جميلة
    السلام عليكم ورحمة الله

    أشكرك على خطابك المؤرخ فى الثامن من نوفمبر ، وكذلك على المرفق عن مرسوم قانون الأسرة المنشور فى "الدورية الإسلامية" . وتحت غلاف منفصل ، تسلمت أيضا مخطوطك لمقالتك "أهمية التكبير" .
    لقد قرأت هذه المقالة بعناية وأتفق معك فى كل كلمة وردت بها . الرسول عليه الصلاة والسلام نهى بشكل قاطع عن رسم الصور أو نحت التماثيل للإنسان أو الحيوان . التاريخ يحمل شهادة عن أن ذلك هو اخطوة الأولى للشرك والوثنية . الشرك لا يعنى فقط إقامة الطقوس للوثن . حينما تعلق صور الزعماء والأشخاص المرموقة وتوزع فى كل مكان ، يكون نتيجة ذلك أن تستقر فى العقول وفى الأرواح ، معنى العبودية والتأليه لهؤلاء الأشخاص وتوقيرهم من دون الله سبحانه وتعالى . لاشك أن هذا نوع من العبادة الشركية .
    حينما احتلت روسيا بولندا ، تم توزيع آلف من صور ستالين ، ووزعت فى كل البلدان والقرى . وكان الجنود النازيون يضعون على زيهم صورة هتلر ، ومن يجرح منهم ويذهب للمستشفى وهو يجود بأنفاسه الأخيرة ، تجده واضعا هذه الصور على عينيه ويقبلها . الصور على النقود وطوابع البريد للزعماء الوطنيين ، هى رموز سيادتهم الدنيوية ، وعندما تظهر صورهم على شاشة السينما فالمطلوب من المشاهدين الوقوف فورا تبجيلا لهم . إذا لم يكن ذلك شرك ، فماذا هو إذا ؟؟؟ ? فالنازيون والفاشيون والشيوعيون ، لجأوا لاستخدام الصور فى هذا المجال ، والمفاسد التى نتجت من وراء ذلك والعواقب الوخيمة تظهر بجلاء الحكمة فى تحريم الإسلام للتصوير والتماثيل .
    كيف يمكن لمن يعرف الفرق بين التوحيد والشرك أن يتساهل فى موضوع التصوير عندما تكون نتائجه واضحة وصارخه فى هذه الأيام ؟؟؟ (مداخلة : هذا نوع من التشدد ، وهناك آراء أخرى تستند للكتاب والسنة تبيح التصوير ، والحظر هو على التماثيل خوفا من عبادتها من دون الله ، أما التصوير إذا أريد به تعظيم صاحب الصورة ، فالعيب ليس فى التصوير بل فى الهدف منه ، وذلك كأى شئ يحمل وجهين خير وشر ، كالسكين مثلا ، يستفاد بها فى أمور ، ويستخدمها القاتل فى قتل الضحية فالعيب ليس فى السكين بل فى الإستخدام) ... ولماذا حينما استلم خورشوف الحكم أزال صور وتماثيل ستالين من الأماكن العامة ، كإدانة له منه ؟؟؟ ألا يعنى ذلك أنه كان يعلم بأن تقديس هذا الإله المزيف فى أذهان الروس كان نتيجة لهذه الصور والتماثيل ؟؟؟ من قديم الأزل ، فالصور كانت الوسيلة لنشر الدعارة والفجور فى العالم . الخمر والموسيقى والرقص والأدب الفاضح والصور والتماثيل دائما ما كانت ، والآن أكثر مما قبل ، من أقوى السباب لنشر الزنا والفجور . والمحدثين الآن فى البلاد الإسلامية يصرون على الإنغماس فى هذه الممارسات بالرغم من التحذير الواضح من النبى عليه السلام وذلك لإشباع نزوات وقتية مدعين بأن ذلك نوع من التطور ، وهم لا يستطيعون فعل ذلم إلا بانتهاك تعاليم الدين الإسلامى . كيف لهؤلاء القوم أن يقنعوا أنفسهم والآخرين بأنهم بالرغم من هذا التغير ، بأنهم ما زالوا مسلمين جيدين ، هذا أبعد مما أستطيع تصوره .
    أتفق معك كلية عن كل ما كتبتيه عن المبررون . هناك سببان وراء هذا النوع من التفكير . إما أن يكون السبب هو فهم خاطئ للإسلام ، أو جهل به ، أو أنه نتاج طبيعى للعقلية العمياء التى تعتمد القيم الثقافية المهيمنة كمعيار مثالى يقاس عليه . وبذلك فتكون القيم الغربية هى التى يقاس عليها قيم الإسلام وليس العكس . رائد التبريريين فى شبه القارة الهندية هو السير سيد أحمد خان وزميله شيراج على . ثم حذا حذوهم بعد ذلك ، سير سيد أمير على . (أمير على وشيراج على هما من الشيعة) . وفى النهاية فدق تبنى أتباع هذه المدرسة الإعتذارات الناعمة عن الإسلام لصالح الغرب . محمد علة جوهار (من أتباع ميرزا غلام أحمد وهو مترجم القرآن الكريم للغة الإنجليزية ، وكثير من الكتاب الغربيين يخلطون بينه وبين شخص آخر بنفس الإسم كان قائد دولة وجاهد للحرية ، نفس هذا المنهج الإعتذارى لمدرسة (على جاهر) قد اتبع مثله فى مصر الشيخ (محمد عبده) وفتح الباب على مصراعيه للمتغربين من الناطقين باللغة العربية الذين أتوا من بعده .
    وحينما بدؤا المسيرة على هذا النهج ، وجدوا أنه من المستحيل أن يضعوا حدودا لسفسطتهم المبالغ فيها . الجهاد ترجم بأنه حرب دفاعية . تعاليم الإسلام بالنسبة لأسرى الحروب (الرقيق) أعطيت أكثر المعانى غرابة وسخافة . تعدد الزوجات ، نظر إليه بأنه يكون عند الضرورة فقط ، والإسراع بجعله غير قانونى يكون من الأفضل . المعجزات التى ذكرت بالقرآن الكريم إما أن ينكروها كلية ، أو يقومون بمحاولات مضنية لتفسيرها على أنها ظواهر طبيعية . الملائكة يقولون عنها أنها مجرد قوى الطبيعة ، والوحى هو نتيجة انعكاس خارجى لنشاط عقلى غير عادى يشبه هلوسة المجانين . نتيجة للقهر السياسى فقد عانى المسلمون تخلفا خطيرا فى عالم الفكر سبب لهم شللا ذهنيا بحيث لا يستطيعون استيعاب هدى الله سبحانه وتعالى ووحيه إلى نبيه الخاتم .
    ما ذكرتيه عن تعدد الزوجات كان صحيحا جدا . وأحب أن أضيف بأن الآية الثالثة من سورة النساء لم يوحى بها لتقرير التعدد . الوحى الإلهى لم يمنع التعدد فى أى وقت وجميع شرائع الأنبياء سمحت به . ومعظم الأنبياء كانت لهم أكثر من زوجة واحدة . وقبل نزول هذه الآية الكريمة على الرسول عليه الصلاة والسلام ، كان لديه ثلاثة زوجات (سودة وعائشة وأم سلمة رضى الله عنهن) . وكان معظم صحابة النبى لديهم عدة زوجات . ولذلك لم يكن هناك حاجة لإقرار شئ موجود أصلا ومشروع وممارس . الآية المشار إليها نزلت حينما ترمل عدد من النساء بالمدينة بعد غزوة أحد وتيتم العديد من الأطفال وتركوا بلا أب يرعاهم . ولمواجهة هذه المشكلة ، وجه المسلمون لحله باستخدام مؤسسة موجودة فعلا ، وحدد لهم التعدد بأكثر من زوجة واحدة إلى أربع زوجات من بين الأرامل . ونتيجة لهذا فقد أمكن امتصاص الأرامل والأيتام ليعيشوا فى جو أسرى سليم وبين العائلات المختلفة . وهذا الهدى من الله سبحانه لم يشرع التعدد بل حدده بأربع زوجات وبأنه يجب العدل بينهن وإلا اكتفى الرجل بزوجة واحدة . هذين الشرطين أعلاه لم يكونا معروفين من قبل ولم يردا لا فى التوراة ولا فى الإنجيل .
    من يريد هؤلاء القوم أن يخدعون ؟؟؟ ... يريدون أن يخدعوا الله أم أنفسهم يخدعون ؟؟؟ ولكنى أؤكد لك أن هذا الإحتيال الآثم لن يستمر طويلا . فهم نتيجة تسلطهم السياسى يحاولون غسيل أذهان المسلمين ووضع ما يريدون داخلها ، وصحافة الغرب تربت على ظهورهم . ولكن هناك موجة قوية من الإستياء بين جمهور المسلمين فى كل البلاد الإسلامية ضدهم وهى من الكثافة بحيث لا يمكن لك أن تتخيليها بينما أنت بأمريكا . إذا ذهبت إلى أى بلد إسلامى ، سترين بعينك كيف أنه ليس البسطاء فقط بل أيضا الغالبية العظمى من المثقفين ثقافة حديثة ، ممتعضين من هؤلاء القوم ومن تخريجاتهم المستحدثة المشبوهة عن الإسلام ، وأن هناك غضب عارم ضدهم وضد هذه الروح الآثمة . هؤلاء الشباب الذين قابلتيهم بجامعة كولومبيا لا يمثلون فى الحقيقة أفكار جمهور المسلمين . هم يتكلمون بلسان طائفة ضئيلة جدا ينظر إليها بأنها مدفوعة من المسئولين ولا تعتبر ثروة حقيقية للدين . ومثل هؤلاء حين عودتهم لبلادهم يصبحون فيها كالأجانب . عاداتهم ، أذواقهم، سلوكهم وكذلك أفكارهم كلها تتعارض مع إخوانهم المسلمين . لا يندمجون فى الآخرين كما أن الآخرون لا يندمجون فيهم ، فهم معزولون . هم مواطنون من جنسية غريبة ولدوا فى دول إسلامية وترعرعوا فى ظل الإستعمار الغربى . وهم على يقين بأنهم لن يستطيعوا أن يقنعوا المسلمين بأفكارهم العلمانية بالطرق الديمقراطية ، ولذلك يحاولون دس عقائدهم المستوردة والغير مرغوب فيها بواسطة الإستبداد والتسلط . وتساعدهم أصوات من الغرب تقول لهم بأن المسلمين غير مستعدون للديموقراطية الآن . وهؤلاء الديكتاتوريين ليس عندهم أبسط تقدير للديموقراطية . هم أنفسهم ضحايا أسوأ أنواع العبودية . يصفق لهم الغرب بصوت مرتفع حينما يتبنون المادية الغربية ويطرحون جانبا القيم الإسلامية والمفاهيم الإسلامية عن عقولهم .
    بخصوص المقالة التى أرفقتيها مع خطابك الأخير من مجلة (المرجع الإسلامى Islamic Review) ، عن موضوع (قانون تنظيم الأسرة) ، قد يهمك أن تعلمى بأنه فور تطبيق هذا القانون فى السابع من آذار الماضى، فقد قمت أنا ومعى علماء آخرون يمثلون كل المدارس الفكرية الإسلامية الأخرى ، قد أصدرنا بيانا مشتركا ينتقد القانون بالتفصيل ويبين مدى تعارضه مع الكتاب والسنة . وصدرت تعليمات من الحكومة للصحافة والمطابع بعدم النشر . على الرغم مِنْ المنعِ، تَجاسر بعض الأشخاصِ لنشره على أية حال . لقد تعرضوا للمساءلة والتضييق عليهم بشتى الطرق ، وبعضهم تعرض للسجن حسب قانون السلامة العامة . وقد صدرت فى الداخل والخارج القصائد والمقالات المؤيدة لهذا البيان . وقد طلبتى منى أن أعلق على هذا القانون وأستطيع الآن القول بأن هذه الإنتقادات والتعليقات على هذا القانون وخوف الحكومة منها لهو تعليق كاف فى حد ذاته .
    فى الختام أعتذر لك ثانيا على تأخرى فى الإنتظام فى الرد بدون أسباب .
    مع تحياتى وتمنياتى الطيبة .
    أخوك فى الإسلام
    أبو الأعلى


    يتبع

صفحة 1 من 3 1 2 ... الأخيرةالأخيرة

ترجمة خطابات متبادلة بين المودودى ويهودية أسلمت ..(مريم جميلة)

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. كيف أسلمت إيفون ريدلي؟؟
    بواسطة دفاع في المنتدى منتدى قصص المسلمين الجدد
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 25-07-2009, 06:20 PM
  2. مريم جميلة .. من الغى إلى الرشد (منقول) !!!
    بواسطة أبو عبد الوهاب في المنتدى منتدى قصص المسلمين الجدد
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 03-12-2007, 02:23 AM
  3. أسلمن بعد 11/9 نصرانية ويهودية
    بواسطة muad في المنتدى منتدى قصص المسلمين الجدد
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 25-03-2007, 05:35 PM
  4. الرد على موضوع (خطابات للمسلمين) لموقع النادي العربي
    بواسطة السيف البتار في المنتدى الرد على الأباطيل
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 01-05-2006, 01:01 AM
  5. ترجمة كتاب القيامة بالجسد للقديس جاستن مارتر - ترجمة محمود مختار أباشيخ
    بواسطة نسيبة بنت كعب في المنتدى منتدى نصرانيات
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 11-01-2006, 05:19 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

ترجمة خطابات متبادلة بين المودودى ويهودية أسلمت ..(مريم جميلة)

ترجمة خطابات متبادلة بين المودودى ويهودية أسلمت ..(مريم جميلة)