الحمد لله وبعد :

فهذا كتاب عظيم الفائدة , ينقد فيه صاحبه قاعدة سائدة , لبعض الجماعات التي تتدعي أنها رائدة , لإرجاع عزة الأمة المسلوبة ومقدساته المنهوبة , زكاه عالم جليل فضيلة الشيخ عبد المحسن العباد البدر - حفظه الله ونفعنا بعلمه - .

هذا الكتب لفضيلة الشيخ حمد بن إبراهيم العثمان - حفظه الله -

يقول حفظه الله

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل؛ فلا هادي له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد: فاعلم أن العصمة والنجاة في الوقوف مع الألفاظ الشرعية، كما أن الدين ما دلت عليه تلك الألفاظ من المعاني، فهي الكفيلة بكل هدى وبيان، العاصمة من باطل خطأ وزلل وفساد. وأما الألفاظ التي لم ترد في الكتاب والسنة؛ فإن تعليق الاعتقادات والأعمال والأحكام عليها يجر إلى أقوال باطلة، ويتولد من الشر بسببها ما لا يعلمه إلا الله. واعلم وفقك الله أن السني لا يقول حتى يقول الله ورسوله، كما أمره الله: (لا تقدموا بين يدي الله ورسوله)، والبدعي جعل دينه ما قالته شيوخه، فإذا جاءت نصوص الوحي، قال هذا مجمل! هذا مؤول!… وأما أقوال شيوخهم فلا يعتريها عندهم إجمال، ولا إشكال، ولا يحل لأحد مخالفتها، ولو كان ذلك اتباعا لقول الله وقول رسوله. وبعض من تمكن الجهل والهوى منه يعظم الأقوال والقواعد المبتدعة، ويغضب لها إذا تركت، أو بين ما فيها من الخطأ أو الزلل. وهؤلاء شأنهم شأن الأعراب الذين يعظمون العادات الجارية التي يأمر بها المطاعون، ويغضبون لها إذا انتهكت أعظم من غضبهم لحرمات الله إذا انتهكت، وهذا ضلال مبين.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية (منهاج السنة 5/ 130)

بل كثير من المنتسبين إلى الإسلام يحكمون بعاداتهم التي لم ينزل الله سبحانه وتعالى؛ كسوالف البادية وكأوامر المطاعين فيهم، ويرون أن هذا هو الذي ينبغي الحكم به دون الكتاب والسنة. وهذا هو الكفر؛ فإن كثيرا من الناس أسلموا، ولكن مع هذا لا يحكمون إلا بالعادات الجارية لهم التي يأمر بها المطاعون، فهؤلاء إذا عرفوا إنه لا يجوز الحكم إلا بما أنزل الله، فلم يلتزموا بذلك، بل استحلوا أن يحكموا بخلاف ما أنزل لله فهم كفار، وإلا كانوا جهالا، كمن تقدم أمرهم. اهـ

ولما كانت الدعوة إلى الله من أجل الطاعات كما قال سبحانه وتعالى: (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين) قام بهذا الواجب أفراد وجماعات، تباينت مناهجهم، واختلفت طرائقهم؛ بسبب تفاوتهم في العلم؛ لأن العلم رتب ودرجات كما قال الله تعالى (وفوق كل ذي علم عليم) وقد أدى اجتهاد بعض الدعاة إلى تأصيل قواعد دعوية يعمل بمقتضاها في الدعوة إلى الله. والواجب أن يجعل ما أنزله الله تعالى من الكتاب والسنة أصلا في جميع الأمور، ثم يرد ما تكلم فيه الناس إلى ذلك، ويبين ما في الألفاظ المجملة من المعاني الموافقة للكتاب والسنة فتقبل، وما فيها من المعاني المخالفة للكتاب والسنة فترد.

ومن جملة هذه القواعد المتداولة

في صفوف بعض الجماعات الدعوية قاعدة: «يعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه، ونتعاون فيما اتفقنا عليه» وصاحب هذه القاعدة قد قبض رحمة الله تعالى عليه وغفر له، ولجميع المسلمين ولو كان حيا لرجعنا إليه فيها؛ حتى نتحقق من مراده، ونبين له لوازم قاعدته، لكننا رأينا عمل أتباعه بهذه القاعدة، فظهر لنا مرادهم منها. فهم لم يخصوها بأهل السنة في المسائل الاجتهادية غير المنصوصة؛ بل وسعوا هذه القاعدة حتى وسعت أضل الفرق كالرافضة. والله يعلم كم كانت هذه القاعدة سببا لتبرير البدع، وحشر مقولات أهلها مع مقولات أهل السنة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية (الرد على البكري 1 / 614) :
فالمعاني الثابتة بالكتاب والسنة يجب إثباتها، والمعاني المنفية بالكتاب والسنة يجب نفيها، والعبارة الدالة على المعاني نفيا وإثباتا إن وجدت في كلام أحد، فظهر مراده من ذلك، رتب عليه حكمه، وإلا رجع إليه فيه ا. هـ

والسبب الباعث لتأليف هذه الرسالة؛ هو أن أحد طلبة العلم أصلحه الله، وصف هذه القاعدة بقوله: عليها نور من أثر النبوة 0 (جريدة الأنباء) عدد (رقم 1227).

وأين هذا من الأئمة الراسخين الذين لا يطلقون ما لم يؤثر من العبارات، قال الحافظ ابن رجب ممتدحاً الموفق ابن قدامة: لا يرى إطلاق ما لم يؤثر من العبارات 0 اهـوسترى في رسالتنا هذه الفرق بين قوله هذا وقول العلماء الراسخين.
وقد قسمت هذا البحث إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: مقدمات وقواعد في مسائل الاختلاف.

القسم الثاني: ما يترتب على إعمال هذه القاعدة.

القسم الثالث: أقوال العلماء في هذه القاعدة.

هذا؛ وأسأل الله تبارك وتعالى أن ينفع بما كتبت نوأن يهدينا والمسلمين إلى سواء السبيل؛ إنه سبحانه نعم المولى ونعم الوكيل 00. وأقدم شكري في هذا المقام إلى صاحب الفضيلة الشيخ العلامة صالح ابن فوزان الفوزان وفقه الله تعالى على ما تكرم به من مراجعة هذه الرسالة، وإضافة بعض الفوائد والتعليقات عليها، وكذلك أشكر فضيلة الشيخ العلامة عبدالمحسن العباد البدر نفع الله به على ما أكرمني به من النظر في رسالتي هذه نظرة علمية، ثم تقريظها. فجزى الله الشيخين الفاضلين خيراً، ووفقهما لما فيه نفع الأمة، ونصر السنة؛ إنه جل وعلا سميع مجيب.

وكتب حمد بن إبراهيم العثمان الكويت

يتبع..