بسم الله الرحمن الرحيم
ما الفرق بين الخلافة والملك، سؤال شغل بال عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وبينما هو في مجمع من الصحابة سأل سلمان رضي الله عنه: أملك أنا أم خليفة؟ قال له سلمان: إن أنت جبيت من أرض المسلمين درهما أو أقل أو أكثر ثم وضعته في غير حقه فأنت ملك غير خليفة فاستعبر(بكى) عمر ـ ابن سعد.
عن سفيان بن أبي العوجاء قال: قال عمر بن الخطاب: والله ما أدري أخليفة أنا أم ملك؟ فإن كنت ملكاً فهذا أمر عظيم، قال قائل: يا أمير المؤمنين ! إن بينهما فرقاً، قال ما هو؟ قال: الخليفة لا يأخذ إلا حقاً ولا يضعه إلا في حق، فأنت بحمد الله كذلك. والملك يعسف (يظلم) الناس فيأخذ من هذا ويعطي هذا، فسكت عمر! ـ ابن سعد.
عن رجل من بني أسد أنه شهد عمر بن الخطاب سأل أصحابه وفيهم طلحة وسلمان والزبير وكعب فقال: إني سائلكم عن شيء فإياكم أن تكذبوني فتهلكوني وتهلكوا أنفسكم، أنشدكم بالله! أخليفة أنا أم ملك؟ فقال طلحة والزبير: إنك لتسألنا عن أمر ما نعرفه، ما ندري ما الخليفة من الملك، فقال سلمان يشهد بلحمه ودمه: إنك خليفة ولست بملك، فقال عمر إن تقل فقد كنت تدخل فتجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال سلمان: وذلك أنك تعدل في الرعية وتقسم بينهم بالسوية وتشفق عليهم شفقة الرجل على أهله وتقضي بكتاب الله، فقال كعب: ما كنت أحسب أن في المجلس أحداً يعرف الخليفة من الملك غيري ولكن الله ملأ سلمان حكماً وعلماً.
وقد مايز بن خلدون بين الخلافة والملك في كتابه المقدمة ممايزة من دخل السياسة وعاش أحوالها وأهوالها وانقطع في آخر حياته للكتابة والتأليف حيث قال "لما كانت حقيقة الملك أنه الاجتماع الضروري للبشر، ومقتضاه التغلب والقهر، اللذان هما من آثار الغضب والحيوانية، كانت أحكام صاحبه في الغالب جائرة عن الحق، مجحفة بمن تحت يده من الخلق في أحوال دنياهم، لحمله إياهم في الغالب على ما ليس في طوقهم من أغراضه وشهواته" [1].
"والخلافة هي حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها، إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة، فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسية الدنيا به" [2].
يتحصل لنا مما سبق أن الخلافة هي نظام الحكم الشرعي الذي يرتضيه الله ورسوله لما فيه من حراسة الدين وسياسة الدنيا:
* حراسة الدين بالتمكين لشريعة الله عز وجل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الصلاة وإتاء الزكاة... وذلك بحفظ أصول خمسة بأسس ثلاثة العدل والإحسان والشورى.
* وسياسة الدنيا على أساس العدل والشورى بين الناس، سياسة لا يجبى فيها دينار بغير حق، ولا يعطى فيها امتياز بغير حق، سياسة تمكن رجال القوة والكفاءة والمروءة من تدبير أمور المسلمين، لا توزيع ذلك توزيعا عصبيا عائليا مصاهراتيا، سياسة روحها الشعب، وهدفها الشعب وغايتها تأسيس العمران الأخوي الذي يرضى عنه من في الأرض ومن في السماء.
نظام الخلافة هو نظام استراتيجي، لا يمكن تحقيقه بضربة لازب، بل هو جهاد أجيال، خاضع لسنة الله في التغيير ومن سنته التدرج ومن تأييده طوي المراحل على جند الله القائمين بالقسط ،الطالبين رضاه ومغفرته سبحانه وتعالى، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
يقول الأستاذ عبد السلام ياسين: "إن الخلافة الثانية وعد موعود غير مخلوف، ومن سنة الله ورسوله أن تنشأ كل ناشئة على التدرج وفي ميدان التدافع بين الناس، وعلى مرأى ومسمع من العالم، وبآليات أنفسية وآفاقية تبدو مشتركة حكمها على المجتمعات غلاب" [3].
إن الخلافة والعدل وجهان لعملة واحدة يتحقق الأول بوجود الثاني، وتفشي العدل رهين باستئصال الفساد وهو ما يحتاج طول نفس وحكمة مناجزة، قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الحسن (محجة القرب، العراقي عن معقل بن يسار المزني): "لا يلبث الجور بعدي إلا قليلا حتى يطلع فكلما جاء من الجور شيء ذهب من العدل مثله حتى يولد في الجور من لا يعرف غيره ثم يأتي الله تبارك وتعالى بالعدل فكلما جاء من العدل شيء ذهب من الجور مثله حتى يولد في العدل من لا يعرف غيره" .
إن نظام الخلافة ليس حلما لم يشهد له مثال في تاريخ الأمة الإسلامية، وإنما هو نظام أصله الخلفاء الراشدون في تدبير شؤون الحكم، وشرعه الله ورسوله في القرآن الكريم والسنة المطهرة. وقد اجتهد الأستاذ الفاضل عبد السلام ياسين في وضع أسس وأصول له، في أكثر من كتاب، أهمها كتاب العدل، ولعل أبرز أساس وقاعدة عريضة لنظام الخلافة من خلال ما تحصل لدي أنه نظام يقوم على أساس تحقيق التكامل بين الدعوة والدولة، دون أن ينصهر أهل الدعوة في الدولة، ودون أن تستأسد الدولة على الدعوة، فجهاز الدعوة ومؤسساتها مهمته حراسة الدين، وجهاز الدولة ومؤسساتها، مهمته سياسة الدنيا. على أن تكون للدعوة سيادة في التوجيه والإرشاد والفصل في القرارت الكبرى بما يرضي الله ورسوله، ويقتضيه الواقع وسياقه.
1.مقدمة ابن خلدون، تحقيق درويش جويدي، المكتبة العصرية، ص177.[3] نفسه،
2.ص 178.
[3] سنة الله، عبد السلام ياسين، مطبعة النجاح الجديدة، ص305.
المفضلات