(7) .. مكتبة نجع حمادي القبطية – مقدمة:
كان اكتشاف مخطوطات البحر الميت باعثاً للأمل في العثور على أدلة قاطعة بشأن المسيحية والظروف التي نشأت فيها الحركة المسيحية الأولى، ولكن رغم التشابه الكبير بين عقائد جماعة اليسوعيين التي سكنت منطقة قمران وبين العقائد المسيحية ، إلا أن مساحة من الاختلافات الواضحة ظلت قائمة ، فاليسوعيون ظلوا جزءاً من الأمة اليهودية ، كما لا يوجد أي ذكر عندهم ليسوع المسيح أو للزمن الذي عاش فيه معلمهم الصديق الذي انتهت حياته نهاية دموية دون تحديد ما إذا كانت على الصليب أم بوسيلة أخرى.
وهو ما طرح من التساؤلات أكثر مما حمل من الإجابات .. وكأنه قدر على الإنسان أن تزداد حيرته كلما أوغل في المعرفة.
يلحظ الأستاذ أحمد عثمان في كتابه "مخطوطات البحر الميت" طباعة مكتبة الشروق – القاهرة أن تعاليم المسيحية التي نشرها بولس في رسائله وأيضاً المنشورة في سفر أعمال الرسل لا تذكر ميلاد بيت لحم أو الخروج من الناصرة كما لا تذكر واقعة صلب الرومان مثل أنها لا ذكر لها في كتابات قمران، وجماعة اليسوعين كانت تنتظر عودة المعلم الصديق وتؤمن بقيامته كالمسيحية، كما ألقى بولس مسئولية مواجهة المسيح للموت على كهنة اليهود فإن اليسوعيين اعتبروا أن المتسبب في موت المعلم الصديق هو الكاهن الشرير ، وبينما كان اليهود يحتفلون بعيد الغفران "يوم كيبور" بتقديم الأضحية ، فإن اليسوعيين كانوا يقيمون مأدبة العشاء المسيحي بدون ذبيحة ، حيث اعتبروا أن معلمهم الصديق كان هو الأضحية في ذلك اليوم.
إلا أنني لاحظت أن هناك آية في سفر أعمال الرسل تقول " ومع أنهم لم يجدوا علة واحدة للموت طلبوا من بيلاطس أن يقتل() ولما تمموا كل ما كتب عنه أنزلوه عن الخشبة ووضعوه في قبر " أع 29،28:13.
في ترجمة أخرى أستبدلت كلمة " الخشبة " بكلمة "الصليب" ولا أعرف ماذا كانت في الأصل ، غير أن النص المذكور بلفظ الخشبة ، مكتوب على غلافه أنه مترجم مباشرة من النص الأصلي.
أما حادثة الصلب فلا يوجد لها ذكر إلا في الاناجيل الأربعة المعتمدة ، كما أن القرآن الكريم يقر بها ، صحيح أنه يعتبرها قد وقعت لشخص آخر " شبه لهم" ولكن الحادثة ذاتها قد وقعت... كما أن الأناجيل القبطية (الغير معتمدة) التي عثر عليها في نجع حمادي بجنوب مصر لا تذكر حادثة الصلب .. بل أنها..
قبل أن نعرف ما الذي تقوله تلك الأناجيل .. دعونا نتعرف على قصتها.
في عام 1945 (أي قبل عامين من اكتشاف أول مخطوطات قمران) عثر محمد على السمان وأخوه خليفة بالقرب من جبل الطارف، على بعد عشرة كيلومترات شمالي مدينة نجع حمادي بصعيد مصر على زلعة مدفونة، تبين لهما عند إخراجها أن طولها يبلغ المترين.
سال لعاب الشقيقان لتصورهما احتمال وجود كنز داخل الزلعة المدفونة، ولكم أن تتخيلوا حجم الصدمة وخيبة الأمل التي أصابتهما عندما وجدا أن كل ما بداخلها هي مجموعة من الكتب والمخطوطات القديمة.
اصطحب الشقيقان الزلعة وعادا إلى قريتهما ، ووضعا الكتب بجوار الفرن ، لكي تستخدم أمهما الأوراق في إشعال الفرن ( نحمد الله أنها لم تفعل ).
فقد اضطر الشقيقان إلى الهرب من القرية لظروف خاصة بالثأر المتفشي في صعيد مصر ، وقبل خروجهما من القرية ، أخفيا الكتب القديمة لدى قس القرية حتى لا تعثر الشرطة عليها أثناء تفتيش منزلهما.
أثناء وجود راغب أندراوس لدى زوج شقيقته ، قس القرية ، لفت نظره أحد الكتب القديمة يعلوها نقوش تبدو بلغة قبطية قديمة ، مما أثار فضوله وطلب أن يأخذ أحد تلك الكتب إلى أحد أصدقائه الذي يجيد اللغة القبطية، الذي أخذها بدوره إلى المتحف القبطي بالقاهرة، وعرض الكتاب على مديره الفرنسي إيتيان دريتون، الذي سال لعابه لذلك الكنز الذي رآه بعينه وأسرع بشراء الكتاب بمبلغ 250 جنيهاً ( مبلغ باهظ جداً في عام 1945).
وسرعان ما وجدت المجلدات القبطية طريقها إلى تجار الأنتيكات ، إلا أن وزارة الأثار قد فطنت للأهمية التاريخية لهذه المجلدات فأسرعت بجمعها ووضعها في المتحف القبطي ، لحين تأمين مبلغ لشرائها... إلا أن الثورة عندما قامت سنة 52 أممت هذه المحطوطات التي اعتبرت ثروة قومية ولم تدفع ثمنها لأحد.
فور الحصول على تلك المجلدات قرر وزير المعارف في ذلك الحين (الدكتور طه حسين) السماح للباحثين بالإطلاع عليها ، وأول ما قامت به اللجنة المشكلة لذلك هو تصوير كل الأوراق ونشرها في مجلد كبير في مدينة لايدن الهولندية ليتسنى لجميع الباحثين الإطلاع عليها.
عدد مجلدات مكتبة نجع حمادي القبطية كان ثلاثة عشر مجلداً ، واحد منها فقط خرج خارج مصر حيث اشتراه معهد يونج في مايو 52 وأهداه لعالم النفس الشهير كارلز جوستاف يونج- زميل فرويد – والذي كان متأثراً بفلسفة العارفين ، وبعد وفاة يونج ، أعيد هذا الكتاب إلى المتحف القبطي.