الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ،،،
أما بعد
فإني أعجب من الغباء أو التغابي الذي يمارسه المنصرون ،، بل الأدهى من ذلك اقتطاع الآيات القرآنية من سياقها وعدم ذكر أسباب نزولها لكي يوهم القارئ بأن الإسلام يدعوا للقتل بدون سبب ..أولا نبقى مع مشتقات كلمة الإسلام...
يقول صاحب المقال بسام درويش
ربما يمكن لدعاية كهذه أن تنطلي على الذين لا يتكلمون العربية ولا يعرفون الكثير عن تعاليم الإسلام، ولكنها لا يمكن ولا يجوز أن تنطلي على من يعرف اللغة العربية حتى ولو لم يكن متضلعاً في قواعدها.
أنا أتعجب هل أنت من المتضلعين في اللغة العربية؟؟؟ لأن مقالك يقول عكس ذلك.
يحاول بسام أن يجعل رابطا بين الإسلام وبين كلمة لدغ ،، وكلمة لدغ حسب المعجم هي أُسلِم أو سلمته الحية أي لدغته ،،، ولكن معنى الإسلام بعيد عن هذه الكلمة
الإسلام ،،، اذا حذفنا المكتوب باللون الأحمر سوف تبقى كلمة سلام ،،،والسلام اسم من التسليم كالكلام من التكليم ، التحية ، الاستسلام للانقياد والطاعة.
جاء في كتاب أساس البلاغة لأو القاسم بن عمر الزمخشري
قال ذو الرمة‏:‏ قف العنس في أطلال مية فاسأل رسوماً كأخلاق الرداء المسلسل س ل م سلم من البلاء سلامة وسلاماً وسلم مـن المـرض‏:‏ بـريء وسلمـه اللـه‏.‏
وسلـم إليـه الشـيء فتسلمه‏.‏
وسالمت العدو مسالمة وتسالموا وخذوا بالسلم وفلان سلم لفلان وحرب له‏.‏
وعقد عقد السلم وأسلـم فـي كـذا‏.‏
وأسلـم لأمـر اللـه وسلـم واستسلـم‏.‏
وأسلمـه للهلكـة‏.‏
وهـو سلـم فـي يـد العدو‏:‏ مسلم‏.‏
واستلم الحجر من السلام وهي الحجارة‏.‏
وفي مثل ‏"‏ أكتم للسر من السلام ‏"‏ وتقـول‏:‏ عصـب سلمتـه وقـرع سلمتـه‏.‏
وفصـد الأسيلـم وهـو عـرق فـي ظاهر الكف‏.‏
و ‏"‏ على كلّ سلامى من أحدكم صدقة ‏"‏ وهي عظام الأصابع اللينة‏.‏
ومن المجاز‏:‏ قول ذي الرمة‏:‏ وبات بليلة سليم وهو اللديغ‏.‏
وسلمت له الضيعة‏:‏ خلصت ومنه ‏"‏ ورجلاً سالماً لرجل ‏"‏‏.‏
وأسلم وجهه لله‏.‏
وأسلم السلك الجمال‏.‏
قال عمر بن أبي ربيعة‏:‏ فقالا لها فارفض فيض
قال ذو الرمة‏:‏ قف العنس في أطلال مية فاسأل رسوماً كأخلاق الرداء المسلسل س ل م سلم من البلاء سلامة وسلاماً وسلم مـن المـرض‏:‏ بـريء وسلمـه اللـه‏.‏
وسلـم إليـه الشـيء فتسلمه‏.‏
وسالمت العدو مسالمة وتسالموا وخذوا بالسلم وفلان سلم لفلان وحرب له‏.‏
وعقد عقد السلم وأسلـم فـي كـذا‏.‏
وأسلـم لأمـر اللـه وسلـم واستسلـم‏.‏
وأسلمـه للهلكـة‏.‏
وهـو سلـم فـي يـد العدو‏:‏ مسلم‏.‏
واستلم الحجر من السلام وهي الحجارة‏.‏
وفي مثل ‏"‏ أكتم للسر من السلام ‏"‏ وتقـول‏:‏ عصـب سلمتـه وقـرع سلمتـه‏.‏
وفصـد الأسيلـم وهـو عـرق فـي ظاهر الكف‏.‏
و ‏"‏ على كلّ سلامى من أحدكم صدقة ‏"‏ وهي عظام الأصابع اللينة‏.‏
ومن المجاز‏:‏ قول ذي الرمة‏:‏ وبات بليلة سليم وهو اللديغ‏.‏
وسلمت له الضيعة‏:‏ خلصت ومنه ‏"‏ ورجلاً سالماً لرجل ‏"‏‏.‏
وأسلم وجهه لله‏.‏
وأسلم السلك الجمال‏.‏ (انتهى)
والإِسلام فى اللغة هو الاستسلام والانقياد يقال: أسلم أى انقاد واستسلم. وأسلم أمره لله سلمه إليه.
فسوف يظل الإسلام مرتبطا بالإستسلام والسلام شئت أم أبيت.
ثم بعد ذلك يتطرق صاحب المقال إلى ماجاء في كتب الرسول عليه السلام لملوك عصره ،، وطبعا هو يقصد أيضا الفتوحات الإسلامية
ونؤكد أن الفتوحات لم تكن لإكراه الناس على الدخول في الدين، لو دخل إنسان في دين الإسلام مكرهاً لإعتبر إسلامه باطلاً، لأن الإسلام يعتبر الإيمان قضية إختيارية إقتناعية، ويقول بصراحة لا (إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)، هذا في القرآن المدني، في القرآن المكي يقول (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً) يخاطب النبي عليه الصلاة والسلام.
{أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين} هذا لا يجوز، حتى يقول على لسان نوح عليه السلام، (أنلزموكموها وأنتم لها كارهون) الدين لابد أن يدخله الإنسان راضياً مختاراً، لو فيه أي شائبة إضطرار، لا يعتبر هذا الإيمان، القرآن ذكر لنا قصة إيمان فرعون، حينما أدركه الغرق، فقال (آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين قيل له الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين) وذكر القرآن قوماً نزل بهم العذاب، فلما نزل بهم عذاب الله (قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين، فلم يكن ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا) بعد. ما نزل قال لا، لابد أن تؤمن وأنت مختار تماماً، ولذلك الإسلام لا يعتبر الإنسان الذي يكره على الدين انسانا مسلما، ولذلك القتال في الإسلام لم يكن للإكراه على الإسلام وما عرف هذا في التاريخ، فتوماس أرنولد و هو صاحب كتاب "الدعوة للإسلام"، تحدث عن إنتشار الإسلام في العالم، يقول لم يُعرف في قضية واحدة أن المسلمين اجبروا أي جماعة من الجماعات على أن يتركوا دينهم وأن يختاروا الإسلام، هذه..
الرسائل تضمنت أسلم تسلم، يؤتك الله أجرك مرتين، فإن لم تسلم فعليك إثم اليارثيين، أو عليك إثم المجوس، أو عليك إثم القبط، الشعوب التي كان يحكمها أناس متجبرون ، كانوا يحولون بين الشعوب وبين إستماع كلمة الإسلام، بين بلوغ الدعوة، فالرسول -عليه الصلاة والسلام- حينما أرسل إليهم هذه الرسائل، كان يدعوهم إلى الإسلام ويحملهم إثم رعيتهم لأنهم هم الذين كانوا يقفون حائلا بين شعوبهم والإسلام ، ولذلك ماذا كانت مهمة الجيوش الإسلامية ؟ مهمتها أن تتيح الفرصة للشعوب، بمعنى أن تزيح السلطات الطاغية المتحكمة في الناس اللتي كانت كالقفل على أفواه الناس، ليسمع الناس كلمة الله، كل ما يريده الإسلام أن يكون للناس حرية الإختيار.
ولو نظرت إلى القتال الإسلامي منذ عهد الرسول عليه الصلاة والسلام ،،تجد المسلمون كانوا في هذا القتال مدافعين، إما مدافعين عن دماء أريقت أو عن حرية الدعوة، فالمشركون هم الذين بدأوه بالحرب ثلاثة عشر عاماً في مكة، وهويحارب، ثم أُخرج من داره، كما قال تعالى (الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله)، أجبروا على أن يتركوا مكة وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يغادر مكة يقول "أما إنك لأحب بلاد الله إلى الله وإنك لأحب بلاد الله إلي، ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت" فهو خرج مكرهاً تاركاً داره وأهله وأحباءه في سبيل الله، فالصحابة والنبي عليه الصلاة والسلام، أخرجوا من ديارهم والمشركون هم الذين بدأوا، في (بدر) هم الذين ذهبوا من مكة إلى قرب المدينة وتحدوا المسلمين، في (أحد) هم الذين ذهبوا إلى المدينة وعسكروا عند (أحد)، في الخندق هم الذين ذهبوا ليحاصروا المسلمين في عقر دارهم، وهذا يعني أنهم هم الذين بدأوا، وبعد ذلك استمرت الحرب.
ثم يقتطع صاحب المقال ويخرج الآية 89 من سياقها ،، لهذا سوف نكتب الآيات كاملة
{ فَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوۤاْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } * { وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَآءً فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ أَوْ جَآءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُواْ قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ ٱعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَمَ فَمَا جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً } * { سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوۤاْ إِلَى ٱلْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوۤاْ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَمَ وَيَكُفُّوۤاْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَـٰئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً }
وسوف نهتم بتفسير الآيات الملونة باللون الاحمر
أورد المفسرون فى سبب نزول قوله - تعالى - { فَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ } روايات أهمها روايتان:
أولهما: أن هذه الآية نزلت فى شأن المنافقين الذين تخلفوا عن الاشتراك مع المؤمنين فى غزوة أحد. وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى أحد ومعه المسلمون. وفى الطريق رجع عبد الله بن ابى بن سلول بثلث الناس وقالوا
{ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ }
فاختلف أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم فى شأن هؤلاء المنافقين. فقال بعضهم: نقتلهم فقد كفروا.
وقال آخرون: لم يكفروا. فأنزل الله - تعالى - الآية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنها طيبة وإنها تنفى الخبث كما ينفى الكير خبث الحديد ".
أما الرواية الثانية: فيؤخذ منها أنها نزلت فى قوم كانوا يظهرون الإِسلام بمكة إلا أنهم كانوا يظاهرون المشركين. فقد أخرج ابن جريرعن ابن عباس أن قوما كانوا بمكة قد تكلوا بالإِسلام وكانوا يظاهرون المشركين، فخرجوا من مكة يطلبون حاجة لهم. فقالوا: إن لقينا أصحاب محمد فليس علينا منهم بأس. وإن المؤمنين لما اخبروا أنهم قد خرجوا من مكة، قالت فئة من المؤمنين: اركبوا إلى هؤلاء الخبثاء فاقتلوهم، فإنهم يظاهرون عدوكم. وقالت فئة أخرى من المؤمنين: سبحان الله: - أو كما قالوا - أتقتلون قوما قد تكلموا بمثل ما تكلمتم به؟ أمن أجل أنهم لم يهاجروا ولم يتركوا ديارهم تستحل دماؤهم وأموالهم؟ فكانوا كذلك فئتين والرسول صلى الله عليه وسلم عندهم لا ينهى واحداً من الفريقين عن شئ، فنزلت: { فَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ }.
وهناك روايات أخرى قريبة من هذه الرواية فى معناها قد ذكرها المفسرون.
ويبدو لنا أن الرواية الثانية هى الأقرب إلى سياق الآيات وإلى الواقع التاريخى، لأنه من الثابت تاريخيا أن منافقى المدينة لم يرد أمر بقتالهم، وإنما استعمل معهم الرسول صلى الله عليه وسلم وسائل أخرى أدت إلى نبذهم وهوان أمرهم، ,لأن قوله - تعالى - بعد ذلك { فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ } يؤيد أنه ليس المقصود بالمنافقين هنا منافقى المدينة، وإنما المقصود بهم جماعة أخرى من المنافقين كانوا خارج المدينة، إذ لا هجرة من المدينة إلى غيرها وإنما الهجرة تكون من غيرها إليها، لأنها دار الإِسلام، ولم يكن فتح مكة قد تم عند نزول هذه الآية.
وقد رجح الإِمام ابن جرير سبب النزول الذى حكته الرواية الثانية فقال ما ملخصه: وأولى الأقوال فى ذلك بالصواب قول من قال: نزلت هذه الآية فى اختلاف أصحاب رسول الله فى قوم كانوا قد ارتدوا عن الإِسلام بعد إسلامهم من أهل مكة. وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب لأن قوله - تعالى - بعد ذلك { فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ } أوضح دليل على أنهم كانوا من غير أهل المدينة، لأن الهجرة كانت على عهد رسول الله إلى داره ومدينته من سائر أرض الكفر.
فأما من كان من المدينة فى دار الهجرة مقيما من المنافقين وأهل الشرك فلم يكن عليه فرض هجرة.
والفاء فى قوله { فَمَا لَكُمْ } للتفريع على ما تقدم من أخبار المنافقين وأحوالهم أو هى للافصاح و " ما " مبتدأ و " لكم " خبره.
قال الجمل: وقوله { فِي ٱلْمُنَافِقِينَ } فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه متعلق بما تعلق به الخبر وهو " لكم " أى: أى شئ كان لكم أو مستقر لكم فى أمر المنافقين.
والثانى: أنه متعلق بمعنى فئتين، فإنه فى قوة: ما لكم تفترقون فى أمر المنافقين فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه.
والثالث: أنه متعلق بمحذوف على أنه حال من فئتين، لأنه فى الأصل صفة لها تقديره: فئتين مفترقتين فى المنافقين وصفة النكرة إذا تقدمت عليها انتصبت حالا. وقوله " فئتين " حال من ضمير " لكم " المجرور والعامل فيه الاستقرار أو الظرف لنيابته عنه...
والاستفهام لإِنكار خلافهم فى شأن المنافقين ولوم المؤمنين الذين أحسنوا الظن بالمنافقين مع أن أحوال هؤلاء المنافقين تدعو إلى سوء الظن بهم.
والمعنى: لقد سقت لكم - أيها المؤمنون - من أحوال المنافقين ما يكشف عن خبثهم ومكرهم، وبينت لكم من صفاتهم ما يدعو إلى الحذر منهم وسوء الظن بهم، وإذا كان هذا هو حالهم فما الذى سوغ لكم أن تختلفوا فى شأنهم إلى فئتين؟ فئة تحسن الظن بهم وتدافع عنهم، وفئة أخرى صادقة الفراسة، سليمة الحكم لأنها عندما رأت الشر قد استحوذ على المنافقين أعرضت عنهم، واحتقرتهم، وأخذت حذرها منهم، وحكمت عليهم بالحكم الذى رضيه الله - تعالى.
والآن - أيها المؤمنون - بعد أن ظهر الحق، وانكشف حال أولئك المنافقين، عليكم أن تتركوا الخلاف فى شأنهم، وأن تتفقوا جميعا على أنهم قوم بعيدون عن الحق والإِيمان. ومنغمسون فى الضلال والبطلان.
وقوله { وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوۤاْ } حال من المنافقين مفيد لتأكيد الإِنكار السابق أى: لم تختلفون - أيها المؤمنون - فى شأن المنافقين هذا الاختلاف والحال أن الله - تعالى - قد ردهم إلى الكفر بعد الإِيمان بسب أقولاهم الأثيمة، وأعمالهم القبيحة.
وقوله { أَرْكَسَهُمْ } من الركس وهو رد أول الشئ على آخره. يقال: ركس الشئ يركسه ركسا إذا قلبه على رأسه. والركس والنكس بمعنى واحد.
والاستفهام فى قوله { أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ } للإِنكار على من أحسن الظن بأولئك المنافقين.
أى: أتريدون أيها المؤمنون الذين أحسنتم الظن بهؤلاء المنافقين أن تعدوهم من جملة المهتدين، مع أن الله - تعالى - قد خلق فيهم الضلال، لأنهم قد استحبوا العمى على الهدى، وآثروا الغى على الرشد.
وقوله { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } أى: ومن يكتب الله عليه الضلالة، فلن تجد أحداً يهديه ويرشده، لأن فضاء الله لا يتبدل، وقدره لا يتخلف.
وقوله - تعالى - { وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَآءً } كلام مستأنف مسوق لبيان غلوهم وتماديهم فى الكفر وتصديهم لإِضلال غيرهم إثر بيان كفرهم وضلالهم فى أنفسهم.
أى: أن هؤلاء المنافقين الذين يحسن الظن بهم بعضكم - أيها المؤمنون - لا يكتفون بكفرهم فى أنفسهم بل هم يتمنون ويودون كفركم مثلهم بحيث تكونون أنتم وهم متساوين فى الكفر والنفاق، وإذا كان هذا هو حالهم فكيف تطمعون فى إيمانهم؟ وكيف تحسنون الظن بهم؟
و { لَوْ } فى قوله { وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ } مصدرية. أى تمنوا كفركم. وقوله { كَمَا كَفَرُواْ } نعت لمصدر محذوف: أى تمنوا أن تكفروا كفراً مثل كفرهم.
وقوله { فَتَكُونُونَ سَوَآءً } معطوف على قوله { لَوْ تَكْفُرُونَ } ومفرع عليه. أى: ودوا لو تكفرون فتكونون مستوين معهم فى الضلال والكفر والنفاق.
وما أبلغ التعبير فى جانب محاولة المؤمنين بالإِرادة فى قوله { أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ } وفى جانب محاولة المنافقين بالود؛ لأن الإِرادة ينشأ عنها الفعل. فالمؤمنون يستقربون حصول الإِيمان من المنافقين، لأن الإِيمان قريب من فطرة الناس وعقولهم. والمنافقون يعلمون أن المؤمنين لا يرتدون عن دينهم، ويرونهم متمسكين به غاية التمسك، فلم يكن طلبهم تكفير المؤمنين إلا كلون من التمنى الذى لا أمل فى تحققه، فعبر عنه بالود المجرد، أى ودوا ذلك ولكنه ود بعيد التحقق.
وقوله { فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } نهى من الله - تعالى - للمؤمنين من موالاة المنافقين حتى يصدر منهم ما يدل على إقلاعهم عن النفاق والضلال.
والفاء فى قوله: { فَلاَ تَتَّخِذُواْ } للإِفصاح عن شرط مقدر. والتقدير إذا كان هذا هو شأن المنافقين فلا يصح لكم - أيها المؤمنون - أن تتخذوا منهم أولياء أو نصراء أو أصدقاء حتى تتحقوا من إسلامهم بأن يهاجروا من أجل إعلاء كلمة الله من دار الكفر التى يقيمون فيها ويناصرون أهلها إلى دار الإِيمان التى تقيمون فيها، وينضمون إليكم لنصرة الحق، ودفع الظلم.
قال الفخر الرازى ما ملخصه: (دلت الآية على أنه لا يجوز موالاة المشركين والمنافقين والمشتهرين بالزندقة لأن أعز الأشياء وأعظمها عند جميع الخلق هو الدين، لأنه هو الأمر الذى به يتقرب إلى الله، ويتوسل به إلى السعادة... وإذا كان الأمر كذلك، امتنع طلب المحبة والولاية فى الموضع الذى يكون أعظم موجبات العداوة حاصلا فيه ودلت على إيجاب الهجرة بعد الإِسلام - أى فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يسلموا ويهاجروا - وأنهم إن أسلموا لم يكن بيننا وبينهم موالاة إلا بعد الهجرة.
ونظيره قوله - تعالى -
{ مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ }
واعلم أن هذا التكليف إنما كان لازما حال ما كانت الهجرة مفروضة ففى الحديث الشريف: " أنا برئ من كل مسلم أقام بين أظهر المشركين. وأنا برئ من كل مسلم مع مشرك " فكانت الهجرة واجبة إلى أن فتحت مكة. ثم نسخ فرض الهجرة بما رواه ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم فتح مكة " لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية " وروى عن الحسن أن حكم الآية ثابت فى كل من اقام فى دار الحرب فرأى فرض الهجرة إلى دار الإِسلام قائما).
وقوله: { فَإِنْ تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } بيان لحكم الله - تعالى - فى هؤلاء المنافقين إذا ما استمروا فى غيهم وضلالهم.
والمعنى: فإن أعرض هؤلاء المنافقون عن الهجرة فى سبيل الله - تعالى - فلا تعتبروا إسلامهم، بل خذوهم فى الأسر، وضيقوا عليهم { وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } لأنهم أعداء لكم { فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ } فى هذه الحالة { وَلِيّاً } توادونه وتصادقونه { وَلاَ نَصِيراً } تنتصرون به على أعدائكم، لأن ولاية هؤلاء المنافقين محادة لله ولرسوله، والتناصر بهم يؤدى إلى الخذلان كما قال - تعالى -
{ لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً }
فالجملة الكريمة تأمر المؤمنين بقتل أولئك المنافقين الذين ظهر الكفر منهم وتنهاهم عن اتخاذهم أولياء أو أصدقاء وعن الاستنصار بهم.
وسوف تسألني لماذا أمر الله بقتل المرتد
وللاجابة ننقل ماجاء في موقع المسيحية في الميزان
أولاً : ان كان هذا الأمر طعناً فإنه يقع على كتاب النصارى المقدس بأشنع وجه وإليك الأدلة :
1 _ جاء في سفر الخروج [ 2 2 : 20 ] قول الرب :
(( مَنْ يُقَرِّبْ ذَبَائِحَ لِآلِهَةٍ غَيْرِ الرَّبِّ وَحْدَهُ يهلك ))
2 _ جاء في سفر التثنية [ 13 : 6 ] قول الرب :
(( وَإِذَا أَضَلَّكَ سِرّاً أَخُوكَ ابْنُ أُمِّكَ، أَوِ ابْنُكَ أَوِ ابْنَتُكَ، أَوْ زَوْجَتُكَ الْمَحْبُوبَةُ، أَوْ صَدِيقُكَ الْحَمِيمُ قَائِلاً: لِنَذْهَبْ وَنَعْبُدْ آلِهَةً أُخْرَى غَرِيبَةً عَنْكَ وَعَنْ آبَائِكَ 7مِنْ آلِهَةِ الشُّعُوبِ الأُخْرَى الْمُحِيطَةِ بِكَ أَوِ الْبَعِيدَةِ عَنْكَ مِنْ أَقْصَى الأَرْضِ إِلَى أَقْصَاهَا، 8فَلاَ تَسْتَجِبْ لَهُ وَلاَ تُصْغِ إِلَيْهِ، وَلاَ يُشْفِقْ قَلْبُكَ عَلَيْهِ، وَلاَ تَتَرََّأفْ بِهِ، وَلاَ تَتَسَتَّرْ عَلَيْهِ. بَلْ حَتْماً تَقْتُلُهُ. كُنْ أَنْتَ أَوَّلَ قَاتِلِيهِ، ثُمَّ يَعْقُبُكَ بَقِيَّةُ الشَّعْبِ. ارْجُمْهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوتَ . . . )) ترجمة كتاب الحياة
3 _ ورد في سفر الخروج [ 32 : 28 ] ان الرب أمر نبيه موسى عليه السلام بقتل عبدة العجل من بني لاوي فقتل منهم 23 ألف رجل : (( فَأَطَاعَ اللاَّوِيُّونَ أَمْرَ مُوسَى. فَقُتِلَ مِنَ الشَّعْبِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ نَحْوَ ثَلاَثَةِ آلافِ رَجُلٍ. 29عِنْدَئِذٍ قَالَ مُوسَى لِلاَّوِيِّينَ: «لَقَدْ كَرَّسْتُمُ الْيَوْمَ أَنْفُسَكُمْ لِخِدْمَةِ الرَّبِّ، وَقَدْ كَلَّفَ ذَلِكَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ قَتْلَ ابْنِهِ أَوْ أَخِيهِ، وَلِكِنْ لِيُنْعِمْ عَلَيْكُمُ الرَّبُّ فِي هَذَا اليَوْمِ بِبَرَكَةٍ ))
4 _ ورد في سفر التثنية [ 13 : 1 _ 5 ] أنه لو دعا نبي إلى عبادة غير الله يقتل وان كان ذا معجزات عظيمة :
(( إِذَا ظَهَرَ بَيْنَكُمْ نَبِيٌّ أَوْ صَاحِبُ أَحْلاَمٍ، وَتَنَبَّأَ بِوُقُوعِ آيَةٍ أَوْ أُعْجُوبَةٍ. 2فَتَحَقَّقَتْ تِلْكَ الآيَةُ أَوِ الأُعْجُوبَةُ الَّتِي تَنَبَّأَ بِهَا، ثُمَّ قَالَ: هَلُمَّ نَذْهَبْ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى لَمْ تَعْرِفُوهَا وَنَعْبُدْهَا. 3فَلاَ تُصْغُوا إِلَى كَلاَمِ ذَلِكَ النَّبِيِّ أَوْ صَاحِبِ الأَحْلاَمِ، لأَنَّ الرَّبَّ إِلَهَكُمْ يُجَرِّبُكُمْ لِيَرَى إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَهُ مِنْ كُلِّ قُلُوبِكُمْ وَمِنْ كُلِّ أَنْفُسِكُمْ. . . . أَمَّا ذَلِكَ النَّبِيُّ أَوِ الْحَالِمُ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ ))
5 _ ورد في سفر التثنية [ 17 : 2 _ 7 ] قول الرب :
(( إِذَا ارْتَكَبَ بَيْنَكُمْ، رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ، مُقِيمٌ فِي إِحْدَى مُدُنِكُمُ الَّتِي يُوَرِّثُكُمْ إِيَّاهَا الرَّبُّ إِلَهُكُمُ، الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ مُتَعَدِّياً عَهْدَهُ، فَغَوَى وَعَبَدَ آلِهَةً أُخْرَى وَسَجَدَ لَهَا أَوْ لِلشَّمْسِ أَوْ لِلْقَمَرِ أَوْ لأَيٍّ مِنْ كَوَاكِبِ السَّمَاءِ مِمَّا حَظَرْتُهُ عَلَيْكُمْ، 4وَشَاعَ خَبَرُهُ، فَسَمِعْتُمْ بِهِ، وَتَحَقَّقْتُمْ بَعْدَ فَحْصٍ دَقِيقٍ أَنَّ ذَلِكَ الرِّجْسَ اقْتُرِفَ فِي إِسْرَائِيلَ، فَأَخْرِجُوا ذَلِكَ الرَّجُلَ أَوْ تِلْكَ الْمَرْأَةَ، الَّذِي ارْتَكَبَ ذَلِكَ الإِثْمَ إِلَى خَارِجِ الْمَدِينَةِ، وَارْجُمُوهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوتَ. ))
6 _ جاء في سفر الملوك الأول [ 18 : 17 _ 40 ] أن إليا ذبح في وادي قيشون 450 رجلاً من الذين كانوا يدعون نبوة البعل :
(( ثُمَّ قَالَ إِيلِيَّا لِلشَّعْبِ: «أَنَا بَقِيتُ وَحْدِي نَبِيّاً لِلرَّبِّ، وَأَنْبِيَاءُ الْبَعْلِ أَرْبَعُ مِئَةٍ وَخَمْسُونَ.))
(( فَقَالَ إِيلِيَّا: اقْبِضُوا عَلَى أَنْبِيَاءِ الْبَعْلِ وَلاَ تَدَعُوا رَجُلاً مِنْهُمْ يُفْلِتُ فَقَبَضُوا عَلَيْهِمْ، فَسَاقَهُمْ إِيلِيَّا إِلَى نَهْرِ قِيشُونَ وَذَبَحَهُمْ هُنَاكَ. ))
وهذه التشددات لا توجد في القرآن الكريم ، فالعجب من النصارى المتعصبين ، أن الكتاب المقدس لا يلحقه عيب بهذه التشدادت ، وأن الاسلام يكون معيباً !!!
يقول الأخ متعلم حفظه الله :
فى العهد القديم جرائم عقوبتها القتل، مثل :
الأكل من ذبيحة السلامة والشخص على غير طهارة [لاويين 7/20]
والأكل من ذبيحة السلامة فى اليوم الثالث [لاويين 19/5]
والأكل من شحوم البهائم التى تقدم كقرابين [لاويين 7/25]
وأكل الدم [لاويين 7/27]
والذبح بعيدًا عن باب خيمة الاجتماع [لاويين 17/3]
واللواط [لاويين 20/13]
وإتيان البهائم [لاويين 20/15]
وإتيان المرأة فى حيضها [لاويين 20/18]
والعمل فى يوم الكفارة [لاويين 23/30]
والامتناع عن صوم يوم الكفارة [لاويين 23/29]
وسب الوالدين [لاويين 20/9]
وعمل السحر أو العرافة [لاويين 20/27]
فهذه جرائم عقوبتها القتل، ومعلوم أن الكفر بالله أشد الجرائم فى جميع الأديان، فهل شرع الرب فى العهد القديم القتل عقوبة على هذه الجرائم، ولم يشرع القتل على أشد الجرائم بإطلاق ؟ .. وإذا كان مستحسنـًا من الرب أن يشرع عقوبة القتل على هذه الجرائم وغيرها، فلماذا تستقبح نفس العقوبة على جريمة الردة وهى أشد خطرًا من هذه الجرائم ؟ .
ثانياً : إن الإسلام يقرر حرية اختيار الدين ، فالإسلام لا يكره أحداً على أن يعتنق أى دين يقول الله تعالى (( لا إكراه فى الدين ))
غاية ما هنالك أن الإسلام لا يقبل الشرك بالله ولا يقبل عبادة غير الله وهذا من صلب حقيقة الإسلام باعتبار كونه دين من عند الله جل وعلا ، ومع ذلك يقبل النصارى واليهود ولا يقاتلهم على ما هم عليه ولكن يدعوهم إلى الإسلام. كما أن الإسلام لا يبيح الخروج لمن دخل فى دين الله لا يكلف أحداً أن يجهر بنصرة الإسلام ، ولكنه لا يقبل من أحدٍ أن يخذل الإسلام ، والذى يرتد عن الإسلام ويجهر بذلك فإنه يكون عدوًّا للإسلام والمسلمين ويعلن حرباً على الإسلام والمسلمين ولا عجب أن يفرض الإسلام قتل المرتد ، فإن كل نظام فى العالم حتى الذى لا ينتمى لأى دين تنص قوانينه أن الخارج عن النظام العام له عقوبة القتل لا غير فيما يسمونه بالخيانة العظمى.
وهذا الذى يرتد عن الإسلام فى معالنة وجهر بارتداده ، إنما يعلن بهذا حرباً على الإسلام ويرفع راية الضلال ويدعو إليها المنفلتين من غير أهل الإسلام وهو بهذا محارب للمسلمين يؤخذ بما يؤخذ به المحاربون لدين الله.
والمجتمع المسلم يقوم أول ما يقوم على العقيدة والإيمان. فالعقيدة أساس هويته ومحور حياته وروح وجوده ، ولهذا لا يسمح لأحد أن ينال من هذا الأساس أو يمس هذه الهوية. ومن هنا كانت الردة المعلنة كبرى الجرائم فى نظر الإسلام لأنها خطر على شخصية المجتمع وكيانه المعنوى ، وخطرعلى الضرورة الأولى من الضرورات الخمس " الدين والنفس والنسل والعقل والمال ".
والإسلام لا يقبل أن يكون الدين ألعوبة يُدخل فيه اليوم ويُخرج منه غداً على طريقة بعض اليهود الذين قالوا: (( آمنوا بالذى أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون )) [ آل عمران : 72 ]
والردة عن الإسلام ليست مجرد موقف عقلى ، بل هى أيضاً تغير للولاء وتبديل للهوية وتحويل للانتماء. فالمرتد ينقل ولاءه وانتماءه من أمة إلى أمة أخرى فهو يخلع نفسه من أمة الإسلام التى كان عضواً فى جسدها وينقم بعقله وقلبه وإرادته إلى خصومها ويعبر عن ذلك الحديث النبوى بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه: [ التارك لدينه المفارق للجماعة ] [ رواه مسلم ] ، وكلمة المفارق للجماعة وصف كاشف لا منشئ ، فكل مرتد عن دينه مفارق للجماعة.
ومهما يكن جرم المرتد فإن المسلمين لا يتبعون عورات أحدٍ ولا يتسورون على أحدٍ بيته ولا يحاسبون إلا من جاهر بلسانه أو قلمه أو فعله مما يكون كفراً بواحاً صريحاً لا مجال فيه لتأويل أو احتمال فأى شك فى ذلك يفسر لمصلحة المتهم بالردة.
إن التهاون فى عقوبة المرتد المعالن لردته يعرض المجتمع كله للخطر ويفتح عليه باب فتنة لا يعلم عواقبها إلا الله سبحانه. فلا يلبث المرتد أن يغرر بغيره ، وخصوصاً من الضعفاء والبسطاء من الناس ، وتتكون جماعة مناوئة للأمة تستبيح لنفسها الاستعانة بأعداء الأمة عليها وبذلك تقع فى صراع وتمزق فكرى واجتماعى وسياسى ، وقد يتطور إلى صراع دموى بل حرب أهلية تأكل الأخضر واليابس.
وجمهور الفقهاء قالوا بوجوب استتابة المرتد قبل تنفيذ العقوبة فيه بل قال شيخ الإسلام ابن تيمية هو إجماع الصحابة ـ رضى الله عنه ـ وبعض الفقهاء حددها بثلاثة أيام وبعضهم بأقل وبعضهم بأكثر ومنهم من قال يُستتاب أبداً ، واستثنوا من ذلك الزنديق ؛ لأنه يظهر خلاف ما يبطن فلا توبة له وكذلك سابّ الرسول صلى الله عليه وسلم لحرمة رسول الله وكرامته فلا تقبل منه توبة وألَّف ابن تيمية كتاباً فى ذلك أسماه " الصارم المسلول على شاتم الرسول ".
والمقصود بهذه الاستتابة إعطاؤه فرصة ليراجع نفسه عسى أن تزول عنه الشبهة وتقوم عليه الحُجة ويكلف العلماء بالرد على ما فى نفسه من شبهة حتى تقوم عليه الحُجة إن كان يطلب الحقيقة بإخلاص وإن كان له هوى أو يعمل لحساب آخرين ، يوليه الله ما تولى.
ولنرى بشكل الآية من سورة التوبة
{ قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ }
ونحن نعلم ما فعله اهل الكتاب من خيانة للمسلمين وتآمر ضدهم ،، فلهذا جاءت البراءة كعقاب من الله لأهل الكتاب على خيانتهم
قال الإِمام الرازى: اعلم أنه لما ذكر - سبحانه - حكم المشركين فى إظهار البراءة من عهدهم، وفى إظهار البراءة عنهم فى أنفسهم، وفى وجوب مقاتلتهم، وفى تبعيدهم عن المسجد الحرام.. ذكر بعده حكم أهل الكتاب، وهو أن يقاتلوا إلى أن يعطوا الجزية فحينئذ يقرون على ما هم عليه بشرائط، ويكونون عند ذلك من أهل الذمة والعهد.
وقال ابن كثير ما ملخصه: هذه الآية أول أمر نزل بقتال أهل الكتاب - اليهود والنصارى. وكان ذلك فى سنة تسع، ولهذا " تجهز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقتال الروم، ودعا الناس إلى ذلك، وأظهره لهم، وبعث إلى أحياء العرب حول المدينة، فندبهم فأوعبوا معه، واجتمع من المقاتلة نحو من ثلاثين ألفا، وتخلف بعض الناس من أهل المدينة. ومن حولها من المنافقين وغيرهم، وكان ذلك فى عام جدب، ووقت قيظ حر. وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد الشام لقتال الروم، فبلغ تبوك، ونزل بها، وأقام بها قريباً من عشرين يوماً، ثم استخار الله فى الرجوع، فرجع عامه ذلك لضيق الحال، وضعف الناس... " ".
وقوله: { قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ... } أمر منه - سبحانه - للمؤمنين بقتال أهل الكتاب، وبيان للأسباب التى اقتضت هذا الأمر، وهى أنهم:
أولاً: { لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } لأنهم لو كانوا مؤمنين به إيماناً صحيحاً، لاتبعوا رسوله محمداً - صلى الله عليه وسلم -، ولأن منهم من قال:
{ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ }
ومنهم من قال:
{ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ }
وقولهم هذا كفر صريح، لأنه - سبحانه - منزه عما يقولون.
قال - تعالى -
{ قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }
وثانياً: أنهم " لا يؤمنون باليوم الآخر " على الوجه الذى أمر الله - تعالى - به، ومن كان كذلك كان إيمانه. على فرض وجوده. كلا إيمان.
قال الجمل ما ملخصه: فإن قلت: اليهود والنصارى يزعمون أنهم يؤمنون بالله واليوم الآخر فكيف نفى الله عنهم ذلك؟
قلت: إن إيمانهم بهما باطل لا يفيد، بدليل أنهم لم يؤمنوا بالنبى - صلى الله عليه وسلم - فلما لم يؤمنوا به كان إيمانهم بالله واليوم الآخر كالعدم فصح نفيه فى الآية ولأن إيمانهم بالله ليس كإيمان المؤمنين، وذلك أن اليهود يعتقدون التجسيم والتشبيه، والنصارى يعتقدون الحلول، ومن اعتقد ذلك فليس بمؤمن بالله بل هو مشرك.
وأيضاً فإن إيمانهم باليوم الآخر ليس كإيمان المؤمنين، وذلك لأنهم يعقتدون بعث الأرواح دون الأجساد، وأن أهل الجنة لا يأكلون فيها ولا يشربون ولا ينكحون - أى أنهم يرون نعيم الجنة وعذاب النار يتعلقان بالروح فقط ولا شأن للجسد بذلك.
ومن اعتقد ذلك فليس إيمانه كإيمان المؤمنين وإن زعم أنه مؤمن.
وثالثاً: أنهم { وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ } أى: لا يحرمون ما حرمه الله ورسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - فى القرآن والسنة، وفضلاً عن ذلك فهم لا يلتزمون ما حرمته شريعتهم على ألسنة رسلهم، وإنما غيروا وبدلوا فيها على حسب ما تمليه عليهم أهواؤهم. أى أنهم لا يحرمون ما حرمه الله لا فى شريعتنا ولا فى شريعتهم.
فاليهود - بجانب كفرهم بشريعتنا - لم يطيعوا شريعتهم، بدليل أنهم استحلوا أكل أموال الناس بالباطل مع أنها. أى شريعتهم. نهتهم عن ذلك.
قال - تعالى -
{ وَأَخْذِهِمُ ٱلرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَاطِلِ... }
والنصارى - بجانب كفرهم - أيضاً - بشريعتنا - لم يطيعوا شريعتهم بدليل أنهم ابتدعوا الرهبانية مع أن شريعتهم لم تشرع لهم ذلك.
قال - تعالى -
{ ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ ٱلإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ٱبتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ رِضْوَانِ ٱللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا }
ورابعاً: { وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ } وقوله: { يَدِينُونَ } بمعنى يعتقدون ويطيعون. يقال: فلان يدين بكذا إذا اتخذه دينه ومعتقده وأطاع أوامره ونواهيه.
والمراد بدين الحق: دين الإِسلام الناسخ لغيره من الأديان.
أى: أنهم لا يتخذون دين الإِسلام ديناً لهم، مع أنه الدين الذى ارتضاه الله لعباده، والذى لا يقبل - سبحانه - ديناً سواه. قال - تعالى -:
{ ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً... }
وقال - تعالى -:
{ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ }
ويصح أن يكون المراد بدين الحق. ما يشمل دين الإِسلام وغيره من الأديان السماوية التى جاء بها الأنبياء السابقون.
أى: ولا يدينون بدين من الأديان التى أنزلها الله على أنبيائه، وشرعها لعباده، وإنما هم يتبعون أحبارهم ورهبانهم فيما يحلونه لهم ويحرمونه عليهم.
وعبر عنهم فى قوله: { قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ.. } بالاسم الموصول للإِيذان بعلية ما فى حيز الصلة للأمر بالقتال.
أى أن العلة فى الأمر بقتالهم، كونهم لا يؤمنون بالله لا باليوم الآخر، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله، ولا يدينون دين الحق.
وقوله: { مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } بيان للمتصفين بهذه الصفات الأربعة وهم اليهود والنصارى؛ لأن الحديث عنهم، وعن الأسباب التى توجب قتالهم.
والمراد بالكتاب: جنسه الشامل للتوراة والإِنجيل.
أى: قاتلوا من هذه صفاتهم، وهم اليهود والنصارى الذين أعطاهم الله التوراة والإِنجيل - عن طريق موسى وعيسى - عليهما السلام - ولكنهم لم يعملوا بتعاليمهما وإنما عملوا بما تمليه عليهم أهواؤهم وشهواتهم.
والمقصود بقوله: { مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } تميزهم عن المشركين عبدة الأوثان فى الحكم، لأن حكم هؤلاء قتالهم حتى يسلموا، أما حكم أهل الكتاب فهو القتال، أو الإِسلام، أو الجزية:
وقوله: { حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } غاية لإِنهاء القتال.
أى: قاتلوا من هذه صفاتهم من أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية عن طوع وانقياد، فإن فعلوا ذلك فاتركوا قتالهم.
والجزية: ضرب من الخراج يدفعه أهل الكتاب للمسلمين وهى - كما يقول القرطبى: - من جزى يجزى - مجازاة - إذا كافأ من أسدى إليه. فكأنهم أعطوها للمسلمين جزاء ما منحوا من الأمن، وهى كالقعدة والجلسة، ومن هذا المعنى قول الشاعر: أى: قاتلوا من هذه صفاتهم من أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية عن طوع وانقياد، فإن فعلوا ذلك فاتركوا قتالهم.
والجزية: ضرب من الخراج يدفعه أهل الكتاب للمسلمين وهى - كما يقول القرطبى: - من جزى يجزى - مجازاة - إذا كافأ من أسدى إليه. فكأنهم أعطوها للمسلمين جزاء ما منحوا من الأمن، وهى كالقعدة والجلسة.
والمراد بإعطائها فى قوله: { حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ } ، التزام دفعها وإن لم يذكر الوقت المحدد لذلك.
واليد هنا: يحتمل أن تكون كناية عن الاستسلام والانقياد. أى: حتى يعطوا الجزية عن خضوع وإنقياد.
ويحتمل أن تكون كناية و " عن " الدفع نقداً بدون تأجيل. أى: حتى يعطوها نقداً بدون تسويف أو تأخير.
ويحتمل أن تكون على معناها الحقيقى، و " عن " بمعنى الباء أى: حتى يعطوها بيدهم إلى المسلمين لا أن يبعثوا بها بيد أحد سواهم.
وهذه المعانى لليد إنما تتأتى إذا أريد بها يد المعطى. أى: يد الكتابى.
أما إذا أردنا بها اليد الآخذة - وهى يد الحاكم المسلم - ففى هذه الحالة يكون معناها القوة والقهر والغلبة.
أى: حتى يعطوها عن يد غالبة قوية لا قبل لهم بالوقوف أمامها.
ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال: قوله: " عن يد " إما أن يراد يد المعطى أو الآخذ فمعناه على إرادة يد المعطى حتى يعطوها عن يده، أى عن يد مؤاتيه غير ممتنعة، إذ أن من أبى وامتنع لم يعط يده، بخلاف المطيع المنقاد، ولذلك قالوا: أعطى بيده، إذا انقاد وأصحب - أى: سهل بعد صعوبة - ألا ترى إلى قولهم: نزع يده عن الطاعة، كما يقال: خلع ربقة الطاعة عن عنقه.
أو المعنى: حتى يعطوها عن يد إلى يد نقداً غير نسيئة، لا مبعوثاً بها على يد أحد، ولكن يد المعطى إلى يد الآخذ.
ومعناه على إرادة يد الآخذ: حتى يعطوها عن يد قاهرة مستولية - وهى يد المسلمين - أو حتى يعطوها عن إنعام عليهم، لأن قبول الجزية منهم، وترك أرواحهم لهم، نعمة عظيمة عليهم.
وقوله: { وَهُمْ صَاغِرُونَ } من الصغار بمعنى الذل والهوان. يقال: صغر فلان يصغر صغراً وصغاراً إذا ذل وهان وخضع لغيره.
والمعنى: قاتلوا من هذه صفاتهم من أهل الكتاب حتى يدفعوا لكم الجزية عن طواعية وانقياد. وهم أذلاء خاضعون لولايتكم عليهم.. فإن الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، ولا يحرمون ما حرمه الله ورسوله.
ولا يتخذون الدين الحق ديناً لهم. يستحقون هذا الهوان فى الدنيا، أما فى الآخرة فعذابهم أشد وأبقى.
هذا. ومن الأحكام التى أخذها العلماء من هذه الآية ما يأتى:
1- إن هذه الآية أصل فى مشروعية الجزية، وأنها لا تؤخذ إلا من أهل الكتاب عند كثير من الفقهاء - لأن أهل الكتاب هم الذين يخيرون بين الإِسلام أو القتال أو الجزية، أما غيرهم من مشركى العرب فلا يخيرون إلا بين الإِسلام أو القتال.
قال القرطبى ما ملخصه: وقد اختلف العلماء فيمن تؤخذ منه الجزية فقال الشافعى: لا تقبل الجزية إلا من أهل الكتاب خاصة، عربا كانوا أو عجماً لهذه الآية: فإنهم هم الذين خصوا بالذكر فتوجه الحكم إليهم دون من سواهم، لقوله - تعالى - فى شأن المشركين:
{ فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ }
ولم يقل: حتى يعطوا الجزية كما قال فى أهل الكتاب.
وقال الشافعى: وتقبل من المجوس لحديث " سنوا بهم سنة أهل الكتاب " أى: فى أخذ الجزية منهم.
وبه قال وأبو ثور. وهو مذهب الثورى وأبى حنيفة وأصحابه وقال الأوزاعى: تؤخذ الجزية من كل عابد وثن أو نار أو جاحد أو مكذب.
وكذلك مذهب مالك: فإنه يرى أن الجزية تؤخذ من جميع أجناس الشرك والجحد، عربيا أو عجمياً تغليبا أو قرشياً؛ كائنا من كان إلا المرتد.. "
2- أن أخذ الجزية منهم إنما هو نظير ما ينالهم، وكفنا عن قتالهم، ومساهمة منهم فى رفع شأن الدولة الإِسلامية التى أمنتهم وأموالهم وأعراضهم ومعتقداتهم. ومقدساتهم.. وإقرار منهم بالخضوع لتعاليم هذه الدولة وأنهم متى التزموا بدفعها وجب علينا حمايتهم، ورعايتهم، ومعاملتهم بالعدل والرفق والرحمة..
وفى تاريخ الإِسلام كثير من الأمثلة التى تؤيد هذا المعنى، ومن ذلك، ما جاء فى كتاب الخراج لأبى يوسف أنه قال فى خطابه لهارون الرشيد " وينبغى يا أمير المؤمنين - أيدك الله - أن تتقدم فى الرفق بأهل ذمة نبيك وابن عمك محمد - صلى الله عليه وسلم - والتفقد لهم حتى لا يظلموا ولا يؤذوا ولا يكلفوا فوق طاقتهم، ولا يؤخذ شئ من أموالهم إلا بحق يجب عليهم؛ فقد روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " من ظلم من أمتى معاهداً أو كلفه فوق طاقته فأنا حجيجه ".
وكان فيما تكلم عمر بن الخطاب عند وفاته: أوصى الخليفة من بعدى بذمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يوفى لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم ولا يكلفوهم فوق طاقتهم ".
وجاء فى كتاب " أشهر مشاهير الإِسلام " أن جيوش التتار، لما اكتسحت بلاد الإِسلام من حدود الصين إلى الشام، ووقع فى أسرهم من وقع من المسلمين والنصارى ثم خضد المسلمون شوكة التتار، ودان ملوكهم بالإِسلام، خاطب شيخ الإِسلام ابن تيمية، أمير التتار بإطلاق الأسرى فسمح له بالمسلمين وأبى أن يسمح بأهل الذمة، فقال له شيخ الإِسلام: لا بد من إطلاق جميع من معك من اليهود والنصارى الذين هم أهل ذمتنا ولا ندع أسيرا لا من أهل الملة، ولا من أهل الذمة، فأطلقهم له ".