لقد كُنّا قد تعرفنا على من هم المغضوب عليهم ومن هم المفسدين في الأرض والذين ذُكروا في القرآن، وكانت هذه الصفات الرديئة على أغلب الأحيان مصاحبات لذكر اليهود وبني إسرائيل، ولكن بقي لأن تعرف على من هم الظالمين وأعداء الإنسانية من الناس …
لقد عمل الله خالق هذا الكون العظيم على التعريف بنفسه عن طريق وضع مفهوم التوحيد الشامل والمحيط والذي يشمل على توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية وتوحيد الملوكية وخصّها وإحتواها وإختزلها في ذاته وحده،
فقال تعالى “قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ. مَلِكِ النَّاسِ. إِلَـٰهِ النَّاسِ” سورة الناس 1-3.
فلقد أتت سورة الناس لتُرسي أسس ودعائم رسالة التوحيد الثلاث وتدعوا لها لا لتدعوا إلى حوار الديانات السماوية الثلاث كما يُشير عليها بعضاً من السخفاء والجهلة من المسلمين والذين فاقوا أبا جهل بجهالتهم ونفاقهم فهم يرددون بأننا جميعاً أولاد إبراهيم وأصحاب دين سماوي واحد ونسوا بأن الدين عند الله الإسلام كما ونسوا قوله في الكفار والمشركين منهم وبانه لن يجعل للظالمين منهم إمامة وعهد،
قال تعالى “وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ” سورة البقرة 124.
ولذلك فعلينا بتوضيح من هم هؤلاء الظالمين من ذرية إبراهيم والذين أشار عليهم القرآن، والجواب هو وبكل بساطة وصراحة فهم من بني إسرائيل ممن ظلموا منهم وأعتدوا والذين هم لن ينالوا عهد الله ولن يجعل فيهم الأئمة نتيجة تعنتهم وكُفرهم وعدوانيتهم وعبادتهم لغير الله وفسادهم في الأرض ونكثهم العهود والمواثيق وقتلهم للأنبياء وتبنيهم لشريعة القتل،
قال تعالى “مِنْ أَجْلِ ذَ‌ٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَ‌ٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ” سورة المائدة 32 .
فلنسأل أنفسنا .. لماذا يُحذر الله بني إسرائيل ويخصهم بالذكر وحدهم من دون الناس ألا لعلمه بتبنيهم لشريعة القتل من بعد قابيل، أما نعتهم بالإسراف هنا وقوله تعالى ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَ‌ٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ” هو إشارة على إسرافهم في القتل أي قتلهم لمالا يحق لهم قتله وهو قتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق،
قال تعالى “وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَ‌ٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ” سورة الأنعام 151 .
ولكن فلقد كان نتيجة ساديتّهُم وظلمهم وقتلهم للأنفس البريئة بأن غضب الله عليهم وأذلهم ومسكنهم وسلّط عليهم العباد ومسخ بعضهم قردة وخنازير وغل أيديهم ولعنهم على لسانه،
فقال تعالى “وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ۚ أُولَـٰئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَـٰؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ ۚ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ” سورة هود 18 .
ولُعنوا على لسان رسلهم داوود وعيسى ابن مريم،
قال تعالى “لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَ‌ٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ” سورة المائدة 78 .
والأدلة على من هم الظالمين والتي تُشير عليهم كثيرة وفيها ما يلي:
قال تعالى “وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِي ۖ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ ۖ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ ۚ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ” سورة الأعراف 150.
وقال تعالى “مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ۚ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ” سورة الجمعة 5.
وقال تعالى “أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا ۖ قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ۖ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ” سورة البقرة 246.
وقال تعالى “قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ” سورة الأحقاف 10.
وتبنى ظلمهم من هو أفسدهم وأظلمهم أي اليهود ومن تبعهم من النصارى ومن والاهم،
فقال تعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ” سورة المائدة 51.