رد شبهة: نبيٌّ مات مسمومًا !


قالوا: إن محمدًا نبي الإسلام قدمت له امرأةٌ من نساءِ اليهود شاةً مسمومةً فأكل منها فمات...فأين عصمة الله له أن يكون نبيًّا ويموت مسمومًا؟!

استدلوا على ذلك بحديثٍ جاء في سننِ أبي داود كِتَاب ( الدِّيَاتِ ) بَاب ( فِيمَنْ سَقَى رَجُلًا سَمًّا أَوْ أَطْعَمَهُ فَمَاتَ أَيُقَادُ مِنْهُ ) برقم 3912 حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ عَنْ خَالِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :" كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ ، وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ ".
حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَنْ خَالِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ ، وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ زَادَ فَأَهْدَتْ لَهُ يَهُودِيَّةٌ بِخَيْبَرَ شَاةً مَصْلِيَّةً سَمَّتْهَا فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ r مِنْهَا وَأَكَلَ الْقَوْمُ فَقَالَ:" ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ فَإِنَّهَا أَخْبَرَتْنِي أَنَّهَا مَسْمُومَةٌ " فَمَاتَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ الْأَنْصَارِيُّ فَأَرْسَلَ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ مَا حَمَلَكِ عَلَى الَّذِي صَنَعْتِ قَالَتْ :إِنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرَّكَ الَّذِي صَنَعْتُ ،وَإِنْ كُنْتَ مَلِكًا أَرَحْتُ النَّاسَ مِنْكَ فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ r فَقُتِلَتْ ، ثُمَّ قَالَ : فِي وَجَعِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ مَازِلْتُ أَجِدُ مِنْ الْأَكْلَةِ الَّتِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ فَهَذَا أَوَانُ قَطَعَتْ أَبْهَرِي .


الرد على الشبهة


أولًا: إن ما ذكره المعترضون صحيحٌ وليس فيه ضعف أو كذب.... صحيحٌ مات النبيُّ r من أثر السم الذي كان في الشاةِ يوم خيبر، وهذا ليس عيبًا ولا طعنًا في النبيِّ محمد r بل فيه معجزةٌ من معجزاته r حيث إنه لم يمت في الحال كما مات الصحابي الذي كان معه حال الأكل من الشاة (بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ الْأَنْصَارِيُّ)...

بل مات بعد الحادثة بأربعِ سنوات، وهذا من الروايةِ التي معنا؛ فلا شك أن عدم موته بالسم فور أكله للشاةِ المسمومةِ، وحياته بعد ذلك طيلة سنوات إلى أن أدى الرسالة كاملة يُعد معجزة من معجزاتِه r، وعَلَمًا من أعلامِ صدق نبوته r كان هذا من خلال جانب يغفل عنه المعترضون.....


ثانيًا: إن هذه الواقعة فيها معجزة لم تحدث لأي نبيٍّ من الأنبياء ألا وهي: معجزة إحياءِ الموتى.

فإن قيل: إن المسيحَ u أحيا موتى !

قلتُ: نعم؛ قد يكون أحيا موتي على الحقيقة، وقد يكون المراد بإحياء الموتى هو إحياء مجازي؛ إحياء القلوب بمعرفة الله...وهذا مثل قوله تعالى :" أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122)"(الأنعام)
وعلى كلًّ فإن معجزةَ النبي محمدٍr أبلغ منها؛ فلنتفكر معًا في شاةٍ ذُبحت، وقُطعت، وسُلخت، ، وطبخت، ثم تتكلم وأخبرت النبيَّ محمد بأنها مسمومة...!


ثالثًا: إن هذه الواقعة منّة من اللهِ للنبيِّ محمد r حيث جمع اللهُ له بين النبوةِ والشهادةِ فمات نبيًّا شهيدًا r منْ أثرِ ذلك السم الذي تسبب له في مرضٍ كان يؤلمه بين الحين والآخر....

والسؤال الذي قد يُثير شبهةً بالفعلِ هو: هل يوجد تناقضٌ بين هذا الحديث الذي يثبت أنه مات من أثر السم وبين قولِ اللهِ I : ]يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [ (المائدة67) .

قلتُ: العصمةُ المقصودةُ من الآيةِ هي عصمة من القتل قبل إتمام الرسالة التي كُلف بها.
جاء في تفسير الجلالين: { يا أيها الرسول بَلّغْ } جميع { مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ } ولا تكتم منه شيئاً خوفاً أن تُنال بمكروه { وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ } أي : لم تبلغ جميع ما أُنزل إليك { فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} بالإفراد والجمع [ رسالاته ] لأنّ كتمان بعضها ككتمان كلها { واللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ الناس} أن يقتلوك وكان rيُحرس حتى نزلت فقال : « انصرفوا فقد عصمني اللهُ » رواه الحاكم { إِنَّ الله لاَ يَهْدِى القوم الكافرين } . اهـ

جاءت رواية عند البخاري في صحيحه معلقًا، والحاكم في مستدركه موصولًا بَاب( مَرَضِ النَّبِيِّ r وَوَفَاتِهِ وَقَوْلِ اللَّهِ I : ] إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ [ وَقَالَ يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- : كَانَ النَّبِيُّ r يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: " يَا عَائِشَةُ مَا أَزَالُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ فَهَذَا أَوَانُ وَجَدْتُ انْقِطَاعَ أَبْهَرِي مِنْ ذَلِكَ السُّمِّ " .

وبالتالي لا يوجد أدنى تناقض؛ لأن عصمةَ النَّبِيِّ r من القتلِ تعني: أنه rلا يُقتل إلا بعد إتمامِ الرسالةِ؛ وهذا ما حدث مع النَّبِيِّ r فقد تآمر المشركون على قتله مرات وكرات، ولم يمت إلا بعد إتمام الرسالةِ كاملة، وأداء الأمانة بثبات.

أمثلة على حفظِ الله لنبيِّه أثناء الرسالة:
لما قالوا: نأخذ من كلِّ قبيلةٍ رجلًا.... وما كان منْ سراقة بنِ مالكٍ قبل إسلامِه t ..... وقد خاض محمدٌ r الحروبَ... وأُصيب يوم أحد؛ فكُسِرت رباعيتُه، وشُجت رأسه...
ولما ضعت زينبُ بنتُ الحارسِ السمَ في الشاة لم يُقتل ولم يمت إلا بعد أربعِ سنواتٍ من هذه الواقعةِ؛ بل مات بعد قولِه I : ] الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً [ (المائدة3) .

فما مات نبيُّنا r شهيدًا من أثر السم الذي أثر على عضوٍ أدى لمرضٍ كان يعاني منه على فتراتٍ زمنيةٍ إلا بعد إبلاغِه للرسالةِ التي كُلف بها r وقد تمّت على أكملِ وجه، وأبهى صورة نراها يقينًا .


رابعًا: إن هناك أسئلةً تطرح نفسها هي:

1- هل موتُ النبيِّ محمد rشهيدًا يقدحُ في نبوتِه ؟
2- ألم يرد في الكتابِ المقدس أن زكريا قُتل، و قُتل يحيى (يوحنا المعمدان)، وقُتل يسوع المسيح .... ؟
3- ألم يرد في معتقد المعترضين أن اللهَ نفسَه قُتِلَ على الصليب وهو (يسوع المسيح) ؟!
4- ألم يمت بطرس الرسول مصلوبًا في روما عام 68م ؟!
5- ألم يمت بولس الرسول أيضًا مصلوبًا في روما ؟!
1- ألم يمت برنابا الرسول رجمًا على أيدي الوثنيين في قبرص سنة 61 م ؟!

الجوابُ: بلى قتلوا جميعًا بحسبِ نصوصِ كتابِهم المقدس وتاريخِهم الكنسي المسيحي .
وعليه فموت النبيّ مقتولًا بعد رسالتِه لا يقدح في نبوتِه ولا عصمتِه....

كتبه / أكرم حسن مرسي
باحث في مقارنة الأديان