(9) .. مكتبة نجع حمادي القبطية – الأناجيل القبطية لا تعرف محاكمة بيلاطس ولا تعترف بالصليب الروماني:
تتفق أناجيل العهد الجديد الأربعة المعتمدة على وقوع حادثة الصلب بأمر الحاكم الروماني بونتياس بيلاطس في ثلاثينيات القرن الميلادي الأول، أما كتابات نجع حمادي فقد خلت من ذكر بونتياس بيلاطس ذاته، أما حادثة الصلب، فقد جاءت عنها بعض الأخبار، بعضها يشير إلى زيفها والسخرية من مردديها وبعضها يشير إلى أن القتل قد وقع للبديل الذي هو جسد يسوع المسيح، عموماً دعونا نقرأ بعضاً مما ذكرته مكتبة نجع حمادي القبطية عن موت يسوع المسيح:
في كتاب (كشف) بطرس Apocalypse of Peter يقول (الكتاب لا يحتوي على فقرات مرقومة):
" وقلت ما هذا الذي أراه يا سيدي؟ .. أهذا أنت نفسك الذي يأخذونه؟ ..وأنت الذي تمسكني بقوة؟.. أو من هذا الشخص الذي يضحك سعيداً أعلى الشجرة؟ .. وهل هو شخص آخر الذي يخرقون يداه وقدماه؟
قال المخلص لي: هذا الذي تراه على الشجرة يضحك سعيداً هو المسيح الحي. وهذا الذي يدقون المسامير في يديه وقدميه هو جسده المادي الذي هو البديل يوضع في العار، الذي بقي في شبهه(يمكن وضع هذه الجملة في هذه الصورة : الذي هو البديل الذي بقي في شبهه يوضع في العار)، لكن.. إنظر إليه وإنظر إلي
والنص الإنجليزي لهذه الفقرة هو .ز حيث أن الترجمة قد تكون خادعة : The Savior said to me, "He whom you saw on the tree, glad and laughing, this is the living Jesus. But this one into whose hands and feet they drive the nails is his fleshly part, which is the substitute being put to shame, the one who came into being in his likeness. But look at him and me."
وعندما نظرت قلت : سيدي .. لا أحد ينظر إلينا، دعنا نغادر هذا المكان"
وفي كتاب آخر بعنوان " المقالة الثانية لسيت الأكبر" يقول
" كان شخص أخر، أباهم، الذي شرب المرارة والخل، لم يكن أنا، ضربوني بالقصبة، كان آخر، سيمون، الذي حمل الصليب على كتفه، وكنت شخص آخر غير الذي وضعوا إكليل الشوك على رأسه، وكنت أنا مبتهجاً في الأعالي فوق ثروة حاكمهم ونسل خطاياهم ومجدهم الزائف، أضحك لجهلهم"
وبحسب ما جاء في كتاب آخر بعنوان " مقالة القيامة " فإن المسيح مات كأي شخص آخر ولكن روحه المقدسة هي التي لا يمكن لها أن تموت.
والحقيقة .. أنني أرى أن النصوص المتعلقة بحادث الصلب تدعو إلى الإرتباك بشدة .. فهل هو شخص آخر؟ هل هو سيمون؟ .. أم أنه جسد المسيح؟ .. وهل مات المسيح؟ أم أنه كان في الأعالي؟ .. وهل الأعالي هي الشجرة؟ .. هل هي أسطورة؟ أم أنها حقيقة؟ .. تناقضات كثيرة وأسئلة كثيرة لا أستطيع أن أدعي أنني قادر على إجابتها فمكتبة نجع حمادي تضم 53 مجلد وقرائتهم فضلاً عن دراستهم تتطلب تفرغاً لا يتأتى لمن كان مثلي .. بل حتى من قاموا بدراسة هذه المخطوطات لم يتوصلوا إلى شيء سوى مزيد من الغموض وكل يسعى لإثبات وجهة نظره المسبقة، لكن يكفينا أن نعرف أن نفس الجدل القائم حالياً حول المسيح .. كان قائماً منذ بدأت المسيحية.
وقد كان الصليب هو رمز المسيح في الأناجيل القبطية ولكنه لم يكن للدلالة على الطريقة التي مات بها ولكنه كان رمزاً للمسيح الحي بروحه التي لا تموت وقد كان الصليب الذي وجد مرسوماً على أغلفة مجلدات نجع حمادي هو مفتاح عنخ الفرعوني – ويعني مفتاح الحياة – والذي ظل سائداً بين المسيحيين الأوائل حتى استبدلته الكنيسة الرومانية بالصليب المعروف حالياً بعد إعلانها عن إكتشافها للصليب الذي صلب عليه المسيح في مدينة القدس وذلك في القرن الرابع الميلادي.. وتطور الأمر في القرن الخامس بعد أن وضعت الكنيسة صورة لجسد المسيح مصلوباً على ذلك الصليب الخشبي.
في كتاب بعنوان " شهادة الحق" يقول " .. مثل إشعياء الذي نشر بالمنشار وأصبح نصفين، كذلك إبن الإنسان يقسمنا بكلمة الصليب، كما يقسم النهار من الليل والنور من الظلام، والصالح من الطالح والمرأة من الرجل، فإشعياء هو نوع الجسد والمنشار هو كلمة إبن الإنسان التي تفصلنا عن خطايا الملائكة" .. (لاحظ أن الصليب هو خطين متقاطعين أحدهما يقسم الآخر قسمين)
فالصليب في كتابات نجع حمادي يرمز إلى المسيح الحي بروحه، ومفتاح عنخ لدى المصريين القدماء كان يرمز إلى خلود الروح وقيامة الأموات، فكان إستعماله يرمز إلى أن المسيح – رغم موته جسدياً – لا يزال حياً في كيانه الروحي خالداً لا يموت.
يرى إينوك باول في كتابه " تطور الأناجيل" أن قصة صلب المسيح لم تكن موجودة في النص الأصلي للأناجيل المعتمدة، حيث قام بدراسة النص اليوناني الأصلي لإنجيل متى فتبين له أن هناك أجزاء قد وردت مكررة مما يوحي بأنها أعيدت كتابتها، ومنها محاكمة المسيح أمام الكاهن الأكبر، التي تعود وتتكرر وبنفس الكلمات مع فارق واحد، هو أنها في المرة الأخيرة تنتهي بصلب المسبح، وهو ما يراه باول تكرار مع إضافة حدث، ويرى أن النتيجة الطبيعية لإدانة المسيح أمام الكهنة كان يجب أن تكون الرجم وليس الصلب.
ويرى أن باقي الأناجيل الأربعة قد نقلت قصتها عن إنجيل متى، ويرى أن قصة الصلب لا يوجد لها أي مصدر آخر غير هذه الأناجيل فلو ثبت أنها قصة رمزية وليست حدثاً تاريخياً لأدى ذلك إلى إعادة النظر في ما تقدمه الأناجيل من معلومات تاريخية لتصبح مجرد قصص رمزية.
ويرى باول أن ما جاء في إنجيل متى ليس سرداً تاريخياً ولكنه جدل لاهوتي بطريقة الرمز والمجاز، ويرى أن الكنيسة الرومانية هي التي سعت لتحويل هذا الرمز إلى حقيقة تاريخية لأنها تستمد شرعيتها كمتكلم باسم المسيح من التفويض الذي منحها إياه بطرس وبطرس حصل على تفويض من المسيح بعد قيامته في اليوم الثالث.
والأدهى والأمر هو أنه لا يوجد أي دليل محايد على سفر بطرس لروما كما تزعم الكنيسة الرومانية، بل توجد إشارات تشير إلى موته في السجن بمدينة القدس عام 40 ميلادياً.
ويرى أيضاً ان قصة الصليب لم تصبح على ما هي عليه الآن إلا بعد فترة طويلة من بدء المسيحية ويرى أن المسيحية اقتبست مفهوم الصليب من مفتاح عنخ الفرعوني.
ويشير في كتابه إلى أمر هام جداً وهو أن ذكر إسم مدينة الناصرة في الأناجيل أمر غريب من وجهة نظره لأن التاريخ لم يعرف هذه المدينة إلا في القرن الرابع الميلادي، ويرجح أن الأصل كان كلمة النصارى والذي يشير إلى أتباع المسيح وليس مدينته.
المفضلات