بسم الله الرحمن الرحيم
يا ضيفنا الفاضل تحية طيبة و بعد
لا اوافقك الراى بأن العهد الجديد يعتبر وثيقة تاريخية يعتمد عليها و سبب أعتراضى يتمثل فى انه لكى يمكن القول بان تلك وثيقة تاريخية يعتمد عليها من عدمه لابد من توافر الشروط التالية :
الشرط الاول : التحقق من أصاله المصدر و صحته
فلا يسطيع الباحث ان يعتمد على الوثيقة التى بين يديه دون ان يعرف صاحبها و مدى علاقته بالأحداث التى دونها فهل هو شاهد عيان؟ أم أنه سمعها، ثم دونها من روايات المشافهة حتى وصلت إليه؟
ومتى دونها؟ هل وقت وقوعها أم بعده؟ وما هي المدة التي تفصل بين وقوع الحدث وتدوينه؟ أين تمت عملية التدوين؟ هل في مكان الأحداث؟ أم في مكان آخر؟
الشرط الثانى : زمن الاحداث
يأنى بعد ذلك مشكلة الزمن دوِّنت فيه الوثيقة التاريخية و مدى قربها أو بعدها من الزمن الذى وقعت فيها الاحداث فقد يكون مصدر و صاحب الوثيقة معروفا تماما و المشهود له بتحرى الدقة و توخى الحقيقة و مع ذلك فأن قيمة الوثيقة تتضائل ايضا بسبب بعد زمن تدوينها عن الاحداث التى تتناولها .
الشرط الثالث : عدم تعدد الرويات فى حادث واحد و عدم تعارضها
و ايضا عدم تعارض الوثيقة فيما دون فيها فأذا تعددت الروايات في حادث واحد وتعارضت بصددها المصادر فانه يتحتم على الباحث عدم الاطمئنان اليها .
و السؤال الان : هل العهد الجديد افتقد أحد هذه الشروط ؟
الجواب : بالتأكيد نعم ... بل افتقد جميع هذه الشروط و ذلك على النحو التالى :
_ بالنسبة لشرط أصاله المصدر و صحته .
أن العهد الجديد بأنجيلة الاربعة مجهولة المؤلف , فلا يُعلم كاتبها , وحتى الذين سطروها لم يزعم أحد منهم أنه كان شاهدًا للعيان , بل لم يزعم الإنجيليون الأربعة , مرقس ومتّى ولوقا ويوحنا , أن هذه أناجيلهم وكتاباتهم , فحتى الزعم بهذا ممتنع في هذه الأناجيل !!
هل يوجد دليل على ذلك ؟ نعم يوجد ... ومن كتب علماء المسيحيين أنفسهم .
يقول الباحث/ برنارد أللين :
( لا تشير الأناجيل نفسها إلى مؤلفيها , وأما العناوين الموجودة عليها (إنجيل متَّى وإنجيل مرقس وغيرهما) فهى لم تطلق قبل مضي جيلين من تأليفهما , وذلك حينما جمعت في كتاب واحد , وكانت هناك حاجة إلى التمييز بينهما ) .
(Bernard M.Allen: The Story Behind the Gospels (London, 1926), pp4-5)
وتقول دائرة المعارف البريطانية : ( الحق أن الأناجيل وكتاب الأعمال نشرت مجهولة والعناوين الموجودة عليها الأن جاءت في القرن الثاني ).
(Encyclo.Brit. (1973), vol.13, pp.32-33
وهذه شهادة أخرى للقس / فهيم عزيز , أحد كبار رجال الكنيسة الإنجيلية المصرية , في كتابه – الذي تم وقف طبعه – " المدخل إلى العهد الجديد " !
شهد القس / فهيم عزيز أن كتبة الأناجيل لم يشاهدوا المسيح أبدًا و أن مؤلفي الأناجيل هم في عداد المجاهيل !
يذكر القس الدكتور فهيم عزيز , في بداية حديثه عن كاتب إنجيل مرقس , فيقول في
ص 217
ثم يأخذ القس في محاولة عرض الأراء المتضاربة في شأن كاتب إنجيل مرقس , ثم يقول في نهاية العرض ص 219
أما كاتب إنجيل متَّى , فالقس لا يجد مفرًا من التسليم بأن كاتب هذا الإنجيل في عداد المجاهيل , فيقول في ص 245
وعن إنجيل لوقا وأعمال الرسل يحدثنا القس في ص 272 قائلاً
أما إنجيل يوحنا وكاتبه , فالله وحده يعلم من الذي ألفه وسطره , هكذا قال القس في ص 546
إننا حين نقرأ هذه الإقرارات السابقة نتساءل : عن أي وثيقة تاريخية تحدثنا ضيفنا الفاضل و أنتم تشهدون شهادة واضحة قاطعة بأن كتبة هذه الأناجيل في عداد المجاهيل الذين لم يعلم أحد صلاحهم وضبطهم وإقترانهم بالمسيح عليه السلام ؟
_ بالنسبة لشرط زمن الاحداث
ان الكنسية الاولى لم تكن تملك غير أسفار العهد القديم الذي تسلمته من اليهود دون تمحيص أو تحقيق .وأن العهد الجديد إستغرق ما يزيد عن ثلاثة قرون حتى يظهر في صورته الحاليه .
هل يوجد دليل على ذلك ؟ نعم يوجد ... ومن كتب علماء المسيحيين أنفسهم .
شهادة أحد اكابر المسيحية / القس صموئيل يوسف فى كتابه " المدخل إلى العهد القديم " فيقول نصا فى صفحة 17
"يشير وليم باركلي بأن أول قائمة لأسفار العهد الجديد كما هى بين أيدينا , ظهرت في رسالة القيامة " التاسعة والثلاثين " لأثناسيوس عام 367م , بمعنى أن العهد الجديد إستغرق ما يزيد عن ثلاثة قرون حتى يظهر في صورته , ولفترة طويلة لم تكن لدى الكنيسة أية أسفار مقدسة غير ما أطلق عليه بواسطة ميليتس " العهد القديم " . وإكتفت الكنيسة بهذه الأسفار , ولم تشعر بحاجة ماسة أو ضرورية إلى أية أسفار أخرى ...."
ثم يقول القس عن سبب هذه الفجوة الزمنية :
(( من الأمور التي أسهمت في تأخير كتابة أسفار العهد الجديد وعطلت تداوله بين الناس , هو الإعتقاد السائد بين المسيحيين بقرب مجيء المسيح ثانية ... وإعتقد الناس أنهم يعيشون في عالم غير مستقر , وربما لا يدوم أكثر من من بضعة أيام أو ساعات . وفي وقت كهذا تصبح الكتب فيه بلا جدوى وبلا منفعة ومن يعيش حتى يقرأ ؟!! )) ( المصدر السابق ) .
و ايضا شهادة القس سويجارت: " يوجد ما يقرب من أربعة وعشرين ألف مخطوط يدوي قديم من كلمة الرب من العهد الجديد ... وأقدمها يرجع إلى ثلاثمائة وخمسين عاماً بعد الميلاد ، والنسخة الأصلية أو المنظورة ، أو المخطوط الأول لكلمة الرب لا وجود لها ..".
ثلاثة قرون أعرضت الكنيسة الأولى عن كتابة تاريخ زعمت أنها تملكه عن المسيح وتعاليمه بحجة إنتظار مجيئه ثانية !
لقد عاش المسيحيون ثلاثة قرون يجهلون كل شيء عن دينهم بحجة إنتظار مجيء المسيح , فأي دعوة للتخاذل والإعراض عن الشهادة هذه التي يدعونا إليها القسيس بإسم " المستقبل المجهول " ؟!
وما الذي جعل الناس يسأمون الإنتظار فجأة بعد ثلاثة قرون يا حضرة القس ؟!
أم أن الكنيسة رغبت يومئذ وقد حاصرتها تعاليم الفرق المخالفة لما أرادت أن ترغم الناس على الإعتقاد به , في أن تجعل تعاليمها هى الأهم والأغلب فإختارت هذه الأناجيل التي سطرها مجهولون في أزمنة مجهولة وفي أمكنة مجهولة !
و أيضا دائرة المعارف الامريكية تقول :( العهد الجديد في صورته التي نجده عليها الأن لم يكن قد نشأ نشأة كاملة حتى القرن الرابع ) .
Encyclopaedia Americana ,vol.3,p.651)
" حتى القرن الثاني لم تكن هناك بداية في إعداد نسخة معترف بها ومعتمدة للعهد الجديد , وفي أواخر القرن الثالث كانت الكتب والوثائق المتنازع عليها موجودة " .
(American People's Encyclopaedia, vol.3, p.426)
و جاء في مقدمة الترجمة الكاثوليكية عن العهد الجديد ما نصه : ( يظهر العهد الجديد بمظهر مجموعة مؤلفة من سبعة وعشرين سفرًا مختلفة الحجم وضعت كلها باليونانية ولم تجر العادة أن يطلق على هذه المجموعة عبارة العهد الجديد إلا في أواخر القرن الثاني )( الكاثوليكية ص7 ) .
وجاء في المقدمة ما نصه : ( ويبدوا أن المسيحيين , حتى ما يقرب من السنة 150 مسيحيًا تدرجوا من حيث لم يشعروا بالأمر إلا قليلاً جدًا إلى الشروع في إنشاء مجموعة جديدة من الأسفـار المقدسة, وأغلب الظن أنهم أجمعوا في بدء أمرهم رسائل بولس واستعملوها في حياتهم الكنسية , ولم تكن غايتهم فقط أن يؤلفوا ملحقًا بالكتاب المقدس , بل كانوا يدعون الأحداث توجههم ) ( المصدر السابق ) .
وعند البحث في تلك المؤلفات الخاصة بالعهد الجديد , تجد المشكلة التي تواجه جميع الباحثين , تقول المقدمة : ( إن تأليف تلك الأسفار السبعة والعشرين وضمها في مجموعة واحدة أديا إلى تطوير طويل معقد والفجوة التاريخية والجغرافية والثقافية التي تفصلنا عن عالم العهد الجديد هى عقبة دون حسن التفهم لهذا الأدب ) ( المصدر السابق ) .
نعم ... تلك هى المشكلة ألا وهى : كيف نشأت هذه المؤلفات فى ظل وجود هذه الفجوة التاريخية و الجغرافية؟
وهكذا تتحفنا المقدمة بأن هذه المؤلفات لا علاقة لها بالمسيح لا من قريب ولا من بعيد بل تُرك الأمر للكنيسة لتقرر للرعايا دينهم !
و نظرًا لأن القمص عبد المسيح بسيط مغرم بخداع قومه من البسطاء , ونحن مغرمون بكشف هذا الخداع ! نقف عند كتابه " ( الكتاب المقدس يتحدى نقاده والقائلين بتحريفه ) حيث جاء مدافعا عن كتابه بقوله :
(( سلم الرسل الأخبار السارة ، الإنجيل ، شفاهة عندما كانوا بصفة عامة كل يوم وكل سبت في مجامع اليهود ، وكل أحد في اجتماعات العبادة المسيحية بصفة خاصة يكرزون بالإنجيل ويعلمون الذين انضموا إلى المسيحية ويحفظونهم كل ما أوصى به الرب القائم من الأموات . واستمرت الكرازة الشفوية أكثر من عشرين سنة قبل أن يدون الإنجيل المكتوب معتمدة على شهادة الرسل شهود العيان وعمل الروح القدس فيهم وبهم ومعهم )) ( الكتاب المقدس يتحدى نقاده والقائلين بتحريفه ص 116 ) .
إن دعواه هذه , لم تخرج إلا لكونه لم يجدوا أي ذكر لهذه الأناجيل المؤلفة طيلة القرن الأول حتى ظهر لأولها بذرة من طريق مجهول و استغرقت ما يزيد عن ثلاث قرون الى ما وصلت ما هى عليه, فلما رأوا هذا الظهور المفاجيء دون سابق إنذار زعموا أنها كانت تنقل شفاهة حتى ألفت ! اذ ان هناك فجوه تاريخة ولسد هذه الفجوة التاريخية والتي انعدم فيها أي ذكر للأناجيل , زعموا : النقل الشفهي وعمل الروح القدس !
لذا , لنا الحق أن نسأله إن كانت دعواه صحيحة :
أين أدلة هذا النقل الشفهي ؟ من هم الذين سمعوا عن المسيح وحفظوا تعاليمه تحت وصايته وعنايته ؟! وما هى سيرتهم وأحوالهم ؟!
أهو مرقس الذي لم ير المسيح قط ؟! أم هو متَّى الذي لم يشر لا من قريب أو بعيد إلى أنه الكاتب ؟!
أهو لوقا الذي كفانا المؤونة وصرح في مقدمة إنجيله أنه نقل عن كل من هب ودب إلا المسيح عليه السلام ؟! – هذا على فرض أن لوقا هو الكاتب – .
أهو يوحنا الذي الذي لم يرد اسمه قط في الإنجيل المنسوب إليه ؟! ( الترجمة الكاثوليكية ص 287 ) .
فعن أي نقل شفهي يحدثنا القمص ؟!
وهل ثبت تواتر هذا النقل الشفهي على ألسنة الحفاظ الثقات المشهود لهم في هذه المجامع التي يزعمها القمص ؟!
_ بالنسبة لشرط عدم تعدد الرويات فى حادث واحد و عدم تعارضها .
ان العهد الجديد يتناقض مع بعضه البعض فى الحادث الواحد فكل أنجيل يزكر لنا أخبارا مختلفه و ان هذا التناقض ادى الى سقوط دعوه " عمل الروح القدس" .
هل يوجد دليل على ذلك ؟ نعم يوجد ... ومن العهد الجديد نفسه .
ارجع يا ضيفنا الفاضل الى كتابك المقدس لتعرف بنفسك واحده من تعدد الرويات فى الحدث الواحد على سبيل المثال و ليس الحصر .و هى تجربة بولس الرسول على طريق دمشق تلك التجربة التى غيرت حياته .
هناك ثلاث رويات لهذا الحدث فى أعمال الرسل و حدها فى الاصحاح التاسع و الاصاح الثانى و العشرون و السادس و العشرون وهناك روايه رابعه ذكرها بولس فى الاصحاح الاول من رسالته الى اهل غلاطية و لا تخلوا هذه الرويات من التناقضات .
ففى الاصحاح الاول : نجد ان بولس سمع صوتا يكلمه و ان الرجال المسافرون معه سمعوا الصوت ايضا
اما فى الاصحاح الثانى و العشرون : نجد ان المسافرون مع بولس يروا النور و لكنهم لم يسمعوا الصوت
اما فى الاصحاح السادس و العشرون :وهنا يكلمه الرب بالعبرانية و لم يذكر شىء عن هؤلاء المسافرين هل سمعوا الصوت من عدمه .
أليس عجيبا بان يمتلىء نصل مثل أعمال الرسل بكل هذه التناقضات لحدث واحد مع العلم ان كاتبه واحد ؟ أين عمل الروح القدس فى هذا التناقض ؟
و خلاصة القول بما ان العهد الجيد افتقد أبسط شروط الوثيقة التاريخية السابقه أعلاه فانه لم لايمكن الاعتماد عليه بأى حال من الاحوال
المفضلات