باقي الفصل الثالث
بداية لابد أن نقول أن كتب السيرة تساهلت كثيرا في نقل روايات غير صحيحة عن الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا أمر جعل مستشرق مثل آرثر جفري في كتابه ( البحث عن محمد التاريخي ) يبدو مندهشا من كم الروايات المسيئة للمصطفى صلى الله عليه وسلم في سيرة محمد بن اسحق ولم يكن يتوقع هذا بل كان يتوقع أن تكون الصورة المنقولة من المسلمين عن نبيهم مختلطة بالميثولوجيا لتجعل منه شبه إله .
تم ترجمة كتاب محمد بن اسحق وإهتم به المستشرقون كثيرا ربما لأنه تم كتابته بشكل شبيه بكتب الأنبياء في الكتاب المقدس فيبدأ بسرد سلسلة النسب ثم يسرد الأحداث بشكل متسلسل زمنيا وهو ما جعل بعضهم يظنه كتاب المسلمين المقدس .
ملحوظة صغيرة أيضا وهي أن هناك فارق بين المؤرخ والمحدث :- فالمؤرخ كان يهتم بجمع أكبر قدر من المرويات بدون التأكد من صحتها لحرصه على التدوين أما المحدث فكان لا يغفل عن التحقق من صحة ما ينقل .
لا ننكر أيضا أن كثير من المرويات كانت متأثرة بالأيدولوجيات المنتشرة ككل كتب التاريخ .
سأتعرض لسلاسل إسناد الروايات التي يذكرها د . كامل النجار لفحص مدى صحتها ورغم أن هذا منهج نقدي غير دقيق تماما بالنسبة للتاريخ إلا أنه فعال إلى حد كبير هذا بدون أن أغفل النظر في متن وأحداث الروايات بقدر المعلومات المتاحة أمامنا .
أبدأ مع د. كامل :-
غزواته
يقول د . كامل النجار :-
اقتباسالحل الذي لجأ اليه النبي كان السطو على قوافل قريش التي كانت دائماً محملةً بأثمن البضائع من الشام وكذلك غزو القبائل المجاورة.
ففي شهر رمضان على رأس سبعة اشهر من هجرته الى المدينة، عقد النبي لحمزة بن عبد المطلب لواءً ابيضاً في ثلاثين رجل من المهاجرين، وامره ان يعترض لعيرات قريش، كما زعم الواقدي . ولكن حمزة لما حاول اعتراض القافلة وجد ابا جهل بن هشام في ثلاثمائة رجل، فحجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني فافترقوا ولم يكن بينهم قتال.
كان يوجد في جزيرة العرب أكثر من 500 قبيلة تقوم بالتجارة من مكة للشام وكلها كانت تمر على المدينة .
موقع المسلمين في المدينة كان استراتيجيا جدا وكان بإمكانهم الحصول على ثروات قوافل الجزيرة العربية كلها لو أرادوا .
السؤال الآن :- لماذا اعترض المسلمون طريق قافلة بعينها وتركوا باقي القوافل ؟؟
الإجابة سهلة لمن لديه أدنى عقل . كانوا يبحثون عن حقوقهم المسلوبة في مكة رغم أن الرسول الكريم أصر على رد الأمانات الخاصة بقريش عند هجرته ولم يعاملهم بالمثل .
د. كامل يكرر الكلام القديم بدون أي إعتبار للتحليل الإجتماعي للأحداث أو وضع الأمور في سياقها الصحيح .
فقط البديل القديم الممسوخ هو ما يملك تقديمه !!!
يقول د . كامل النجار :-
اقتباسوفي رجب من نفس العام ارسل عبد الله بن جحش مع ثمانية من المهاجرين، وكتب له كتاباً وامره الا ينظر فيه حتى يسير يومين، ثم ينظر فيه. فلما فتح الكتاب وجد فيه: " اذا نظرت في كتابي فامض حتى تنزل نخلةً بين مكة والطائف فترّصد بها قريشاً وتعلم لنا من اخبارهم". وساروا حتى نزلوا نخلة، فمرت عيرُ لقريش فيها عمرو بن الحضرمي وعثمان بن عبد الله بن المغيرة واخوه نوفل والحكم بن كيسان. وتشاور الصحابة فيهم، وذلك في آخر يوم من رجب فقالوا: والله لئن تركتموهم هذه الليلة ليدخلن الحرم فليمتنعُن به منكم، ولئن قتلتموهم لتقتلنهم في الشهر الحرام، فاجمعوا على قتل من قدروا عليه منهم واخذ ما معهم، فحلقوا رأس احدهم ليطمئن القرشيون اصحاب العير أنهم من عُمار بيت الله الحرام.
وعندما أطمئن القرشيون ووضعوا سلاحهم رمي واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله واستاسر عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان وافلت منهم نوفل بن عبد الله . واقبل عبد الله بن جحش واصحابه بالعير والاسيرين، حتى قدموا على رسول الله. فقال عبد الله بن جحش لاصحابه: ان لرسول الله فيما غنمنا الخمس، فعزله وقسم الباقي بين اصحابه، وذلك قبل ان تنزل آية الخمس.
ولما قالت قريش قد استحل محمد واصحابه الشهر الحرام وسفكوا فيه الدم واخذوا فيه الاموال واسروا الرجال، أنزعج الرسول من هذا الكلام وقال لأصحابه: " ما أمرتكم بقتالٍ في الشهر الحرام" . ورفض ان يأخذ نصيبه من الغنيمة، وهو الاسيرين وبعض العير. وحينئذ سقط في أيدي القوم وظنوا أنهم قد هلكوا، وعنفهم أخوانهم من المسلمين فيما صنعوا .
ولكن سرعان ما نزلت الاية: " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه، قل: قتال فيه كبيرٌ، وصدٌ عن سبيل الله وكفرٌ به، والمسجد الحرام واخراج اهله منه اكبر عند الله، والفتنة اكبر من القتل، ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم ان استطاعوا" . فلما نزل القرآن بهذا الامر وفرّج الله تعالى عن المسلمين ما كانوا فيه من الشفق، أخذ رسول الله –ص- العير والاسيرين . وهذا كان يمثل خمس الغنيمة، وكانت هذه اول غنيمة للمسلمين، وفادى الاسيرين بأربعين أوقية لكل منهما وهذا أول فداء لأول أسير في الاسلام .
وهذه ألآية طبعاً عذر لا تسنده الوقائع، فقريش لم تكن تحاربهم في ذلك الوقت، بل بالعكس، حاول المسلمون اعتراض قوافل قريش ثلاث مرات قبل هذا. وحتى في هذه المرة لم تكن قريش قد اعتدت عليهم وانما هم الذين اعتدوا، وفي الشهر الحرام.
كما نرى . أرسل النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش لمراقبة العدو ولم يأمرهم بقتال . فرأى المسلمون أن الفرصة سانحة لمهاجمة العدو فهاجموهم ( تقول بعض الروايات أن الواقعة بدأت في أواخر جمادى الثاني ولم ينتبه المسلمون لدخول أول رجب ) .
استغل المشركون هذه الواقعة كحرب اعلامية ضد المسلمين لأنهم انتهكوا حرمة الشهر الحرام ونسوا أنهم انتهكوا كل شيء بتعذيب المسلمين وطردهم من ديارهم وكل هذا داخل البيت الحرام نفسه بمكة .
تأثر المسلمون لهذا الخطأ وشعروا بالحزن فنزلت الآية تقول :-
(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ ) :-
فالآية تقول إذا كان القتال في الشهر الحرام كبير عند الله فإخراج المسلمين من البيت الحرام وتعذيبهم وفتنتهم عن دينهم أكبر عند الله بالتأكيد .
إذا كان القتال في الشهر الحرام كبير فالكفر بالله أكبر .
هل يرى أحد شيئا غريبا في هذا الأمر ؟!
غزوة بدر الكبرى
يقول د . كامل النجار :-
اقتباسواختلف الصحابة في بقية الاسرى: أيُقتلون او يُفادون؟، فاستشار الرسول ابا بكر وعلياً وعمر، فقال ابو بكر: يارسول الله هولاء بنو العم والعشيرة والاخوان، واني ارى ان تأخذ منهم الفدية، فيكون ما اخذناه قوةً لنا، وعسى ان يهديهم الله فيكونوا لنا عضداً. فقال عمر: والله ما ارى ما رأى ابو بكر، ولكن ارى ان تمكنني من فلان، قريب لعمر، فأضرب عنقه، وتمكن علياً من عقيل فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلان اخيه فيضرب عنقه، حتى يعلم الله انه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين. فأخذ الرسول براي ابي بكر وقرر ان يأخذ من الاسرى الفداء.
وفي اليوم التالي وجد عمر الرسول وابا بكر يبكيان، فلما سأل عن السبب، قال الرسول:" نبكي للذي عرض علي اصحابك من اخذهم الفداء" وانزل الله " ما كان لنبي ان يكون له اسرى حتى يثخن في الارض، تريدون عرض الدنيا والله يريد الاخرة والله عزيز حكيم". ثم احل لهم الغنايم .
المنطق يتطلب ان تكون الشرائع السماوية ارحم من تشريع البشر، فالله يصف نفسه بانه رحيم بعباده غفور بهم. ومن اسمائه السلام والرؤوف وما الى ذلك، فهل يعقل ان يغضب الله على الرسول لانه لم يقتل الاسرى، وقرر ان يأخذ منهم الفداء بينما التشريع الانساني يحرم قتلهم؟ ولم يذكر احد من المؤرخين ان الرسول انّبَ بلال واصحابه على قتل الاسيرين أمية بن خلف وابنه. واي اله هذا الذي يشجع على قتل الاسرى؟
تعالوا نرى الآية الكريمة التي يدور حولها د .كامل النجار :-
( مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) [الأنفال : 67]
الآية تنبه المسلمين إِلى نقطة هامة في الحرب، وهي أن عليهم عدم التفكير والإنشغال بأخذ الأسرى قبل إندحار العدو بالكامل، لأن بعض المسلمين كان كل هدفهم هو الحصول على أكبر عدد من الأسرى في ساحة بدر مهما أمكنهم وذلك لأن العادة كانت أن يدفع عن الأسير مبلغ من المال على شكل فدية ليتم الإفراج عنه بعد نهاية الحرب.
ما أخفاه الرجل من الآية يوضح كل شيء . هذه العبارة :-
(تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة).
فكما قلت سابقا أن ظاهر الآية ينهى عن التسرع بأخذ الأسرى أثناء الحرب ( قبل أن تضع الحرب أوزارها ) ولا تنهي أبدا عن أخذ الأسرى بعدها .
المسلمون وقعوا في نفس الخطأ أثناء غزوة أحد فتسبب ذلك في هزيمة قاسية لهم كادت تقضي عليهم تماما لغفلتهم عن أمر الله ورسوله .
نفس الشيء تقوله آية سورة محمد الآتية :-
( فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ) .
فهنا أيضا يقول الله عز وجل أن شد الوثاق ( أخذ الأسرى ) يكون بعد إثخان العدو وحتى تضع الحرب أوزارها والموقف من الأسرى هو إما المن عليهم واطلاق سراحهم بلا مقابل وإما فداءا سواء بمبادلة الأسرى أو مقابل فدية من المال .
سأركز على عبارة سورة الأنفال ( حتى يثخن في الأرض ) :-
لو فهمنا هذه العبارة أنها تأمر بقتل كل الأسرى نجد أنفسنا وقعنا في مأزق عندما تأتي نفس الكلمة في سورة محمد هكذا :- ( حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء ) !
نشد وثاق من ؟ ونفدي من ؟ ونمن على من ؟
عبارة ( حتى يثخن في الأرض ) معناها حتى يتمكن تماما من الأعداء في المعركة .
تستمر آيات سورة الأنفال فتقول شيئا جميلا :-
( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) [الأنفال : 70] .
وهذه أيضا في سورة أخرى :-
(وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً - إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً) ( الانسان 8-9 ) .
فالله تعالى يمدح من يضحي بطعامه من أجل الأسير وكل هذا لوجه الله بدون انتظار كلمة شكر .
فكيف يقول أحد بعد كل هذا أن الإسلام يأمر بقتل الأسرى . عما كانت تتحدث الآيات إذن ؟؟!
بخصوص الروايات التي تقول أن القرآن نزل مؤيدا لقول عمر رضي الله عنه بقتل الأسرى فهي مرفوضة جملة لمخالفتها ظاهر الآيات مخالفة لا تقبل التأويل .
كلمة حق أقولها بدون مساومة .
يقول د . كامل النجار :-
اقتباسوحتى بعد أن كثر عدد المسلمين ونزلت سورة محمد، قال الله: " فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فاما مناً بعد واما فداء".ويقول القرطبي في تفشير هذه ألآية: قال الله: فضرب الرقاب، ولم يقل اقتلوهم، لأن في العبارة " ضرب الرقاب" من الغلظة والشدة ما ليس في لفظ القتل، لما فيه من تصوير القتل بأشنع صوره وهو حز العنق وإطارة العضو الذي هو رأس البدن.
فالله لا يكتفي بقتل الكافرين فحسب، بل يجب أن نقتلهم شر وافظع قتل. أما ألاسرى، فرغم أن الله قال " اما مناً واما فداء" فيقول القرطبي في تفسير ألآية: " قال قتادة ومجاهد إذا أُسر المشرك لم يجز أن يُمن عليه، ولا أن يُفادى به فيرد الى المشركين، ولا يجوز أن يُفادى عندهم الا بالمرأة لأنها لا تُقتل". فحتى بعد أن تلطف الله على المشركين بعد أن غضب على الرسول لانه أخذ منهم الفداء في واقعة بدر، وقال " فأما مناً واما فداء" يقول علماء المسلمين يجب قتل الاسرى.
د . كامل النجار يلعب لعبة غير شريفة .
يأتي إلى أحد كتب التفسير بالمأثور ويقتبس جزء محدد من الكلام وينسب هذا الشيء للإسلام وهو يفعل هذا كثيرا .
من المعروف أن كتب التفسير بالمأثور كانت تسرد كل ما تم قوله حول الآية ثم يوضح المفسر القول الأرجح في النهاية .
هنا تفسير القرطبي سرد كل ما استطاع جمعه من الأقوال ثم بعد طرحه لخمس آراء يذكر القول الأرجح في النهاية وهو :-
( قال النحاس: وهذا على أن الآيتين محكمتان معمول بهما، وهو قول حسن، لأن النسخ إنما يكون لشيء قاطع، فإذا أمكن العمل بالآيتين فلا معنى للقول بالنسخ، إذا كان يجوز أن يقع التعبد إذا لقينا الذين كفروا قتلناهم، فإذا كان الأسر جاز القتل والاسترقاق والمفاداة والمن، على ما فيه الصلاح للمسلمين.
وهذا القول يروى عن أهل المدينة والشافعي وأبي عبيد، وحكاه الطحاوي مذهبا عن أبي حنيفة، والمشهور عنه ما قدمناه، وبالله عز وجل التوفيق ) .
غزوة بني قينقاع
يقول د . كامل النجار :-
اقتباسكان للرسول حلفٌ مع يهود المدينة، وكتب رسول الله كتاباً بين المهاجرين والانصار وادع فيه اليهود وعاهدهم واقرهم على دينهم واموالهم واشترط عليهم وشرط لهم فقال:" بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد النبي الامي بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب، .... الى ان قال:ان اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وان يهود بني عوف أمةٌٌ مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، مواليهم وانفسهم، الا من ظلم واثم فانه لا يوتغ الا نفسه واهل بيته. وان على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم، وان بينهم النصر على من حارب اهل هذه الصحيفة، وان بينهم النصح والنصيحة والبر دون الاثم، وانه لم يأثم امرؤُ بحليفه، وان النصر للمظلوم، وان يثرب حرام جوفها لاهل هذه الصحيفة، وان الجار كالنفس غير مضار ولا آثم ". ومعنى العبارة " أن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة" هو أن جوف المدينة حرمٌ لأهل هذه المعاهدة، لا يجوز الاعتداء عليهم فيها.
ويقال ان أمرأة من العرب قدمت بجلب لها فباعته بسوق بني قينقاع، وجلست الى صائغ هناك منهم فجعلوا يراودونها على كشف وجهها فأبت، فعمد الصائغ الى طرف ثوبها فعقده الى ظهرها، فلما قامت انكشفت سوأتها فضحكوا بها، فصاحت فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله، وكان يهودياً، فشد بعض اليهود الحاضرين على المسلم فقتلوه، فاستصرخ اهل المسلم المسلمين على اليهود، فحاصرهم رسول الله حتى نزلوا على حكمه، رغم ان العقد بينهم يقول " الا من ظلم واثم فانه لا يوتغ الا نفسه واهل بيته". فبدل ان يُحاسب الذين اثموا، حاصر النبي كل بني قينقاع.
فكُتفوا وهو يريد قتلهم، فكلمه فيهم عبد الله بن ابي بن سلول، فقال: يا محمد، احسن في موالي – وكانوا حلفاء الخزرج – فأبطأ عليه النبي. فادخل يده في جيب رسول الله، فقال الرسول: " أرسلني" ، وغضب رسول الله حتى رأوا في وجهه ظلالاً ثم قال: " ويحك ارسلني" فقال عبد الله: لا والله لا ارسلك حتى تحسن الى موالي. اربعمائة حاسر وثلاثماية دارع قد منعوني من الاسود والاحمر، تحصدهم في غداة واحدة! واني والله لا آمن واخشى الدوائر. فقال الرسول: " هم لك. خلوهم لعنهم الله ولعنه معهم". فأرسلوهم، ثم امر بإجلائهم، وغنم المسلمون ما كان لهم من مال . وكان للرسول خُمس اموالهم.
وواضح ان النبي اراد عذراً لغزوة بني قينقاع، فاتخذ ما حدث للمرأة الاعرابية كذريعة لغزوهم. ويذكر الواقدي ان بني قينقاع كانوا صاغة واصحاب سلاح، ولمكانتهم هذه في المدينة ولما ابدوه من مناصرة قريش، فكر الرسول في امرهم طويلاً وظل في ذلك حتى نزلت الاية " واما تخافن من قوم خيانة، فانبذ اليهم على سواء، ان الله لا يحب الخائنين" . ويتضح من الاية ان الله احل للنبي ان يغزو من شاء اذا خاف منهم خيانةً. وهذا ما حدث لبني قينقاع دون اعتداء منهم علي المسلمين، بل بالعكس، قتل احد المسلمين الصائغَ اليهودي اولاً، فقتل اليهود المسلم القاتل. وهذا يقع تحت طائلة الاخذ بالثار التي كانت متفشية عند العرب في ذلك الوقت. ولكن النبي قرر نقض العهد معهم وحصارهم وطردهم من المدينة، بل لقتلهم لولا تدخل عبد الله بن أبي بن سلول، رغم الصحيفة التي تقول أن المدينة حرمٌ لأهل المعاهدة ولا يجوز الاعتداء عليهم فيها.
وسورة البقرة الآية 85 تقول عن اليهود: " وتُخرجون فريقاً منكم من ديارهم وتُظاهرون عليهم بالاثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرمٌ عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعضٍ فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة". فإذا كان القرآن يُعيب على اليهود إخراجهم بعضهم من ديارهم ويقول لهم هو محرم عليكم، كيف إذاً أحل النبي لنفسه ان يُخرج بني قينقاع من ديارهم؟
د .كامل النجار إفترض فرضا ثم بنى عليه حكما .
هو إفترض أن الرسول صلى الله عليه وسلم إتخذ واقعة المرأة المسلمة كذريعة لطرد بنو قينقاع .
قصة المرأة المسلمة في السوق يرويها ابن هشام هكذا :- (قال ابن هشام وذكر عبدالله بن جعفر بن المسور بن مخرمة ، عن أبي عون ) فنجد الأسناد منقطع بين ابن هشام وعبد الله بن جعفر وينتهي بتابعي صغير هو
( أبي عون ) .
فالاسناد كله متهالك .
تفاصيل حصار بني قينقاع يذكرها الواقدي بدون إسناد ويذكرها ابن اسحق عن (عاصم بن عمر بن قتادة ) وعاصم كان تابعي صغير وبذلك فالرواية مرسلة والقصة محل شكوك .
قصة أعتراض عبد الله بن أبي بن سلول يذكرها ابن اسحق عن (عاصم بن عمر بن قتادة ) أيضا وكما قلنا فعاصم تابعي صغير .
تفاصيل بني قينقاع بالكامل محل شك ونجد المصادر الأخرى في السنة لا تذكر عنها شيئا .
أنا ليس لدي اعتراض على القصة فليس فيها شيء غريب وأراها منطقية ولكن هذا لا يكفي لتصديقها .
فلا أحد يستخلص أحكام من كتب السيرة التي تهتم بالسرد القصصي وليس لها اعتبار في الميزان الشرعي !
هذا ببساطة ما يفعله د . كامل النجار .
غزوة بني النضير
يقول د . كامل النجار :-
اقتباسكان بين عمرو بن امية وبني النضير عهدٌ وحلف، وعندما قتل عمرو بن امية رجلين من بني عامر، خرج رسول الله الى بني النضير يستعينهم في دية ذينك القتيلين، رغم المعاهدة سابقة الذكر التي كتبها بينه وبين يهود المدينة وقال فيها: " وإنه لم يأثم أمرؤ بحليفه". ورغم هذا قال له بنو النضير: نعم يا ابا القاسم نعينك على ما احببت. ويبدو ان النبي جلس الى جنب جدار، فهمّ احد بني النضير بالطلوع فوق البيت لكي يرمي حجراً علي النبي فيقتله. ولكن النبي ترك مكانه من عند الجدار ورجع الى المدينة وارسل محمد بن مسلمة يأمر يهود بني النضير بالخروج من المدينة. فرفضوا الخروج، وعندئذ امر الناس بالخروج اليهم، وحاصرهم خمسة عشر يوماً وهم يقاومون في حصونهم.
وعندها امر رسول الله – ص - بقطع نخيلهم والتحريق فيها . فنادوا عليه: يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد وتعيب من صنعه، فما بال قطع النخيل وتحريقها، اذا كان لك هذا فخذه وان ان لنا فلا تقطعه .
وتنبه جماعة من المسلمين الى ان النخيل سوف يصير لهم بعد هزيمة بني النضير، فمنعوا أبا ليلى المازني وعبد الله بن سلام من ان يقطعوه، وكان النبي قد أوكل اليهما قطعه . وذهب جماعة منهم الى النبي وقالوا له كيف نقطع النخيل وسوف يصير لنا؟ فانزل الله: " ما قطعتم من لينةٍ او تركتموها قائمة على اصولها فبأذن الله" .
ولما اشتد عليهم الحصار سألوا رسول الله ان يجليهم ويكف عن دمائهم على ان لهم ما حملت الابل من اموالهم. فحملوا ما استطاعوا من اموالهم وخرجوا الى خيبر ومنهم من سار الى الشام. وخلوا النخيل والمزارع لرسول الله، فكانت له خاصة لان المسلمين لم يحاربوا من اجلها.
كما يذكر ابن هشام أنه بعد غزوة بدر ذهب أبو سفيان ومعه جيش من مائتين إلى أربعمائة محارب إلى بنو النضير والتقوا بزعيمهم ( سلام بن مشكم ) فاستقبله سلام ودله على أخبار المدينة والمسلمين
( جاسوسا ومساعدا للعدو ) فانطلق أبو سفيان بجيشه مهاجما العريض فقتل أنصاري ومساعده في الحقل وأحرقوا منزلين ثم فر هاربا .
سميت ذلك (غزوة السويق ) وكانت أول حالة غدر غير مبررة من بنو النضير .
أعقب ذلك القصة المعروفة بدعوتهم الرسول إلى ديارهم ثم محاولة قتله غدرا لولا عناية الله .
أليس هذا كافيا لاعتبارهم أعداء للمسلمين يبادرونهم بالأذى والحرب .
على أي حال الرسول كان متسامحا معهم لأبعد الحدود عندما رضي ان يكتفي بمغادرتهم المدينة محملين بكل ما يستطيعوا حمله من ممتلكاتهم .
قال ابن إسحاق: ( فاحتملوا من أموالهم ما استقلت به الإبل، فكان الرجل منهم يهدم بيته عن نجاف بابه، فيضعه على ظهر بعيره فينطلق به، فخرجوا إلى خيبر، ومنهم من سار إلى الشام ) .
وقال العوفي، عن ابن عباس: أعطى كل ثلاثة بعيراً يتعقبونه وسقا. رواه البيهقي.
كان صلوات ربي عليه كريما مع أناس لا يستحقون الكرم .
غزوة بني قريظة
يقول د . كامل :-
اقتباسبعد غزوة الخندق اخبر الرسول اصحابه ان جبريل اتى اليه واخبره ان الله قد امره ان يغزو يهود بني قريظة، رغم الحلف الذي كان بينه وبينهم، فساروا اليهم وحاصروهم خمساً وعشرين ليلة. فبعثوا الى رسول الله ان ابعث الينا ابا لُبابة بن عبد المنذر نستشيره في امرنا. فارسله لهم، فلما رأوه جهش اليه النساء والصبيان يبكون، فرق لهم ، فقالوا: يا ابا لبابة أترى ان ننزل على حكم محمد؟ قال: نعم. واشار بيده الى حلقه انه الذبح.
فاجتمع نفر من الاوس، وكانوا حلفاء بني قريظة، وقالوا للنبي: يا رسول الله انهم كانوا موالينا دون الخزرج، وقد عفوت عن بني قينقاع موالي الخزرج، فاعف عن بني قريظة. فقال النبي: يا معشر الاوس الا ترضون ان يحكم فيهم رجل منكم؟ قالوا: بلى. فقال: ذلك الى سعد بن معاذ. فقالوا لسعد: يا ابا عمرو احسن في مواليك، فان رسول الله انما ولاك ذلك لتحسن فيهم. فقال لهم: قد آن لسعد الا تأخذه في الله لومة لائم. وحكم سعد بان يُقتل الرجال وتُقسم الاموال وتسبى الذراري والنساء. فقال له النبي: لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة ارقعة.
وخرج النبي الى سوق المدينة وامر ان تُحفر بها خنادق ثم انزلوا رجال بني قريظة وضربت اعناقهم في تلك الخنادق، حتى بلغ عددهم ستمائة او سبعمائة قتيل، وقال آخرون ان القتلى كانوا ثمانمائة الى تسعمائة. وقتل منهم امرأة واحدة، هي زوجة حسن القريظي، كانت قد رمت بحجر نحوالنبي في ايام الحصار.ورغم ان النبي قد وافق مقدماً ان يقبل حكم سعد، وعندما سمعه قال انه حكم الله، لكنه خالف حكم الله واعدم امرأةً رغم ان سعد قال تُسبى النساء. وقد رأينا سابقاً أن قتادة ومجاهد قالا: لا يجوز أن يُفادى الاسير المشرك الا بالمرأة لأن المرأة ألاسيرة لا تُقتل.
و بعث الرسول سعد بن زيد الانصاري بسبايا من سبايا بني قريظة الى نجد فابتاع له بهم خيلاً وسلاحاً، واختار لنفسه ريحانة بنت عمرو بن خُناقة وعرض عليها ان تسلم فيتزوجها، او تكون مما ملكت يمينه. فقالت: يا رسول الله بل اتركني في ملكك فهو اخف علي وعليك . وقد يسال سائلٌ: أيُعقل ان يحكم الله من فوق سبعة ارقعة بقتل كل هذا العدد من الاسرى وسبي نسائهم واطفالهم، مع العلم بانهم لم يحاربوا الرسول، وان كانوا قد شجعوا قريشاً على حربه؟
الدعاية الصهيونية تستخدم هذه الواقعة بشكل مشوه للإساءة للمسلمين وهذا ما دعى الكثير من المسلمين لإنكارها .
أحد المواقع الإسرائيلية على الإنترنت ( لن أذكره طبعا ) تجده ليل نهار يصور للغرب أن الجهاد الفلسطيني ضد المحتل هي حرب إبادة ضد اليهود والدليل على ذلك هو ما فعله المسلمون الأوائل مع يهود بني قريظة .
في البداية لابد أن أعترف أن الصورة المنقولة عن غزوة بني قريظة في المصادر الإسلامية فيها بعض القسوة.
الجدات يحكين لأحفادهن قبل النوم حكاية الأميرة والوحش . كانت دوما الحكاية تنتهي بأن الأمير قتل الوحش وتزوج الأميرة . نهاية سعيدة ينام بعدها الصغير مرتاح البال .
ولكن فلنفرض أن الجدة نقلت الحكاية هكذا : - ( ثم أحاط الأمير بالوحش وبدأ يطعنه والوحش يئن ألما ودموعه منهمرة فضرب الأمير عنقه بقسوة فسالت دماء الوحش أنهارا ثم خمدت حركته ) .
هذا الشكل الروائي كان سيصيب الصغير بالفزع بالتأكيد وكان سيتعاطف مع الوحش مستنكرا ما فعله الأمير برغم أن الحقيقة واحدة وهي أن ( الأمير قتل الوحش ) .
طريقة العرض هي ما تحرك المشاعر .
لذلك للحكم على تفاصيل الحرب يجب أن نحكم بالعقل وليس المشاعر .
ليس متوقعا أن تقرأ حكايات رومانسية في الغزوات بطبيعة الحال .
أهم ما في الأمر :- هل بنو قريظة كانوا يستحقون الإعدام أم لا ؟
قبل أن أوضح سبب عقوبة بني قريظة لابد أن أوضح أمرا غائبا عن ذهن د . كامل :-
مجتمع المدينة في ذلك الوقت كانت مجتمع متعدد الأديان والأعراق .
البعض يظن أن المسلمين كانت لهم دولتهم واليهود لهم دولتهم وهذا خطأ .
مجتمع المدينة ( يثرب ) كان أشبه بدولة ذات حكم فيدرالي يعيش فيها أديان مختلفة وأعراق مختلفة ويحيطها حدود .
وبنو قريظة كانوا مجموعة من السكان يشتركون مع المسلمين في المواطنة وإن اختلفوا معهم في الدين .
ولأن أمن وسلام المدينة كان مسئولية جميع المواطنين اتفق الرسول صلى الله عليه وسلم مع اليهود على اتفاقية حماية ودفاع مشترك عن المدينة .
لذلك فخيانة العهد والتجسس لصالح العدو وإمداده بالمال والسلاح من طرف بعض السكان يستوجب عقوبتهم بدون أدنى شك .
هذا متبع في أي قانون دولي .
والعقوبة التي إختارها سعد بن معاذ وقد كان حليفهم من قبل وهم ارتضوا لتحكيمه هي الإعدام .
يقع بعض المسلمين في خطأ عندما يقولون أن سعد بن معاذ حكم في اليهود بحكم التوراة كما جاء في سفر التثنية حسب الشريعة الموسوية وهذا غير صحيح فسعد حكم بقتل ( المقاتلة ) وليس ( من أنبت منهم ) كما سأوضح ذلك لاحقا .
أيضا المسلمون لم يقتلوا النساء والأطفال كما يروج الموقع الإسرائيلي بل قتلوا المقاتلة لأنهم من اشتركوا في الخيانة .
تعالوا الآن لنرى هل عقوبة بنو قريظة تتناسب مع فعلهم أم لا :-
في شهر شوال من العام الخامس من الهجرة ذهبت جماعة من اليهود منهم سلام بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب وكنانة بن أبي الحقيق من بني النضير وهوزة بن قيس وأبي عمار من بني وائل إلى قريش في مكة وأغروهم بحرب رسول الله قائلين ( نحن معكم حتي نستأصل شأفته ) فقال لهم أهل مكة :- ( يا معشر يهود إنكم أهل الكتاب الاول وأنتم أهل للحكم بيننا وبين محمد فمن على حق ديننا أم دين محمد ؟ ) فرد عليهم اليهود :- ( دينكم خير من دينه وأنتم على الحق دونه ) .
وعندما سمع القريشيون ذلك تهللت أساريرهم وتحفزوا لقبول ما عرضوه عليهم من حرب رسول الله وأبرموا إتفاقا فيما بينهم و تواعدوا على الحرب .
ثم رحل هؤلاء اليهود وذهبوا إلى قبيلة غطفان وهي من بطون قيس عيلان وأغروهم بحرب رسول الله قائلين لهم :- ( سنكون معكم نحن وقريش ) .
وسار القريشيون يتقدمهم أبو سفيان ومعه قبيلة غطفان .
ثم ذهب حيي بن أخطب اليهودي إلى كعب بن أسد زعيم بني قريظة ودعاه إلى نقض حلفه مع النبي ومساعدة قريش وبني غطفان عندما يأتون ويهاجمون المدينة .
وافق بنو قريظة على نقض عهدهم مع رسول الله وأخذوا يجهزون قريش وغطفان بالمؤن والزخيرة إستعدادا لإستئصال شأفة المسلمون كما يقولون .
وصلت الأخبار لرسول الله بأمر الخيانة ولم يصدق في البداية فأرسل سعد بن معاذ زعيم الأوس وسعد بن عبادة زعيم الخزرج إلى بنو قريظة ليتأكدوا من الخبر . فرد عليهم بنو قريظة :- ( ومن هو محمد ؟ ليس بيننا عهد أو ميثاق معه ) .
موقف بنو قريظة هذا لا مبرر له على الإطلاق . فهم لم يروا من الرسول سوى حسن الجيرة ووفاء العهد طوال فترة جواره في المدينة .
كانت حرب الخندق من أشد الحروب التي هددت النبي محمد عليه الصلاة والسلام وأصحابه، فقد اجتمعت فيها (قريش) و(تهامة) و(كنانة) و(غطفان) و(نجد) في عشرة آلاف مقاتل ، كانوا قد أعدوا كامل العدة للقضاء على المسلمين بضربة قاضية . كانت النية هي إبادة المسلمين وكانوا قادرين على ذلك لولا لطف الله .
القرآن يصور هذا الموقف المهول هكذا :-
(إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا - هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً ) .
لابد أن نضع في الإعتبار هذا الجو الملبد بالهوس والرغبة في إبادة المسلمين والجميع متواطئ لإراقة دمائهم بدون ذنب .
عدو مصر على إراقة الدماء ومعاهدات تتحطم وخيانات تتم ومؤمرات تحاك .
لماذا كل هذا العداء ؟
لذلك فبعد أن نصر الله المسلمين في الأحزاب كان يجب أن يسيروا إلى الخونة لعقابهم بما يناسب فعلتهم .
ملاحظات :-
- ذكر بن هشام أن سعد بن معاذ حكم بقتل ( من أنبت منهم ) كل هذا برواية محمد بن إسحق، عن أبيه، وهو إسحق بن يسار، عن معبد بن كعب بن مالك الأنصاري... والرواية مرسلة، لأن معبد بن كعب تابعي .
وذكر الواقدي في المغازي أن سعد بن معاذ أمر بقتل من ( جرت عليه الموسي ) ولكن الواقدي يذكرها بدون إسناد .
والرواية الصحيحة بلفظ البخاري و مسلم (أن تقتل المقاتلة)
وكذلك أوردها الطبري بعدما ذكر رواية بن اسحق بدون أن يعلق عليها .
سبب تمسكي بلفظ ( المقاتلة ) هو أن الروايات تحكي العفو عن البعض ممن لم يشارك في الخيانة رغم أنهم ممن أنبتوا ( بلغوا الحلم ) مثل عمرو بن سعدى الذي قال فيه رسول الله :- ذلك رجل نجاه الله بوفاءه .
- وأيضا هناك من أبدى توبته من بني قريظة وأعلن اسلامه فنجى بذلك :- مثل ثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وأسد بن عبيد كما جاء في الكامل لابن الأثير .
- لا يوجد مصدر موثوق يقول أن مقاتلة بني قريظة قتلوا عن آخرهم فهذا أمر مشكوك فيه .
- إذ كان رسول الله مع أصحابه حتى جاء ثعلبة بن سعية يبشر الرسول باسلام ريحانة رضي الله عنها وقد سر النبي لذلك ( فقط أنا أكمل الروايات التي يقصها د .النجار بشكل مستفز ) .
- المرأة التي قتلت منهم كانت قد قتلت خلاد بن سويد فانطبق عليها حكم المقاتلين وليس كما يقول د . كامل النجار ( فهو غير أمين في النقل ) !
كلمة حق لابد أن أقولها في النهاية :- هناك جو من الغموض يحيط واقعة بنو قريظة تستشعره من الروايات .
أشياء غريبة تشعر معها أن بنو قريظة كانوا راضين بل مصرين على الموت بشجاعة لم أعرفها في اليهود من قبل .
فقد كان بإمكان الكثير منهم أن يطلب الأمان من أحد معارفه من المسلمين لينجو ولكنك تشعر أن الجميع كانوا راضين بالموت ومصرين عليه .
تنقل الروايات أن رجلا منهم يدعى الزبير بن باطا طلب الأمان من ثابت بن قيس فوافق الرسول على طلب ثابت ولكن الرجل أصر على الموت ليلحق بأهله .
تنقل الروايات أيضا قول حيي بن أخطب : ( يا أيها الناس ,لا بأس بأمر الله , قدر وكتاب , ملحمة كتبت على بني اسرائيل ) .
هناك أحداث غائبة بالتأكيد .
غزوة خيبر
يقول د . كامل النجار :-
اقتباسفي السنة السابعة للهجرة قرر النبي غزو يهود خيبروكان فيهم يهود بني قينقاع ويهود بني النضير الذين سبق ان أُخُرجوا من المدينة. فسار النبي بجيشه حتى نزل بوادي يقال له الرجيع، فنزل بين اهل خيبر وبين غطفان ليحول بينهم وبين ان يمدوا اهل خيبر وكانوا لهم مظاهرين. بدأ الرسول بالاموال يأخذها مالاً مالاً ويفتحها حصناً حصناً، فكان اول حصونهم افتتح حصن ناعم ثم القموص، حصن ابن ابي العقيق، واصاب النبي منهم سبايا منهن صفية بنت حُيي بن أخطب، فاصطفى النبي صفية لنفسه. ثم جعل النبي يتدنى الحصون والاموال.
فلما فتح النبي من حصونهم ما فتح وحاز من اموالهم ما حاز، انتهوا الى حصنهم الوطيح – وكان آخر حصون خيبر- حاصرهم النبي بضع عشرة ليلة. قال ابن اسحق: واتى النبي بكنانة بن الربيع بن ابي الحقيق – وكان عنده كنز بني النضير- فسأله فجحد ان يكون له علم بالكنز، فاتى النبي برجل من يهود، فقال الرجل للنبي: اني قد رايت كنانة يطيف بهذه الخربة كل غداة. فقال النبي لكنانة: أرايت ان وجدناه عندك، أأقتلك؟ قال: نعم. فأمر النبي بالخربة فحُفرت فاخرج منها بعض كنزهم ثم سأله ما بقي فأبى ان يؤديه، فأمر به رسول الله الزبير بن العوام فقال: عذبه حتى تستأصل ما عنده، فكان الزبير يقدح بزنده في صدره حتى اشرف على الهلاك، ثم دفعه رسول الله الى محمد بن مسلمة فضرب عنقه .
هذه الرواية أوردها ابن اسحق بدون اسناد .
وذكرها ابن سعد في الطبقات ( رواية ابن سعد ليس فيها بهارات مثل تعذيب الزبير لكنانة إلى آخر الدراما ) .
ولكن حتى رواية ابن سعد لا تصح فقد أوردها بإسناد فيه ( محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلي ) وهو سيء الحفظ كما يقول الحافظ بن حجر في كتابه تقريب التهذيب .
كذلك نقرأ عنه في سير أعلام النبلاء :-
(قال أحمد كان يحيى بن سعيد يضعف ابن أبي ليلى قال أحمد كان سيىء الحفظ مضطرب الحديث وكان فقهه أحب إلينا من حديثه وروى أحمد بن زهير عن يحيى بن معين قال ليس بذاك أبو داود سمعت شعبة يقول ما رأيت أحدا أسوأ حفظا من ابن أبي ليلى روح بن عبادة عن شعبة قال أفادني ابن أبي ليلى أحاديث فإذا هي مقلوبة وروى أبو إسحاق الجوزجاني عن أحمد بن يونس قال كان زائدة لا يروى عن ابن أبي ليلى كان قد ترك حديثه ) .
كما ترون الرواية لا تصح بأي حال .
أما كنانة بن الربيع فقد مات مقتولا أثناء المعركة حسب الروايات الصحيحة في البخاري ومسلم .
هذا يصيب د . كامل النجار بخيبة الأمل كثيرا فقد كانت رواية ابن اسحق المجهولة الاسناد تناسبه جدا .
يقول د . كامل النجار :-
اقتباسوحاصر النبي اهل خيبر في حصنهم حتى اذا ايقنوا بالهلكة سألوه ان يأخذ مالهم ويحقن لهم دماءهم.ففعل. وكان النبي قد حاز الاموال كلها الا ما كان من حصن الوطيح. ولما نزل اهل خيبر من حصنهم سألوا النبي ان يعاملهم بالاموال على النصف، وقالوا: نحن اعلم بها منكم واعمر لها، فصالحهم النبي على النصف، على انا اذا شئنا ان نخرجكم اخرجناكم. فلما سمع اهل فدك بما حدث لاهل خيبر، بعثوا الى النبي يسألونه ان يسيّرهم ويحقن دماءهم ويخّلوا له الاموال، ففعل.
والانطباع الذي يخرج به القارئ من كل هذه الغزوات ان الدافع لها كان مادياً اكثر منه الحرص على اقناع اليهود والوثنيين بالدخول في الاسلام. فلم يهتم النبي بمحاولة اقناع اي قبيلة من اليهود بالاسلام، خاصةً وانه ذكر في معاهدته معهم " لليهود دينهم وللمسلمين دينهم"، ولذا لم يحاول اقناعهم وقد اترف ان لهم دينهم، فأصبح الدافع الوحيد لغزوهم هو اخذ اموالهم وقتلهم او طردهم من المكان.
د . كامل غير أمين .
تعالوا نقرأ صحيح مسلم وما ذكره في فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه لنعرف هل الرسول صلى الله عليه وسلم كان مهتما بالغنائم ولم يدعوا اليهود للإسلام كما يقول د . كامل أم أنه غير أمين كالعادة :-
( حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، - يَعْنِي ابْنَ أَبِي حَازِمٍ - عَنْ أَبِي، حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ، وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، - وَاللَّفْظُ هَذَا - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، - يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - عَنْ أَبِي حَازِمٍ، أَخْبَرَنِي سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ:-
( لأُعْطِيَنَّ هَذِهِ الرَّايَةَ رَجُلاً يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ) .
قَالَ فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا - قَالَ - فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُلُّهُمْ يَرْجُونَ أَنْ يُعْطَاهَا فَقَالَ :-
أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ؟ .
فَقَالُوا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ - قَالَ - فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ فَأُتِيَ بِهِ فَبَصَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي عَيْنَيْهِ وَدَعَا لَهُ فَبَرَأَ حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ فَقَالَ عَلِيٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا .
فقال صلى الله عليه وسلم :-
( انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فِيهِ فَوَاللَّهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَم ) .
ها هي وصية رسولنا الكريم لعلى بن أبي طالب رضي الله عنه يوم خيبر ( لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم ) .
د . كامل النجار لا يفعل شيئا سوى تسميم البئر ليتسمم الجميع .
المفضلات