(11) الخاتمة
تعرضنا في هذا الموضوع لصورة مختصرة مما كان يعتمل في المناخ الثقافي والفكري والديني من إضطراب وغليان قبل ظهور المسيحية بقرون ثلاثة وحتى القرن الثالث أو الرابع الميلادي، إعتماداً على إكتشافين أثريين في غاية الأهمية، هما مخطوطات قمران التي وضحت لنا صورة قريبة من فكر يهودي "منشق" على الفكر الرسمي للمؤسسات اليهودية الرسمية في هذا العهد (الصدوقيين) وللمؤسسات اليهودية التي إستمرت بعد ذلك (الأحبار الفريسيين).
والإكتشاف الآخر هو مكتبة نجع حمادي القبطية، الذي منح الباحثين صورة قريبة وغير مسبوقة عن العقائد والأفكار الغنوصية التي ظهرت للوجود قبل التأريخ الميلادي بأكثر من قرن من الزمان، وإستمرت في الوجود بل والإزدهار حتى قضت عليها الكنيسة الرومانية في القرنين الرابع و الخامس الميلاديين (وهي الفترة التي قام فيها الرهبان البخوميين بحفظ وإخفاء كتبهم في مكتبة نجع حمادي).
ورأينا كيف أن لكثير من العقائد والممارسات المسيحية بل والأسماء أيضاً بما في ذلك إسم يسوع ذاته، أصول منقولة عن اليهودية و الوثنية الهيللينية وأن هذا المزج بين تلك الثقافات المختلفة قد حدث في مصر وفي مدينة الإسكندرية على وجه التحديد، وبسبب جامعتها ومكتبتها الشهيرة.
وعرفنا أن فترة ظهور المسيحية كانت فترة إضطراب وغليان سياسي وديني، وكانت الآمال المشحانية وتوقع ظهور "المخلص" يسيطران على العقول والأفئدة، ليس لدى اليهود فحسب، بل لدى جميع الطوائف والعقائد والأديان تقريباً .. باختصار كان الجميع يبحث عن الخلاص، كل بطريقته.
وعندما ينتظر الناس شيء ما، قد يسعى البعض لتحقيق هذا الشيء المنتظر، تماماً كما يسعى البعض لتمهيد الطريق لمجيء المسيح الثاني، أو لتمهيد الطريق لقدوم المهدي المنتظر .. إلخ.
ويبدو أن هذا هو ما حدث، فبولس الرسول، هو صاحب الفضل الأول باتفاق معظم الباحثين في نشر المسيحية ونشر تعاليمها، بولس ذلك الرجل اليهودي الذي كان ينتمي للفريسيين ويضطهد المسيحيين تحول بين يوم وليلة إلى صاحب الفضل في نشر المسيحية.
وقد قضى بولس بعد تجربة التحول الفريدة التي مر بها في طريقه إلى دمشق، ثلاثة سنوات في العربية (التي أظن أنها كانت في سيناء، فبولس كان يعتبر أن جبل موسى في العربية أيضاً) والثلاثة سنوات هذه هي الفترة التي تتطلبها جماعة اليسوعيين لقبول الأعضاء الجدد بينها، وليحصلوا بذلك على العضوية الكاملة وعلى أسرار الجماعة، كما أن كثيراً من الجماعات الغنوصية كانت تطبق نفس هذه الفترة على الأعضاء الجدد .. فهل قضى بولس سنواته الثلاثة في العربية مع أحد الجماعات اليسوعية أو الغنوصية؟
وبعد أن عاد بولس إلى طرسوس قضى ثماني سنوات لا يعرف عنها التاريخ شيئاً قبل أن يتوجه إليه برنابا طالباً مساعدته في الخدمة والتبشير في أنطاكية
فما الذي تعلمه بولس في هذه السنوات الثلاثة في العربية، وهل تأثر "بولس الجديد" بالأفكار الهيللينية في طرسوس بعدما "ولد من جديد".
ففكرة أن الله قد مات من أجل أتباعه وقيامته من قبره بعد ذلك كانت منتشرة في طرسوس كما في سائر المدن اليونانية نتيجة للفلسفة الرواقية كما يقول ول ديورانت في قصته للحضارة.
أظن أن بولس (شاؤول) اليهودي المتعصب، كان قد تغير فعلاً أثناء رحلته إلى دمشق (كانت دمشق على وجه الخصوص تمتلئ باليسوعيين وكانوا يعتبرونها مركزهم أو مركز العهد الجديد كما كانوا يطلقون على جماعتهم .. رغم أن البعض يرى أن "دمشق" قد تكون مجرد رمزاً) وأنه قد سعى لتجسيد كل هذه الأفكار التي كانت تعج بها المنطقة، وأنه لم يتخلى قط عن يهوديته، بل عمل على مزجها بالعقائد الأخرى المنتشرة في الإمبراطورية الرومانية .. وأظن أنه قد نجح.
تعقيب : لمزيد من القراءة انصح بقراءه كتابي مخطوطات البحر الميت و الترجمة السبيعينة ، و ايضا الأخ علي له شرح كامل لتأثير بولس في المسيحيه في قسم حقائق حول التوحيد و التثليث
http://www.ebnmaryam.com/vb/forumdisplay.php?f=37
ارجو من الله ان يوفقنا و اياكم لما هو خير و يرضاه
واسف مرة اخري للإطالة
المفضلات