(5) .. مخطوطات البحر الميت – التلاميذ .. المعلم الصديق .. الكاهن الشرير:
من أهم المخطوطات التي توضح نظام حياة الطائفة وتعاليمها هي مخطوطة التلاميذ ودعونا نقرأ فقرة منها لنتعرف عليهم أكثر:
" على السيد أن يعلم التلاميذ أن يعيشوا تبعاً لنظام الجماعة، وأن يسعوا إلى الرب بكل قلوبهم وأرواحهم، وأن يعملوا ما هو صالح ومستقيم أمامه، كما أمر على يد موسى وكل عبيده من الأنبياء، وأن يحبوا كل ما اختار وأن ينبذوا كل ما كره، وأن يبتعدزا عن الشر ويلتصقوا بكل الأعمال الطيبة، ولسوف يقبل سيد الجماعة في جماعة عهد الحب الراسخ، كل من وهب نفسه بحرية لمراعاة فرائض الله ، وحتى ينضموا في جماعة الله ويعيشوا في كمال أمامه .. علمهم في حقيقة كمال الله وأن يسخروا قوتهم على حسب طريقته للتكامل ويسخروا كل أموالهم حسب مشورته الصادقة .. وعلى كل من يعتنق نظام الجماعة أن يدخلوا العهد الجديد أمام الله لطاعة كل وصاياه حتى لا يتركوه خلال فترة سيطرة الشيطان، خوفاً او رعباً أو حزناً، وعندما يدخلوا العهد يقوم الكهنة واللاويين بتسبيح إله الخلاص وكل إيمانه ويقول بعدهم كل الداخلين إلى العهد .. آمين .. آمين .. كل أبناء الصلاح يحكمهم أمير النور وهم يمشون في طريق النور ، لكن أبناء النفاق يحكمهم ملاك الظلام وهم يمشون في طريق الظلام، ويقوم ملاك الظلام بتضليل كل أبناء الصلاح ، وحتى نهايته فإن كل خطاياهم وآثامهم وشرورهم وأعمالهم الغير مشروعة تكون بسبب سيطرته"
وتحتوي المخطوطة كذلك على نظام العقوبات الخاص بالجماعة ، والتي كان الإستبعاد أو الحرمان من الوجبة المقدسة ، أحد العقوبات المطروحة لمن يخرق قانون الجماعة أو يهين زميله أو يكذب أو ما شابه.
وهناك فقرة هامة تظهر روح البحث عن الحقيقة لدى أولئك اليسوعيين تقول:
" يجب ألا يخفي الأعضاء – خوفاً من روح الردة – أي من الأشياء الخافية على بني إسرائيل، والتي اكتشفها هو .. وعليهم أن ينفصلوا عن مساكن غير الورعين من الرجال ، وسوف يرحلون إلى البرية لإعداد الطريق له، فكما هو مكتوب (في سفر إشعياء) : في البرية أعدوا طريق الرب ، قوموا في القفر سبيلاً لإلهنا ، وهذا الطريق هو دراسة الشرع الذي أوصاه على يد موسى وأن يعملوا بحسب كل ما أوحى به من عصر إلى عصر، وكما بين الأنبياء عن طريق روحه القدس"
العهد الجديد .. الروح القدس .. المحبة .. الخلاص .. القيامة .. خلود الروح .. الملائكة .. العشاء المسيحي .. التعميد بالماء .. والكثير الكثير من المصطلحات التي تعلمناها من المسيحية، ولكننا نجدها تتردد بوضوح شديد في تعاليم اليسوعيين اليهود، مخالفين بذلك تعاليم كهنة المعبد الصدوقيين.
فكيف تلقى اليسوعيين في منطقة قمران القريبة من بيت لحم أنباء ميلاد المسيح المعجز ودعوته التي تتشابه مع دعوتهم إلى حد ملفت للنظر؟
لا توجد إجابة على هذا السؤال، فقد خلت كل المخطوطات التي تمت ترجمتها حتى عام 76 (وأيضاً ما أظهرته السلطات الإسرائيلية بعد ذلك) من أي ذكر ليسوع المسيح ومن أي ذكر لحادثة قتل الأطفال في بيت لحم ومن أي ذكر لحادث الصلب في عصر بيلاطس الحاكم الروماني الذي حكم فلسطين في الفترة بين عامي 26 و 36 ميلادياً.
فكأنهم لم يسمعوا بها ... أو أنها لم تحدث قط ...
غير أن المخطوطات تتحدث عن معلم لهذه الطائفة تسميه " المعلم الصديق" لا تذكر له إسماً أو تحدد فترة حياته التي يعتقد الباحثون أنها قد تكون قبل نشأة الطائفة اليسوعية ذاتها.
كانت نهاية هذا المعلم الصديق دموية ، والذي تسبب في موته هو الكاهن الشرير، وبحسب ما جاء في مخطوطة تفسير سفر حبقوق وكذلك مخطوطة حرب أبناء النور وأبناء الظلام، فإن الرب قد كشف له كل أسرار كلمات عبيده من الأنبياء ، وهناك تشابه كبير بين المعلم الصديق وبين يسوع المسيح الذي نعرفه من كتابات العهد الجديد المسيحية ومن القرآن الكريم، يقول الباحث الفرنسي أندريه دوبونت سومر : "كان تلاميذ المعلم الصديق بعتقدون أنه مثل يسوع المسيح ، فهو مختار الله ومخلص العالم ، وكلاهما عارض الكهنة ، وكلاهما حكم عليه بالموت، وكلاهما أعلن حكم الإدانة على القدس، وكلاهما كون جماعة ينتظر أعضاؤها عودته في نهاية الأيام لحكم العالم".
بالطبع .. فقد اختلف الباحثون إختلافات شاسعة حول تفسير هذه الاكتشافات ، فهناك من رأى أن المعلم الصديق هو يسوع المسيح وأن الخطأ يكمن في التأريخ .. وإن كان لم يقدم تفسيراً لكتابات العهد الجديد المسيحية ووجودها، ومنهم من رأى أن يسوع المسيح هو شخصية خيالية لا وجود لها وأن من رسمها قد استمد صفاتها من شخصية المعلم الصديق بالإضافة لوضع بعض الصفات التي تحدثت عنها كتابات العهد القديم والأديان المنتشرة في الإمبراطورية الرومانية – كالميلاد من عذراء -
ومنهم من رأى أن يسوع المسيح هو أحد أفراد الطائفة اليسوعية ، وأنه سعى لنشر تعاليم طائفته في لإمبراطورية الرومانية بعد أن نكلوا باليهود في فلسطين .. إلا أن هذا التفسير يعجز عن توضيح كيف لشخص واحد أن يروج لكل هذا الحجم من الأفكار في وسط إمبراطورية ضخمة كالدولة الرومانية ، ومنهم من رأى بأن يسوع المسيح كان له وجود سابق على وجوده المعروف خاصة في وجود تفسيرات ترجع لآباء الكنيسة في القرون الأربعة الميلادية الأولى تقول بالوجود السابق ليسوع المسيح وبالطبيعة المزدوجة ليسوع وللمسيح ( وهي غير قضية الطبيعة المزدوجة الشهيرة والتي تمثل أحد نقاط الخلاف بين الكنائس المسيحية).
وقد أدى إخفاء جزء من المخطوطات إلى كثرة اللغط والاتهامات المتبادلة بين الجميع، فمن يرى أن المعلم الصديق هو يوحنا المعمدان ومن يسعى لاثبات أن أجزاء من انجيل مرقص وأعمال الرسل وبعض رسائل بولس قد عثر عليها في قمران وأنها تم إخفائها .. ولم يسلم أحد من اليهود أو الكاثوليك المرتبطين بالفاتيكان ممن اشتركوا في لجان الترجمة والبحث من الاتهام بإخفاء الحقيقة.
كما جرت محاولات يهودية لتصوير جماعة قمران بأنها جماعة يهودية أصولية كانت تقاوم الرومان وأنها كانت متحالفة مع يهود المعبد، وتسعى هذه النظرية إلى تصوير بولس على أنه مهرطق يهودي وأنه هو الكاهن الشرير .. ليس أكثر.
ولكن .. كيف تطور الفكر اليهودي من رفض كل الميتافيزيقيات باستثناء الإله يهوه .. إلى الإيمان بالبعث والخلود والقيامة والروح والملائكة ... إلخ؟
المفضلات