(2)
(2) .. مخطوطات البحر الميت – الجزء الثاني :
عثر في كهوف قمران على ثلاثة أنواع من الكتابات هي: كتابات توارتية تدخل في قانون العهد القديم وكتابات لأسفار لا تدخل في قانون العهد القديم وكتابات خاصة بالجماعة التي عاشت في تلك المنطقة.
فمن هم أولئك الذين عاشوا في تلك المنطقة واختبئوا في الكهوف ودفنوا كتبهم الدينية في الجرار الفخارية؟
أصبح من المتفق عليه بين الباحثين أن مخطوطات البحر الميت ما هي إلا مكتبة الجماعة القديمة التي تعرف بالإنجليزية باسم " إيسينز" ، ويرى عباس محمود العقاد في كتابه عبقرية المسيح ، بعد إطلاعه على ما نشر في الخمسينات من مخطوطات البحر الميت ، إن نساك قمران هم طائفة يهودية متشددة في رعايتها للأحكام الدينية وانتظارها للخلاص القريب بظهور المسيح، وأنها من أقرب الطوائف الإسرائيلية للتطهر من أدران المطامع والشهوات وأنها كانت لها نظمها الخاصة فيقسم العضو الجديد مرة واحدة فقط يمين الأمانة والمحافظة على سر الجماعة ويحرم عليه القسم بعد ذلك مدى الحياة .. وهم مؤمنون بالقيامة والبعث ورسالة المسيح المخلص ويرجح أن إسمهم مأخوذ من كلمة آسي بمعنى طبيب، أي أن العقاد أطلق عليهم لقب الأطباء.
يختلف مع عباس العقاد في أصل كلمة "إيسينز" الكثيرون، منهم الأستاذ أحمد عثمان – أحد أساتذة التاريخ المصريين والذي أستعين بكتابه القيم : مخطوطات البحر الميت في هذا العرض - فيرى أن إسم تلك الجماعة قد ورد ذكره في مراجع تاريخية مختلفة (غير مخطوطات قمران ذاتها) فقد ورد في كتابات فيلو جوداياس ويوسيفوس وبليني الكبير باليونانية هكذا " إيسينوي" أو "إيسايو" وكان إسم الشخص المنتمي للجماعة هو "إيساوي" وقد اتفق الباحثون على أن مصدر تلك الكلمات ليس يونانياً ولكنها لغة سامية ، ويرى الباحثون أن هذه الجماعة كان لها علاقة قوية بتلاميذ النبي إشعياء الذين انفصلوا عن يهود المعبد وراحوا يعدون الطريق في البرية لمجيء المخلص عند آخر الأيام، وإسم إشعياء بالعبرية هو " يشع يا" مثل "يشوع" و "يسوع" ومعنى كل هذه الأسماء واحد وهو "خلاص الرب" وإسم يسوع باليونانية هو "إيسو" الذي هو"عيسى" بالعربية، ويعتقد الباحثون أن هناك ثلاثة من تلاميذ النبي إشعياء على الأقل كان إسمهم إشعياء أيضاً، لأن سفر إشعياء كتب على مدى قرنين من الزمان، المهم أنه من المؤكد أن جماعة قمران كان لها علاقة قوية بالنبي إشعياء وتلامذته فقد عثر في مكتبتها على عدد كبير من كتاباته وكانوا يفسرونها تفسيرهم الخاص والذي احتفظوا به سراً وخاصة الأجزاء المتعلقة بأناشيد "عبد الرب" ومولد عمانوئيل وهي نفس النصوص التي اعتمد عليها كتبة الأناجيل في الإشارة إلى ميلاد يسوع المسيح.
لذلك فإن جماعة قمران يمكن وصفها بأنها جماعة اليسوعيين أو العيسويين .. أي اليهود العيسويين.
جميع المخطوطات التي وجدت كانت مكتوبة على رقائق من الجلد وبعضها كتب على أوراق البردي ، وواحدة فقط كتبت على رقائق نحاسية، معظمها كتب باللغة العبرية وقليل منها كتب بالآرامية ويوجد بعض الكتابات اليونانية البسيطة وبعض اللغات الأخرى.
بلغت الكتب التوراتية حوالي مائتي كتاب، فقد عثر على معظم كتب العهد القديم باستثناء كتاب أستير ، وإن كان بعضها لم يتبقى منه سوى قصاصات صغيرة، وأكثر نسخة وجدت كانت للمزامير (27 نسخة) وسفر التثنية (25 نسخة) وسفر إشعياء (18 نسخة).
أما الكتابات التي لا تدخل في القانون المازوري للعهد القديم ولكنها كانت موجودة في الترجمة السبيعينية القديمة فهي التي تعرف باسم " أبو كريفا" مثل سفر توبيت وسفر حكمة بن سيرا والجزء المكتوب باليونانية من رسالة إرميا. كما توجد كتابات كتبت في الفترة ما بين القرنين الأول والثاني قبل الميلاد ورفض الأحبار إعتبارها كتب مقدسة وتعرف باسم "بسوديبجرافا" ، إلا أن الترجمة اليونانية لهذه الكتب حفظها المسيحيون مثل عهود الأسباط الاثنى عشر وسفر إينوخ ، فيبدو أن جماعة اليسوعيين اليهود كانت تدخلها ضمن مكتبتها.
كذلك عثر على عدد من الكتابات التفسيرية تعتمد على التفسير الرمزي لكتابات العهد القديم وليس على أساس حرفية النص كما كان الكهنة يفعلون،.
أما النوع الثالث من المخطوطات فهي التي تحتوي على كتابات خاصة بجماعة اليسوعيين مثل "كتاب التلاميذ" و "مخطوطة دمشق" و" مزامير الشكر" ومخطوطة الحرب".
المفضلات